(En arabe) Liberté de conscience (texte traduit du français)
حـــــــــــــــــــريّــــة الضمـــــــــــــــــــــــير
(كيف تدرّجت الفكرة إلى أن أصبحت حقّــا)
حـــــــــــــــــــوار.*
حديث أجراه فلوران جورجيسكو مع المؤلّف حول كتابه
La Liberté de conscience. Histoire d’une notion et d’un droit.
Par Dominique Avon
Préface de Yadh Ben Achour
PUR. 2020.
.
يستعرض المؤرّخ دومينيك أفون تاريخ هذه الحرية من الحريات منذ بداياتها الجنينيّة في العصور القديمة إلى أن استتبت كحـــــــــــــق من الحقوق في القرن-20، حرية لا بد منها في لحظة أمسَـى فيها ذلك الحق موضوع تشكيك (المُحاوِر).
"حرّية الضمير، فكرة ظهرت في أوروبا إبّان النهضة"
"لكل فرد حرية التفكير، وحرية الضمير، وحرية الديانة". المادة-18 من نص الإعلان الكوني لحقوق الإنسان الذي صادقت عليه الأمم المتحدة سنة 1948 كان قد أقر مبدأ غير مسبوق. إنه مبدأ مركزية الفــــــــــــــــــــرد كموضوع أسمى/نهائي لفكرة الحـــــــــــق، بقطع النظر عن انتـــــمــــاءاته. في كتابه الجديد، يستعرض دومينيك أفون - مدير أبحاث في المدرسة التطبيقية للدراسات العليا (EPHE) حيث يشغل كرسي "الإسلام السنّي" - الأطوارَ النشوئية لذلك النص. لكن عمل "حــــــــرية الضميـــــر"، الذي سيفرض نفسه ككتاب مرجعي في الموضوع، أكثر من ذلك بكثير.
متى، وأين، وفي أي ظروف ظهرت فكرة حــــــــــــرية الفـــــــــــــرد؟ كيف تُتصوّر خصوصيتُها؟ كيف، ولماذا، الحفاظ عليها في زمن ما فتئت تشكل فيه موضوعا للمناهضة أو التحريف من لدن عدة أطراف، من الأصولية الإسلامية إلى مختلف النزوعات اللا-ليبرالية؟
عن طريق تحليله لآلاف من المصادر، من العصور القديمة إلى أيامنا هذه، في جميع أرجاء العالم، قام المؤرخ دومينيك أفون بإعادة بناء المصير/المسار المنعرج لأحد الآمال المعقودة، وذلك بدقة وإحاطة باهرتين.
كيف انتهيتم إلى إنجاز بحث من هذا الحجم؟
لقد انطلقتُ (من مشكلٍ) من مشاكل الترجمة. عندما كنتُ أدرّس في لبنان في منتصف السنوات-2000، لاحظت مثلا أن الدستور اللبناني قد استعمل "حريّـــة الضميــــر" في صيغته الفرنسية؛ لكنّ الصيغة العربية لا تتحدث سوى عن "حرّيّة المذهب الديني" التي هي فكرة أكثر تضييقا، من حيث إنها لا تتسع لإمكانية اللادينية، أي أنها تفترض أن كل فرد ينتمي بالضرورة إلى ديانة من الديانات. فأردت إذن أن أعرف على أي أساس من الأسس يقوم كل ذلك. شرعت إذ ذاك في الرجوع بعيدا فأبعد وفي توسيع المسألة/السؤال لتعمّ كافة الثقافات. وقد تبيّن لي أنه يلزم توفر بعض الظروف ونوعا معينا من الأنثروبولوجيا. هذا ما يجعل هذا الكتاب يمشي على قدمين: التاريخ السياسي والديني، وتحليل للأدوات المفاهيمية التي سمحت للمفكرين بتناول/معالجة حرية الضمير.
.
وهل كانت هد الفكرة موجودة في العصور القديمة؟
ما نجده هو حالات تنوع/تعدّد الديانات في الامبراطوريات الكبرى. لكن تلك الحالات لا تسفر عن حقوق مضمونة للأفراد، وإنما عن تسامح إزاء الجماعات. اللحظة الوحيدة (المعروفة) التي تمّت فيها ملامسة فكرة حرية الضمير – على الأقل في المصادر التي بحوزتي – هي لحظة محاكمة سقراط [399-قم]، الذي كان يدافع عن نفسه باسم نوع من حرّية قرارة النفس [وذات الصدور]. ولكن، إذا كان حديثه يجمع كلّ العناصر المكونة لهذه الفكرة، فإن تلك العناصر لم تنتظم حول مفهوم قطبي خاص [تتفرع عنه منطقيا بحكم تصوُّره].
بعد ذلك، ستتـلاقي الثقافات الكبرى للعصور القديمة تدريجيا حول مبدإ سموّ الجماعة على الفرد، وذلك عبر تطويرِ مثاليةِ وحدة السياسية والدين. لقد ظهر ذلك في القرن الثالث بعد الميلاد لما أخذت السلالة الساسانية في بلاد فارس تعمل، أكثر من غيرها من الامبراطوريات السابقة، على ربط الهوية السياسية بهوية دينية ذات أساس زورادشتي. وبعد ذلك، في منعطف القرن الرابع الميلادي، ستسلك الامبراطورية الرومانية الوثنية نفس المسلك، وكذلك الامبراطورية المسيحية بعدها؛ وذلك بحيث إنه لما قامت الخلافة الإسلامية، يمكننا أن نقول إنه إنما اندرجت في تلك الاستمرارية.
.
ماذا حصل خلال هذه الفترة على المستوى الفكري؟
كما هو الشأن في حالة سقراط، نجد هنا وهناك، خصوصا في الفكر المسيحي، بعض عناصر التنظير حرية الضمير، لكن دون أن يتبلور مفهوم واضح. توجد لدى القدّيس بولوس (المؤسس النظري والميداني للفكر المسيحي) بعض الأشياء حول حرية الفرد؛ كما نجد لدى تيرتوليان (155-225-م؛ من مفكري مسيحيّي شمال إفريقيا في عهد الرومان) احتجاجات واضحة ضد السلطة السياسية والدينية؛ ولكن مبدأ الوحـــــــــــدة كان يخنق دائما أنفاس كل تلك البوادر. في القرون الوسطى، ولنقل ما بين القرنين العاشر والثالث عشر، ظلت الوضعيات القانونية متماثلة تقريبا في الإسلام والمسيحية، أي التسامح إزاء بعض الممارسات الدينية للأقليات، لكن ليس إزاء الفــــــرد الذي يكون قد ولد في حضن الديانة الغالبة ويريد الخروج منها.
.
الفصل الأكبر حصل مع حركة النهضة
لقد بذلت أكبر جهد ممكن في وجه جنوح المـــركزية، لأرى ما إذا كانت فكرة اختلاف جذري صحيحة فيما يتعلق بهذه المسألة. وبالفعل، يمكن القول بأن حرية الضمير فكرة ظهرت في أوروبا إبّان حركة النهضة. فليس هناك مكان آخر تمّت فيه صياغة هذه الفكرة صياغة صورية بالشكل الذي كُتب به عنها ابتداء من القرن-16 بالألمانية والإنجليزية والفرنسة والإيطالية. لقد تعلق الأمر في بادئ الأمر بالحرّية الدينية؛ لكن كان هناك على التوّ أمرٌ مضاف. إنه بزوغ وبروز كيان الفـــــــــــرد [كمرجع من مرجعيات الحقوق]. وما يتعين التنبيه إليه هنا هو أن ذلك كان يتمّ بشكل تدريــــــــــــجي وغير سطــــــــري؛ ولكن ذلك هو ما كان قد أخذ يظهر. ولقد اكتمل ذلك التطور، في نظري، فالقرن-18. فلقد كتب [مثلا] أحد رجال القانون من البروتسيتانتيّــين سنة 1713 ما يلي: "لا إنسانَ فانِ بمخوَّل أن يكون وليـــــّا/وصيّـــــــا على ضمير إنسان آخر". لمّا قرأت ذلك، قلت مع نفسي "قُضي الأمر؛ هاهي الفكرة قد قامت واستوت".
.
ثم انفصلتْ حريةُ الضمير عن الحرية الديننية
نعم؛ وبذلك اكتسبت مسألة الفـــــــــــــرد كلّ صلابتها. فالحرية الدينية مسألة ذات بعد جماعي بالضرورة - فلا يقوم دينٌ من الأديان على مستوى فرد من الأفراد - بينما حرية الضمير مسألة شخص/أشخاص. مع الإشارة إلى هذا التميــــــــــيـــــــز [ما بين الحرية الدينية وحرية الضمير] ما فتئ يُجعَل موضوعَ سؤال حتّى في أيامنا هذه. فحينما تعتبر وزيرة [يقصد وزيرة العدل الفرنسية Nicole ؛Belloubet؛ انظر هـــنــــا] أن إهانة/ازدراء/شتم دينٍ من الأديان يشكّل مسّا بحرية ضمير المؤمنين، فإن في ذلك قلب كليّا للأمور. فحرية الضمير - باعتبارها تسمح [من حيث المبدإ] بعدم اعتناق أي دين - قد استعملت دائما [من طرف الأفراد] كأساس للحق في التعبير عمّا يتعارض مع الديانات ولمعارضة ما يصدر من كلام عن أقطاب سلطة تلك الديانات.
.
ثم بينتم أن التاريخ الطويل لهذه المسألة قد بلغ أوجه من خلال الإعلان الكوني لحقوق الإنسان. كم دامت الحقبة التي دشنها ذلك الإعلان؟
قد أقول إنها دامت لمدة جيل. وليس معنى ذلك أن فكرة حرية الضمير قد اختفت بعد ذلك. إنما الأمور قد تعقّدت. فلكي تنشر فكرة حرية الضمير في العالم، كانت قد استفادت من حركة الاستعمار الأوروبي. ولذلك، فقد اختار الكثيرون بعد استقلال بلداهم التخلصَ منها موازاة مع التخلص من الاستعمار. وبذلك [مثلا] انتهت التيارات السلفية التقليدية في بلدان الأكثريات المسلمة بالغَـلب على غيرها. لقد اختارت تلك التيارات استئناف الأخذ بالموروث ما قبل الاستعماري كما كان، مع الاكتفاء بالاجتهاد في ما يتعلق بكيفيات الأجرأة والتطبيق. أما أولئك الذين كانوا يُبدون من قبل تفتّحا أكبر فقد انسحبت عليهم تهمةُ التعاون مع المستعمر، فكان التهميش من نصيب كتاباتهم.
ذلك ما يُفضي بنا إلى المآزق الحالية التي أصبحت اليوم واضحة لأعين الجميع، بسبب تجربة "داعش". لكن ما السبيل إلى الخروج من المأزق بدون مبدإ حرية الضمير؟ هذه القيمة يدافع عنها كثير من المفكرين المسلمين، مجازفين بأرواحهم في غالب الأحيان من أجلها. لكن ليس الأمر كذلك بالنسبة للذين يتقلدون المسؤوليات. ففي 27-28 يناير [2020] انعقدت بجامعة الأزهر بالقاهرة ندوة حول "تجديد الفكر الإسلامي" - السادسة من نوعها منذ 2014. ولقد كُتب في النقط-9 من البيان النهائي ما يلي: "إن الإلحاد خطر يهدد استقرار مجتمعاتنا. ... إنه السبب المباشر من بين الأسباب التي تؤدّي إلى التطرف والإرهاب". هكذا فإن المنظمين، الذين يصنفون أنفسهم كوسطيين، لا يسلمون في الواقع من التطرف.
.
العَود إلى التشكيكات في مبدإ حرية الضمير ليس مقصورا على العالم الإسلامي
الواقع بعيد كل البعد عن ذلك. تلك التشكيكات قوية جدّا، في الهند على وجه الخصوص. بل هناك أيضا ذلك القبيل من عودة تلك التشكيكات في العالم الغربي، كما هو الشأن مثلا في النقاش الثقافاتي في أوساط أوروبّا وأمريكا، حيث تمَّـت ثــــأقـــفَةُ أثْــــنَــــأَة الانتماء المِلــّـي، ولا يبدو أن من يذهبون هذا المذهب يدركون ما يتضمنه من أوجه الإكراه. إنه مذهب يعمل على اختزال/تذويب الفرد في الجماعة. هؤلاء لم يعودوا يعملون لمساعدة الفرد على أيّ انعتاق ممكن من قبضة الجماعة. إنهم لا يدركون أن الدفاع عن الأقليات يمكن أن يتعارض مع الدفاع عن الحقوق الفرديـــــــــــــــــة.
.
يبقى صحيحا أن حرية الضمير قد وُلدت في أوروبّا. بماذا يُجاب من يعتبرون هذا الأصل النشوئي عقبة في وجه كونيتها؟
هل نشأت المسيحية أو الإسلام أو اليهودية في نواحي لوثــــيـــس [الإسم القديم لباريس]؟ لا، طبعا. ومع ذلك، فنفس أولئك الذين يـــــردّون حرية الضمير إلى أصل نشأتها الثقافي، يجدون من الأمور العادية أن يكون الواحد منهم، في نفس الوقت، بـــــــاريســــيـــــــــا، و مسيحيا أو مسلما أو يهوديا. إنه أمر عديم التماسك. فإما أن تقبل بكونية الأفـــــــــكـــــار والمعتقدات، وإما أنك ترفض ذلك. أنا لست مسؤولا عن "منشور نانت" أو عن احتلال الجزائر. لست مسؤولا سوى عن الكيفية التي أتحدث لك عن ذلك. فلا أحد منّا قد بلور بنفسه فكرة حرية الضمير. لقد تم اقتراحها/عرضها علينا نحن الذين ولدنا هنا، لا أكثر ولا أقل ممّن ولدوا في أماكن أخرى. كلّنا ورثة؛ ومواريثنا المتعددة في حركية دائبة. ولكلّ أن يفعل بها ما يشاء.
-------------------------------
* نشر نص الحوار بجريد لو-موند الفرنسية (5 أو 6 فبراير 2020. المترجم يتوفر فقط على نسخة PDF)
ترجم النص من الفرنسية إلى العربية: محمد المدلاوي
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres