OrBinah

(En arabe) L’étymologie charlatane orientale gagne le Maroc.

التأصيل المعجمي التدجيلي لبعض المشارقة يزحف على المغرب

------------------

 

أولا، نماذج تمهيدية في التأصيل المعجمي المقارن:

 

1-  قلب القاف راءً في المعجم:

-  [/امارير/ من الأعلام الأسرية في الشلحة ... وهي تعني "الشاعر المغنّي" (شفيق). الكلمة فصيــــحة. ففي مادة /مـــــرق/ من اللسان (يعني "لسان العرب"): التمريـــــــــق هو الغناء و/المرق/ بفتح القاب (لعله يقصد فتح الراء) "غناء الإماء والسفلة". إذن االمريق أصبح أمرير لصعوبة نطق القاف آخراً. ...]

2-  نظرية الطـــــــول الدلالية في باب المعجم التاريخي المقارن

-  [الخرشوف أو القوق من الخضر المحببة لدى الكثير منّا ... وجدت في بلادنا منذ ملاييـــــــن السنين. يقول شفيق: ثمر الخرشوف /اقوقاي/، واحدته /تاقوقايت/. فالتسمية لدى هذا العالم الذي لا يعلم شيءا (هكذا) أمازيغية ضدّا على ابن منظور الذي يقول: القوق والقاق والقواق "الطويل المفرط الطول". أليست ساق هذه الخضرة مفرطة الطول؟ التسمية إذن مجـــــــــــــــاز؛ والمجاز لا ياتي به إلا متضلعا عارفا بخبايا لغته. ... فما محلّ الأمازيغية من الإعراب إذن؟].

- [عبابو اسم أمازيغي قحّ شهير. /عبابو/ تعني (حسب شفيق) "الذرة البعلية" Sorgo في الأمازيغية.  بينما قد جاء في اللسان لابن منظور: عـــــبّ/عبب النبات "طـــــــال". فواضح أن /عبابو/ ما هي إلا تحريــــــــــف لـ/عبب/ الفصيـــــــحة؛ والذرة البعلية قد يصل طولــــــــها في الأراضي الخصبة إلى أزيد من مترين ...]

(من آخر تدوينات الأستاذ عبد اللطيف الوهابي في نشر معرفة التأصيل المعحمي المقارن)

 -------------------------

 

ثانيا، علم اللسانيات وتشخيص وجه من أوجه مرضه في المغرب

كثير من العلوم، وعلى الأخص من علوم الإنسان والمجتمع، تصيبها أمراض . ومن العلوم التي أصبح يعتريها المرض على شكل وباء منتشر هو علم اللسانيات، بجميع فروعه، أي أكثر العلوم الإنسانية اقترابا من صفة العِلميّة من حيث إنه علم لم يعد يتناول لغة بعينها فقط، بل يتناول الظاهرة اللغوية كملكة من ملكات الإنسان تتجلى حسب قوانين تشترك فيها جميع اللغات العينية، ومن حيث إنه يسعى إلى استنبـــــاط تلك القوانين على مستويات مكونات ملكة اللغة (أصوات، صرف، تركيب، دلالة/معجم). ذلك الاستنباط يقوم على أساس مــــــــلاحظة ووصـــــــف بنيات المعطيات، وتصور فرضيّـــــات نظريّـــــة تفسيــــــــــرية تعليــــــليّة حول كون تلك المعطيات على ما هي عليه دون غيره من الاحتمالات الممكنة في المطلق (مختلف الأصوات التي يحدثها الجهاز الناطق والتي لا تتجلّى في أي لغة من اللغات، أو مختلف البنيات الصرفية الممكنة في المطلق والتي لا تـــــرد مع ذلك في أي لغة من اللغات، أو مختلف تراكيب الجملة الممكنة في المطلق والتي لا ترد في أي لغة من اللغات ...). تلك الفرضيات النظرية يكون محكّ صحتها هو مزيد من المعطيات التجريبية للغات البشرية الطبيعية، من حيث إنها، أي الفرضيات، محكومة بقدرتها على تـــــــوقع أوجه جديدة من المعطيات لم يشملها الاستقراء بعدُ، وعلى استبعاد نظري لأوجه أخرى باعتبارها غير ممكنة الورود في لغة من اللغات؛ وذلك ما يسمّى بمزيّتي قابــــــلية الدحـــــض (réfutabilité)، والقدرة على التوقع (pouvoir de prédiction) اللتين هما شرطان أساسيان لكون الفرضية النظرية المعينة فرضية نظرية علمية، وليس مجرّد تخمين لا يمكن الحكم عليه لا بالصحة ولا بالخطإ باعتبار المعطيات وإخضاع جَـبْـــر تجلّياتها وعلاقاتها في ما بينها للبرهنة العقلية.

عدت من جديد إلى التذكير بهذه الأفكار الرئيسية حول علم اللسانيات على إثر عودة نشر وترويج كثير من الترهات حول تأصيل بعض كلمات المعجمين، العربي والأمازيغي.

ومكوِّن المعجم هو المكوِّن من مكوّنات اللغة الأساسية (أصوات، صرف، تركيب، معجم) الأكثر عرضة لهجوم دجَل المعالجات الطفيلية، ولست أدري لماذا؛ وهذا في حدّ ذاته سؤال معرفي ليس هنا مكان تناوله. فليس هناك من الهواة الطارئين على حقل اللسانيات من يخوض في أصوات العربية الفصحى مثلا، لا تاريخيــــا (كيف كانت تنطق أصوات القاف، والجيم، والطاء، والضاد، وما العلاقة التاريخية لهذا الأخير بصوت اللام المشترك معه قديما في صفة الإخراج الجانبي ...) ولا سانــــكرونيا (ماذا يأتلف وما لا يأتلف من الأصوات في الكلمة العربية؟ ...)؛ وليس هناك من يعيد طرح أسئلة حول القيود الصرفية والعروضية التي يخضع لها بناء الكلمة في العربية الفصحى، ولا عن أسئلة قيود عودة العائد، من ضمائر وأسماء موصول في تركيب الجملة العربية، قصد توفير معرفة أدق ببنيات هذه اللغة من أجل الاقتدار على تأهيـــــلها على تلك المستويات (أصوات، صرف، تركيب)، تأهيلا رفع كشعار منذ عشرين سنة (الميثاق الوطني للتربية والتكوين) وما يزال.

المعجم وحده يشكل الحائط القصير بالنسبة للهواة. يتناولونه من زاوية تأصيـــــــل الكلمات، أي تأصيــــــل مفردات المعجم، أو ما يعرف بـ"الإيتيمولوجيا"، وهي فرع من اللسانيات التاريخية يخضــــــــــــعُ البحث فيه لقــــــــــــــوانين التطــــــــــور الصوتــــــي (lois phonétique) المطـّــــردةِ والملاحظة بالاستقراء المقارن بين اللهجات أو اللغات المتقاربة تكوينيا أو احتكاكيا؛ بحيث لا مجال فيه للتخمين وللاعتباط في تقريب/إرجاع لفظ كلمة إلى لفظ كلمة أخرى في نفس اللغة/اللهجة أو إلى لفظ كلمة أخرى في غير تلك اللغة/اللهجة.

 

منهج أصحاب ما كنتُ قد سمّيته بــ"اللسانيات السماوية"، التي تسعى إلى إضفاء الغيبية على اللغة العربية عن طريق إرجاع جميع الللغات إليها (ليس فقط قريباتها السامية بل كذلك اللاتينية والألمانية ... وخصوصا الأمازيغية)، يتمثل في العَمد إلى شتات من الكلمات يتم انتقاؤه انــــــتقاء بشكل اعتباطيّـــي حسب الهوى، في هته اللغة أو تلك، فتُشذَّب بعض أصوات الكلمة تشذيبا ليس له أساس تاريخي/مقارن مطّـّــــــــرد (استحالة بعض الصحاح في الساميات إلى أصوات حلقية، أو السقوط التامّ لفرشة تاريخية من أصوات الحلق أو استحالتها إلى أصوات علة ...) أو تُـقلب أصوات إلى أخرى بشكل اعتباطي كذلك (قلب قاف /مرق/ إلى /مرير/ في المثال الأول أعلاه)، أو اعتبار صوت في كلمة أصلا من جذر الاشتقاق بينما هو زائدة صرفية (كاعتبار ميم كلمة /امارير/ "المغنّي" الأمازيغية في نفس المثال أصلا جذريا يتم تقريبه من /مـــــرق/ العربية، بينما ميم الكلمة الأمازيغية عبارة عن ميم اسم الفاعل من فعل /رير/تّيرير "غنّى/يغنّي"، شأن ميم /امكراز/ "الحارث" مزيدة على فعل كرز/كّـر "حرث/يحرث"). ثم يُعمد بعد ذلك إلى معنى الكلمة التي تتّخذ كـ"أصل" واللفظ المشذب أو المبدل حروفه على سبيل "التحريف"، فيقام بين المعنيين تقريـــــــب تعسّــــــفي عن طريق ما توفره أساليب المـــــــــجــــاز من علاقات دلالية لا تحصى، فينظر إلى شكـــــل الشيء أو لونــــه أو وزنــــه أو طــولــــــه أو رائحــتــــه أو طعمــــه ... أو وظيـــــفته أو إلى علاقته الضـــــديـّـة ... فيقال إن الكلمة-س في اللغة-أ أصلها كلمـــة-م في اللغـــة-ب بجامع الاشتراك في صفـــــــة-ص (طعم، طول، شكل ...) بين معنيي الكلمتين، مع حصول التغيير الصوتــــي-ع (حذف، قلب، إبدال، إذغام) الذي طرأ على لغة-أ.

 

تلك هي اللعبة السحرية التي يمكن أن يُرجِع بها صاحب "اللسانيات السماوية" ما يشاء من كلمات لغة معينة إلى ما يشاء من لغة معينة أخرى. ولقد استهدف معجمُ العربية الفصحى لهذه الرياضة التدجيلية منذ عقود على يد بعض المشارقة، وقد سطعت من بينهم ثلاثة أسماء (الدريدي وخشيم والكبيسي). غير أنه قد انضمّ في السنوات الأخيرة أحد المغاربة الذي أشرت في بداية هذا النص إلى بعض تخريجاته في التأصيل المعجمي خدمة للغة العربية إلى تلك المدرسة، فألف كتبا في إرجاع المعجم الأمازيغي برمته إلى أصل العربية الفصحى. وإذا كان من المفهوم أن يجد صوت ذلك الرائد المغربي لهذه المدرسة صدى في بعض منابر جمهـــــــــور من هم عامّيــــــــون في حقل اللسانيات، فالأمر الذي يظل غير مفهوم هو الإمساك المتواطئ من طرف المتمكّنين من اللسانيات ومن العربية وتاريخ تطورها والذين ينخرطون في نفس الوقت في النقاش حول حالتها البنيوية والسوسيو-لسانية الراهنة، عن التنبيه إلى الطابع التدجيلي المخرّب على المستوى المعرفي، لهذا المنحى من مناحي تناول اللغة العربية في حدّ ذاتها وفي علاقتها بباقي اللغات في محيطيها، القريب والبعيد.

--------------------------------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques  



06/02/2020
1 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 345 autres membres