OrBinah

(En arabe marocain) Un flanc de vie d'un chercheur à la Ville des Lumières

طريق ما-بعد السكُيلة-41

 

 

63- من "امودّو ن-باريز" إلى رحلة "بّـانـام"، مدينة الأنوار

 

هضر الراوي مزيان، وبتفصيل على حياة وموغامرات موحمّاد في إيكًـودار/المنابهة بدواورها وطحاطها، وفي تاليوين، وتارودانت، وفاس، ووجدة، والرباط، وحتّى في نيو-إنكًلاند الماريكانية. لكن بقات واحد المدينة ما دوى عليها سوى من خيلال طبيعة الخدمة دياله الميهنية فيها، واخّا كان بدا كا يقسم معاها العام لمودّة  شي خمسة وثلاثين عام ابتيداءً من الثمانينات الماضية، حتّى صبح قلب هاذيك المدينة هوّا الفضاء الثاني اللي كا يعرف موحمّاد أغلب الدواير دياله، زنقة بزنقة، قنت بقنت، وفي بعض الدواير ديالو، باب بباب، من بعد معريفته القديمة، بحال معريفة جيبه، لبيبان وسواريات ودهالز وبنايق ودروج وبروج دار الشرفا فإيكًودار، وبحال المعريفة دياله لفدادن، ومصارف، وحفاري، وسدر وزروبا وجنانات وعيون وخُطاطر وسهوبا وكُديات وغوابي مجموعةْ إيكًأودار ودواورها. هاذيك المدينة هيّا مدينة باريز، اللي من كثرة دخولها لألبوم المشاهد الطوبوغرافية اللي كا تأطر ذاكيرة حياته، صبحات كا تتناوب، أو قول كا تّـداخل معا فضاءات إيكًـودار و"دار الشرفا" فــتأطير الأحلام والكوابيس ولحظات الاستيرجاعات ديال موحمّاد.

 

من أبرز نماذج هاذيك المناوبة والمداخلة ما بين فضاء باريس وفضاء إيكًودار فذاكيرة موحمّاد عبر  سيناريوهات الأحلام والكوابيس دياله واحد الحلمة حلمها في ماي 1984 ملّي كان ساكن فالطبقة اللي تحت السطوح بواحد لعيمارة ديال "ساحة الكولونيل فابيان" فالدائرة-19 ديال باريس وهوّا كا يحرّر ريسالة دكتورا السلك الثالث. شاف فالمنام دياله ما يلي:

[كانو كا يلعبو، كيما كانت عادتهوم من حين لحين، هوّا و ولاد ماديدة، فالرمليلة ديال واد بوسريويل ما بين ماديدة و أولاد حسّان؛ وكانو مجاحدين على السباب اللي جعل البير العرصة/"اغـرور" ديال "ولد الحسين تاع ايت الحاج مبارك" يوكح و يـيـبس (فالواقيع كانو كًزّارا، ما-شي فلّاحا). شويّه كا يبانو لموحمّاد شي كوكابات من النجوم كا تتحرّك راقصة فالسما بنهار!

واحد الكوكابة من ذوك النجوم مشات وجات؛ وشويّة، وهيّا تـتـشكّل فالشكل ديال مجموعة الثــريّـا اللي كان موحمّاد كا يعرفها وكا يعجبو يحسب نجومها السبعة ويتّسنّى طلوعها على حساب الفصول، ملّي كان عمره 8 سنين. تقلب الوضع ديال ذاك الشكل د-النجوم من الفوق للتحت وصبحت مجموعة الثريّـا اللي كانت على شكل عنقود عنب، ولّات على شكل قرون شي غزال كـرّكـدان، وهيّا ديما متّـحرّكة محوّمة فالسما على واحد العلو ما-شي بعيد. زادت محوّمة شوية بانت الكسدة د-الكرّكدان وكتاملت صورة ذاك الحيوان. كان كرّكدان أدهم اللون كا يسبح فالجوّ موازي لواد بوسريويل على ارتيفاع منخافض؛ ومن بعد عرّج على الشمال لجيهة دار الشرفا، وحطّ فوق سطاح دار موحمّاد. صاب محماد راسه فالحين فوق ذاك السطح بجانب ذاك المخلوق اللي ولّى لونه أبيض بحال الثلج. قبطه موحمّاد من قرونه وطيّحه واتش على ركابيه على جنب الحيط لجيهة المراح وتمّا صبح  وجهه نسخة من وجه ذيك المرا الكاملة اللي حاملة الراية فاللوحة المشهورة ديال الرسّام "أوجين دولاكروا" ("La Liberté guidant le peuple") اللي كان ديما موحمّاد كا يوقف قدّامها دقايق طويلة ملّي كا يزور متحف اللوفر. هزّات ذيك الخليقة عينيها ودوات معا موحمّاد يمكن غير بعينيها بحال ذاك الأروي/أوداد اللي دوى معا الصياد فأغنية /علاربّي ايا حبيب امزات لخاطر/ ديال الرايس بوباكر انشّاد (هـــنـــــا)، وما عقل-شي موحمّاد اشنو قالت.. إنما حسّ بأنها كانت معذّبة كا تتألـّـم، ما عارف-شي علاش، وبانت ليه بحال يلا غادية تموت. وقال، معا راسه، أن من الواجب عليه يريّحها من طول العذاب. كانت الواليدة فالمراح كاتشوف فيه وفذيك الخليقة الغريبة. طلب منّها تمدّ ليه جنوي ومدّاته ليه. بدا كا يدبح ذيك الخليقة من الوريد للوريد، اللي هيّا تركيب عجيب ما بين بنادم وحيوان جيّيد وكريم، وكا يتعطّل ليه الذبيح وقطيع الوداج وهو كا يعرف من خلال قواعد الذكاة اللي قراها فتاليوين أن الذبيحة خاصّها تكون سريعة وبالماضي؛ وفكل مرة كا تطوّش ليه  الدم على حوايجه، وحسّ بالذنب وبالقيام بجريمة ما عرف-شي علاش. قالت ليه الواليدة: ما تخاف-شي؛ غادي نقولو للجيران راه غير ذبح واحد الكبش للجارة !].

.

هاذاك الكابوس ديال جوايه وقيتة الفجر، فـيّـق بالفكًعة دياه موحمّاد من النعاس؛ وبقى هاذا مذعور من بشاعة اللي بان ليه فالحلم، وبقى فايق كا يعاود شريط الحلمة فراسه حتّى للصباح. فـجوايه الساعة الثمانية، خرج ياخُذ الميطرو باش يمشي ثاني لمتحف اللوفر (كان النهار يوم حدّ أو يوم الثلاث) يشوف هاذ المرة، بشكل جديد، ذيك اللوحة ديال دولاكروا ويتّأمل قسمات وجه الحورّية اللي هازّة العلام اللي جاب ليه باله فالحلم أنه ذبجها بدم بارد على أساس أنه كا يقوم بالواجب!

هاذيك المكانة ديال باريز في خيال موحمّاد، اللي بدات وستمرّت كا تتقوّى وتّداخل في الذاكيرة دياله معا فضاءات أرضية الطوفولة، هّيّا اللي جعلاته يقرا على هاذيك المدينة مزيان. عرف أن هاذيك المدينة، اللي كا يلقّبوها اليوم بـ"مدينة الأنوار" كانت كا تسمّى "لوتـيس" Lutèce)) في عصور زمان، وتلقّبات بـ"بّـــانــام" (Paname) فبداية القرن-20. مدينة باهية بواجيهات معمارها، وبشوارعها وأرصيفتها اللي كا تّغسل بالماء ديال نهر السين عيواض التشطاب اللي كا ينوّض العجاج، وبحدايقها الكلاسيكية والرومانطيقية، وبمعالمها الأثرية ومتاحفها ومسارحها وأناقة ناسها، وبجامعاتها وخيزاناتها، واللي كان الحجّ إليها، على مدى عيدّة قرون وحتّى لليوم، ماحطّة  أساسية من ماحطّات مشوار الفنانين من موسيقيين ورسّامين، وناس الأداب والفيكر والموضة، ماشي فاقاط من بقية جيهات بلاد فرانسا (اللي كا يقولو: طـــلــع لباريز)، ولاكين من كثير من بلدان أوروبّا والعالم.

أول مرة سمع فيها موحمّاد على "باريز" كانت لمّا كان كا يسمع الناس، فالموحيط ديال الطفولة نتاعه في بلاد إيكًودار، كا يدويو على أغنيّة /امودّو ن-باريز/ ("رحلة باريز") ديال الرايس الحاج بلعيد. أغنيّة كا توصف أجواء "معرض باريس الدولي الكبير" (/سوقعام  مقّورن  ن-باريز/) ديال عام 1937، واللي هضر فيها الرايس، بافتيخار كبير، على الاستيقبال اللي تخصّص للسلطان محمد الخامس (سمع هـــــنـــــا)، وبقات هاذيك الأغنية مشهورة بين الناس ديال البلاد، شلوح وعرب، على مرّ العيمان والسنين، من أيام الماكينة د-الغُنا ("الفونوغراف") حتّى وصل الراديو الفيكس بالانطير د-السطح للبلاد، وتبعه "الطرانزسطور" معا بداية الستينات ديال القرن-20؛ حتّى أنه ملّي كا يبغي يشريه الشاري فسوق الطلاطا د-المنابهة، عربي كان ولّا شلح، كا يسوّل البايع مول الكًيطون: "واش كاينة فيه الشلحة؟" (كانت الشلحة ما كا تبدا حتّى للثمنية د-الليل) ويزيد يقول ليه "بيناتنا بيع مقال حتّى نهار الطلاطا الماجيا نردّو ليك يلا ما كا يقبط الشلحة".

.

المرة الثانية، اللي عاش  فيها، نيت هاذ المرة، موحمّاد معا مدينة باريز، كانت لما عمل فهاذ المدينة في سنة ما-قبل الباكالوريا، واحد الجولة معا "مسيو فانسان" و ولدو "بّــيير" لمجموعة من مآثر باريس، من بينها بستان اللوكسامبورغ. كان ذاكشّي من خيلال كتاب القيراءة ديال مادّة الفرانسية ديال ذيك الوقت فمعهد تارودانت. كا يعقل، من خيلال هاذيك الجولة عبر كتاب القيراءة (Lecture)، أن مسيو فانسان وولدو، بّـيـير، دخلو لبستان اللوكسامبورغ، وصابو واحد الجوق كا يعزف موسيقى صامتة تحت القبة ديال واحد الكيوصك اللي جاب الكتاب صورته بالجوق اللي فيه بالأبيض والأسود، وأنهوم مشاو يتصنتو معا المتنزّهين للموسيقى فابور، كيما كان موحمّاد كا يعمل معا حلاقي الروايس وصحاب الشعبي فحلاقي سوق الطلاطا د-يكَودار. عقل مزيان على هاذيك القبّة/الكيوصك؛ وما هنات ليه هـنيّة البال حتّى زاره بالفيعل للمرة الأولى بعد قرابة عشرين عام، وصاب فيه بالفيعل جوق كا يعزف، في سابيل سيدي ربّي، فواحد الفضاء ديال الفنّ والماء والخضوريّة والوجه الحاسان والطبع المليح. ومن بعد، جات يامات وسنين اللي، صافي دخلت فيها صورة باريز للألبوم الذيهني الأساسي اللي كا يأطر عناصر ذاكيرة موحمّاد.

بالرغم من أنه تنقّل فالسكنى ديالi فمدينة الأنوار ما بين أحياء ودواير مختالفة، ما بين حيّ "ساحة الكولونيل فابيان" فالدائرة-19، وحيّ "فيـليي" (Villiers) في تاماسّ الدائرتين 8-17، وحيّ زنقة Rue des Saules فالدائرة-18، وزنقة Rue Madame  فالدائرة-6، كا يبقى "الحي الجامعي الدولي" بالدائرة-14 هو محور ناصيب باريس من النص الثاني من حياة موحمّاد، علاحقاش فيه قضى أطول مودّة فمجموع الإقامات وأهم فترة فالمشوار دياله العلمي، وفيه كا تتمثل الحياة السوسيولوجية العامّة اللي كان موحمّاد كا يتقاسمها معا الآخرين خيلال مقامه فمدينة الأنوار.

بما أنه نشا فالفضاءات الواسعة د-الطبيعة، أول مرفق كان كا يجعله يتّكامل مع ماقرّ سكناه، فينمّا سكن، هو بستان من بساتين باريس، حيث كان كا يوزع الخدمة ما بين السكنى دياله، والمكتب نتاعه فمركز CNRS، وبستان من البساتن، على حساب نوعية الخدمة. وما كان-شي يمكن-ش يفوت نهار بدون ما يدوّز منّه فترة قصيرة أو طويلة فشي بستان. في "ساحة الكولونيل فابيان" كاين هناك بستان مخلّج وبتضاريس طالعة هابطة ومغارات وشلالات اصطيناعية على بعد حوالي 200م، هو بستان Parc Buttes Chaumont؛ وفي حيّ "فيـلـييه" كاين بستان Parc Monceau على نفس المسافة؛ وفي حي Rue des Saules كاين فضاء Mont Martre اللي كا يطل على موجمال باريز من الشامال على نفس المسافة من السكنى؛ وفي حي "زنقة مادام" بالدائرة السادسة كاين البستان الكلاسيكي الهنداسة ديال Jardin du Luxembourg على نفس المسافة من السكنى؛ وفي الحي الجامعي الدول، اللي هوّا بنفسه فضاء أخضر كبير من تصميمه الأول فبداية عشرينات القرن-20، كاين بستان Parc Montsouris اللي هو من طيراز البساتن النكًليزية واللي ما بينه وبين الحيّ سيوى العرض ديال "شارع جوردان"؛ خلّي عليك البساتن الأخرى المشهورة اللي كا يقصدها مرة مرة بحال "بستان الغراس" Jardin des Plantes  و"رياض التويلري" Jardin des Tuilerie.

.

هاذ الاقتيران اللي كان كا يحسّ موحمّاد بشكل تيلقائي بضرورة قيامه ما بين نوعية الخدمة دياله كا باحث وبين بحال هاذ الفضاءات المفتوحة الباهية، تفاجأ لمّا صابه موخوذ بعين الاعتيبار، بشكل منصوص عليه فالنص ديال الحجر الأساسي لبناء الحي الجامعي الدولي سنة 1923. كا يقول النصّ، كيما هو منقوش إلى اليوم فالركنية الشمالية الشرقية ديال البناية الإدارية لدار Fondation Deutsch de la Meurthe بهاذاك الحيّ في ما يلي ترجمته:

 

[[في يومه 9 ماي 1923، بحضور السيد ليون بيرار وزير المعارف العمومية والفنون الجميلة معه كثير من الشخصيات الأخرى البارزة وممثلون رسميون لعدد من الأمم (...)، تمّ وضع الملفوف الحالي من طرف العميد بّـول أبّيل، رئيس مجلس جامعة باريس مع السيد إميل دوتش دولامورث، المواطن الفرنسي. (...)]. لقد أودِع جرابُ الملفوف في جوف [الحجر الأساسي الأول لمجموعة من البنايات المخصصة لتوفير سكن صحّي واقتصادي لثلاثمائة وخمسين طالبا وطالبة من ذوي الوضعيات الاقتصادية المتواضعة"]. وبعد الإشادة بفضائل راعيّة العلم، المواطن الموسر، دوتش دولامورث، يواصل النص قائلا: [هذه المنشأة التي أنشأها، هي الأولى من ضمن منشآت أُخر سترى النور لتعيش في نفس الحرم، مخصّصة كلّها للطلبة بفضل مبادرات شخصيات كريمة، فرنسية وأجنبية من بلدان صديقة لفرنسا. سيشكل مجموع هذه المنشآت الحيَّ الجامعي، على شكل مجموعة سكنية للطلبة تقع بين بستان "بارك مونسوري" وبستان آخر تمّ إنشاؤه خصّيصا لهم بتفضل من مدينة باريس. بهذا سيكون قد تم إيقاد بؤرة منار للثقافة الفرنسية والإنسانية سيتمكن فيها ثلاثة آلاف من الطلّاب القادمين جميع البلدان - بفضل توفر الكتب والشمس والفضاء المفتوح، وفي تقارب قوامه تنافسية في شهامة تشرّفان أقدم جامعة في أوروبّا - من العمل سويّاً من أجل تهذيب منسجم سليم للعقل والجسم ومن أجل تقدّم العلم والتفاهم بين الأمم]]. انظر هـــــنــــا (بالفرنسية).

.

فا من هاذ الزاوية، زاوية هاذ النص التاريخي، كان موحمّاد كا ينظر لسلسيلة الإقامات دياله في منشآت مختالفة ديال الحي الجامعي الدولي في باريز، إقامات اللي تواصلت لأكثر من ثلاثين عام فإطار إنجاز أعماله البحثية الأكاديمية فـ"المركز الوطني للبحث العلمي" CNRS. حتّى في داخل هذاك الحيّ، اللي موقـعوه ذوك اللي أسّـسوه ما بين جوج د-البساتن فساح وعراض وفيهوم مسالك للرياضة، تّنـقّـل موحمّاد ما بين عيدّة منشآت من أصل المنشآت الربعين ديال الحيّ؛ تنقّل ما بين "دار جيهات فرانسا"، "دار دوتش دولامورث"، "دار كوبا"، "دار فيكتور ليون، "دار إيطاليا"، "إقامة روبير كًاريك" فالجناح المركازي؛ وكان، سبحان الله، كا يتّحاشى ديما الدار رقم-1 في "شاريع جوردان" وهيّا من الديور العريقة ديال الحيّ، إلى أن تمّت إعادة هيكالتها وتنظيمها من جديد ابتيداءً من نيهاية 2008 بعد إغلاق  دام شي ستّ سنين، وذكشّي علاحقّاش كان كا يبان ليه الجوّ السوسيو-ثقافي السايد فهاذيك الدار، أي "دار المغريب"، فالفترة د-الثمانينات والتسعينات الماضية، ما-شي منساجم معا روح النصّ المذكور ديال تأسيس موجمّاع الحيّ (انظر هـــــنــــا بالفرانسية). وكانت "إقامة روبير كًأاريك" (Résidence Robert Garic)، المخصّصة للباحثين دون غيرهوم، فالجناح الأيسر د-المدخل ديال الموجمّاع المركازي فين كاين المطعم المركازي، هيّا اللي قضى فيها أكثر الإقامات دياله فباريس رغم أنّها كانت غالية بزّاف (930 أورو فالشهر بدون خلاص التيليفون) علاحقّاش كانت مريحة. هاذ الدار ميثالية لأي إقامة ديال البحث الأكاديمي؛ والغورفتين (بحمّام) اللي كان كا ينزل فيهوم موحماد عندهوم سراجم على واجيهتين، واحد منّهوم طال على ساحة مدخل الحي. كما أن المرور إلى المطعم الجامعي أو إلى خزانة الحي الجامعي من غوراف هاذيك الدار كا يتم مباشرة من داخل الأرويقة الداخلية للبيناية  د-الموجمّاع المركازي بدون النزول إلى الساحة، وما كا يتم النزول إلى الساحة المركازية سيوى من أجل شي فوسحة في الفضاء الأخضر ديال الحيّ أو في بستان "بّارك مونسوري" أو من أجل أخذ قيطار "إير-و-إير" لقلب المدينة و/أو لأي ويجهة أخرى. بالإضافة إلى التيليفون، وفّرت الدار فالسنين الأخيرة الربط بالويفي، وبذاكشّي كلّه توّفرت للعمل الذنهي الشروط اللي تحدّث عليها النص المنقوش  ديال الحجر الأساسي المذكور.

كا يبقى فضاء المطعم هوّا الفضاء اللي كا يعكس الحيويّة السوسيولوجية والإثنو-ثقافية اللي كا تحرك الحي الجامعي، ومن خياله استاطع موحمّاد  يكون شاهد على شي تاغيّورات عميقة كا تعكس التاغيورات اللي حصلت فالدنيا في الربعين عام الأخيرة.

في عوشريّة الثمانينات اللي كانت مازال جارّة من وراها في باريس (وجميع مناطق العالم من خيلال بؤرة باريس) شيعارات خليط من قيّـم الانعيتاق والتاحرّور الوجودي اليساري و د-العالم الثالث ديال ما بعد ماي 1968، أدرك موحمّاد فضاء المطعم الجامعي وهوّا على شكل واحد الموسم كبير ديال شي زاوية كبيرة ديال الإطعام وترديد أذكار مختالفة ومومارسة طقوس منوّعة ديال النيضال الطاباقي وديال كيفاح العالم الثالث ضد الإميبرالية والاستيعمار الجديد والميز العنصري، وديال "الثورة الجنسية" نتاع وليـهـيلم رايش (Wilhelm Reich) والثورة ضد المجتمع الصناعي الموتاقدّيم ديال هيربيرت ماركوز (Herbert Marcuse) صاحب "الإنسان الوحيد البُعد". بسباب هاذا الطابع ديال موسم د-مرتين فالنهار ديال الإطعام، كانت فالحي الجامعي ربعة ديال المطاعم: المطعم المركازي، والمطعم الغربي، والمطعم الجانوبي، زيادة على مطعم "دار المغريب"، وبالإضافة للمطعم المولحاق اللي في رقم 115 شاريع سان-ميشال بالحي اللاتيني (الماقرّ القديم ديال "جمعية الطلبة المسلمين لشمال أفريقيا" وربّما الماقرّ الموقبيل للمركز الثقافي للمملكة المغربية، اللي مازال كًاع ما عندها شي مركز من ذاك النوع فباريز)؛ وكانت التذكيرة د-الوجبة 10 د-الفرانك.

هاذ الموسم ديال القصّ وهريد الناب، كان كا يقصده، فالحاقيقة، ما-شي غير الطلبة الحقيقيّين؛ حيث كان كا يقصده فالواقيع "الشعب"، كلّ "الشعب"؛ أي جميع اللي حالته ما-شي حتّى إلى تمّا في باريز واللي عنده شي صيلة بالقطعان ديال قيطاع الثقافة: مجارح الجامعة اللي تّبلوكاو وضاعت ليهوم الوضعية، موناضلين تالفين كا يظـلّو مقيّلين فحلاقي بوبور بمركز جورج بومبيدو، ويجيو يتّعشّاو ويكمّلو النيقاش فالبهو أو في ساحة المطعم ويغنّيو شويّة، ثمّ هناك بعض اللي تقطعات بيهوم الحبال في باريز من موختاليف الحركات التاحرّورية بالإضافة إلى كثير من الشمشاما ديال المصالح المختالفة ديال فرانسا وديال بلدان أخرى. كثير من هاذ الوكّـالا كانو كا يجيو للمطعم من جميع قيهرات باريز حاركًين فالميطرو (كا ينقزو على الحواجيز أو كا يلصقو معا شي واحد اللي عنده تذكيرة من اللور بلا استيئذان بلا حشمة) وكا يجيـبو معاهوم صيكان كا يعمّروهوم مرة-مرة بالخبز بلا حدود لأنه كان "أ-فولونطي".

بقى موحمّاد راصد اللوحة الباشارية والسوسيولوجية ديال هاذاك المطعم على مرّ ما هوّا قريب من ربعة د-العشريات. صبحت بعض الوجوه وبعض النماذج معروفة عنده باعتيبارها من "الطلبة" الخالدين لمودّة واحد ربع قرن؛ وبالتأكيد أصبح حتّى هوّا، في عيون هاذيك الفيئة د-الخالدين فالمطعم، من الوجوه الملازمة للديكور ديال هاذاك المطعم لبيضعة أشهور فالعام. وكيما أنه كا يعرف بطبيعة الحال والحسانة كل صباح أن ملامح الوجه دياله وشعر راسه كا يتغيرو، كا يلاحظ بالخوصوص أن بعض هاذوك الطلاّب الخالدين، وأغلابهوم جزايريين ومغاربة، كا يشيبو ويتقوّس ليهوم الظهر بالصاك دياله السرمادي بواحد السورعة فائقة وكا يشفق من حالهوم خوصوصاً ذوك اللي عنده معاهوم معريفة قديمة. هاذ الفيئة باختيصار هي مجارح الجاميعة (كيما كانو كا يقولو "مجروح الجامع"). كا يجيو في سنّ بيداية العشرين باش يحضّرو شي أطروحة/أحطوطة/أسروسة فشي موضوع "سوسيو-سيميوطيقي-موعجامي-نقدي..." نقدي كا يخلع، ويتخلّطو ليهوم العرارم، وتخطف ليهوم أنوار باريز وباراكة نوطردام أبصارهوم، ويبداو يغنّيو بحال بوزوزوان/"لا-سيكًال"، ما بين "بوبور" و"موبير موتواليتي" والمطعم الجامعي حتّى تمشي ليهوم المينحة. من بعد، كا يبداو أعمال البريكول (حيراسة ليلية، عيناية بالشوابن، سطاداريست ليلي...) باش يخلّصوا لكرا؛ ويبداو كلّ عام يرغبو فالأستاذ الموشريف باش يمدّد ليهوم، حتّى يتحرمو نيهائيا من تمديد التسجيل ومن بيطاقة الطالب؛ وتمّا كا يبداو يلعبو لوعبة الفار والمشّ معا جيهاز الحيراسة د-المطعم، اللي تقوّى معا منتاصف التسعينات بعد إغلاق جميع المطاعم ماعدا المطعم المراكازي، جيهاز اللي تكلفت بيه شريكة خاصة وما بقا-شي كا يـسند المهامّ دياله لبعض الطلبة النافذين من فيئة الخالدين القاطنين في دار "آر-زي-ميـتـيي" على وجه الخصوص أو حتّى في دار المغريب اللي صبحت شوي بشوي بحال شي زاوية عندها تسيير ذاتي ديال القاطنين. تمّا بهاذاك التزيار، كا تكون وضعية البلوكاج تمّت حيث الطالب ما بقا-ش كا يستاطع يصيب ما ياكُل وما يقدّ-ش يدخل لبلاده بعدما تم سنّ قانون التأشيرة والطالب ما بقا-شي عنده وثائق كا تتثبت وضعية وموريد عيش. تمّا كا يتصعّد النيضال وتنصبّ النقمة على "السيستيم" والنيظام ديال البلاد، وتكثار التصريحات النارية فالراديوهات ديال جاليات الموهاجرين بحال راديو صولاي، وكا ينتاهي الأمر باعتيقاد الموناضيل أنه موهدّاد في بلاده بسباب الفضح دياله للفاساد، ومن تمّ كا يعتابر نفسه لاجيء أو عايش فالمنفى.

هاذيك التشديدات على الولوج للمطعم الوحيد اللي بقى، اللي هوّا المطعم المركازي، اللي تغلق حتّى هوّا بنفسه لواحد المودّة بدعوى الإصلاح وإعادة التصميم الداخيلي (ريثما يبدّلو دوك بقايا الخالدين عاداتهوم ديال الملاوحة في قنوت باريز) صادفت التوسيع التدريجي للاتحاد الأوروبي وبروز الاقتيصاديات الجديدة ديال شرق آسيا؛ وبذاكشّي، ما-شي فاقط اختافات فيئة الخالدين من روّاد المطعم من جميع الإثنيات والألوان، ولاكين تناقصت بشكل كبير بعض السحنات وأشكال الريوس ديال شمــال إفريقيـــا والشرق الأوسط والإيرانيين (اللي كانو واحد الوقيتة كا يصلّيو الظهر جماعة فالكازون ديال الخرجة من المطعم) وإفريقيــا د-جانوب الصحراء وديال المستعمارات الفرانسية د-جانوب-شرق آسيا؛ وبالموقابيل كثرو الريوس الزوعر ديال أوروبا الشرقية، وبذاكشّي استاعد فضاء الحيّ الجامعي تغليب العنصر الأوروبي في ظرف بضع سنوات. كلّ ذاكشّي تمّ تحت عيون موحمّاد بحال شي مشهد متّحرك مصوّر تمّ العرض دياله بتقنيّة التسريع. موحمّاد، هوّا حفظه سيدي ربّي من ماصير الخالدين ديال المطعم بالسيف عليهوم. من نهار عمل تجريبة "حريكًـ الطوباماروس" فعام 1980، دخل جواه، ونجز الريسالة دياله فباريس في عام واحد (من سيبتمبر لسيبتمبر 1983-1984) وبقى متبّـع مسماريّات الفونولوجيا، وهيّا اللي بقى كا يقضي الإقامات دياله القانونية فباريس خدّام عليها لمودّة فايتة ثلاثة دالعقود، في واحد الفضاء باريسي كا يمثل الحي الجامعي الدولي القلب دياله النابض.

 كان كا يخرج مرة فالأسبوع، أو كلمّا عيا (بالإضافة إلى الفسحة اليومية، إما بوحده أو معا شريكه فالبحث) باش يتملّـى فشوارع باريس وأزيقّتها وبساتينها وكنايسها وجنان مقابرها البهية ومتاحفها. فالبدايات كًاع، كان كا يخصص نهار كامل من حين لحين يعمل ماراطونات كبيرة ديال المشي بالسبرديلة باش يكتاشف قنوت باريس برّا على ظلام مصارن الميترو. شحال من مرّة اختارق باريس من السور الجنوبي (الحزام المحادي للحي الجامعي فالدائرة-14، فين كاين باب أورليان وباب الطاليان)  حتى للسور الشامالي في باب كلينيانكور فين كا يعجبه يدور ويتملّى فالتوحاف ديال جوطية "سوق البرغوث"/"مارشي أوبّيس". كا يخرج من الحيّ معا الثمنية د-الصباح، ويقطع بستان مونسوري، ويزيد معا شاريع "روني كوتي" حتى لساحة "دونفير روشرو"، من تمّا كا ينقّــب معا طوّالة "زنقة سان-جاك" حتى يقطع نهر السين، ومن تمّا لشارع سيباسطوبول، ومن بعد شاريع ماجينطا، حتى لحيّ "باربيص" فين كا يتغدّى فشي مطعم تونسي؛ ومن بعد يزيد حتى للجوطية ويدور شوية ومن بعد يرجع معا نفس المسار، ويدخل للغورفة دياله ما جوايه الثمنية د-العشية بقدامه منفّطين واخا كا يفرّش المساند البلاستيكية الطبية فسبرديلته. كا يعجبوه الزناقي الطوال، وكا يعمل فيهوم جولات من ذاك النوع، بحال "زنقة سان جاك" و"زنقة فوجيرار" (من ساحة السوربون حتى لباب باريس فين كا يكون معريض الفلاحة) و"زنقة ريفولي" (من ساحة الباستيل إلى ساحة لاكونكورد)، وكاذليك الزناقي الصغار ذات الطابع الخاص والحاياوية الباريزية بحال "زنقة موفتار" فالدائرة-5، وزنقة "سان سيفيران" فالحيّ اللاتيني، و"زنقة الورد" في "حيّ لوماري" فين كان كا يتقدّى من حين لحين الكتوب د-العبرية قبل ما تغلق خيزاناتها وحدة تابعة الأخرى، أو غير يمشي يتمنظر فواجيهاتها ويمشي ياكل شي شاندويش د-"فالافيل". بهاذوك الجولات كا يعرف أماكن وجود التماثيل ديال أغلب الشخصيات الأدبية والفكرية والفنية اللي كا يسمع بها أو قراعليها (بودلير، جورج صاند، سانت بوف، شوبان، بيتهوفن، دولاكروا، يوليوس قيصر، ميشال دو منظاني، رونصار). شايلّاه آ-نوطردام دوباري، والله يخلف عليها ريعايتها، ويقيل عثرتها الأخيرة باش ترجع ثاني مضوية على لوتيس بّانام، مدينة الأنوار.

----------------------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



29/06/2020
3 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 345 autres membres