OrBinah

(En arabe). Modes et rythmes des genres musicaux marocains et présence marocaine dans le monde (esquisse préliminaire)

ندوة الموسيقى والعلوم

(3 يوليوز 2025)

من تنظيم:

"كلية الآداب والعلوم الإنسانية - عين الشق" مع "الجمعية المغربية لتكامل العلوم"

-----------

"مقامات وإيقاعات الأنواع الموسيقية المغربية، والحضور المغربي في العالم"

 

محمد المدلاوي المنبهي

27 يونيو 2025

 

تنــــبيــه

 

إذ حالت ظروف خاصة دون قدرتي على المشاركة بشكل حضوري في هذه الندوة التي شرفني بالدعوة إليها زميلي الأستاذ أبو بكر العزاوي باسم الأطراف المنظمة ولا على إكمال تحرير هذه المشاركة على أن يُبعث بها لتقرأ في الموعد المحدد، فإن ما يلي عبارة عن رؤوس أقلام للتصميم الذي وضعته لمشاركتي هذه والذي لم أتمكن هنا من إنجاز تحرير أولي لإركانه سوى في ما يتعلق بثلاثة من مباحث قسمه الأول. إنها مباحث (1) "موسيقى الآلة"؛ (2) "طرب الملحون"؛  (3) أنواع "أحواش"، "الروايس، "احيدوس"؛ (4) "العيطة الجبليو".

 

بقية الأقسام ومباحثها معطاةٌ في نهاية هذه الورقة التي بعثت بها إلى منظمي الندوة على أمل التمكّن لاحقا من تحريرها مكتملةَ العناصر والهوامش وبيبليوغرافية المراجع في أفق صدور محتمل لوقائع الندوة.

 

 

 

تلخيص

 

1-   يقع المغرب في نقطة ملتقى تقاطع مِحورِ التقاء قارتين (إفريقيا وأوروبا) مع مِحورِ مَجمَعِ بحرين عظيمين (البحر المتوسط والمحيط الأطلسي)، أي في قلب مهد حضارة العالم القديم. والمغرب في حدّ ذاته متنوع من حيث تضاريسه الطبيعية، من سهول وجبال وأودية وصحراء، بما يترتب عن كل ذلك من حيث المناخ ونوعية الأنشطة الاقتصادية والبنيات السوسيو-ثقافية المناسبة لكل مجال طبيعي جهوي.

 

إن تلك الحتمية الجغرافية هي التي حدّدت، عبر التاريخ، ما تَميّز به المغرب منذ القدم من تنوّع في وحدة وتكاملٍ، على مستويات إثنيات العناصر البشرية، والبنيات السوسيو-اقتصادية الجهوية، وما يرتبط بكل ذلك من تنوّعات فكرية ولغوية وثقافية وفنية.

 

وفي إطار موضوع هده الندوة، تتمثل الفقرات الآتية لهذه المساهمة في استعراضٍ لأهم الخصائص الفنية البنيوية للمقامات والإيقاعات الموسيقية التي يزخر بها المغرب، ولمدى تَوفّـرِ ما يلزم من دراية أكاديمية صورية شاملة ومتكاملةِ العلوم بتلك الخصائص البنيوية وبالوظائف الإثنو-موسيقية للأنواع الموسيقية المعنيّة، وفي التساؤل عن مدى وجود تصوّرِ خطّةِ سياسةٍ-ثقافيةٍ عمومية لجعل ذلك الرصيد الثقافي ذراعا من أذرُع مرافقة الحضور المغربي وتمكينِه في العالم، ديبلوماسياً واقتصادياً (تبادلات تجارية واستثمارية).

 

--------------------

 

 

 

القسم الأول.

 

أهمّ الأنواع الموسيقية المغربية، وبعض مميزاتها البنيوية والوظيفية

 

2-  الأنواع الموسيقية المغربية أوسع من أن يحاول الدارس استقصاءها في حيز زمكاني مثل هذا، ثم  إن من شأن ذلك الاستقصاء، إذا ما قُصد لذاته، أن يشكل شرودا واستطرادا بالقياس إلى عنوان هذه المساهمة ("مقامات وإيقاعات الأنواع الموسيقية المغربية، والحضور المغربي في العالم").

 

سيتم الاقتصار إذن على أهمّ الأنواع ممّا له تعلقٌ بالعنوان المقترح كموضوع. تلك الأنواع، باختصار، وبترتيب شبه اعتباطي في تناولها هي "موسيقى الآلة، والطرب الغرناطي"، "طرب الملحون"، "الكًناوي والحسّاني"، "أغاني ورقصة أحواش وأحيدوس الجماعية"، "العيطات السهلية والجبلية"، "الدقّة المراكشية والرودانية"، "أغاني ورقصات  الميزان الهوارية/المنابهية".

 

 

 

(1) نوع موسيقى الآلة والطرب الغرناطي

 

3-  موسيقي الآلة نوع موسيقي مغربي-أندلسي، أطلَق عليه الفرنسيون اسم Musique andalouse، فأصبح معروفا بـعد ذلك بـ"الموسيقى الأندلسية".[1] يتميّز هذا النوع الموسيقي، في مقارنته بالموسيقى المشرقية القديمة وخصوصا منها ما يعرف بـغناء "الموشحات" الشامية (التي تُنسَـب بدورها إلى الأندلس في ربط بـ"قصة زرياب")، بميزة خاصة فارِقَة بين مقاماته والمقامات المشرقية (فارسية، عربية، تركية). إنها ميزة نُدرةِ رُبع التونه (un quart de ton) في مقامات موسيقى الآلة. ميزة نُدرة ربع التونة هاته، تصدق كذلك ومقامات/modes الموسيقى الغربية؛ بينما ينتفي ربع التونة كليّا في سائر أنواع الموسيقى المغربية الأخرى.

 

 تمتّع هذا النوع الموسيقي المغربي (موسيقى الآلة) بحظوة إعلامية خاصة بالقياس إلى غيره من الأنواع منذ بداية استقلال المغرب، في وسائل الإعلام السمعية ثم السمعية البصرية العمومية (ما بعد نشرة الأخبار الزوالية بشكل رتيب، وفي الحفلات الرسمية وشبه الرسمية)، باعتباره يمثل "الموسيقى العالِمة" المغربية عند الخاصّة؛ وذلك بالرغم من أنّه نوع لم يعُـد يعرف التأليف (على خلاف ما هو شأن الأغنية العصرية مثلا)، إذ ظل مقتصرا على تكرار أداء الديوان/الريــبيــرطوار، الموروث سماعيا بالأساس، حيثُ لم تكن تسنده تقاليد تنويط صوري كتابي كما هو شأن ما يصطلح عليه بـ"الموسيقى العالمة" عامّة (Musique savante)؛ انظر Elmedlaou/Orbinah.

 

هذا النوع الموسيقي، الذي كان أداؤه مقصورا على أجواق بعض الحواضر المغربية (تطوان، شفشاون، فاس، ...)، قد عرف دفعة تعريفيّة إنعاشية نوعية ابتداء من العقود الأخيرة من القرن-20، أعطته أبعادَ حضورٍ واسع في أوساط شرائح اجتماعية مغربية لم يكن محطَ هتمامها من قبل، ثم خارجَ الوطن خلال نفس الفترة. كان مردّ هذا البعد الدولي الأخير لذلك الحضور يعود إلى ارتباط مقامات ألحان هذا النوع الموسيقي المغربي بأداء كلمات "بيّوطات" وأذكار وتراتيل الجماعات اليهودية المغربية.

 

ذلك لأن هذه الجماعات التي لم تطوّر في المغرب موسيقىً إثنية خاصة بها (بخلاف جماعات يهود أوروبا الشرقية واليمن وإثيوبيا؛ انظر Elmedlaoui EDB) والتي ظلّـت فِرقُها/أجواقُها - بالعكس -محتضِنة لتقاليد الغناء/سماع في أوساط الخاصة بالحواضر المغربية في دواخل قصور السلاطين وبيوتات الأعيان،[2] خلال الفترات التي يحتدّ فيها تشدّد فقهاء الحواضر إزاء فنون العزف بالآلات، على خلاف كون كثيرٍ من ربّـيّـي الجماعات اليهودية المغربية من أكبر المنشدين للبيوطات والمزامير في نفس الوقت (وعلى رأسهم كل من ربّي دافيد حَـسين، وربّي دافيد بوزاكًلو، وربّي حاييـم لوك حالياً).

 

وبعد أن تـشتّـتت تلك الجماعات على شكل دياسبورة/شتات، مع موجات هجراتها خلال النصف الأخير من القرن-20 وبعد أن تـشتّـتت تلك الجماعات على شكل دياسبورة/شتات عبر العالم (أوروبا الغربية، إسرائيل، أمريكا الشمالية؛ انظر Itzhak Dahan 2022 ، المدلاوي 2025)، ، حملت معها رصيدَها من تقاليد الأنواع الموسيقية المغربية، بما في ذلك على الخصوص ما يعرف بـ"الموسيقى الأندلسية" و"الطرب الغرناطي". وقد تشكل في الحين في صفوف ذلك الشتات، وفي نوع من المنافسة الحادّة، عدد كبير من أجواقٌ ما أصبح يسمى عند تلك الجماعات بـ תזמרת אנדלסית ([تازموريت أندالوسيت] "الجوق الأندلسي") في عدد كبير من الحواضر الأجنبية، خصوصا في الولايات المتحدة وإسرائيل.

 

مع تلك التطوّرات الديموغرافية والسوسيولوجية والإثنو-موسيقية، لم تعد أغراض التراتيل والأذكار تغلب على أداء مقامات موسيقى الآلة والغرناطي في صفوف ذلك الشتات؛ إذ توسعت قاعدة وظائفها إلى أغراض احتفالية/فرجويّة محض، باعتبار كلمات الغناء وتفاعل الجمهور بالرقص. وقد تنوّعت آلات العزف والنقر في تلك الأجواق، فلم تعد مقصورة على الكمان والعود والبيانو والرباب الثنائي الوتر، إذ يتمّ أحيانا إدخال آلات النفخ النحاسية (هوبْـوَا، ساكسوفون، ترومبيط)، وإجراء التناوب أو الهرمونيا المتوازيةِ الأصواتِ بين أداء الآلات على مستوى التوزيع بشكل يقرّب ذلك الأداء أحيانا من توزيعات الموسيقى الكلاسيكية الغربية، على خلاف ما كان يسود من أداء جماعي وحيد الخط/الصوت. كما يتّم أحيانا إدماج العنصر النسوي غناءً (صولو أو جوقة) و/أو عزفا على آلات مختلفة بما فيها الكمان (صولو أو مع الجوق) وكذلك تنويعٌ في الهندام، حسب الفرق/الأجواق، ما بين الهندام التقليدي (جلابيب وطرابيش) والهندام الحديث (بذلات عصرية)؛ الخ.

 

إشارة أخيرة: لقد أصبح مصطلح "تازموريت أندالوسيت" المذكور يطلق في تلك الأوساط على أجواق جميع ألوان الغناء المغربي الناطق بالعربية أو بالعبرية أو بالمطروز ما بينهما، بما في ذلك الأغنية الشعبية "العصرية" والنوع المعروف بـ"الشاكًوري"، بشكل ينتهي في كثير من الظروف الاحتفالية بما يعرف بكشكول الغناء (انتقال من لحن إلى لحن بأيقاعه إلى لحن آخر بإيقاعه). بل إن ألوان الموسيقات المغربية تنتهي عند البعض بإدرجها في خانة "الموسيقى المشرقية" (في إطار التمايز الإثني بين اليهود الأشكينازيم واليهود السيفارديم) سامي المغربي، سليمان المغربي، نيطاع القيم، إميل زريحان، الهلالي، مويجو ملول ... بالنسبة لهاذا المفهوم

 

 ويظل حاييم لوك تلميذ شقارة ما بين لوس انجلوس، وكذلك امزالاك (مؤلف المقطوعات الصامتة)

 

 

 

(2) نوع طرب الملحون

 

4-  يتميز طرب الملحون، على مستوى كلمات قصائده، بكونه بالفعل "ديوان المغاربة" كما يقال؛ إذ يعكس أجملَ وأعرق ما أبدعته قرائح العبقرية المغربية في ميدان الشعر الغنائي والحِكَمي والصوفي والاجتماعي والفُرجَوي ("الكًحار") الناطق بالعربية، مُعرَبِها ودارجها غير المعْرب. كما تتميز كلمات قصائد الملحون بنظام عروضي صارم بديع أصبح محط عناية الدراسات العروضية المقارنة على المستوى العالمي.[3]  نظام عروضي قائم على دائرتين عروضيتين اثنتين فقط، توّلدان لائحة مفتوحة من الأبحر أحصِيَ منها ما يناهز 140 بحرا مستعملا،[4] وهي لائحة أبحر مفتوحة أمام استعمال ما هوّ ممكن مهمل من الأبحر من طرف النظّام المستبطنين ذهنيا لآلية ذلك النظام العروضي المولِّـد للأبحر، على غرار النظام العروضي الأمازيغي (Dell & Elmedlaoui 2008)، وعلى خلاف قائمة أبحر الشعر العربي التقليدي التي حُصرت سماعاً منذ قرون.[5]  ثم إن طرب الملحون، قد أصبح محط ّعناية دراساتٍ أنثروبو-ثقافية وإثنو-موسيقية في بعض الجامعات الأجنبية (الأمريكية خاصة)،[6] بينما ظل تناول الملحون في الجامعة المغربية - بالرغم من مجهودات أمثال محمد الفاسي وعباس الجراري وعبد الله شقرون – محتشما ومقتصرا على تراجم وبيوغرافيات الشيوخ من نظّام ومنشدين ورواة و/أو على الحديث عن الكنانيش، ونشر بعض الدواوين، الخ.[7]

 

وأخيرا، يتميّز الملحون، على مستوى ميزان أيقاعات ألحانه، بغنى وتنوع تلك الموازين الإيقاعية (Mesures rythmique)، باشتماله، بشكل يكاد يكون ملازما لأداء كل قصيدة، على إيقاع الميزان الإيقاعي الخماسي (Rythme quinaire) المشهور في كثير من أنواع الموسيقي المغربية (أحواش، الروايس، احيدوس، الميزان الهوّاري/المنابهي)، والنادر في الموسيقى الغربية عموما - مما عدا بعض مقطوعات الجاز - وغير المعروف في الموسيقى المشرقية. وهو من الموازين الإيقاعية الوِتْريــة (Odd rythms ; Rythmes impaires) المسمّاة بـ"الميزان العرج" (موزاين:  8/3؛ 8/5؛ 8/7؛ 8/9).[8]

 

 

 

(3) أنواع "أحواش" و "أحيدوس"، و"أغاني الروايس" (تاسكيوين)

 

5-  بقطع النظر عن خصائصها الأدبية على مستوى الأغراض الشعرية للكلمات (أغراض غنائية، ملحمية، حكَمية، اجتماعية، منافراتية/فرجوية مثل أغراض ووظائف غناء "التروبادور"، ومثل الملحون إلى حدّ ما)، وبقطع النظر عن خصائصها البلاغيّة في باب البيان (الترميز بـ"معنى المعنى")، وعن خصائصها العروضية القريبة جدّا من خصائص العروض الأمازيغي (في سوس والحوز وسلاسل جبال الأطلس) مما عدا خلوّها في باب البديع (انظر Dell & Elmedlaoui 2008) من القافية،  تتميز أغاني الروايس وأحواش على مستوى الألحان بخاصيةِ غلبةِ مقامات السلّم الخماسي الدرجات (Echelle pentatonique)[9] على ميلوديات بنياتها اللحنية، هذا السُـلّمِ الخماسي غيرِ المستعمل في الموسيقى المشرقيّة، والنادر الاستعمال في الموسيقى الغربية القديمة (كان معروفا في عهد مجموعات "التروبادور" ما بين القرنين 11 و13 في جنوب أوروبا الغربية)، وقد استعمله عدد قليل من مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية أمثال Ravel ; Debussy؛ لكنه ظهر في العصر الحديث في بعض ألوان الموسيقى الغربية مثل ألوان "الجاز" و"البلوز" و"الريكَي" ذات الخلفيات الإفريقية.

 

6-  وبالمقابل، هذا السلم الخماسي، هو السائد أو الغالب الاستعمالِ كذلك في موسيقى الكًناوي، وموسيقى المجال الحسّاني بالصحراء ("الهون" و"الكًدرة") وفي "بلدان الساحل"، وفي "غرب إفريقيا" و"شرق إفريقيا (إرتيريا، إثيوبيا، السودان)، وكذلك في بلدان الشرق الأقصى كالصين، والتيــبـت، واليابان حيث يمثل هذا السلّم النغمي الخماسي سُلّم موسيقى النبلاء. وهو سلّم مستعملُ كذلك في بعض نوبات موسيقى الآلة المغربية كما هو الحال في المقام المعروف فيها بـمقام "الرصد" (الخالي من أنصاف "التونة" demi-ton)، الذي يخلط البعض في التصنيف ما بينه وبين مقام "الراست" الفارسي السباعي الأبعاد التقطيعيّة على السُلّـم النغمي الطبيعي (Echelle naturelle des tons).

 

7- أما على مستوى الإيقاعات (Rythmes)، فإن أغاني مجموعات الروايس وفِرَق أحواش، وإن كانت تستعمل بعض الإيقاعات الشفعية (Rythmes paires) 8/6، تتميز أساسا بغلبة إيقاع الميزان الخماسيِّ الأزمنة 8/5 (Rythme quinaire) عليها. هذا الميزان الإيقاعي الوِتْرِي 8/5 ينتمي إلى أسرة إيقاعية كاملة كبرى من الإيقاعات الوِتْريّة (Rythmes impaires ; Odd rythms: 8/3، 8/5، 8/7، 8/9) التي يتميز بها كثير من ألوان/أنواع الغناء والعزف والنقر والرقص بالمغرب (ويُطلق عليها أحيانا "الميزان الأعرج")، وهو أكثرها اختراقا لكثير من تلك الألوان/الأنواع الغنائية؛ إذ غالبا ما يُستعمل هذا الإيقاع الخماسي كذلك في بعض "سرّابات"/"دريدكات" قصائد الملحون، حيث يُعرف بميزان "الكًـُــبّاحي"؛ كما نجده أيضا في قسم "الحَث السريع" (Tempo rapide) من إداء النوع الغنائي المعروف بـ"الميزان" في سوس (هوّارة/المنابهة)، وكذلك في رقصة احيدوس حيث يتناوب مع مُضاعَـفِه، (8/10)، فيصبح بذلك إيقاعا شفعيا، كما يرد في شكله المضاعف هذا في بعض أوجه الدقة المراكشية (وجه يضبط إيقاعه التصفيق فقط مع صيحات "الندهة" ومن دون نقر).

 

8-  وعلى مستوى أداء آلات النقر (دفوف من ثلاث أحجام ذات طبوع مختلف، وطبل أو طبلان)، يتميّز استعمال إيقاع الميزان الخماسي (ٌRythme quinaire) في أحواش خاصة، بتنويعات كُسوريّة ارتجالية غاية في التنويع الطارد لرتابة الميزان الرتيب. هذه التنويعات الكسرية (بنوطات ثنائية وثلاثية السنّ double et triple croche) تضرب بنقر ذي طَبْع حاد (ton aigu) وتسمّى /نّْــقّْــر/، في مقابل نقر الطبع الجهوري (ton grave) المسمّى /لْهْمْز/ الذي يشكّل الزمن القوي الأساسي (Temps fort principal) في الميزان والذي تضبطه الدفوف الكبرى والطبل، ويقابله الزمن القوي الثانوي (Temps fort secondaire) الذي يشكّل جوابا بالنسبة له والذي، تنقره الدفوف المتوسطة، ويسمّى /اكًلّاي/. هذه الأمور يحتاج بيانها صوريا، بطبيعة الحال، إلى أمثلة ملموسة بتنويطية مصلفجة، ليس هذا مقام إنجازها.

 

9-  أما كوريغرافيا حركات الرقص الموقّع على الإيقاعات المشار إليها بأزمنتها القوية الرئيسية والثانوية وبتنويعاتها الكسرية، فقد بلغت فيها بعض أوجه إداء "أحواش" شأوا عاليا خصوصا في حركات الأرجل والخبط بها على الأرض بقيادة المايسترو، حركات وخبطات حافلة بما يعرف بالسانكوبات (syncopes) غير المنتظرة والمفاجئة للسامع/المشاهد. إنها ما يشبه "تعثيرات" فنّية تزيد من طرد الرتابة عن هيكل الإيقاع الأساسي)، وتجعل الإيقاع العام، في نهاية الأمر، على شكل ما يعرف بـ"البوليريتمية" (Polyrythmie).

 

(4) العيطة الجبلية

 

 

 

10  زيادة على فنون طقوسية على على شكل عُروض كوريغرافية شكل ضاربة في القدم ولم تعُد تعرف دلالاتها الانثروبولوجية، مثل كوراغرافية "ماطة" (في "بني كًرفط")، تُعرف منطقة جبالة بنوعين موسيقيين هما:

 

(أ‌)   "العيّــــــوع"، وهو من تقاليد غناء الحقول (chants champêtres)، غناءٌ فردي تبادلي كانت وظيفتُه الإثنو-موسيقية في الأصل محضَ وظيفةٍ تواصلية في فضاء الحقول، قبل أن يُنقل اليوم إلى منصّات العروض الاحتفالية الحديثة في تناوب مع آلة "الغيطة"، وذلك بمفعول التطورات الزمكانية السوسيو-اقتصادية. إنه غناء من صنف ما يعرف بــ" Chant a cappella" في تصنيفات الموسيقولوجيا الغربية، وذلك باعتبار تحرُّر ميلودياتِ ألحانه من أي ميزان إيقاعي. ومن ابرز من حافظ على غناء أعيّوع/العيوع  بنقله إلى المنصات الاحتفالية، وبالشكل المذكور، الفنانة الجبلية المرحومة، "شامة الزاز".

 

(ب‌)                   "العيطة الجبلية" (التي أصبح البعض يسمّيها استلاباً بـ"الطقطوقة الجبلية"). هذا النوع الموسيقي الجبلي، هو ما يهمّنا هنا في أطار الحديث عن غنى المغرب وتميّز موسيقاه في باب الإيقاعات، الوِتْـرية منها على الأخصّ.  

 

11- فكما بين ذلك الباحثُ الموسيقولوجي أحمد عيدون (A. Aydoun 1992)، تتمثل البنية الكلية للوصلات الإيقاعية لــ"العيطة الجبلية" الأصيلة في توالي فقرات المتوالية الآتية:

 

 1 استهلال حرّ بالآلات الوَتَرية، متحرّر من الإيقاع؛ وتتمثل وظيفته في مجرّد الإعلان عن الطبع (tonique) والمقام (mode)؛

 

2 استواء إيقاع "العيطة"، وهو ميزان من تسعة أزمنة [سوداء + مسنّـنة + ثلاث سُود]، يمكن محاكاة ذلك بتلفيظ [تاك-تْرْنانْ-تينْ-تانْ] ؛

 

3  انتقالٌ إلى أيقاع "الكًـُـبّاحي"؛ وهو ميزان من خمسة أزمنة [خمس مسنّـنات] (يمكن محاكاة ذلك بـتلفيظ [تي-تاك.تْرْنانْ.تينْ-تانْ] [تي-تاك.تْرْنان.تينْ-تان] [...])؛ وأخيرا:

 

إيقاع "الدريدكة"، وهو ميزان سداسي راقِص، لكن بوتيرة بطيئة نسبيا (ويمكن محاكاة ذلك بتلفيظ [تـ'ــطاق.تـ'ــطاق] [تـ'ــطاق.تـ'ــطاق] [...]).

 

 

 

12  غير أن الذي أصبح يغلب اليومَ - بفعل ضغط تسارع الزمن السوسيو-اقتصادي والإداري الحديث (في مقابل زمن الفصول الطبيعية والمناسبات الاجتماعية) من جهة، وبفعل الجنوح الاحتفالي المهرجاني العام نحو الإيقاعات الراقصة السريعة الوتيرة من جهة ثانية - هو أن أداء المجموعات الناشئة لما يعتبر في نظرها "عيطة جبلية" أخذ يختزل بنية ذلك النوع الموسيقي التقليدي في مجرد إيقاع "الدريدكة" ذات الوتيرة حثيثة (tempo presso)، سواء أتعلق الأمر ببرنامج سهرة عمومية متلفزة أم بمهرجان محلّي. فإذا لم يكن هناك وعي ويقظة ثقافيان بهذا الأمر على مستوى الإدارة الفنيّة، فإن العيطية الجبلية تتجه، بمقتضى منطق طلب "السوق الحرة" (ما يريده الجمهور)، نحو فقدان أهم خصائصها الفنية الأصيلة على مستوى الإيقاع، ألا وهما الإيقاعان الوِتْريان، التساعي المسمّى "عيطة" [تي-تاك.تْرْنانْ.تينْ-تانْ] [تي-تاك.تْرْنان.تينْ-تان] [...]، والخماسي المسمّي "كًـُـبّاحي" [كاتـ'ــتـا.كاتــا] [كاتـ'ــتـا.كاتــا] [...].

 

ويصدق هذا الأمر، في الواقع، على كثير من الأنواع الموسيقية الأخرى التي تشكل، كتراث لا-مادّي، أساسَ التميّز المغربي في باب الإيقاع، من حيث استعمال الموازين الوِترية المسماة بـ"الميزان العرج"، مثل الثلاثي (في "الكًدرة" الصحراوية)، والتساعي ("عيطة جبالة")، والخماسي البسيط ("كبّاحي" الملحون و"العيطة الجبلية"، و"أحواش"، ومثل القسم الثاني الحثيث من ميزان هوارة/المنابهة الذي يلي تمهيدا بإيقاع سباعي بطيء) أو الخماسي المضاعف (في "أحيدوس"، وفي بعض أوجه "الدقة المراكشية").

 

--------------------------------

 

بقية الأقسام والمباحث التي لم تحرر بعدُ

 

 

 

(5) أنواع "الكًـناوي" و"الحسّاني" (الكدرة / الهون)

 

يشترك النوعن الموسيقيان "الكناوي" و"الحسّاني" مع الموسيقى الأمازيغية السوسية ("أحواش" و"الروايس") في قيام مقاماتهما على السلّم الطبيعي الخماسي (عيدون) عبر امتداداته الإفريقية (بن عبد الجليل، عصامي/ساعة) في "بلدان الساحل" و"غرب إفريقيا" و"شرق إفريقيا".

 

 

 

 

 

(6)  ألوان العيطة السهلية (إيقاعات إيغوجية/agogique مدهشة)

 

 

 

(7)  الدقة المراكشية والرودانية (تطويرات إيقاعات إيغوجية/agogique مدهشة)

 

 

 

8-  المقامات الخماسية والإيقاعات الوترية (الميزان الأعرج) تراث لا-مادّي مغربي

 

 

 

القسم الثاني:

 

مدى توفر بنيات أكاديمية لتوفير نصاب معرفي جمعي في حقول الدراسات الموسيقية

 

شعب الموسيقولوجيا والدراسات الإثنو-موسيقية (تونس مثلا، محمود كًطّاط)

 

 

 

القسم الثالث:

مدى توفر خطة عامة وعمومية لتعبئة رصيد فنون الموسيقى لمصاحبة الحضور المغربي في العالم



[2]  محمد الحداوي، عبد الرحيم الصويري

[3]  انظر Elmedlaou-2014؛ Nigle Fab 2015

[4]   انطر محمد الفاسي  19XX

[5]   انظر المدلاوي 2012، 2019

[6]   انظر Schuyler؛ Maguidow

[7]    موسوعة الملحون ,,,

[8]   بسط الكسور يشير إلى عدد الأزمنة؛ والمقام 8 يمثّال نوتة "ذات السن": 

[9]   إنه سلّم تقطيع خال من نصف التونة (demi-ton)، وتقطيع أبعاده الأساسي هو [ضو-ري-مي-صول-لا-ضو2]؛ ويتمّ تنويع مقاماته بمقتضى متغيرات  المتغيّرَين X و Y في المعادلة [دو-ري-X-صول-Y-ضو2]، بحيث يتحقق الحيز X إما في "مــي " وإما في "فــــا" وليس هوما معا؛  ويتحقق الحيّز Y إما  في "لا" وإما "ســـي" وليس هما معا.

 

 

-----------------------------

محمد المدلاوي المنبّهي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



[2]  محمد الحداوي، عبد الرحيم الصويري

[3]  انظر Elmedlaou-2014؛ Nigle Fab 2015

[4]   انطر محمد الفاسي  19XX

[5]   انظر المدلاوي 2012، 2019

[6]   انظر Schuyler؛ Maguidow

[7]    موسوعة الملحون ,,,

[8]   بسط الكسور يشير إلى عدد الأزمنة؛ والمقام 8 يمثّال نوتة "ذات السن": 

[9]   إنه سلّم تقطيع خال من نصف التونة (demi-ton)، وتقطيع أبعاده الأساسي هو [ضو-ري-مي-صول-لا-ضو2]؛ ويتمّ تنويع مقاماته بمقتضى متغيرات  المتغيّرَين X و Y في المعادلة [دو-ري-X-صول-Y-ضو2]، بحيث يتحقق الحيز X إما في "مــي " وإما في "فــــا" وليس هوما معا؛  ويتحقق الحيّز Y إما  في "لا" وإما "ســـي" وليس هما معا.



27/06/2025
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 358 autres membres