(EN ARABE) Que reste-t-il d'Al-Jabiri aux yeux de certains?
كل ما تبقّى من صورة الفيلسوف الجابري في أعين البعض:
حيازة شهادة العرب العاربة
تقــديــــــم (بقلم محمد المدلاوي)
النص الآتي أسفله نموذج للإجابة عن سؤال الضمني الوارد في العنوان. وذلك النص هو نص لصاحبه، الكاتب اللبناني، جهاد فاضل. وقد أوردناه أسفله بأمانة مع إضافة علامات البنط السميك للكلمات والعبارات المفاتيح التي تحمل دلاالة الجواب. وملخص فكرته العامة هو أن الفيلسوف محمد عابد الجابري شخصية نموذجية في ما يتعلق بمفهوم العروبة. وملخص هذا المفهوم الأخير، كما يستفاد من النص المذكور، هو أنه قيمةٌ انتمائية سُلـّميةٌ ونسبية، يترقى فيها السالكون لدرجات متفاوتة كما يترقى السالك المريد. وذلك من عجمة العجمي، إلى تعريب العجمي تعريبا، ثم إلى تـعَــرُّبه التلقائي تعرُّبا بشكل إرادي، ثم إلى بلوغ منزلة العرب العاربة، التي هي غاية غير مستحيلة حسب المقال بما "أن العروبة هي باللسان أو بالثقافة بالدرجة الأولى" حسب قول الكاتب النسّاب.
ثم إن اكتساب العروبة، الذي هو مصدر فخر لمن يحققه حسب المقال، هو بدوره اكتسابٌ تفاوتي باعتبار معايير "السابقين الأولين" بالقياس إلى اللاحقين التابعين، أي باعتبار مدى التبكير إلى سلوك درب التعرّب الذاتي الإرادي، ومدى رسوخ الإيمان بذلك التعرّب في الوجدان. فكلما ترقّى السالك درجاتٍ أكثر من غيره على هذا السُلم المتعدد الأبعاد، كلما اعتبر من المفلحين. وبهذا الاعتبار اعتُبر الجابري من أنجح الناجحين حسب المقال. ثم إن كلاّ من التعرُّب أو التعريب - كما ميّز المقال بين المسلكين - مسيرة فكرية وعملية مزدوجة، يتكامل فيها جانب التخلية مع جانب التحلية كما يقول الفقهاء الذين يدققون بقولهم "التخليّة قبل التحليّة". وتتمثل الأولى في التخلّي بالتربية - عن طريق المحو والنسيان مثلا - عن كافة عناصر الانطلاق الموروثة والمشكّـلة لوعي الشخصية الخام الأولى للسالك التوّاق؛ في حين تتمثل الثانية، أي التحليّة في التحلـّي والتشبع المتدرج بما يعوّض تلك العناصر المتخلى عنها، مقتبسا ومكتسبا بالمجاهدة من معين العروبة كما يحيل عليه المقال، ألا وهو معينٌ "نبضٌ العروبة" و"الإيمان بالوحدة العربية"؛ وغيرُه "نزوع نحو الانفصال".
ويشير المقال في تفصيل موثـّق مقتبس من سيرة الجابري بالضبط إلى أن التأطير المباشر للسالك التوّاق من طرف بعض الحوزات الأكاديمية والثقافية المشرقية أمرٌ حاسم في حصول هذه التربية التأهيلية على درب اكتساب صفة العروبة، سواء أتعلق الأمر بالتعريب المنهجي أم بالتعـرّب التلقائي.
وتجدر الإشارة أخيرا إلى أن الصورة البهيّة المقدمة عن مسيرة نجاح وفلاح الجابري، لم تحتفل بأي وجه من أوجه إشكالات ما عالجه في بابي الابيستيمولوجيا ونظرية الدولة اللذين ربط بهما مشروعهَ الأكاديمي فنجح أو أخفق؛ لكنّ كل عناصر الصورة المقدَّمة عن الجابري كصورة شخصية نموذجية قد أفلحت في الارتقاء في معراج العروبة قد استقاها كاتب المقال بأمانة من كتابات الجابري نفسه. وبذلك يجيب المقال عن سؤال "ماذا تبقى من صورة الجابري"، بما مضمونُه أن الجابري كان نموذجا للسالك التوّاق العجمي المغربي الذي نجح في بلوغ منزلة العروبة العاربة في "شقها السياسي خاصة" (انتهى التقديم).
-------------------------------------
نص مقال السيد جهاد فاضل
محمد عابد الجابري بين العروبة والأمازيغية
(بقلم جهاد فاضل)
يأخذ الأمازيغ في المغرب على المفكر العربي الكبير الراحل الدكتور محمد عابد الجابري انخراطه في العمل العربي القومي وانصرافه إلى الكتابة في قضايا العرب الفكرية والقومية، في حين أنه كان يتعين عليه أن يكون واحداً من النخب الأمازيغية التي لها قضيتها الثقافية والسياسية الخاصة. فلا يخفى على أحد أن الأمازيغية في بعض أقطار الشمال الافريقي لم تعد تكـتـفي بأبجدية أمازيغية خاصة، أو بقناة تلفزيونية رسمية ناطقة بالأمازيغية، وإنما تتطلع - ومنذ زمن ليس باليسير - إلى كيان سيّاسي، أو إلى كيانات سياسية، هنا وهناك، منفصلة عن الكيانات الموجودة؛ وفي المغرب، كما في الجزائر، لا يخفي قسم كبير من الأمازيغيين مثل هذه النزعات. لذلك كان عتبهم كبيراً على هذا المثقف المغربي اللامع الذي انصرف إلى التنظير للعروبة، وكيفية تحقيق الوحدة العربية وما إلى ذلك، في المواضيع التي يعالجها العروبيون، وكأنه نوح من ساطع الحصري أو قسطنطين زريق أو منح الصلح وسواهم.
وقد عبّرت الجمعيات الأمازيغية بوضوح عن امتعاضها من الجابري، وتمنت لو كان واحداً من المثقفين الأمازيغ الذين لهم أيضاً قضيتهم القومية والثقافية الخاصة بهم، كما للآخرين. ويبدو أن الجابري لم يلتفت إلى احتجاجات هذه الجمعيات ولم يتوقف يوماً عندها بدليل أن من الممكن تلخيص حياته السياسية بأمرين اثنين: أولهما التصاقه الحميم بالحركة الوطنية المغربية عن طريق عضويته في "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، وثانيهما مشاركته الفعالة في صفوف العروبيين خارج المغرب، وصدور أعمال كثيرة عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. وكثيراً ما شارك في مؤتمرات وندوات قومية عربية صرفة. وأنا شخصياً استمعت إليه مرة يحاضر في بيروت عن "الفكر القومي العربي".
وقد بدأ الجابري هذا المنحى السياسي والقومي منذ وقت مبكر، ولم يفكر يوماً في التراجع عنه. فعلاقته برفاقه في "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، ومن قبل "بحزب الاستقلال" وجريدة «العلم»، علاقة ثابتة ومتينة؛ ومع أنه لم تطل إقامته في حزب الاستقلال، إذ سرعان ما انضم إلى المهدي بن بركة ورفاقه الذين أسسوا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، إلا أنه كان لاقترابه من حزب الاستقلال وهو حزب وطني مغربي، ما يشي باعتزاله كل ما هو فـئوي أو جهوي أو أقــلــوي.
لقد كان يعي أنه مثقف مغربي وطني أو يساري، لا أكثر ولا أقل. أما أنه "أمازيغي"، أو من أصول مازيغية،على الأصح، فإنه لم ينكر يوماً ذلك. ومن يقرأ كتابه "حفريات في الذاكرة"، يجده يؤرخ لسيرته تأريخاً لا غموض فيه ولا التباس. فهو من أمازيغ مدينة فجيج في الجنوب الشرقي من المغرب، على خط الحدود الذي أقامه الفرنسيون بين المغرب والجزائر في أوائل القرن الماضي. وقد ولد في قصر زناكة بهذه المدينة، وفيه نشأ نشأته الأولى، وفي هذا القصر كانت جدته لأمه تغني له وهو صغير أغاني الأمازيغية. ولكنه، مع الوقت، نسي الأمازيغية، وتعلم العربية، ودرس بها وباللغة الفرنسية سواء في مدينة وجدة، على الحدود أيضاً مع الجزائر، أو في الدار البيضاء.
ولأن العروبة هي باللسان أو بالثقافة بالدرجة الأولى، فالجابري عربي كأي عربي آخر؛ بل هو كما سنرى أحد رموز الفكر العربي والثقافة العربية في زمانه. ولا شك أنه كان لدراسته سنة في الجامعة السورية بدمشق أثر كبير في صياغة وجدانه وسلامة بوصلته القومية؛ وهو نفسه يقول في "حفريات في الذاكرة" إن السنة التي عاشها في دمشق كانت سنة مليئة بالأحداث السياسية والقومية (1957 - 1958م)، وهي السنة التي تمت فيها الوحدة بين مصر وسوريا، وكان عبد الناصر بطل تلك الوحدة ورمز الأحلام التي عصفت في صدور النُخب والجماهير العربية في تلك المرحلة.
والطريف أنه عوقب بعد ذلك لأنه درس في دمشق. فهو يروي في كتابه "في غمار السياسة/ فكراً وممارسة" (الجزء الثاني) أن استاذه في الجامعة، الدكتور محمد عزيز الحبابي، أسقطه عمداً في الدورة الأولى رغم أنه كان متيقناً من صحة إجابته. وكما حاول الاستفسار من الحبابي عن سبب سقوطه كان الحبابي يتجنب الإجابة، إلى أن علم يوماً من صديق له أن الحبابي قال له يوماً: «أبلغ صديقك أنه سينجح في دورة أكتوبر؛ لقد نجح فعلاً في الدورة الأولى، ولكنني أردت أن أجعله يفهم أن الدراسة في سوريا أو في المشرق العربي لا تعني اكتساب حصانة ما«!.
وللتأكيد على أن الجابري كان عربياً كامل العروبة منذ مطلع شبابه، ما يرويه في كتابه هذا "في غمار السياسة" حول "قضية فلسطين التي عرّبت المهدي بن بركة". قال: "حينما عاد المهدي من زيارته الأولى إلى مصر في عهد جمال عبدالناصر، وكان قد سبق لي معه نقاش في سنة 1959م أو 1960م حول المشرق العربي، وكان يومئذ يجهل المشرق العربي، وذا ميول غربية ككثير من عناصر النخبة المغربية؛ كنت أنا أدافع عن الحركة التحريرية العربية، وكان هو ينتقد "العرب"؛ وتطوّر النقاش بيننا وحسمه وهو يهمّ بالمغادرة. قال: ألم تسمع بذلك الفيلسوف الإنكليزي الذي قال: "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا"؟ وانصرف ولم يترك لي مجالاً للاجابة. وبقيت في نفسي.
فلما عاد من غربته الأولى، وكان قد زار خلالها مصر وسوريا والتقى جمال عبدالناصر وزعماء حركة التحرير العربية، قلت له عندما زارنا بالجريدة: "كيف رأيت مصر وجمال عبدالناصر وزعماء سوريا"؟ فأخذ يحدثني بإعجاب؛ فقلت له: آه! لم يعد الشرق شرقاً والغرب غرباً! فرفع حاجبيه بتعجب، وقال وهو يضحك: "أما زلت تذكر؟" ثم أردف في جدية حديدية وقال: اسمع هناك الاستعمار والشعوب المستعمرة؛ وهناك الاستعمار الجديد والاستقلال المزيف، هناك الصهيونية وفلسطين.. هذا هو القسيم الحقيقي للعالم اليوم. وعندما انصرف أخذتُ أفكر في هذا. وقلت في نفسي: سبحان الله! قضية فلسطين عرّبت المهدي"!
يمكن أن نستنتج من هذه الرواية التي يرويها الجابري عدة أمور، أولها أن الجابري كان قد تعرّب تماماً، وقبل تعرّب المهدي بن بركة زعيم الحزب، بزمان. كان قد "عرف" المشرق العربي والحركة العربية القومية فيه، في حين أن المهدي كان يجهلهما. ثم أن الجابري يقول إنه "كان يدافع عن الحركة التحريرية العربية" وهذا يعني أنه عاد من بلاد الشام إلى المغرب وهو في العرب العاربة.
لقد أدرك تماماً نبض العروبة في المشرق العربي وما كان يمور فيه من تيارات سياسية وفكرية وقومية آمن بها ومنحها ثقته. ولا شك أنه كان يشعر بفخر لأنه سبق المهدي، وربما الاتحاد الوطني، حزبه، في «التعرّب» أو «التعريب».
فالنفس إذن كانت ممتلئة بهذا الإيمان القوي بالعروبة وبحتمية انتصارها، وبكون المغرب نفسه، هو الجناح الآخرللوطن العربي. لقد عاد إلى المغرب ولديه بوصلة الفكر القومي العربي الذي أضافه إلى فكره اليساري. وكان ذلك في مطلع شبابه، لا بعد ذلك. فهل يمكن لمثل هذا المثقف الذي عرف طريقه، وسلكه، أن يُصغي إلى أي نزعة جهوية أو مناطقية أو انفصالية، وأن يزجّ نفسه فيها؟
ثم إن الجابري اضطلع - عبر حياته كلها - بمهمة لا يضطلع بها إلا الأبرار الأخيار من أبناء هذه الأمة. تتمثل هذه المهمة بدراسة الفكرالعربي والتراث العربي والعقل العربي دراسة منهجية متقصية حاولت بناء نسق تشريحي للعقل العربي.
لقد ذكر في كتابه «التراث والحداثة»، «أننا ما لم نمارس العقلانية في تراثنا، وما لم نفضح أصول الاستبعاد ومظاهره في هذا التراث، لن ننجح في تأسيس حداثة خاصة بنا، حداثة ننخرط بها، ومن خلالها، في الحداثة المعاصرة العالمية كفاعلين لا كمجرد منفعلين»، وينتقد المشاريع السلفية والليبرالية والماركسية التقليدية للاندماج في العالم الحديث.
والواقع أن الجابري واحد من النهضويين والمنوّرين العرب الكبار في هذا العصر مثله مثل عبدالله العروي، وهشام جعيط، وأنور عبدالملك، ومحمد أركون، وهذا الرعيل؛ ولعله يمتاز عن هؤلاء في أنه أولى المشروع العربي، بشقه السياسي خاصة، اهتماما كبيراً. فكثيرة كتاباته التي تولي هذا المشروع عنايتها، وفي طليعتها كتاب يحمل هذا الاسم صادر عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت. وهذا يعني، في جملة ما يعني، أن الوجدان كان عروبياً صرفاً، وأن من حق الجمعيات الأمازيغية المغربية بالتالي أن تعتب عليه! (انتهى مقال جهاد فاضل)
---------------
استدراك بعدي:
إذا ما كان هذا التوصيف الذي لخص من خلاله الكاتب في يوليوز 2010 جوهر فكر الجابري صحيحا، فإن السؤال الذي لم يعد يقبل التأجيل، خصوصا بعد ما فاجأ به التاريخ الفلاسفة والمفكرين بعد ستة أشهر من ذلك، هو سؤال "من الذي يصنع الفلاسفة والمفكرين؟".
----------
مصدر النص المستشهد به: موقع "أصدقاء المغرب" (24 يوليوز 2010):
http://groups.google.com.sa/group/fayad61/browse_thread/thread/9d3e01a69821ed2a?hl=ar
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres