OrBinah

(EN ARABE) Schiisme comme confession et Schiisme comme cadre d’action (géo-) politique

على غرار كثير من المذاهب:

التشيّع، ما بين قناعة روحية، وإطار حركيّ

 

في إطار إسهاماته وأسئلته المتميزة، أشهر الأستاذ عز الدين بونيت اليوم (26 فبراي 2015) على جداره بالفايسبوك نصا بعنوان ساخر هو "شيعة المغرب و'الفتنة' القادمة (؟؟!!!!)"، أنقل هنا أهمّ ما ورد فيه قبل التعليق عليه:

 

أهم ما ورد في النص:

-  [يجهل كثير من المغاربة أن الجزء الأكبر من أسس ممارساتهم العقدية والسياسية قائم على التشيع (في حدود أن التشيع في معناه الأولي هو التمسك بحب آل البيت النبوي) .. هذا ما يفعله زوار ضريح مولاي إدريس في فاس أو في زرهون كل يوم، وهذا ما يفعله المتخاطبون في الإدارات المغربية حين يسلمون على بعضهم بوجود "مولانا الإمام"]

-  [وإذا عرجنا على التصوف الذي هو من مكونات الممارسة الدينية المغربية، سنرى أنه (في أشكاله الشعبية) قد تشرب كثيرا من الطقوس الشيعية وأدمجها في النسيج الطقسي للتصوف المغربي....]

-  [وإذا راجعنا التاريخ، سنرى أن واحدة من أقوى الدول التي حكمت المغرب (دولة الموحدين) اعتمدت في أسطورتها المؤسسة، وفي مواجهتها لبقايا الدولة المرابطية (طالبان ذلك الزمان)، على فكرة المهدي المنتظر ذات التمدد الشيعي، ومن تمة لقب المهدي بن تومرت مؤسس هذه الدولة... كما أن مسألة الشرف والانتساب إلى آل البيت، ظلت منذ العصر المريني أساس شرعية الحكم في المغرب، حتى إن السعديين الذين لم يجدوا بابا يدخلون منه إلى السلالة النبوية اخترعوا فكرة القرابة بالرضاع فانتسبوا إلى حليمة السعدية مرضعة الرسول.. لو كانت مكانة آل البيت والتشيع شيئا عابرا في تاريخنا، لما اضطرت الأسر الحاكمة إلى البحث عن شرعية حكمها في الانتساب إلى آل البيت منذ المرينيين]

-  [ما ميز المغرب في علاقته بالتشيع، خلاف المشرق، هو بالذات ما سميته في مقالة سابقة حول عاشوراء بعبقرية التعايش، الناتجة عن الموقع الجغرافي الذي كان يجعل من المغرب نهاية العالم القديم وأرض لجوء وهروب من صراعات الشرق والشمال.. نزح إلى المغرب على مر التاريخ أمواج بشرية من الشيعة والسنة والخوارج.. لكنهم فقدوا خلال الرحلة كثيرا من وهج الاصطفافات المذهبية واضطروا إلى الاستقرار والتعايش في أرض لا ملجأ بعدها].

 

واختتم النص بما يلي:

-  [ما ميز المغرب في علاقته بالتشيع، خلاف المشرق، هو بالذات ما سميته في مقالة سابقة حول عاشوراء بعبقرية التعايش، الناتجة عن الموقع الجغرافي الذي كان يجعل من المغرب نهاية العالم القديم وأرض لجوء وهروب من صراعات الشرق والشمال.. نزح إلى المغرب على مر التاريخ أمواج بشرية من الشيعة والسنة والخوارج.. لكنهم فقدوا خلال الرحلة كثيرا من وهج الاصطفافات المذهبية واضطروا إلى الاستقرار والتعايش في أرض لا ملجأ بعدها]

 

وهذه نماذج من التعاليق على النص الأستاذ عز الدين بونيت:


-  معلـّق: [سي #عز_الدين هل سبق لإيران أن رخصت لجمعية سنية بالعمل في إيران؟؟ لماذا لم تسمح إيران ببناء ولا مسجد واحد للسنة داخل أرضيها؟؟ أنظر كيف يتم شنق الأحوزيين في شوارع إيران! التعايش يكون من جانبين لا يعقل أن يذبح السنة في إيران ونحن هنا نكرم الشيعة ونرخص لجمعياتهم..وطالما أن رؤوس السنة تقطع في إيران فلابد أن تقطع رؤوس الشيعة هنا]

 

-  معلـّق آخر: [وطالما أن رؤوس السنة تقطع في إيران فلابد أن تقطع رؤوس الشيعة هنا ...]

-------------------

 

لديّ ملاحظات على كل ما سبق، نصا ونماذجَ من التعاليق، بعضها تكميل وبعضها تعقيب؛ وهي كالآتي:

أولا:

الملل والنحل والمذاهب والفرق في المسائل الدينية، لها وجهان مختلفان اختلافا جوهريا:

1- وجه تشكل فيه تلك المذاهب إطرا للتفكير وللإشباع الروحي بمعنيهما الواسعين في باب الوجود والمصير والفعل ومعاني الحياة وما بعد الممات، على غرار أدبيات إخوان الصفا من الشيعة مثلا؛

2- وجه تشكل فيه تلك المذاهب أطرا أيديولوجية تنظيمية لتدبير مختلف أنواع وأشكال التدافعات السوسيو-سياسة والجيو-سياسة، وهو وجه يتعذر حصر تجاربه في الماضي والحاضر المعيش.

 

ثانيا:

-  ما أشار إليه الأستاذ بونيت مما أسماه بالأساطير المؤسسة لشرعية السلطة في التاريخ المغربي أمر صحيح؛ لكنه ينتمي إلى حقبة لم يطور فيها الفكر بعدُ فلسفة عقلانية لمصادر الشرعية السياسية وأطرا دستورية صورية لهيكلة سلطة تلك الشرعية ولآلية تداول تلك السلطة، بالشكل الذي توصّل إليه اليوم الفكر الإنساني في ترقّيه، والذي يتوق المغرب إلى أن يسير على دربه منذ ما يربو عن نصف قرن. لقد أصبحت تلك الشرعية اليوم في المغرب شرعية تاريخية زكّتها وكرّستها إرادة الأمة من خلال آلية تصويت الشعب على مختلف صيغ الدستور، وآخرها صيغة 2011. فمغرب اليوم لم يعد فقط في غنى عن ذلك القبيل من مشروعية الدولة، بل إن ذلك القبيل من المشروعية - وعلى خلاف المشروعية الدستورية - يظل دائما موضوعا لتقديرات الضعيف والأضعف، والراجح والأرجح في الأحقية، ويبقى بالتالي موضوعا للمنازعة الخارجية من جهة (انظر عبد القادر الزاوي 2014: 62-68)؛(1) هو ومن جهة ثانية، لم يعد مقنعا مجديا، على كل حال، كقيمة من قيم العقل المعاصر لسياسة الحكم. والدليل على كل ذلك، ما يجري اليومَ في المحيط بكل فظاعاته. إن وظيفة "إمارة المؤمنين" كوظيفة مؤسسية وبالشكل الذي أسندها الدستور المغربي إلى رئيس الدولة، وهو الملك في الحالة المغربية، عبارة عن وجه من أوجه هيكلة الحقل الديني وحماية الدين من الاستعمال السياسي، لا غير (انظر "الأيام الأسبوعية" 18 فبراير 2015).

 

 

-  أما ما أشار إليه الأستاذ بونيت من اكتناف بعض العناصر الشيعية للفكر والطقوس المغربية،  فهو أمر صحيح كذلك؛ وهو يندرج بالفعل في إطار الوجه-1 المشار إليه أعلاه من أوجه اعتناق مذهب من المذاهب، ولم يندرج أبدا في إطار الوجه-2.

-  إن الذي يندرج في الوجه-2 هو أن يبدأ تيار مذهبي معين في مغرب ما بعد دستور 2011، في باب التعبير عن وجوده، ببيانات إعلامية توضّح رأيه السياسي الصراح في قضايا جوهرية كبرى ["على رأسها الدستور، والمؤسسات الدستورية، والمسألة الدينية والمذهبية، والنظام السياسي، وأيضا الحركات الإسلامية، والوحدة الترابية، كما أبرزوا في الوثيقة ذاتها، موقفهم من الاقتراض الخارجي، ومن النظام العالمي القائم، والتطبيع مع إسرائيل، والمقاومة في فلسطين ولبنان، والشراكات المغربية الإقليمية، واتحاد المغرب الكبير،. وأبرز شيعة "الخط الرسالي"، موقفهم من المجتمع المدني والعنف والمسألة الأمازيغية، والمساواة بين الجنسين وحقوق المرأة".] (ضحى زين الدين؛ يومية "الصباح". هــنــا ).

 

فبذلك يفصح ذلك التيار عن أنه ليس إطارا للإشباعات الروحية والفكرية والعقدية ولحرية ممارسة الشعائر. وبذلك يكون خارج شرعية الدستور المغربي الذي لا تسمح قوانينه بتأسيس تنظيم من التنظيمات على أسس دينية للتعبير عن مواقف سياسية.

-  أما ما أشارت إليه بعض التعاليق بخصوص موقف شيعة إيران من السنة ومساجدهم وغير ذلك، فعلى ذلك الصعيد بالضبط يتميّز المغرب تاريخيا بالأمس، ودستوريا وسياسيا اليومَ في باب التعامل مع القناعات الفكرية والدينية، ما دامت تندرج في الوجه-1 المشار إليه أعلاه ولا تتعداه، وذلك في إطار ما عبر عنه الأستاذ بونيت بقوله ["نزح إلى المغرب، على مر التاريخ، أمواج بشرية من الشيعة والسنة والخوارج.. لكنهم فقدوا خلال الرحلة كثيرا من وهج الاصطفافات المذهبية واضطروا إلى الاستقرار والتعايش في أرض لا ملجأ بعدها"]. فالفكر السياسي المغربي قد طبـّع تطبيعا مع التعددية منذ عقود، ولم تعد له حساسيات خاصة مع المشارب الايديولوجية والعقدية. فبعد أن تجاوز تدريجيا تجربة الحكم المطلق في العصر الحديث، جرّب حكم اليسار متفردا أو مع التيقنوقراط، وجرب حكم المحافظين وها هو يجرب حكم "الإسلاميين" الذين لم يحصل لهمن ولم يعملوا على حصوله، لا ما حصل لإسلاميي مصر بطابعه العنيف، ولا ما حصل لإسلاميي تونس بطابعه الأقل عنفا.

-  أما دعوة بعض المعلقين إلى أسلوب الرد بالمثل و"قطع الرؤوس"، وغير ذلك، فإن ذلك هو عين التمكين للتيارات التي تتخذ المذهب الديني مطية للسياسة والجيو-سياسة، تلك التيارات التي تتّخذ من ثقافة التقيّة تارة، ومن قيم الثأر وتمرينات "الزحف للقبور" (انظر هــنــا) قصد الاستشهاد تارة أخرى  (انظر كذلك تمثيليات  "وجلسَ على صدره" هــنــا) - حسب طبيعة الظروف التاريخية - نهجا سياسيا للعمل. فاستكثار "المستشهدين" و الموتورين "المستضعفين المضطهدين" قيمة مضافة ذات مردودية عالية في ذلك النهج.(2)

 

-  وأخيرا، فإذ أدرج التيار الشيعي المعني بكل هذا الكلام في المغرب، نفسه في الوجه-2 المشار إليه أعلاه، أي وجه اتخاذ المذهب الديني إطارا للتدافع السياسي العالي، وذلك في إطار الظرفيه الجيوسياسية العامة الراهنة، خصوصا بعد ما عرف بـ"حراك الربيع" الفلاني، فإن المغرب مدعوّ بجد وبقوة إلى للتعامل في العمق مع المسألة بجد وذكاء، مستحصرا التاريخ والحاضر في مجمله؛ خصوصا وأنه يعوم اليوم في محيط إقليمي وجيو-سياسي ما تزال فيه المذهبية البنيوية وحتى المذهبية الفاتحة والتوسعية تشكل أساس شرعية الدولة في الثقافة السائدة، بدل أن تشكل هذه الشرعيةَ فلسفةُ فكر سياسي عقلاني مصوغةٌ على شكل دساتير متبنّاة شعبيا عبر الآليات الإشراكية الحديثة.

 

 

وفيما يتعلق ببعض الملامح العميقة والتاريخية للظرفية الجيو-سياسية المذكورة، التي حصل فيها الخروج الإعلامي الأخير لـ"شيعة المغرب"، فأقترح هنا تذكيرا بنص من قسمين (قسم أدبي وقسم سياسي) كان قد حُرر على مرحلتين (2001-2009) ولم يكتب له تعميم إليكتروني إلا سنة 2009؛ وعنوانه:

"عاصمة المغرب في الشرق الأوسط (القسم-1)؛ بمناسبة قطع العلاقات مع إيران (القسم-2)":

https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-1-la-capitale-du-maroc-au-moyen-orient-a-propos-de-la-rupture-avec-l-iran

-----------

 

(1)  زاوي، عبد القادر (2014)  الربيع العربي؛ ثورات ملغومة. مطبعة دار النشر المغربية.

 

(2)  في شريط الرابط الثاني أعلاه: طقس من بين الطقوس يستديم من خلاله الخطباء بشكل مسرحي جذوة  الثأر لمقتل الحسين بن علي في كربلاء



26/02/2015
3 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 347 autres membres