OrBinah

(En arabe) Pérégrinations de l'artiste, feu Hassan Megri, à la recherche du sublime

شهادة وذكرى مع الفنّان الراحل حسن ميكًري

 

(من معابد كاثـموندو بالنيبال إلى مدرسة تانالت العتيقة بسوس، بحثا عن أسمى المعاني)

 

 

 

"جُـــل تـــرَ  المعـــــاني" (عنوان كتاب للموسيقار المرحوم صالح الشرقي-1997)

 

غدا الأحد 21 يوليوز يمضى أسبوع على رحيل الفنان الكبير حسن ميكًري تغمد الله روحه في ثنايا رحماته؛ والأسبوع لا شيء بالنسبة لحساب الدهر والآباد. استرعت انتباهي ملاحظة تدوينة للأستاذ عبد محمد بوخزار نشرها قبل أيام في صفحته على الفايسبوك تقول: [قرأت نعي الموسيقار حسن ميكري في 9 صيغ خبريّة متشابهة في النقطة والفاصلة دون معلومة إضافية. حقا الصحافة مهنة المصائب عند البعض].

الواقع أن الراحل لم يكن يعدم المعارف لا في الحقل الفني ولا في الحقل الصحفي ولا في أوساط النخبة المثقفة، بالرغم من أنه ظل ملتزما بتواضع صادق وربما مبالغ فيه في حقل ما يحسب على الثقافة، وهو الذي مارس الصحافة كما مارستها وتمارسها وزوجته السيدة وفاء بناني، إضافة مشواره الفني في ميدان الموسيقى تأليفا وتلحينا وأداء، فرديا أو جماعيا في إطار مجمموعة الأخوة ميكري التي أسّـسها وطبعت ذاكرة الأجيال منذ نهاية الستينات؛ ومع ذلك فملاحظة الأستاذ بوخزار قائمة: صحافة ونسخ وقرصنة الجذاذات الجاهزة.

الراحل الفقيد، حسن ميكًري، كان أيضا فنانا تشكيليا كاليغرافيا ورحالة مغامرا متصوفا اخترق الآفاق على الطريقة الهيبّية بأسلوبه الخاص باحثا عن مسالك وحوزات الفن والتصوف والكرامات في بلاد فارس (حيث ولع بفن الكاليغرافيا) والنيبال والهند بالمشرق، وفي مزارات العلم والبركات والكرامات في المغرب. فلربّما قليلٌ هم من يعرفون أن حسن ميكًـري، قد سمع في عزّ شبابه عن أحد أقطاب العلم والبركات والكرامات الشهير في سوس، المرحوم الشيخ الحاج محمد الحبيب، فشدّ الرحال لزيارته بمدرسة تانالت العتيقة في جبال ايت باها ملتمسا بركاته ودعواته. لقد حدّثني يوما - ونحن على متن سيارته ما بين مدينة سلا وفضاء "الكولف الملكي"، حيث كنا على موعد لقاءِ عملٍ مع الباحث الموسيقي الأستاذ عبد العزيز بن عبد الجليل الذي قدم من مكناس - بحماس عن تلك الرحلات السندبادية العجيبة، ومن بينها رحلة مدرسة تانالت العتيقية لزيارة سيدي الحاج الحبيب.

قال إن أحد معارفه السوسيين (لعله من الدار البيضاء) علم بعزمه على القيام بتلك الرحلة فناوله عشرين درهما، وطلب منه أن يسلهما نيابة عنه كـ"زيارة" للحاج الحبيب يدا بيد؛ وكذلك فعل. رحب به الشيخ، حسب ما حكى لي وقال له: أقم بيننا فأنت ضيفنا هنا. وبعد أن قضى ثلاثة أيام وتقدم لوداع الشيخ، استل الشيخ 20 درهما من تحت سجاده (ولعلها نفس القطعة) وناولها إياه قائلا: هذه البركة لك أنت؛ فتعجب سّي حسن من دلالات ذلك.

سألته عما إذا كان يسمع/يعرف عن الفنان الأمازيغي الشهير الحاج محمد الدمسيري فأجاب أن نعم "الله ياودّي". قلت له: لا أعرف بالضبط أغوار نيّتك من زيارة شخصية الشيخ الحاج الحبيب، ولكنّي أعرف أن المرحوم الدمسيري كان يعاني من قلق في ممارسته لفن الغناء في محيط مجتمعه السوسي المتديّن، فلم يرتح له بال إلا بعد أن شد الرحال لزيارة  سيدي الحاج الحبيب طالبا منه المشورة فأقرّه الشيخ إقرار على فنّه، وقد نظم الدمسيري ذلك في إحدى قصائده التي غنّاها.

بقطع النظر عن حسن ميكًري المتصوف والفنان التشكيلي، واقتصارا على مجرّد حقل الموسيقى، الجميع يعرف هذا الرجل كفنّان موسيقى تأليفا وتلحينا وأداء، فرديا أو جماعيا في إطار مجمموعة الأخوة ميكري التي أسّـسها وطبعت ذاكرة الأجيال منذ نهاية الستينات. لكنّ قليلا من الناس يعرف أنه كذلك من منشط ومنعش ومتعهد للشأن الموسيقي من خلال تأسيسه لــ"المجلس الوطني للموسيقى" التابع، كفرع فالمغرب، للمجلس الدولي للموسيقى المتعامل مع منظمة اليونيسكو والذي عقد مؤخرا مؤتمره بالرباط (بتاريخ  11-13 نوفمبر 2015)، ومن خلال تأسيسه وترأسه لـ"المهرجان الدولي: صيف الوداية". ويتمثل ذلك التنشيط والإنعاش في تنظيم عدة ملتقيات فنية لفائدة الجمهور بتعاون مع عدة مؤسسات كوزارة الثقافة ومسرح محمد الخامس وبعض الجمعيات توزع خلالها عدة جوائز رمزية تكريما لكثير من الفنانين الموسيقيين المغاربة من مختلف الأنواع المسيقية لغة وطبوعا؛ وأهم تلك الجوائر "جائزة الفارابي" و"جائزة الخلّالة الذهبية" و"جائزة الرباب الذهبي"، و"جائزة زرياب للمهارات الموسيقية". "ويسهر على اختيار الفنانين المتوّجين بهذه الجوائز في مهرجان "صيف الأوداية"، وبجوائز المجلس الوطني للموسيقى، والتي تُسلم في تظاهرات أخرى، لجنة فنية يرأسها الموسيقار المغربي، عبد الوهاب الدكالي، وعضوية كل من الفنان عبد العزيز بن عبد الجليل، ومغنية الترانيم السوبرانو، سميرة القادري، والفنان حسن ميكًري، والباحث والكاتب محمد المدلاوي" (اقتباس). وكان حسن ميكًري، بروح مبادرته وبحيويته العملية، هو المسيّر الفعلي لأنشطة المجلس الوطني للموسيقى بناء على ثقة بقية أعضاء مكتب المجلس الذين إنما يباركون اقتراحاته ويزكون مبادراته، ساعده اليمنى في ذلك زوجته الصحفية السيدة وفاء بنّاني التي تشتغل في الظل بتفان وفعالية.

كان أول لقاء عمليّ لي بالفنان المرحوم، حسن ميكًري،  يوم 3 غشت 2007 بفندق هيلتون بالرباط. وكان لقاءً قد رتبته مغنّية التارنيم، الصوبرانو زبيدة الإدريسي. كان موضوعه هو صياغة مقترح/مشروع اتفاقية شراكة بين المجلس الوطني للموسيقى الذي حصل لي شرف الانخراط في مكتبه المسيّر كباحث مستشار، وجمعية "مهرجان تيميتار" بأكًادير الذي كنت أقوم فيه لمدة خمس سنوات بمهمة التنظيم الإدارة العلمية للملتقيات العلمية حول "الموسيقى الأمازيغية وموسيقى العالم" (وقائع تلك الملتقيات، رهن الطبع بباريس الآن، بكثير من التأخر)، وذلك من أجل إشراك تلك الجمعية في أنشطة التكريمات.

صغنا مشروع الاتفاقية، وبُعث به إلى رئيس جمعية تيميتار السيد عبد الله غلام إدارة مهرجان. وبالرغم من أن تلك المبادرة لم يكتب لها التحقيق، فقد قام المجلس بتكريم كثير من أوجه الموسيقى الأمازيغية والصحراوية في بعض  ألوانها ("الخلالة الذهبية" لمجموعة بلعيد العكاف/هـــنـــا، ولفاطمة تيحيحيت، ولمجموعة "أرشاش" ولمجموعة "بعية" الصحراوية، الخ.) إلى جانب عدد كبير من أوجه الغناء والعزف بالمغرب (سميرة القادري، عبد الوهاب الدكالي، زبيدة الإدريسي/هــــنــــا، الحاج يونس، نعمان الحلو، واللائحة طويلة).

 

وكان آخر اتصال بيننا قبل حوالي شهر من اليوم، أي في أواخر يونيو 2019 على شكل مكالمة هاتفية. اتصل بي المرحوم، كعادته في كل مناسبة من المناسبات أو عيد من الأعياد. بادرت، بعد السلام وقبل أن يدخل في الموضوع، إلى التعبير له عن حرجي وعن اعتذاري الصادق له عن استسلامي لدوّامة الحياة مع أن زوجتي تلحّ عليّ دائما بزيارتنا له للاطمئنان على حالته الصحية. قاطعني في الحين، بصوت قويّ طمأنني في الحين على حالته الصحية،قائلا: "آ-سيــــدي، اجـــــي فين تخدم، كًالاك الزيارة. راه بغيناك تحضر وتشارك معانا فالمهرجان الماجي، "صيف الوداية" ديال 27-30 يوليوز؛ ياك ما نسيتي؟".

كان ذلك لأسبوع قبل سفري إلى خارج الوطن؛ ويحزنني أن يغادرنا سي حسن وأنا خارج الوطن فلم أحضر تشييع جنازة فنان كبير وصديق عزيز. كان الفقيد كثيرا ما يحدثني عن أبيه وكيف كانت تربيته حاسمة في بناء شخصيته وتحديد اختياراته؛ ولعل ذلك الارتباط بتربية الأب يستمر اليوم مع بداية مشوار ابنه الفنان الشاب، ناصر ميكًري، الذي لا يفتأ يتحدث عن أبيه سّي حسن كمثل للإلهام. رحم الله سي حسن وألهم أسرته الصغيرة والكبيرة وكافة إصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان.

--------------------------------

 

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques

 

 



20/07/2019
5 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 347 autres membres