(En arabe) Témoignage : Feu Ahmed Dgherni, un fragment de la mémoire de l’odyssée de l’Institut Islamique de Taroudant
أحمد الدغرني قطعة من ذاكرة أوديسا المعهد الإسلامي بتارودانت.*
بقلم محمد المدلاوي
رحم الله دّا حماد الدغرني، "يسّوسعو فلّاس غ-تكًمّي ن-وابادان، يسدوم اكتّاي نس ار وار-تّمي.
.
الأستاذ أحمد الدغرني، الذي أصبح يعرف تقديرا واستملاحا بـ"أمغار" كان دائما متفرّاد متميّزا بين أقرانه منذ فترة الطلب. أذكر من بين ما أذكر أنه تميّـز بيننا في النصف الثاني من ستّينات القرن-20 بالمعهد الإسلامي بتارودانت (معهد محمد الخامس حاليا) بعمله في قطاع الأنشطة الموازية في فضاء داخلية المؤسسة (حوالي 960 طالبا). أذكر من ذلك تأليفه وإخراجه لمسرحية تعكس هموم المراهقين سماها "جحيـــم العشّــــاق". وقد أسند فيها لنفسه دور البطل. ونظرا للجوّ جدّ المحافظ في المؤسسة، التي كانت ما تزال يسيرها تربويا وبيداغوجيا ما تبقّى من "جمعية علماء سوس" (انظر كتاب "المعهد الإسلامي بتارودانت" للمرحوم عمر الساحلي)، فقد أسند دور بطلة المسرحية لأحد الزملاء الخارجيين الرودايين، الطالب الحمداني، واختار له من اللباس "تريكو" طويل الكمّين وفولارة على الرأس وتنورة/جيــبّة الوقت على مستوى الركبتين، يبدو من تحتها ساقا الطالب الحمداني الكثيفي الشعر إذا كان في أوج طور المراهقة. وقد كانت المشاهد جدّ مُحرجِـــة بالنسبة للجمهور، طلبة وأساتذة/شيوخا. وقد انتهت المسرحية بنهاية مأساوية (عكس الأفلام الهندية للوقت)، إذ خرّ االبطل المتيّم صريعا في المشهد الأخير وهو يئنّ "هُزّونـــــي، هُزّونــــــي" (أي: "احملوني، ساعدوني على الوقوف")، وكان ذلك كل ما احتفظ به زملاؤه "النقّـــــــاد" في الغداة فأخذوا تنكتون به فيما بينهم.
ذكّرته بذلك قبل بضع سنوات في لقاء تواعدنا عليه فقادني إلى أحد المقاهي خلف فندق باليما بالرباط، فأخذ يضحك. وبمناسبة ذلك التذكير حدّثني عن مشروع آخر له قيد الإعداد حسب ما قال لي: مشروع سيناريو فيلم حول طارق بن زيّاد. لست أدري اليوم ما مصير ذلك المشروع. تذكرت ذلك مشروع ذلك السيناريو على إثر وفاة المرحوم أحمد الطيب العلج الذي كان قد اتصل بي هاتفيا لحوالي خمسة أشهر قبل وفاته. قال لي إنه بصدد كتابة مسرحية طالما راوده موضوعها، وأنه اليوم قد قرّر أن يحرّرها قبل أن يداهمه الأجل: قصة فقيه شعبيّ من فاس، ضاقت به الأحوال الماديّة، فرأي يوما يهوديا أسلم وكان يفترش قطعة قماش ويأخذ في ترديد الشهادتين ويلعن "طايفة اليهود"، فيغدق عليه المارة القطع النقدية. خطرت ببال الفقيه فكرة الانتقال إلى بلدة دبدو في الجهة الشرقية لينخرط في زمالة مع يهود البلدة حتّى يتعلّم شذرات من العبارات العبرية وبعض العادات والعبادات ... انتقل بعد ذلك إلى مراكش حيث تقمّـص شخصية يهودي قد أسلم، فأخذ الناس يغدقون عليه بمثل ما كان قد رأى في فاس ...). طلب منّى المرحوم أن أبعث إليه بنص بعض أدعية المناسبات اليومية (دعاء الأكل، دعاء الشراب ...) مكتوبة بالحرف العربي ليؤثث بها وصلات مشاهد مشروع مسرحيته، ففعلت للتوّ بأن بعثت ذلك إلى ابنه عن طريق البريد الإليكتروني؛ ولم يمض وقت قصير حتّى باغثه الأجل. لست أدري ماذا فعل الابن وكذلك الأدباء ورجال المسرح من زملاء أبيه بآخر مشروع للمرحوم، مشروع أتصور أنه كان في مرحلة متقدمة حسب ما كان قد حكى لي المرحوم. تذكرت كل ذلك بعد رحيل الصديق سّي أحمد الدغرني أمغار في تساؤلي عمّا قد يكون مصير مشاريع مطوية لشخصية اخترقت في باب الكتابة ميادين كثيرة، من الصحافة إلى التاريخ وإلى اللغويات والتحقيق والإبداع الأدبي.
أما الصورة المرفقة بهذا النص، فهي صورة كان قد بعث إليّ بها الموسيقولوجي "فيليب سكويلر" بعد أن كان قد طلب منّي نص شهادة في حق الأستاذ محمد بنبراهيم، أستاذ جيلنا في مادّتي الفيزياء والكيمياء بنفس معهد تارودانت؛ وكان ذلك في إطار إعداد "كتاب بـهـيّ /Beau livre " تكريما لذلك الأستاذ من طرف مجموعة من الأساتذة الأمريكيين (حيث كان قد أصبح بعد ذلك مدرّسا للعربية والأمازيغية في أمريكا)، فبعثت إليه من جانبي بما لديّ من صور، وممّا زوّدني به الصديق محمد السعيد بني زكرياء العارف بأرشيف معهد تارودانت، وبعثت إليه عنوان البريد الإلكتروني لأستاذ جيل المرحوم الدغرني في نفس المعهد، السيد David Bruey، الذي كنتُ أعرف أنه كان كثير التقاط الصور حينئد بالمعهد ومدينة بتارودانت عامة، ولعله هو من زوّد فيليب سكويلر بهذه الصورة التي يبدو فيها هو نفسه واقفا إلى يسار الناظر، بينما يبدو المرحوم الدغرني جالسا بأناقته المعودة في أقصى يمين الصورة بالنسبة للناظر كذلك.
هذه مجرد لقطة خاطفة من ذاكرتي عن زميل باعدَت بيني وبينه تشعّبات الحياة المهنية واختلاف نوعية الاهتمامات منذ نصف قرن. إنها لقطة تعطي، مع ذلك لمحة خاطفة عن المحيط الذي نشأت فيه شخصية بصمت ببصماتها عهدَ جيلها وأثيرَ حولها وحول مواقفها وكتاباتها كثير من الجدل. لمحة تبيّن أن كثيرا من أوجه التدافع السوسيو-ثقافي والسوسيو-سياسي المغربي الذي خاض المرحوم غماره على مرّ عدة عقود لا تكمن وراءه لا "مُاما فرانسا"، ولا "عمّي اليوطي"، ولا أصابعُ أي مارد من مردة العفاريت والجانّ، وإنما هو وليد تربة المغرب العميق؛ في هذه الحالة: تربة تربيّة شيوخ "جمعية علماء سوس" بالمعهد الإسلامي بتارودانت، تربية عمادها لغتان في جميع المواد حتّى قسم الباكالوريا، من التفسير والحديث إلى الرياضيات والفيزياء والكيمياء، ألا وهما: اللغة العربية كلغة تلقين وكتابة للملخصات والتمارين والاختبارات، واللغة الأمازيغية أو العربية الدارجة كلغة مناقشة ومراجعة بين التلاميد/الطلبة في مسجد المؤسّسة بعد صلاتي الفجر والمغرب والقراءة الجماعية للحزب الرتيب. في مناخ تلك المؤسسة المحافظ المتقشف، وبمضامينه التربوية، تخرّجت أفواج من المثقفين والعلماء والأدباء ورجال التعليم ورجال القانون والعمل السياسي من عيارات مختلفة، ومنهم الأستاذ الدغرني؛ ومن ضمن هذه الفئة الأخيرة فتيان صحراويون متوقّدون انتهت بهم عواصف التقلبات االداخلية المغربية (الموقف الرسمي، ولعبة اليسار الراديكالي) والخارجية الإقليمية والعالمية (الحرب الباردة) في السبعينات الماضية، بعد عشر سنوات من مغادرة المعهد، إلى الانتقال، بمقتضى منطق الوقت، من المطالبة بتصفية الاستعمار الاسباني من الساقية الحمراء ووادي الذهب إلى الارتماء في مغامرة إعلان "جمهورية عربية..." قــدّافيّــة/بومدينيّــة، وفي مقدمتهم المرحوم "الوالي مصطفى السيد" الركًيبي، وابن طانطان، "محمود الليلي" الذي كان جليسي في الفصل سنة 1966-1997 (وأحتفظ بصورة جماعية لذلك الفصل) والذي أصبح بعد عشر سنوات من ذلك أوّلَ "وزير أوّل"، ثم "وزير التعليم"، بالـ"جمهورية العربية الديموقراطية" المذكورة، باسمه الحركي المستجدّ: "محمد الأمين ولد أحمد".
رحم الله من قضى نحبه من جيل أولئك الفتية، ومنهم الوالي مصطفى السيد قبل أربعين سنة، وأحمد الدغرني الذي رحل عنّا أخيرا.
----
* نص قد طلبه منّي الأستاذ جامع بن يدير كمساهمة في كتاب يعدّه مع ثلة من الزملاء لتكريم روح الراحل أحمد الدغرني.
-------------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres