(EN ARABE) Ramadan, comportement et moeurs (d'Ibn Khaldun à Awzal)
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)
رمضان وعلاقة نظام التغدية باالسلوك ولأخلاق
من ابن خلدون إلى الهوزالي
فتحنا أعيننا فوجدنا شهر الصيام من بين مثبتات إيقاع الحياة. ارتبط في منظوماتنا الذهنية الناشئة بكثير من القيم، أهمها بالنسبة إلينا حينئذ، التمييزُ بين الصغار والكبار؛ فكان له بذلك سحرٌ خاص يجذبنا إليه في إطار الطموح الطبيعي للأطفال لكي يلتحقوا يوما بنادي الكبار. كنا، مثلا، نلح على إشراكنا في الاستيقاظ لوجبة السحور، بالرغم من أن النوم غالبا ما يغلبنا عندما يلبي الكبار رغبتنا؛ وإذا ما أفلحنا في مغالبته يوما، فإننا كنا نسعد بطقوسية تلك الوجبة، ونحرص، على إثر تناولها مع الكبار، على مضمضة أفواهنا بالسبابة والإبهَم إسوةً بهم استعدادا للإمساك بما أن الفرشاة حينئذ كانت تنتمي إلى عالم إنما كنا نطلّ عليه في المدرسة من خلال رسوم كتاب التلاوة "القراءة المصورة" . خلال النهار، كنا ننال نصيبنا من تحمّلات صوم الكبار لأننا لم نكن نتناول في الحقيقة إلا ما كنا نعثر عليه في قعور المواعين مما يكون قد فضل عشيتـَه. فلذلك كنا بدورنا نتوق إلى لحظة الإفطار لكي يستعيد الكبار حيويتهم التي تتوقف عليها كذلك العناية بنا. كانت لحظة الفطور عيدا صغيرا يوميا يـُتخذ وحدةً حساب في انتظار يوم عيد الفطر الذي سنرتدي خلاله قميصا ملونا، وربما احتفظنا به، بعد استعمال يوم واحد، لإعادة إشهاره يوم عيد الأضحى. وكان الفطور كذلك حفلة غذائية، لمجرد كونه يضع حدا للإمساك ويجمع شمل العائلة حول المائدة بعد شتات النهار، لا باعتبار محتواه من ألوان ما تشتهيه الأنفسُ وتلذّ الأعين؛ فهو لا يتجاوز بضعَ حباتٍ من التمر للفرد الواحد، وجبانيةَ حساءٍ خفيف غير مُشبَّـع، وكأسَ قهوة بالحليب أو بدونه حسب الفصل، في انتظار العشاء الذي يتمثل في طاجينِ خُضرٍ أو قصعة كسكس، لأن اللحم إنما يتوفر يوم السوق الأسبوعي. هذا كل ما كنا نفهمه من قيم صوم رمضان. مائدة كنا نهرول على إثرها بما بعثته من طاقة في الأجساد إلى مسجد الحي أو الدوّار لأداء صلاة التراويح، وخصوصا، بالنسبة لنا نحن الصغار للاستمتاع على إثرها إلى الالحان الرائعة بحناجر العامة الذين يرددون فنردد معهم - بعد الحفظ بالسماع بضعة أيام- تسبيحة "القدّوس" التي يردّدها الجميع في خشوع وطرب دون أن يفهم أغلب كلماتها وتعابيرها؛ وهي التسبيحة الآتية:
"سبحان المَلك القدّوس؛
سبحان المَلك القدّوس؛
سبحان المَلك القدّوسِ ربّ الملائكة والروح.
جلّـلتَ السمواتِ بالعزّة والجبروت؛
وتَعَزَّزْتَ بالقدرة، وقهَرتَ العبادَ بالموت.
اللهم إنيَّ أعود برضاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ؛
وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ، كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ؛
إنك السميع العليم.
كنا تعد الأيام في انتظار ليلة القدر وجوها أبخرتها ثم عيد الفطر الذي يكون مناسبة لاستعادة الزمن العادي مدشنا بارتداء قميص جديد في مُصلى صلاة العيد لعرضه بعد ذلك في الازقة أثناء تبادل الزيارات؛ أما صلوات التراويح فقد كان الناس يذبهون إليها بثيابهم اليومية العادية. كذلك كان رمضان وجوه ومعناه بالنسبة إلينا.
ذلك كان جوّ ومعنى رمضان بالنسبة لجيلنا. وأول إعمال للتفكير، بالنسبة لي شخصبا، لبناء تصور آخر لقيم رمضان مما يتجاوز مجردَ قيم العادة الانثروبولوجية، كان قد حصل لما حضرت حلقة من حلقات درس رمضاني بالجامع الكبير وأنا ابن الرابعة عشرة سنة، فكان صاحب الدرس يكثر من استعمال كلمة "الصمود"، التي سمتعها حينئذ لأول مرة، وفهمت معناها بفضل كثرة سياقات استعماله إياها، فأدركت حينئذ جانب تربية الإرادة في شعيرة الصيام. وفي نفس السنة، كان من بين أُولى دروس مادة الحديث التي لـُـقـِّـنـّاها في المعهد حديث أبي هريرة {... فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب؛ فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم ... الحديث}. حينها تنبهت إلى ما كان بعضهم يزعم بأنه يقترن بالصوم لدى البعض من فساد وقلق المزاج، وذلك من خلال قول لغتهم "ياك ما راك صايم؟" أو "ما تّـرمضن- شي عليـا" لكل من أعرب عن قلق وفساد مزاج في المعاملة. لكن المحيط العام لم يكن يوفر من مشاهد متواترة تؤكد ذلك إلا لمجرّب دقيقِ الملاحظة.
لكن الأمر اليوم تغير؛ فالسرعة الجنونية للسيارات بضجيج منبهاتها والسباب المنبعث من نوافذها، وحمى أسواق المواد الغذائية بمشاجاراتها وعراكاتها، والمشادّات في أبهاء المؤسسات وأمام أكشاك الإدارات العمومية وحتى في أبواب المساجد، أصبحت كلها مظاهر موسم اجتماعي جنوني الأعصاب، أخذ الناس والمؤسسات يحسبون له حسابه كما يفعلون مع فصول جنون عناصر الطبيعية. أما داخل المنازل فقد تغيرت كذلك فيها الديكورات والعلاقات: أصبحت موائد الإفطار، على غرار الأسواق، وعلى اختلاف مستويات القدرة الشرائية، معارضَ سوريالية لإشفاء غليل جوع عُصابي وهمي "روماني" الهوس، جوع متولد عن مفعول العرض ونهم العين، أكثرَ مما هو نتيجةُ حاجة حقيقية: أكداس من ألوان الحلوى، والعصائر، والصودا، والألبان، والفطائر والعجائن، والبيض، والسمك، واللحوم البيضاء أو الحمراء، والتمر، والتين، والأجبان، يتحلق حولها أفراد الأسرة (الذين لم يعودوا أعضاءها) في نصف دائرة وأعينهم مشدودة إلى قبلة الشاشة، فلا يكلم أحدهم الآخر إلى مماحكة حول القنوات. أما أكداس النعمة فيعود معظمها إلى الثلاجة لقضاء يوم أو يومين قبل أن ينحىّ إلى القمامة ليُخلي المكان للأكداس اللاحقة.
لقد تغيرت معالم شهر الصيام بتغير الأحوال المعاشية، وأنماط السعي والإنتاج والإدارة، ونظم الاستهلاك وقيمه. أصبح رمضان موسما يضرب له ألف حساب على مستويات الاقتصاد الإنتاجي والخدماتي، والإدارة، والأمن العمومي، والنقل العموي، والصحة العمومية، والإعلام العمومي، الخ. المجتمع أصبح في غالبيته مرتبطا بدواليب الحياة الحضرية، بنوعية زمنها، وفضائها، وقيودها، وإكراهاتها، وابتداعات أسواقها المتعددة الأبعاد. كل وسائل الإعلام أصبحت تستعرض الظواهر الرمضانية على المستويات الاجتماعية السابقة، بينما بقي الخطاب الديني وخطاب العلوم الاجتماعية متحجرين، كلٌّ منهما سجينُ قضاياه الكلاسيكية التقليدية. فعلى مستوى التربية الأخلاقية مثلا، يحتفل الخطاب الديني في رمضان وغير رمضان أكثرَ من اللازم بمظاهر جنوحية مما عشعش دائما عبرَ كل العصور على هامش المجتمع مهما كانت درجة صلاحه، تاركا الظواهر الهيكلية والجوهرية المستجدة لصلاحيات طرف مجهول. فما هي الاجتهادت الأخلاقية والتدبيرية والمعاملاتية الجديدة المقدمة مثلا - في استعانة بمعارف علوم الاقتصاد والإدراة والتغذية والصحة والاجتماع - قصد إعادة التوفيق ما بين مقتضيات صوم رمضان والإكراهات المستجدة في المجتمع الاستهلاكي الحضري؟
على مستوى "فلسفة" الأخلاق ونظريات السلوك والطبوع، هناك كثير من الاجتهادات الأصيلة والطريفة التي تصلح لأن تكون منطلقا ملهما لنظريات أخلاقية في الاستهلاك أكثر تماسكا. نورد منها اجتهادين حول أخلاق الاستهلاك لعالـِمين كل شيء يفصل بينهما، وهما الفقيه محمد بن علي الهوزالي (بداية القرن 18 الميلادي) وعبد الرحمان بن خلدون، وذلك في ربط للأمور بمزايا الصمود والإمساك السابقة الإشارة إليهما بخصوص حِـكـم الشهر المطهـِّر من حيث المبدإ، في علاقتهما بتربية النفس بما يجعلها بالضبط تمسك عن الصخب والسباب والقتال المجاني في رمضان وغير رمضان، بدلَ اعتبار الصوم مجرد إمساك صوري عن الطعام كسلوك انثروبولوجي موسمي بديهي محكوم بالعادة.
أولا؛ يقول الفقيه الهوزالي في مزايا الإمساك والاقتصاد في الاستهلاك في منظومته الأمازيغية "بحر الدموع" (الأبيات 206-211). (أطبّق هنا الأوفاق الإملائية التي صغتها في كتابي 1999):
النص الأمازيغي المنظوم ترجمتنا الخاصة إلى العربية
ولا اديس يلازمت اد-يسّ ور يعصو يلاهي
"وكذلك البطن، يتعين عليه [الإنسان] ألا يعصي الله به"
اد-ور يسو لخمر، ولا يشـّا لمال ن-يكَـيكَيل(ـي)
"فلا يشرب خمرا ولا يأكل مال اليتيم ..."
ضولمان، ولا رّشوت، ولا رّيبا د-لحّرام وْنـّا يكَـ(ـي)؛
"ظلما؛ وأن يتجنب الرشوة والربا والحرام كيفما كان"
اشكو وانّا-تن يشتّان ار-ت يتّجورّو س-دّنوب(ـي)؛
"لأن من يأكل ذلك ينجر به إلى الإثم"
يان يشتّان لحلال، يعاونت غ-لخير يلديت(ـي)
"أما من يأكل الحلال، فإنه يدفع به نحو الخير ويغمره"
س-لحاسانات د-لحالات-انّ غ-يلاّ رّضا ن-يلاهي
"... بالحسنات وبما يرضي الله"
ماشّاتينّ ا-ور يسّوكَـت ماتشا، ينغ-اس لقالبـ(ـي)
"غير أنه يجب ألا يسرف في الأكل فيقتل له القلب"
يان مّي يكَـّوت ماتشا، تيكَوت-اس تيسّي، يكَوتن-اس
"فمن كثر مأكلُه ومشربُه يثقُـل دمُه"
يدامّن، اوين-اسد يضس-انّ يكَـّوتن، ينغ-اس لقالبـ(ـي)
"فيسبب له كثرةَ النوم ويقتل له القلب"
يان مّي يمّوت لقالب، ايت دّاراجات يدران ا-زّغ يكَـ(ي)
"ومن مات قلبه يصبحُ من أهل الدرك الأسفل"
يان مّي يدروس ماتشا، تيدروس-اس تيسّي، يدروسن-اس
"أما من قل مأكله ومشربه، فيخفّ دمه"
يدامّن، يْـيدروس-اس يْـيضس، ينكر وْول نس يحيو-د(ـي)
"ويقل نومه، فيتوقد قلبه بالحيوية"
ثانيا؛ أما ابن خلدون فقد قال في مقدمته ما يلي في نفس الموضوع وبكثير من التفصيل شبه العلمي:
((اعلم أن هذه الأقاليم المعتدلة ليس كلـًّها يوجد به الخصبُ (...)، ففيها [كذلك] الأرض الحَـرّةُ التـُرْب، لا تـُنبت زرعاً ولا عـُشباً بالجملة؛ فسكـّانها في شظـَفٍ من العيش، مثلُ أهلِ الحجاز وجنوبِ اليمن، ومثلُ الملـثـّمين من صنهاجة الساكنين بصحراء المغرب وأطراف الرمال فيما بين البربر والسودان (...). وتجد، مع ذلك، هؤلاء الفاقدين للحبوب والأُدم من أهل القـفـار، أحسنَ حالاً في جسومِهم وأخلاقِهم من أهل التـلـول المُنـغَـمسين في العيش؛ فألوانُهم أصفى، وأبدانُهم أنقى، وأشكالـُهم أتمُّ وأحسنُ، وأخلاقُـهم أبعد من الانحراف، وأذهانُهم اثـقـبُ في المعارف والإدراكات. (...)
والسبب في ذلك، والله أعلم، أن كثرة الأغذية وكثرةَ الأخلاط الفاسدة العفـِنة ورطوباتـِها تولـّدُ في الجسم فضَلات رديئةً تنشأ عنها بعد إقطارها في غير نسبـة؛ ويتبع ذلك انكسافُ الألوان وقبحُ الأشكال من كثرة اللحم، كما قلناه، وتغطّي الرطوباتُ على الأذهان والأفكار بما يصعَـد إلى الدماغ من أبخِرتِها الرديئة، فتجيء البلادةُ والغفـلة والانحراف عن الاعتدال بالجملة. (...) واعتبرْ ذلك في [سائر] الآدميين؛ فإنـّا نجـِدُ أهلَ الأقاليم المخصِـبةِ العيشِ، الكثيرةِ الزرع، والضرع، والأُدم، والفواكه، يتصف أهلـُها غالباً بالبلادةِ في أذهانهم، والخشونةِ في أجسامهم، وهذا شان البربرِ [يقصد "لبْـرابـْر" بالأطلس الأوسط حيث المراعي الخصبة]، المنغمسين في الأُدْم والحنطة، مع المتقشـّفين في عيشِـهم المقتصرين على الشعير أو الذرة مثل المصامدة، وأهل غـُمارة [يقصد الريف] والسوس، فتجد هؤلاء أحسنَ حالاً في عقولهم وجسومهم. وكذا أهلَ بلاد المغرب على الجملة، المنغمسين في الأُدم والبـُرّ، [مقارنة] مع أهلِ الأندلس المفقودِ بأرضهم السمنُ جملةً و[الذين] غالبُ عيشهم الذرَةُ؛ فتجد لأهل الأندلس من ذكاء العقول، وخفـّةِ الأجسام، وقـَبول التعليم مالا يوجد لغيرهم. [...]
واعلم أن أثر هذا الخصبِ في البدَنِ و أحوالِه يظهر حتى في حال الدين و العبادة، فنجد المتقشفين من أهل البادية أو الحاضرة ممن يأخذُ نفسَـه بالجوع والتجافي عن الملاذِّ أحسنَ ديناً و إقبالاً على العبادة من أهلِ التـرَفِ و الخصب؛ بل نجد أهلَ الدين قليلين في المدن و الأمصار لِـما يعـُمـُّها من القساوة والغفـلة المتصلةِ بالإكثار من اللـُّحمان والأدم ولـُبـابِ البـُرّ، [بينما] يختصّ وجودُ العُـبّـاد والزُهـّاد، لذلك، بالمتقشفين في غذائهم من أهل البوادي)).
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres