(EN ARABE) Lorsque le purisme linguistique débouche dans le blasphème
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).
من تجـديـفـات المتـفـصّحيـــن:
"معرض وسائل الدعوة إلى الله السادس عشر"
على عادته في التقاط الدلالات العميقة لكثير مما لا يأبه به سواد الجمهور في المحيط الاجتماعي والثقافي اليومي، نشر الكاتب مصطفى المسناوي قبل أيام على جدار موقع اجتماعي صورة لافتة مؤتمر من المؤتمرات تقول: [يسرّ وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد دعوتكم لزيارة معرض وسائل الدعوة إلى الله السادس عشر] (انظر هـنـا). ولقد قمت على التو بالتعليق على ذلك مخاطبا الزميل المسناوي بما يلي على سبيل إخوانيات مثل تلك المواقع:
[قل هو الله لا إله إلا هو، الذي خلق الإنسان وعلـّـمه البيان، والذي من آياته اختلاف الألسنة والألوان، والذي ما أرسل من رسول إلا بلسان قومه ليبيّن لهم. شكرا لك أيها المصطفى على الوقوف عند مثل هذه النماذج من الحفريات، التي تميط النقاب عن مدى تكلس ذهنية قوم وُهبوا كغيرهم من البشر لغةً من اللغات، لكي يبيــنوا بها ويعربوا ويتعارفوا فيما بينهم ومع غيرهم، فإذا بالسدنة منهم يعملون على توثينها وعلى وأدها خنقا تحت ثقل ركام ما راكموه حولها وعليها من حُجُب دعاوى الحرص على عذريتها لكي لا يطمثها إنس غيرهم ولا جانّ ...].
إن الذي جعل اليوم جثة لسان أولئك القوم، بعد تحنيط ذلك اللسان، تتجاوز، في باب التعبير والإبانة عن مفاهيم التوحيد، ليس فقط ثنائية الفكر المانوي المزدكي، بل حتى تثليث من قالوا "إن الله ثالث ثلاثة"، ليصل بها الأمر هنا إلى حد حديث تجديفي عن "الله السادس عشر" (على غرار "لويس السادس عشر"!)، إنما هو الوثنية النحوية لأولئك القوم، تلك الوثنية التي ألبست النحوَ جُبّة الفقه بأحكامها الخمسة (من واجب، ومستحب، وجائز، ومندوب، وحرام)، والتي لم تعد اللغةُ في ظلها تـتـنـفس نفَـس الحياة ليتسع صدرها لاحتضان أهوية توالد المفاهيم وتطورها في تفاعل مع تطور الواقع وتطور المعرفة به.
فإذ حفظوا حِفظ الببغاء قولَ القائلين بأنه "لا يجوز جمع المصدر" وبأنه "لا تجوز النسبة إلى الجمع"، وبأنه "لا يجوز أن يُحلـّى المضاف بلام التعريف"، وبأنه "لا يجوز الفصل بين المضاف والمضاف إليه بأجنبي"، وإذ رفضوا التطويرات التركيبية الحديثة للغة العربية، المتمثلة في استعمال لام الجر التي تفيد إضافة معمولها إلى ما قبله، والتي تسمح بفضل ذلك بجعل الاسم المضاف إليه إما معرّفا وإما نكرة حسب ما يراد قوله ("المعرض الأول لوسائل الدعوة إلى الله"، أو "معرضٌ أول لوسائل الدعوة إلى الله")، وذلك من حيث إنهم يعتبرون اعتبار عقديا أن أي قبيل من ذلك التطوير إنما هو بدعة دخيلة من لغات العجم على لغة فصحى يقدسونها تقديسا وثنيا، فقد رفضوا تعبيرا آخر أبعد ما يكون عن الإغراب وأقرب ما يكون من الصواب، ألا وهو [المعرض السادس عشر لـوسائل الــدعوة إلى الله]؛ فضحّوا، من أجل تلك العذرية اللغوية المزيفة، وحرصا على ذلك الصفاء الأزلي المزعوم، بمبدإ التوحيد العقدي الذي باسم ربط اللغة به قد وأدوا تلك اللغة، فأكرهوا عربيتهم المعلبة على أن تقول وهي تحتضر: [ معرض وسائل الدعوة إلى الله السادس عشر]، وذلك بدون إثبات لحركات الإعراب (وهل يجوز تطوير الإملائية العربية لكي تصبح الحركات من صلب المكتوب، وليس مجرد علامات إعجام؟ بل وهي يحتاج الفصحاء إلى علامات إعجام لم توضع إلا للمبتدئين والعجم؟)، وبدون نقط تفسير ولا فواصل (وهل كان ذلك من تقاليد السلف؟).
يتعين التنبيه إلى أن مثل هذه الذهنية ليست مقصورة على الفضاءات التي تستفاد من مضمون اللافتة المذكورة؛ ففي عز فترة "الندوات اللسانية الدولية" في المغرب، كان قد نشب خلاف مدرسي بين بعض اللغويين المغاربة في شأن صياغة عنوان لافتة من نفس القبيل تتعلق بجواز أو عدم جواز تعريف الاسم المضاف إليه، وبمدى أصالة أو عجمة التركيب الإضافي بواسطة لام الجر كما أصبح ذلك التركيب جاريا اليوم في باب تسميات كثير من المؤسسات الرسمية مثل "معهد الأبحاث والدراسات للتعريب"؛ هذه المؤسسة التي يُختزل اليوم استعمال اسمها في مجرد المركب الإضافي "معهد التعريب"، وهو ما يدل على أن لام الجر قد استقرت اليوم واستقامت في السليقة النحوية الحديثة لإفادة الإضافة من ضمن ما تفيده في باب "معاني الحروف" على حد تعبير صاحب كتاب "المغني"، جمال الدين بن هشام. وقد انتهى ذلك الخلاف حينئذ برجحان كفة التطهير اللغوي، فجاء عنوان الندوة بشكل غريب لم أعد أتذكر صيغته، وهو موثق على كل حال في أشغال وأعمال الندوة المشار إليها.
بعد الخنق البطيء لهذه اللغة، انفصل جسدها المعجمي والنحوي عن المعرفة والمنطق، اللذين أنما جُعلا ليتجليا بواسطتها، كما جُعلت لتعكسهما في تطورهما، تقاسم تركة ذلك الجسد اللغوي قبيـلان من الورثة المريدين هما:
- عشيرة استعارت مفاهيم أحكام الشرع الخمسة في انقطاع عن المقاصد، فحفظت ما يجوز في العربية وما لا يجوز، وما يجوز فيها في السعة وما لا يجوز إلا في الضرورة – مع اخلافات مذهبي البصرة والكوفة في كل حالة. فتلك حال من اختلفوا مثلا في صيغ المركب الإضافي وأخذوا يسبحون عبر أجيال بتقويل ذلك اللسان بعد أن صيروه أنثى ولادة:
ولدت ولما لم أجد لعرائســـــي رجالا وأكــفــــاء وأدت بناتــــي
أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل سألوا الغواص عن صدفاتي
- وفريق لا علم له لا بالأساس، ولا بالخلاف الأساسي، ولا بالخلاف العالي في أبواب ما يجوز وما لا يجوز في التراكيب والإعراب، فهو من مثقفي الجرائد يراكم في ذاكرته الحافظة، من المسموع والمقروء الصحفي، نصيبَه من نتف مومياء تلك اللغة، وذلك على شكل مسكوكات من الكلم يستتبع سابقُها لاحقـَـها في انقطاع تام عن الواقع والمقام، وعن الفكر المراد التعبير عنه، وعن المنطق المؤطر لذلك الفكر. وتلك حال أمثال ذلك الصحفي الذي قال مثلا في النشرة المسائية بالقناة الثانية مساء يوم 18 مارس 2014 عن الحادث المنجمي الأخير "ولقد سقطوا في بئر بعمق خمسن مترا مربعا" (لا غرابة، لا على المستوى المعرفي ولا على مستوى الواقع؛ فكلمة "متر" قد حفظت مقترنة بـكلمة "مربع").
الجامع بين الفريقين، اللذين تتداخل في الواقع بروفيلاتهما بدرجات مختلفة في الفرد الواحد من جيل القوم، هو التشوه النشوئي القائم لديهم على المستوى المعرفي العام، والناجم عن تجربة علاقة تربوية باللغة تجعل هذه الأخيرة منفصمة، بنية ومتنا، عن معطيات الواقع، وعن مضامين المعرفة وقواعد المنطق (انظر هــنا). فاللغة حينئذ لا تتكامل بنيويا مع مفاهيم المنطق الطبيعي، ومع المعرفة بمعطيات الواقع، فتكون أداة لاستيعابهما وتبليغهما. إنها تصبح مجرد قائمة من الأحكام المستعارة من حقل الأحكام الشرعية بالنسبة للبعض (انظر هـنــا)، وركاما من الفرمولات اللفظية المرددة لذاتها طقوسيا بالنسبة للبعض الآخر.
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres