OrBinah

(En arabe) Péripéties sociologiques de la réalisation d’une thèse de linguistique au Maroc.

من سوسيولوجيا البحث العلمي بالمغرب، وقد كثر اليومَ الكلام عن لغة البحث العلمي.

"أزليّة" إنجاز رسالةٍ جامعية في النصف الأول من الثمانينات الماضية بالمغرب.

 

(دبلوم الدراسات العليا = Doctorat de 3e cycle في النظامين القديمين بالمغرب وفرنسا)

.

.

 

للبحث العلمي جوانبه المنهجية والإبيستيمولوجية، وله جوانب تدبيره الإداري الأكايمي والمالي، وجانبه البيداغوجي التكويني؛ لكنّ له كذلك جانبه السوسيولوجي الذي تتداخل فيه الأبعاد الشخصية والجماعية والسياسية والأيديولوجية. وهذا الجانب الأخير هو ما يحاول هذا المقال أن يقدم منه بعض اللقطات المعيشة المتعلقة بإنجاز رسالة جامعية في بداية ثمانينات القرن الماضي بالمغرب.

.

1-   بدأت قصة تلك الرسالة سنة مع نهاية ثمانينات ق-20، وكان صاحبها حينئذ  مساعد بكلية الآداب بوجدة، يدرس مادة "مدخل لدراسة اللغة" بشعبة العربية. وكان في نفس الوقت منسق تلك الشعبة منذ فتح الجامعة. وإذ ولج سلك التعليم العالي كـ"ماسعد" بناء على مجرد "شهادة الدروس المعمقة" التي حصل عليها في اللسانيات سنة 1976 بتأطير من الأستاذ أحمد المتوكل (= سنة خامسة بعد الليساني الرباعي السنوات؛ نجح اثنان من الفوج: هو، والأستاذ محمد الشادّ) ثم النجاح في "مباراة المساعدين" (1978؛ التي قد يتم الرجوع إلى أطوارها)، فقد قرّر، بعد عدة سنوات من زيادة التكوين الذاتي في حقل اللسانيات، أن يسجل رسالة الدكتوراه الأولى (قصد الانتقال إلى إطار "أستاذ مساعد" لذلك الوقت؛ "دكتوراه الدولة" هي التي تأهل للإطار الثالث "أستاذ محاضر").

.

2-  شد الرحال من وجدة إلى الرباط ليتصل بالأستاذ عبد القادر الفاسي الفهري ويقترح عليه موضوع لتسجيل الرسالة: موضوع "مسألة المـــــــنهــــــج في الدراسات اللغوية عند ابن جنّي". أقنعه الأستاذ، بحقّ، بالطابع المَـلوك التقليدي والفضفاض لذلك القبيل من المواضيع. وإذ كان الأستاذ حينئذ على احتكاك دائم، بالتبادل وفي عين المكان، باللسانيات الأنجلوفونية الأمريكية كما فهم الطالب لحين من الدهر ذلك إن صوابا وإن توهّما، فقد انتبه إلى القيــــــــمة التجريبــــية التي اكتسبتها حينئذ معطيات أوجه اللغة الأمازيغية في معهد الإيمايتي خاصة، وبالأخث على إثر نشر بعض أعمال اللساني المغربي الآخر محمد كًرسل (Mohamed Guersel الذي يقلّ من سمع به من المغاربة ، شأنه في ذلك شأن كثير من اللسانيين المغتربين ذوي الصيت العالمي (Jamal Ouhala, Abbas Ben Mamoun، الخ.).

.

3-  وكبديل عن ذلك الموضوع، سأل الأستاذ صاحب مشروع البحث عمّا إذا كان يحسن وجها من أوجه الأمازيغية ليحضر فيه رسالته، فأجاب هذا الأخير بالإيجاب؛ لكنه أضاف أنه، إذا كان له نصيب من المعرفة باللسانيات العامة، وباللغويات العربية القديمة، فإنه لا معرفة له بما تراكم في باب الدراسات اللغوية الأمازيغية، ولا يتوفر، في خزانته ولا في خزانة مؤسسته، من ذلك شيء.

طمأنه الأستاذ بأنه سيعمل بنفسه على تسهيل الحصول على أعمال للتصوير من لدن زملائه في كل من شعبتي الفرنسية والإنجليزية بكلية آداب الرباط. ولعل الأستاذ كان يرى في ذلك المشروع سبيلا لبداية إغناء العربية ونقل قبيل جديد من المعرفة إليها تكون حاملا له بعد أن استأثرت بحمله لغات الأجنبية.

.

4-  تمّ الاتفاق على جعل البحث متمثلا في دراسة مقارنة لـ"صرف الاسم" (تعريف/تنكير، تذكير تأنيث، تصغير/تكبير، صيغ جمع السلامة، وصيغ جمع التكسير، الخ.) ما بين العربية والأمازيغية، ونصح الأستاذُ صاحبَ مشروع البحث بالشروع في اقتناء جميع أجزاء "شرح الشافية لابن الحاجب" للأسراباذي وتلخيص ما ورد فيها في تلك الأبواب الصرفية. توجه صاحب المشروع توّا إلى مكتبة واقتنى "شرح الشافية" بأجزائه الكاملة، ثم توجه إلى مجذة خزانة كلية الآداب للاطلاع على ما فيها مما يتعلق باللغة الأمازيغية والقيام بتصوير البعض منها؛ لكنه مُنع من ذلك لعدم توفره على بطاقة. طلب مقابلة مدير الخزانة، الأستاذ عبد الله بونفور الذي أعطاه ترخيصا، فتمكن من القيام ببعض ذلك في عددة أيام، ثم سأل عن الأستاذ الجيلالي السايب (شعبة الإنجليزية) لِما وجد من إحالالات على بعض أعماله في باب فونولوجيا الأمازيغية، فمكّنه هذا الأخير من بعض مصوّرات أعماله ...

.

5-  عاد إلى شرق البلاد، وأخذ لمدة سنة كاملة يعمل على تلخيص كتاب "الشافية"من جهة ، وعلى ردم فراغه المعرفي التام في باب الدراسات اللغوية الأمازيغية. وكان أول عمل متكامل قرأه بعناية هو رسالة دكتوراه السلك الثالث للأستاذ محمد الشامي حول أمازيغية الريف، إضافة إلى المصورات التي صحبها معه من الرباط.

.

6-  عاد بعد سنة إلى الرباط لطلب مقابلة الأستاذ يقدم له خلالها عرضا حول تقدم تصور الموضوع. بيّن له أن المقابلة المقارنة ما بين صرف الإسم في العربية على شساعته، خصوصا باب "جموع التكسير"، مضافا إليه شساعةُ معطيات صيغ الجموع في الأمازيغية (على ضوء معرفته الجديدة بالميدان) أكبر حتّى من موضوع أطرحة دكتوراه دولة، وأن الواحد أو الآخر من ذينك الجانبين كاف بمفرده لتشكيل موضوع رسالة أو أطروحة. وبيّن له، أخيرا، أن ما اكتشفه من معطيات معرفية في باب اللغة الأمازيغية، التي اقترحها عليه الأستاذ مشكورا، جعله يبحر في ذلك الاتجاه إبحارا يرى معه أن حصر الموضوع في الأمازيغية بدل عمل المقارنة هو الأصوب وهو الذي في المتناول في نفس الوقت، فلم يعارض الأستاذ ...

.

7-  في سنة 1982، كان هناك إعداد لـ"الندوة الدولية الأولى للسانيات" من تنظيم كلية الآداب بالرباط. تمّت دعوة صاحب المشروع للمشاركة في إحدى جلسات اللجنة التنظيمية. شدّ الرحال من جديد من وجدة إلى الرباط. عُقدت الجلسة برئاسة وتسيير من الأستاذ عبد الجليل الحجمري بمقر المدرسة العليا للأساتذة (إذا لم تخن الذاكرة صاحب المشروع لأنه لم يكن يعرف الرباط جيدا)، ويتذكر من بين الحضور كلّا الأساتذة عبد القادر الفاسي الفهري، والمرحوم أحمد الإدريسي، وعبد الرحيم اليوسي، والجيلالي السايب. كان صاحب المشروع يتصور أن تلك المناسبة مناسبة لقيامه في نفس الوقت بالتسجيل الإداري الرسمي لموضوع رسالته الذي استمر في التقدم فيه، مفضلا البدء بالأصوات والفونولوجيا الأمازيغية (الأصوات الأصلية، الإبدالات، الحذف والزيادة، الفك والإدغام ...) التي لا يمكن الحديث عن الصيغ الصرفية في أيّ لغة من اللغات دون توفر المعرفية بها أولاً.

.

8-  هناك، في تلك الجلسة، اكتشف صاحب المشروع أن القوم أصبحوا قومين، يعبّر بعضهم عن تلك "الثنائية المانوية" بنرفزة وبصخب وصراخ هيستيريين، من خلال إلحاح البعض، إلحاحا مدعّما برُكام من الكتب استقدمها معه، على ضرورة دعوة بعض الأسماء لندوة اللسانيات (الأردني كمال أبو ذيب، مثلا) ورفضِ البعض الآخر لتلك الأسماء بدعوى أن أصحابها غير لسانيين، بينما يدافع هذا البعض الآخر عن لائحة أخرى يرفضها البعض الأول. ... كان الأستاذ الحجمري في تلك الجلسة كمروّض ثعابين.

لم يفهم صاحب المشروع كثيرا ماذا حصل بالضبط في الرباط (دخل متأخرا فكان كل صف من الطاولة المستطيلة يدعوه للجلوس في صفه، فكانت له بديهة الجلوس في الطرف الثاني للطاولة في وجه مسير الجلسة فالطرف الآخر)، وذلك بالرغم من أن بعض مظاهر ذلك كان يتجلى كذلك في مؤسسته بوجدة من خلال تعامل البعض مع أحد الأساتذة بشعبة العربية (محمد الشامي)، وذلك إلى أن سمع المرحوم أحمد الإدريسي (رئيس شعبة العربية بكلية آداب الرباط) وقد قام صارخا : [...، ومن يبتغي بغير العربية لغة فـــلـــن تقبل منه].

.

9-  البقية، في الشقّ المغربي لإنجاز بحث "دبلوم الدراسات العليا = Doctorat de 3e cycle" عبارة عن جزئيات متوقّعة بعد الذي حدث في سقيفة لجنة الإعداد للندوة الدولية للسانيات: فـلمدة عدة أيام، وصاحب مشروع البحث، الذي أبحر إبحارا في بحثه دون أن يتم تسجله إداريا، يتردّد على الكلية وهو عرضة للتقاذف، كالكرة، بين الأستاذ المشرف من جهة ورئيس شعبة العربية من جهة ثانية: كل طرف يعزو "عدم التفهّم/التعاون ..." إلى الطرف الآخر، ولم يكن باستطاعة الطالب، طبعا، أن يقابل الطرفين وجها لوجه. وعلى إثر نوبة بكاء حادة باغثته وغلبته غلبا وهو في مكتب السيد رئيس الشعبة، عليه الرحمات، أخذته العزة فكفر بالجامعة المغربية، وخرج لا يدري بعد أين يولي وجهه. وثم كانت مناسبةُ مناقشة دكتوراه الدولة من طرف أستاذه أحمد المتوكل (الذي حضر الطالب "شهادة الدروس المعمقة" بتأطير منه كما سبقت الإشارة)، فأقبل الطالب على أستاذه في قاعة الأساتذة بكلية آداب الرباط، مشتكيا من انسداد الأفق أمامه، وذلك لبضع دقائق من الذهاب إلى المناقشة في "مدرّج ابن خلدون". كان الأستاذ، على الرغم من رسوخه في العلم، متوترا يلوك على لسانه قرصا مريحا مهدّئا أبيض اللون؛ ولكنه لم يتردّد في التصريح لطالبه في اختصار: "سير شوف ليك شي "بيربيريزان" ففرانسا؛ هاذو راه كا يلعبو عليك"، فانتهى الكلام، وبدأ المنعطف، منعطف جديد، ربما تمّت العودة إلى سرد بعض أطواره.

----------------

مقدمة الرسالة المذكورة بعد تسجيلها، ثم مناقشتها سنة 1985 في بلاد العجم بلغة المستعمر الغاشم (في انتظار عودة محتملة إلى سوسيولوجيا تسجيلها هناك ثم مناقشتها، وإلى وقعها في حقلها المعرفي ووقع ما تفرع عنها بعد ذلك من أعمال منشورة):

https://orbinah.blog4ever.com/en-francais-le-parler-berbere-chleuh-d-imdlawn-these-de-doctorat-de-3e-cycle-1-introduction

---------------------------------

 

 

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



10/04/2019
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 345 autres membres