(En arabe) Retour sur l'héraldique et le protocole marocains à l'occasion des audiences royales accordées aux duex délégations, américaine et israélienne
عودة رابعة إلى الشارات والبروتوكول المغربيين
بمناسبة استقبال الملك محمد السادس للوفدين الأمريكي والإسرائيلي
ومن الناس حول الأبصار والبصائر ممن إذا دللته على البدر الرفيع نظر إلى سبابتك. الأستاذ عبد الصمد محيي الدين / Abdessamad Mouhieddine، أضبط البصر والبصيرة؛ ولذلك لا تفوته الإشارة كما قال الطرب الغرناطي "أهلو الأندالوس يفهامو الإيشارة"؛ ولذلك توقف عند لقطة/لحظة من لحظات استقبال العاهل المغربي للوفدين الأمريكي والإسرائيل يوم 22 دجنبر 2020، وذلك من خلال قراءة له أقتطف منها ما يلي:
"La signifiance des signes et la puissance des symboles…"
Lors de l’audience royale accordée aux Américains et aux Israéliens au Palais royal de Rabat, les téléspectateurs ont vu, peut-être pour la première fois, derrière le fauteuil du Souverain, un tableau imposant représentant un arbre d’où émanent des prénoms de souverains marocains (voir photo).
A ce jour, je n’ai pas lu une seule ligne de nos éminents sémiologues, anthropologues ou professionnels de l’iconicité ciblant le contenu symbolique ou signalétique de ce tableau sûrement accroché opportunément et sciemment à la faveur de l’audience royale sus-indiquée. (…)
Cet objet (le tableau) à la fois iconique et plastique était pourtant riche de signifiants associant tout à la fois le « mythos » et le « logos ». (…)
Alors que nous ne comptons pas dans nos universités ou nos instituts voués à la science politique ou à la communication des dizaines de Saussure, Umberto Eco, Barthes ou autre Baudrillard, les souffleurs du Souverain eurent cette fois-ci l’inspiration heureuse en associant le « mythos » et le « logos » pour produire une telle signification tridimensionnelle (texture, couleur, forme) suffisamment efficiente.
En politique comme en marketing, les signes et les symboles ont depuis belle lurette remplacé les discours diarrhéiques à la Castro ou à la Kadhafi ! النص الكامل (هـــــــــنــــــــا)
------------------------------
إنه نص دفعني إلى العودة إلى مقتطفات في موضوع الشارات والبروتوكول لأعيد تقاسمها هنا بنفس تلك المناسبة المشار إليها.
.
أولا، في باب النظام الشاراتي المغربي:
"بعض الأبعاد العبـرانية في التمازج الثقافي المغربي محاكاةً وحكياً".[i]
(اللوحات المشار إليها بترقيم أبجد والتي لم تدرج في المقتطف نظرا لثقلها، موجودة في نص آخر بالفرنسية "Patrimoine immatériel marocain"-2012: هـــــنـــــا)
1. تـــلخيـــــص
أوجه ومظاهر التمازج الثقافي، الإثني منه والملّي، متعددةٌ في المغرب على أصعدة الفكر والأدب والتمثيلات المخيالية والسمعية-البصرية، وعلى مستويات ومحاور متعددة، من إثنية، ومليـة، ولغوية، وجهوية. ويتجلى ذلك في قطاعات مختلفة، وعلى مستويات متعددة؛ من الممارسات الطقوسية، إلى الرمزيات التمثيلة، إلى عناصر البنيات اللغوية، وعناصر ومضامين البنيات النظمية والسردية. وهذا التمازج ضاربٌ في القدم على مستوى أحد مكوناته، ألا وهو مكوّن الثقافة اليهودية الذي يشلك محورَ هذه المساهمة.
(...)
فأما التمثيلات، فسنتناول، كعيّنة منها، أوجها للتداخل المحاكاتي القائم في الثقافة المغربية مع بعض رمزيات الثقافة العبرانية الضاربة في القدم باعتبارها من بين أولى الثقافات المتوسطية الوافدة على شمال إفريقبا. وسنخص من تلك الأوجه التي ساهمت كعناصر ثقافية في تطور مظاهر الفن الشاراتي أو الشاراتية (héraldique) المغربية أوجه 'خاتم سليمان' (חתם שלמה)، و'ترس داود' (מגן דוד)، و'تاج التوراة' (כתר תורה).
(...)
2. التداخل والمحاكاة في حقل الفنون الشاراتية والرموز التشكيلية المغربية
ليست لي دراية بيبليوغرافية بكل ما يمكن أن يكون قد تم في ميدان الدراسات التاريخية والمقارنة للتقاليد الشاراتية المغربية (tradition héraldique marocaine). غير أن مساءلات أبنائي لي حول تواريخ، وتأويلات، رمزيات بعض الشارات الأساسية التي تؤثث الفضاء الرسمي المغربي، وعجزي في ذات الوقت عن إعطاء أجابات مقنعة لتلك الأسئلة نظرا لثغراتٍ في برامج التربية الوطنية وتاريخ الوطن كانت قد طبعت تكوين جيلنا وما تزال تطبع تكوين جيل أبنائنا، قد دفعت بي إلى فضول التنقيب في هذا الباب لعلي أساهم ولو بشكل متواضع ببعض العناصر التي من شأنها أن تشكل عناصر استئناس بالنسبة للهيئات المتخصصة والمختصة، وعلى رأسها الهيئة الموقرة لـ"الجنة الاستشارية لمراقبة رموز وشعارات المملكة"، المحدثة بمقتضى الظهير الشريف رقم 200-70-1 الصادر في 3 شعبان 1390 (5 أكتوبر 1970) "بإحداث سلطة عليا لمراقبة الرموز والشعارات ووضع مدونة لرموز المملكة وشعاراتها". وقد مضيت في ذلك المسعى خصوصا بعد ما حصل من ملاحظة كثير من أوجه الشبه والتداخل والتناص التشكيلي بين بعض تلك الشارات وشارات أخرى تنتمي إلى فضاءات حضارية أخرى حيث تلبس لبوسات تأويلية مغايرة راكمتها ثقافات تلك الفضاءات، وقننتْ أصولَ تأويلِ عناصرها وتراكيبها، كما يقنـِّن النحوُ والبلاغةُ قوانينَ استنباط المعاني ونقلها بقرائن المجاز، والاستعارة، وتواتر الاصطلاح. وزاد من تصميم المضي في ذلك الاتجاه ما حصل مؤخرا (ماي 2005) من تطور ذلك النقص في ثقافة التربية الوطنية والمواطنة إلى استخفاف البعض بتلك الرموز، مما دفع بالمؤسسات التمثيلية الوطنية إلى المصادقة في اكتوبر 2005 على مشروع قانون "يجرّم الإساءةَ إلى العلم الوطني وإلى رموز المملكة"، مما حذا ببعض فعاليات المجتمع المدني إلى التفكير في تكوين مرصد مدني لليقظة والسهر على حسن احترام تلك الرموز في الحياة اليومية للفضاء الوطني من حيث المطابقة والمقاييس والحالة المادية، خصوصا والمغرب مقبل على الاحتفال بالذكرى الذهبية لاستقلاله، وعلى طيّ نصف قرن من استقلال دولته الحديثة بهياكلها العصرية، السياسية منها والإدارية، والرمزية، التي ساهمت في رسم معالمها الحالية مجموعةٌ من المؤثرات منها ما هو ظرفي، ومنها ما هو تاريخي، ومنها ما هو متأصل في العبقرية الذاتية، ومنها ما يعكس الانخراط في المحيط العالمي. مع العلم - كما جاء في تقديم كتاب 2005 Rousseau - "أن دراسة شارات وأوسمة بلد من البلدان هي مساهمة في دراسة تاريخه لفترة من الفترات، تلك الشارات والأوسمة التي تظهر وتختفى في البلد المعين بمقتضى الوقائع والأحداث السوسيو-سياسية التي تشكل معالم تاريخه"، وذلك "مهما كان جوهر تلك الوقائع السياسية والعسكرية التي أصبحت اليوم في ذمة التاريخ، ومهما كانت محركاتها في وقتها، ومهما تكن أوجه تأويلاتها ومصادراتها الممكنة راهنا".
ولقد لاحظت مثلا في هذا الباب أن النجمة السداسية، التي أصبحت تسمى اليوم "ترس داود" (מגן דוד)، والمعروفة سالفا في الثقافة المغربية بـ"الخاتم السليماني"، كانت في الحقيقة واسعة الحضور في الفضاء الشاراتي المغربي ومتمكنة راسخة فيه من خلال الخواتم السلطانية والأوسمة الرسمية والرتب والتقديرات و النقود خاصةً،[ii] وذلك إلى حدود نهاية الخمسينات من القرن العشرين (قطعتا 100 و 200 فرنك معدنية في الخمسينات مثلا). بل إن النجمة، التي لم تضف إلى العلـم المغربي الأحمر إلا مع بداية الحماية، كانت في الأصل بدورها سداسية الزوايا إسوة بالأختام والأوسمة، وأنه لم تستبدل بها نجمة خماسية إلا سنة 1948 بعد قيام دولة إسرائيل بعلمها ذي النجمة السداسية (hexagramme) المعروفة في الثقافة اليهودية الحديثة بــ"ترس داود" (מגן דוד). وتتمثل نجمة داود في تقاطع مثلثين متساويَي الأضلاع متداخلين، أحدُهما رأسه في الأعلى، والآخر رأسه في الأسفل. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تلك النجمة لم يُـشرع في إعطائها قيمة رمزية شاراتية خاصة بالهوية اليهودية إلا في القرن الرابع عشر الميلادي لما ربطها القبالي داود بن يهودا بـدرع سحريةٍ ("التباريد" حسب التعبير المغربي) كانت العامة من اليهود تعتقد أنها كانت تحصّن الملك داود في ساحة القتال. ولم تنتشر تلك النجمة بشكل واسع مقترنة بالهوية اليهودية إلا مند المؤتمر الصهيوني بمدينة بــــال السويسرية سنة 1897، وخصوصا بعد أن فـرضت النازيةُ والفاشية على الرعايا من اليهود حملَ النجمة الصفراء كعلامة مميزة. وذلك إلى درجة أن مسألة وضع تلك النجمة، بعد ذلك في قلب العلم الإسرائيلي، قد أثارت نقاشا كبيرا. ذلك أن تلك النجمة ليست متأصلة في نظام رمزيات الهوية اليهودية كما يعتقد ذلك عامة الناس اليوم، على العكس مثلا من رمز الشمعدان السباعي الفروع (מנורה candélabre) المنصوص عليه وعلى تفاصيل شكله ومادته في سفر الخروج 25،[iii] والذي اتخذته دولة إسرائيل خاتما رسميا وشعارا لها بعد كل النقاش الحاد والطويل الذي أثارته النجمة السداسية التي لا أصل لها خارج القباليات الحديثة. حتى إن العارفين في شؤون التحف اليهودية يتخذون من حمل الغرض المعين من الأغراض المتحفية للنجمة السداسية مدعاة للتشكك في حقيقة أصالته كأثر يهودي أو في قدمه الزمني.[iv]
وعلى كل حال، فإن ميثولوجيا النجمة المشعة بزواياها ضاربة في القدم لدى كثير من شعوب الحضارة المتوسطية، سداسية كانت تلك النجمة أم خماسية أم سباعية؛ وهي غالبا ما تكون مرتبطة بمزايا قِيم طلـسمية ورُقَـَوية تعاويذية.[v] وأقدم تجلّ معروف لتلك النجمة هو نجمة الإلهة عشتار الأشورية ذات الأشعة السبعة، وهي إلهة الحب والحرب، ذلك الشكل الميثولوجي الذي هو أنسب موضوعيا ليمثل شارة الترس من الشارات الممثلة لشخصية داود الذي يقترن، على العكس من ذلك، في العهد القديم نفسه، بمجرد مقلاعه البسيط في مواجهة جالوت المدجج مقابل ذلك بالخودة والدرع والترس، والذي (أي داود) يعرف أكثر في التمثيلات والمتخيل بآلته الموسيقية التي كان يؤنس بها طالوت في صغره، وينشد على أنغامها مزاميره بعد أن خلفه طالوت وأصبح ملكا.
إلا أن النجمة السداسية أصبحت اليوم، بقطع النظر عن أصولها، مترسخة في الرمزيات اليهودية التي أصبحت تعطى لعناصرها وخصائصها الهندسية تأويلات قبالية، كالقول مثلا بأن أضلاعها الاثني عشر (لكل مثلث من المثلثين، منظورا إليه من الداخل ثم من الخارج، ستة أضلاع ) تمثيل لأسباط إسرائيل (أي، يوسف وإخوته).
أما النجمة الخماسية (pentagramme)، التي هي شارة متمكنة بدورها في التقاليد الشاراتية المغربية، الرسمي منها والشعبي حيث كانت تزين بها مطالع ألواح حفظ القرآن في الكتاتيب، فتقوم فيها وفي التمائم وجداول الطلسمات مقام "باسم الله الرحمن الرحيم "، فهي بدورها متداخلة من جهة ثانية مع رقمولمجيا (numérologie) النظام القبالي العبراني، حيث تعرف بــ"خاتم سليمان" (חתם שלמה) وتتداخل في تأويل دلالتها فيه عناصرُ القبالة اليهودية، كما تتداخل مع النظرية الإغريقية القديمة للعناصر الأربعة، حيث يقال مثلا، في ذلك الإطار، بأن نجمة "خاتم سليمان" تمثل اتحاد الروح العلوية (أي، الزاوية العليا) بالعناصر الأربعة الأساسية لوجود الطبيعة، أي الماء والتراب والنار والهواء (وهي بقية الزوايا)، مما يجعل قلب وضعها، بإقامتها مثلا على زاوية واحدة بدل زاويتين، قلبا للناموس ومدعاة للشؤم (انظر اللوحة 'ب' أسفله).
هذا، وإن الماهية الـخماسية لـجدّ متأصلة في الفضاء المتوسطي عامة، وفي الفضاء اليهودي والمغاربي، وعلى الأخص على شكل أصابع كفٍّ تتوسطها أو لا تتوسطها قرةُ عين، أو نجمةٌ، أو أحرف שדי.[vi] ومن أوجه تلك الماهية الخماسية الرمزية ما يسمى في الثقافة العبرانية بـالمركب العبري-الانجليزي Hamesh-hand، وفي العربية المغربية الدارجة بـــ"الخُــميسة" (لوحة 'أ' أسفله)، والتي تسند إليها مزايا تعاويذية مختلفة أهمها مزية زجر الشر وإبعاد عين السوء، وهما آفتان يشترك معها في دفعهما عن المحصّن بها، أو به، كـــلٌ من اللون الأحمــــر (لون العلم المــغربـــي) وملح الطعام (انظـــر مـــادة Amulette في 1997 Unterman ). والجدير بالذكر أن آخر مرة عاد فيها طلسم الخميسة وشعار اللون الأحمر إلى ساحة الاستعمال الجماعي الوطني شبه المؤسساتي بالمغرب كان على إثر إرهابيات 16 ماي 2003، حيث انتشر شعار "ما تقيس-شي بلادي" مؤطرا في خـُميـسة عملاقة باللون الأحمر.
هذا وتجدر الإشارة، باختصار، إلى أن العدد الخماسي متأصل في أُسـُسيات الثقافة المغربية التعددية، رمزيةً كانت أم رياضيةً؛ وهو بذلك أنسب رمز هندسي جامع، وذلك دون التفريط في الحق التاريخي لبقية الأشكال الهندسية الأخرى، كالنجمة السداسية مثلا التي ليس من الثقة بالشخصية القومية التخلي عن عراقتها في نظام الشاراتية المغربية لمجرد أن أيديولوجية وكيان جيوسياسي طارئين قد تبناهما، وأن أيديولوجية أخرى مقابِـلة قد تطيـّرت منها ونفتها من فضاءاتها التمثيلية والتشكيلية.[vii] فبالإضافة إلى ما هناك، على الصعيد الرمزي من خماسية الصلوات (أنظر النص 4-(1) أسفله)، و من خماسية أركان الإسلام، دين السواد الأعظم للمغاربة، ومن خماسية أسفار التوراة (انظر النص 4-(3) أسفله) التي هي الكتاب السماوي لأقلية من المغاربة مند آلاف السنين، نجد هناك، على الصعيد التشكيلي، زهرة الفسيفساء المغربية التقليدية (rosace marocaine) المحوطة بكوكبة من ست عشرة نجمة خماسية، هنّ نتيجةٌ حتمية للبرنامج الهندسي الفسيفسائي العبقري اللانهائي (انظر لوحة 'م' أسفله). كما أن إيقاعات النوبات المغربية-الأندلسية إيقاعات خمسة (بن موسى 1988)، وأن السلّم الموسيقي الخماسي (échelle pentatonique) والميزان الإيقاعي الخماسي (rythme quinair)، النادرين في الموسيقى الغربية، والمنعدمين على ما يبدو في الموسيقى العربية المشرقية، من أهم مميزات الرصيد التاريخي للموسيقى المغربية (انظر المدلاوي 2006 و Elmedlaoui 2006-a).
أما تاج التوراة فهو، في تقاليد التأويلات التلمودية، أولُ ثلاثة تيجان هي: تاج التوراة (כתר תורה)، وتاج الكهنوت (כתר כהונה) وتاج المُلك أو الملكوت (כתר מלכות). وإذ حصل أن كان تاج الكهنوت من نصيب هارون، وتاجُ المُلك من نصيب داود، فإن تاج التوراة قد بقي، حسب تلك التآويل، في متناول كل من يُبـِـين عن جدارته به من خلال التفقه في علوم الكتاب المقدس. ويتَـمثـَّل تاجُ التوراة هذا، في تقاليد الفن التشكيلي اليهودي، في هيئة أسدين صائلين (والأسد رمز لقبيلة يهودا) يتناولان بروابعهما الأمامية تاجا ويضعانها على رِقع مبسوط يمثل لفيفةَ التوراة،[viii] أو على لوحين يمثلان لوحي الوصايا العشر (انظر اللوحتين 'ج' و 'د' أسفله)[ix]. ولقد أعطت تأويلاتُ "القمطرية" القبالية اليهودية (גמתריה)، المبنية على حساب الجُمَّـل (alpha numérologie) العبراني، ذي الاثنين وعشرين حرفا (ابجد، هوز، حطي، كلمن، سعفض قرشت)، أسسا أزلية لماهية تاج التوراة، وذلك على منهج كتاب الخلق أو سفر الإبداع (ספר יצירה) الذي يتخذ من حروف اللغة العبرانية أساسا قباليا للخلق والتكوين، وهو الصيغة الباطنية في الفكر اليهودي لـ"سفر التكوين". إذ رأت مثلا بأن مجموع القيم العددية لأحرف كلمة כתר (ك + ت + ر) التي تعني 'تاج'، ألا وهي قيمة '620'، تطابق بالضبط عدد أحرف عبارات الوصايا العشر كما ورد نص تلك الوصايا في سفر الخروج. كما أن القيمة العددية لحروف العنصر الكتابــي (holographe): כתר תורה (ك-ت- ر + ت-و- ر- هـ)، الذي يعني "تاج التوراة"، ألا وهي عدد 1231، تطابق بالضبط حاصل مجموع القيم العددية لأحرف المركب الاسمي: עשרת הדברגם (ع-ش-ر-ت + هـ-د-ب- ر-ي-م) الذي يعني "الوصايا العشر".[x]
ولقد انتشرت تمثيلات هذا الرمز في المنمنمات المغربية وفي تزيينات المعمار المغربي ليس فقط داخل البيع اليهودية،[xi] ولكن كذلك على كثير من الواجهات (انظر اللوحة 'ح' أسفله(.
كما انتشرت صورة 'ملك الحيوانات' بصفة خاصة كعنصر أساسي في الأبجدية الشاراتية (alphabet héraldique) على صعيد كل فضاء الحضارة المتوسطية. وأقدمُ تجل له كحارس للحمى هو الأسد الحائطي على باب عشتار (اللوحة 'هـ' أسفله)، وأسد بابل الجرانيتي على ضفة الفرات، اللذان يحرسان معا مدينة بابل. ولقد عرف الأسد انتشارا شعبيا أكثر في الحضارة اليهودية-المسيحية الأوروبية في عصور نبالة القرون الوسطى، إلى درجة أنهم كانوا يقولون: "من ليست له شارة، يتخذ لنفسه شارة الأسد" (Qui n'a pas de blason, porte un lion). وقد ضبطتْ في ذلك الفضاء مصطلحات دقيقة، وأعراف تأويليةٌ لسيميولوجيا ودلالات أوضاع الأسد في شارات الممالك، والإمارات، والدوقيات، والإيالات، والمحميات (أسد قائم، أساد ماش، أسد قائم على خلفيته اليمنى أو اليسرى، أسد رافع أماميته اليمنى أو اليسرى، أسد شائل بذيله نحو الأعلى إقداما وصولة، أسد كاشح بذيله خنوعا وخزيا وذِلـّة، أسد متنمر نحو الأمام في إقدام، أسد ملتفت جانبا في توجس وخوف، الخ.). وقد تنبهت لجنة "السلطة العليا لمراقبة رموز وشعارات المملكة" للفراغ الذي يشكو منه المغرب في هذا المجال في أفق تحديد وضبط رصيده الشاراتي كما أشار إلى ذلك السيد محمد المسطاسي في تقديمه لمختلف خطوات عمل تلك اللجنة حين قال:
"إلا أنه واجهتنا عقبة، وأي عقبة 'دونها خرط القتاد' عندما عزمنا على على وصف وشرح مختلف الشعارات التي وافقت عليها السلطة العليا لمراقبة رموز المملكة وشعاراتها. ذلك لأن لهذا الفن والعلم معا، والمزدهر في الغرب المسيحي منذ القرنين الحادي عشر والثاني عشر من الميلاد، لغتَه الخاصة به، التي وإن كان قد نسيها الدهر، فإنها لم تمت إطلاقا".
ولقد امتد استعمال الأسد في النظام الشاراتي الرسمي إلى الفضاء المغربي من خلال الوسام المحمدي (1955) الذي أصبح رمزا المملكة (اللوحة 'ز' أسفله)، والذي اتخذ من حيث عناصره وهيكلته هيئة أقرب ما تكون إلى شارة تاج التوراة (انظر اللوحات الملحقة في الفقرة 5). وإذ ساهمت سلطات الحماية وخبراؤها ومستشاروها بشكل أساسي في إعادة هيكلة الفضاء المدني والسياسي والعسكري المغربي "لوضع أسس المغرب الحديث" على حد تعبير ما جاء في تقديم كتاب Pierre Rousseau السابق الذكر، وإذ ينتمي المغرب إلى فضاء فكري لم تتطور فيه الفنون التشكيلية التمثيلية (انظر Elmedlaoui 2010) فإن القطاع الشاراتي المغربي لم يشذ عن ذلك مند أن وضعت النجمة الخضراء في قلب العلَـم المغربي الأحمر مع بداية الحماية، وإلى غاية نهاية الخمسينات من القرن العشرين. ولعل ذلك ما يفسر مثلا سيميولوجْيَا هيئة الأسدين في ذلك الرمز، من حيث إن الواضع قد جعلهما كاشحي الذيل بدل إشالته، ومن حيث جعل الأسد الأيمن ملتفتا في توجس التفاتةَ تخاذلِ السباع عامة وانهزامها، بدل جعله يتنمّـر نحو الأمام (انظر أوضاع الأسد الشاراتي في اللوحة 'ط' أسفله)؛. فتلك السيميولوجيا كانت تـُبطن، لا محلة، إصرار بعض الأوساط - ولو على المستوى الرمزي - على إدامة وتأصيل وضعية الاحتماء والخنوع لدى الدولة المغربية (قارن بين أوضاع "الأسد الشاراتي" في كل من اللوحات ج، د، ز، ح، ط، في ملحق اللوحات بالقسم الخامس من هذا المقال). ويصح هذا الاحتمال خصوصا إذا ما تذكرنا قول محمد المسطاسي بأن اللغة الخاصة بفن وعلم الشارات، "وإن كان قد نسيها الدهر، فإنها لم تمت إطلاقا". ذلك أن غياب الثقافة البلاستيكية وثقافة تاريخ الفنون التشكيلية قد جعلت المسؤولين يستعينون بفنانين وخبراء أجانب في الميدان. وبعد كثير من التحري الذي قمتُ به وأنا أعد هذه الدراسة، قيل لي إن أحد الرهبان من أحدى الكنائس بالعصمة هو من صمم وأنجز رسم "الوسام المحمدي" بذلك الشكل وبتلك الهيئة لأسديه، وهو الوسام الذي أصبح بعد ذلك شعارا للمملكة. وقد كان قبل بضع سنوات موضوع مراسلة من طرف إحدى الجمعيات المهتمة بالرمزيات الوطنية، ألا وهي جمعية "نادي المواطنة" إلى بعض المسؤولين.
---
ثانيا: البروتوكول
مثله في الأمر، مثل الشارات، يعتبر البروتوكول نظاما سيميولوجياً يبعث برسائل أبلغ مما تعبر عنه اللغة الطبيعية المنطوقة أو المكتوبة. وكما هو شأن لوحة شجرة النسب المشار إليها أعلاه، والتي قد تدخل إلى بـــــاقة/بــالْمَاريس النظام الشاراتي المغربي الرسمي والتي كانت باعثا على إيراد المقتطفات أعلاه في موضوع الشاراتيات المغربية، فإن ما لاحظته في مراسيم نفس الحدث الديبلوماسي الأخير (كلمة الوفدين الأمريكي والإسرائيلي أمام جلالة الملك محمد السادس يوم 22 دجنبر 2020)، قد دفعني إلى التذكير، هنا أسفله عبر رابط، ببعض ما كنت قد نشرته بأسلوب صحفي في موضوع مؤسسة البروتوكول في عمودي الأسبوعي السابق جريدة "العلم" ثم في مدوّنتي OrBinah، والذي عدت إليه بشكل موثّق المراجع فشكل الفصل الخامس (30 صفحة) من أصل سبعة فصول (بمجموع 593 صفحة) من كتابي الصادر سنة 2019 "مساءلة البداهات في مغرب الإصلاحات" (دار الأمان، الرباط) ا،لذي علمت أمس (28 ديسمبر 2020)، "بحمد الله الذي بفضل نعمه تتم الصالحات"، كما أصبح يقال مؤخرا، أنه لم يفلح في حيازة تقدير لجنة جائزة المغرب للكتاب-2020.
---
رابطان نحو نصّين صحفيين حول مؤسّـسة البروتوكول:
1- "عن البروتوكول والرمزيات بصفة عامة" (أبريل 2011)
https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-1-du-protocole-a-popos-du-debat-sur-la-constituion-au-maroc-1
2- "عودة من جديد إلى أعراف البروتوكول" (غشت 2014)
https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-retour-sur-le-protocole-dallegeance-au-maroc
[i] هذا نص مقتطف من مقال نشر أول ما نشر، ضمن وقائع أعمال إحدى ندوات أكاديمية المملكة المغربية؛ وهذا توثيقه:
المدلاوي، محمد (2006) "من عناصر الثقافة اليهودية في التمازج الثقافي المغربي محاكاةً وحكيا؛ نماذج للتناصّ بين العبرانية والأمازيغية والعربية". الحكاية الشعبية في التراث المغربي. موضوع لجنة التراث؛ بالمشاركة مع الجمعية المغربية للتراث اللغوي. مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية - الرباط. سلسلة "الندوات". ص: 229-264. ثم أعيد نشر في: المدلاوي المنبهي، محمد (2012). رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب...". منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي. الرباط.
[ii] أنظر مثلا الحَمالات وأوسمة الاستحقاق الحفيظيــــة (نسبة إلى السلطان مولاي حفيظ) ثم اليوسفية (نسبة إلى السلطان مولاي يوسف) التي تتمثل واسطة عقدها في نجمة سداسية تتوسطها عبارة "الجلالة الحفيظية"، أو "الجلالة اليوسفية"، "أو الجلالة الشريفية"، والتي تتوزع على زواياها الست كلمات شهـــادة "لا إله ألا الله؛ محمد رسول الله". انظر كذلك الطابع السليماني (نسبة إلى السلطان مولاي سليمـان 1792-1822م)، والنقود السليمانيـة البرونزية، والنقود الحسنية (نسبة إلى السلطان مولاي الحسن الأول؛
انظــر كل ذلك في: p:66-102 Rousseau 2005 وكذا اللوحات 'ي'، 'ك'، 'ل' أسفله).
[iii] فقد ورد في سفر الخروج 31:25 (שמות כה : לא) ما يلي: "וְעָשִׂיתָ מְנֹרַת, זָהָב טָהוֹר; מִקְשָׁה תֵּעָשֶׂה הַמְּנוֹרָה, יְרֵכָהּ וְקָנָהּ, גְּבִיעֶיהָ כַּפְתֹּרֶיהָ וּפְרָחֶיהָ, מִמֶּנָּה יִהְיוּ." ("و اتخذ نبراسا من ذهب نقيّ؛ فتصوغ ذلك النبراس بالخراطة، بحيث يكون كل من قاعدته و ساقه وكاساته وعُجَـره وأزهاره مصوغا من صميم صلبه"). ثم ورد في 25: 37 من نفس السفر (שמות כה : לז) ما يلي: וְעָשִׂיתָ אֶת-נֵרֹתֶיהָ, שִׁבְעָה، וְהֶעֱלָה, אֶת-נֵרֹתֶיהָ, וְהֵאִיר, עַל-עֵבֶר פָּנֶיהָ" ("وتَجعلُ سُرُجَها سبعةً، فتتعالى سُرُجها لتضيء ما حواليهاا").
[iv] ولقد استأثرت بعد ذلك دولة إسرائيل بتملـّـك رمزية النجمة السداسية، خصوصا بفضل ما ترتب عن قيام هذه الدولة من هجران أيديولوجي وتخلّ قطعي للشعوب العربية والإسلامية عن الحق في تملك هذا الشكل الهندسي الطبيعي، الذي يتجلي كذلك ويتحقق، بحكم الأسس الطبيعية له، في التفريعات الطبيعية لكثير من أوراق النبات وزهره، وفي تشكـّلات كثير من رخويات البحر ومرجانياته، وفي أشكال بلوريات اليابسة؛ وذلك إلى درجة أن الحركة الصهيونية قد أسـست بحكم ذلك الاستئثار منظمة "ترس داود الأحمر" (מגן דוד אדום) كمقابل للصليب الأحمر، وللهلال الأحمر، والأسد الأحمر؛ وقد أبرمت مؤخرا (نوفمبر 2005) بجنيف بين منظمة "ترس داود الأحمر"' وبين الصليب الأحمر الفلسطيني اتفاقيةُ استعمال شعار "البلور الأحمر" (مربع أحمر على أرضية بيضاء)، الخالي من أي إيحاءات ملية أيديولمجية، أثناء التدخلات الإسعافية للفريقين في الأراضي الفلسطينية. وفيما يتعلق بالمغرب في باب ذلك التخلي، يقول عبد الوهاب بن منصور (1988) في مقدمة كتاب "معجم الشعاريات: عربي-فرنسي": ما يلي: "وكانت لنا نحن في المغرب شعارات تتمثل في ألوان العلم السلطاني وعبارات دينية تطرز عليه تبركا، ورموز ذات مدلولات دينية تنقش على خواتم السلاطين والمسكوكات المتداولة في عهودهم وكذلك الأسلحة التي يقاتل بها جنودهم؛ ومن هذه العبارات والرموز عبارة (بركة محمد)، وعبارة (بنيـّة الجهاد)، والخاتم السليماني السداسي الأضلاع الذي عُدِل عنه عندما أصبح رمزا سياسيا للحركات اليهودية".
[v] انظر مادة "Magen David" في Atias & Benbassa (1997)؛ انظر نفس المادة في المراجع الآتية:
Unterman (1997) ; Vigoder et al. (1996) ; Ouakinie (1999)
[vi] إنها كلمة "شداي" العبرانية، وهي من الأسماء الحسنى في اللاهوت اليهودي، واردة في العهد القديم، ويؤولها بعض القباليين كمختزل بالأحرف الأولى لعبارة שומר דירת ישהאל أي "حامي بــيــت إسرائيل"
[vii] سبقت الإشارة إلى أن النجمة السداسية ليست متأصلة كرمز من رموز اليهودية، وأن المؤتمر الصهيوني الأول هو المؤسسة التي كرستها كشعار لأول مرة سنة 1897، وأن هذه النجمة كانت متأصلة بالمقابل في الشاراتية الرسمية المغربية من خلال الطابع السليماني الشريف والنقود السليمانية (نسبة إلى مولاي سليمان العلوي: 1792-1822م؛ انظر اللوحة 'ن' أسفله) التي تعود إلى قرن من الزمن قبل مؤتمر "بال" الصهيوني.
[viii] كذلك النموذج الذي يزين غلاف كتاب Evry man's Talmud لصاحبه 1975 Abraham Cohen
[ix] والأسد رمز طوطمي لقبيلة يهودا من الأسباط التي يعتقد يهود اليوم بأنهم ينحدرون منها بما انصهر فيها من اللاويين وآل بنيامين.
[x] لقد انتقل في العقدين الأخيرين هذا الأسلوب القبالي إلى الفكر التفسيري الحديث للقرآن الكريم في بعض الدوائر الدعوية الإسلامية أهمها مدرسة ما يعرف بمدرسة "الإعجاز العلمي للقرآن الكريم" التي تتعهدها منظمات عالمية وتحاول إدخالها إلى الشعب العلمية بجامعات بعض الدول الإسلامية، ومنها المغرب.
[xi] انظر مثلا بيعة الصيـّـاغ بطنجة في الصورة رقم 13364 الموقع http://www.drcowles.ca/jna.html
--------------------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres