(En arabe) L’esclave et la femme, et la différence entre animal et être humain dans un recueil de code de droit musulman
الرقيق والمرأة
والفرق بين الإنسان والحيوان
في مدونة من مدونات الفقه الإسلامي
تقـــــــــــــديــم
تحديد الشيء، محسوسا كان أم مفهوما مجرّدا، يكون، بحسب المنطق، تعريفا صوريا جامعا (ذكر النوع)، ومانعا (ذكر االجنس والفصل والعرضين: العام والخاص)، فيقال مثلا في تعريف الإنسان: "الإنسان حيوان ناطق"؛ إذ صفة "حيوان" صفة جامعة لمفهوم الشيء المعرَّف، أي: "الإنسان"، ضمن بقية مفاهيم ما يدخل في نوعه الأعلى (كافة الكائنات الحيّة)؛ بينما صفة "ناطق" (بمعنى "عاقل ذو منطق") صفة مانعة لمفاهيم غير الإنسان، من نوع سائر الحيوان، من الدخول في نطاق تعريف ماهية الإنسان.
تعريف المفاهيم، وتصوّرات المنظومات المؤسّسية
بما أن المفاهيم بناءات وتشييدات صورية ذات تماسك عقلي فيما بينها، أي بما أنها ليست مجرد تمثلات تقريـبـية كما هي حال لـقـبـَي "العالم" و"الفقيه" إلى حد الآن كما سيتضح في الفقرات اللاحقة، فإن أي نقص أو خلل في تحديد المفاهيم تحديدا صوريا في المنظومات المؤسّسية، من قانونية و دستورية، يرتبط جدلا، وجودا وعدما، مع اختلالات في إحقاق مقاصد تلك المنظومات ("العدل" أو "صيانة النفس" مثلا). يقول الفيلسوف الألماني هيجل في كتاب "مبادئ فلسفة الحقوق" ما يلي:
["والواقع أنه كلما كان هناك تضارب وتناقض حقوقي بين مضامين أحكام منظومة حقوقية معيّنة، كلما كان تحديد المفاهيم في تلك المنظومة متعذّرا؛ ذلك أن تحديد المفاهيم يستتبع شمولية الحكم لموضوعه واقتصارَه عليه. وهذه الصفة الجامعة المانعة للأحكام، باعتبار موضوعاتها، تكشف النقاب، على التو وبشكل جلي، وفي صورة موغلة في الفجاجة، عن كل أوجه التناقض الذي يتمثل، في باب الحقوق، في نقيصة انتفاء العدل. ولذلك كان يقال في منظومة التشريع الروماني مثلا: Omnis definitio in jure civili periculosa ("كل تعريف في باب القانون المدني محفوف بالمخاطر"). ذلك لأنه ليس هناك أيّ تعريف ممكن لـمفهوم "الإنسان" في تلك المنظومة الحقوقية، نظرا لأنه لا يمكن فيها إدراج "العبد" تحت ذلك المفهوم"]. (Hegel 1940, p :48؛ ترجمة عن الفرنسية بتصرف).
نماذج لتداخل المفاهيم في باب مواضيع الأحكام في منظومة العاصمية في الفقه المالكي
هذا القبيل مما أسماه هيجل بالتناقض والاضطراب في مفاهيم المنظومات التشريعية حسب الحقب والمجتمعات، ليس مقصورا على المنظومة الحقوقية للمجتمع الروماني الذي مثّل به. ففي كتاب "إحكام الأحكام على تحفة الحكّام "، الذي شرح فيه الشيخ محمد بن يوسف الكافي منظومة محمد بن عاصم الأندلسي (ت 760-هـ) في الفقه المالكي، نجد على سبيل المثال فصلا بعنوان ["فصل في بيع الرقيق وســـــائر الحيوان"]؛ مع العلم بأن كلمة "ســــائر" في اللغة العربية هي مُسوّر منطقي (quantifier) من المسوِّرات، ومعناها "باقي كذا، أو بقية كذا" وكذلك يستعملها المتمكنون من العربية (راجع المعاجم العربية). وحتّى المقابل العبري /שאר/ [شآر] يعني نفس الشيء (السين العربية تقابلها شين فالعبرية).
فليس إذن لهذا التمثــُّـل الوقـتي، في المدوّنة المدونة المذكورة، لماهية "العَبد"، بالقياس إلى مفهوم الإنسية، أن يُحمل على مجرد قلة دراية بالعربية؛ ذلك لأنه في معرض شرح البيت الآتي قال شارح نفس المنظومة ما يلي:
[والقرضُ جائز وفِعْـلٌ جارٍ * في كل شيء ما عدا الجواري]
يقول نفس الشارح:
["يعني أن القرض مأذون فيه شرعا في كل ما يُملَـك من المِثليات، والمقوّمات، والحيوانات عاقلةً كانت أو غيرَ عاقـــلة، إلا الجواري للذكر البالغ غير المحرّم لهنّ"].
معنn هاذا الشرح - وكما هو متضمَّن، بحكم منطق اللغة، في عنوان "بيع الرقيق وسائر الحيوان" - أن هناك حيوانات غير عاقلة تُستثنى منها الجواري في باب القرض.
ومما هو في تكامل مع نفس التمثـُّـل الوقتي لمفهوم الإنسان والإنسية في نفس المدوّنة، ما شرح به الشارح البيتين الآتيين في باب "الدماء والقصاص":
[والقوَدُ الشرطـُ به المثليـّـة * في الدم بالإســلام والحريـّـة]
[وقتْـلُ منحطـٍّ مضى بالعالي * لا العكسُ؛ والنساءُ كالرجالِ]
فقد قال الشارح في شرح البيتين:
["يعني أن شرط تحقّق القصاص هو تماثل القاتل والمقتول في الدم حينَ القتل؛ وذلك (التماثلُ) يكون بالإسلام والحريّة (أي التماثل في صفة الإسلام ورُتبة الحرّية). فلا يُـقتَـل مسلمٌ بقتله لكافر، ولا حرٌّ بقتله لغير حرّ. ومنحطـُّ الرتبة، ككافرٍ يَـقتُـل مسلما، أو رقيقٌ يَـقـتُـل حرّا، يجب الحكمُ بقتله، بخلاف العكس. (...)؛ والعبرة في المساواة (هي) وقتُ الضرب مثلا إلى حصول الموت. فإذا كانا متساويين وقـتَـهما، بأن كانا كافرين أو عبدين، وزالت المساواة بعد الموت، بأن أسلم القاتل أو عُتـِـق، لم يسقط القصاص"]. الكافي:319
أما قول المنظومة في "فصل الاغتصاب" ما يلي:
[وواطئٌ لِحرّة مغتصِبا، * صداقُ مثلِها عليه وجبا]،
فقد شرحه الشارح بقوله:
[يعني أن من وطِئ (امرأة) حُرّة جبراً عليها، وثبت وطؤُه لها ...يجب عليه صداقُ مثلِها يومَ الوطء؛ وصداق المِثل يكون بـ(اعتبار نوعية) الدِين أي التديّن، والجمال والحسَب، والمال، والبلد، و(باعتبار) كونها بِكرا أو ثـيّـبا؛ ويجب عليه قيمةُ النـــقــص في الأَمَة ولو كانت ثـيّـبا (أي ما يُـقدّر، بناء على مؤشرات سوق النخاسة، كانخفاض في ثمن الأمَة بسبب وطئها)؛ وكذلك عليه قيمة ما نقص لغير المسلمة من يهودية ونصرانية؛ والولد من الأمة رقيق]. الكافي:311.
والخلاصة العامة من الأمثلة الدالة السابقة هي الآتية: بما أن للفظ "الحيوان" في اللغة العربية معنيين يحددهما سياقُ الاستعمال، ألا وهما: ( أ) "الكائن الحي" (Etre animé)، أو (ب) "البهيمة" (animal)، فإنه يستفاد من الصياغات التشريعية لهذه المنظومة أن ذلك اللفظ مستعمل فيها بمعناه الثاني (أي، معنى "البهيمة")؛ وإلا، فإن الحرّ سيُشرَك مع العبد في كثير من أحكام تلك المنظومة، مثل مشروعية وجواز الإعارة، التي تسري في تلك المنظومة على كل ما يُمتلك من الأغراض ومن "الحيوانات، عاقلةً كانت أو غيرَ عاقلة" (انظر أعلاه). وبذلك تكون الخطاطة المفهومية لـ"الكائن الحيّ المتحرّك"، حسب تمثـُّـل تلك المنظومة، على شكل مجموعتين رياضيتين كبريين متقاطعتين (أ) مجموعة العــــاقل (ب) مجموعة غير العاقل؛ ويمثل تقاطعُهما في (ج) مجموعة خاصّة تنتمي باعتبار بعض صفاتها إلى كل من (أ) و(ب)
وإذ لم يعد هذا الإشكال التعريفي المفهومي المتعلق بموقع الرقيق من الإنسية والآدمية مطروحا على المستوى العملي بالنسبة لأي منظومة مناظِرة لمدونة "العاصمية" في الفقه المالكي، وذلك بفضل مجرد تبدّل معطيات الأحوال السوسيو-اقتصادية وليس بفضل اجتهاد وتجديد للفكر الأخلاقي، فإن وجها آخر لنفس ذلك الإشكال ما يزال مطروحا عمليا وفكريا بالنسبة لموقع كائن آخر من صفة الإنسية، ألا وهو الكائن الآدمي المؤنث ("المرأة")، الذي تُشركه تلك المدونة مع العَـبـد في بعض الأحكام، وتميزه عن الذكَـر الحرّ في كثير من الأحكام. ذلك لأن المرأة ما تزال من مكونات المجتمع، بخلاف وضعية العـبْـد، التي اختفت بمفعول مجرد تبدّل التاريخ السوسيو-اقتصادي وليس بمقتضى تطور المنظومة الشرعية.
ولعل نفس القبيل من التبدّل السوسيو-اقتصادي والثقافي المفاهيمي الذي حصل في بعض الأوساط اليهودية (اليهودية الليبرالية على الخصوص) هو ما جعل وضعية المرأة فيها تتطور عمليا على المستوى الحقوقي الفعلي لاكتساب نفس الحقوق كإنسانة كاملة الإنسية، وذلك بالرغم من أن اليهودي الممارس للشعائر ما يزال يردّد كل صباح في صلاة الفجر ما يلي في شأن المرأة، بكل ما كان ينبني على ذلك في مدونات التشريع الهالاخي اليهودي في باب الحقوق:
בָּרוּךְ אַתָּה ה' אֱלהֵינוּ מֶלֶךְ הָעולָם. שֶׁלּא עָשנִי גּוי،
בָּרוּךְ אַתָּה ה' אֱלהֵינוּ מֶלֶךְ הָעולָם. שֶׁלּא עָשנִי עָבֶד،
בָּרוּךְ אַתָּה ה' אֱלהֵינוּ מֶלֶךְ הָעולָם. שֶׁלּא עָשנִי אִשָּׁה،
(انظر "سِـدّور" الصلوات اليهودية)
أي ما معناه:
تبارك الله ربُّنا، ربُّ العالمين، الذي لم يجعلني من اللايهود؛
تبارك الله ربنا، رب العالمين، الذي لم يجعلني عَبـدا؛
تبارك الله ربنا، رب العالمين، الذي لم يجعلني امرأةً
خلاصـــــــــــــة
إن كل أوجه الإشكال هذه، تطرح في نهاية الأمر مسألة ترقيّة المفاهيم، عن طريق تصورها تصورا عقليا صوريا. فمفهوم "الإنسية" أو "الآدمية" في جوهره، وكما يدركه العقل ودين الفطرة،[1] هو المفهوم الكلي الذي يتفرع عنه مفهوم المواطنة في فكر نظرية الدولة الحديثة (راجع النص-17). ومثل أوجه الإشكال النظري هذه متعددة في كثير من المنظومات الحقوقية التي يُـغيَّـب في منطقها الداخلي اعتبارُ بُعد الظرفيات، أي كل أوجه المواضعات الأنثروبولوجية الظرفية التي تفرضها المعطيات السوسيو-اقتصادية الزمانية والمكانية، من قبيل تلك التي صيغت مثلا كقوانين فقهية في المذهب المالكي أو في غيره من المنظومات الحقوقية، وذلك اجتهادا وقتيا من أجل تحقيق الأوجه الممكنة للمقاصد الكلية الخمس للصلاح (وهي مقاصد تدرك بالعقل الطبيعي وبدين الفطرة) عن طريق تنزيل روح تلك المقاصد على أرض الواقع بصياغة ما هو ملائم لمعطيات الزمان والمكان والثقافة.
ومن أبرز الأوجه الدالة لمثل تلك الثقافات الوقتية مثلا، في فترة صياغة مدونة قوانين "العاصمية"، ما تم في تلك المدونة على سبيل المثال من تخصيص ما لا يقل عن 341 بيتا لما يتعلق بـ"النكاح" (ومن ذلك 26 بيتا كـ"فصل في عيوب الزوجين": عيوب عضوي الفرْج والذكـَر على الخصوص)، بينما لم يخصص فيها لجُماع "باب القضاء وما يتعلق به"، من حيث نظامه ومساطره وضماناته، إلا 80 بيتا، ولم يخصص فيها أي شيء البتة لكل ما يتعلق بالتدبير العمومي في أبواب الاقتصاد والمالية والمرافق العمومية والتربية وهيكلة الدولة وتداول السُـلط. أما باب الحريات فلم يتعد الأمر فيه الحديث عن وضعية العبد والأَمة وأوجه التصرف فيهما تسخيرا وبيعا وسلفا، وأحكام "العتق"، و"العبد الآبق"، الخ.
كل هذا يبين إلى أي حد يشكل كثير من متون مدونات القوانين، من قبيل متن العاصمية في الفقه المالكي، مواضيع غنية تستحق دراسات علمية رصينة في كليات الحقوق وأقسام الدراسات الأسلامية الحديثة وعلوم الإنسان والمجتمع، دراسات تبين الدلالت السوسيولوجية والأنثروبولوجية لمضامين تلك المتون، وتبرز في نفس الوقت أوجه تعاملها، المتحرك أو المتحجّر، مع الواقع الذي هو متحرك بطبعه سواء على مستوى السوسيو-اقتصادي أم على مستوى تطور هيكلة تنظيم السلط على مستوى الدولة.
-------------
النص مقتطف من كتاب مرقون (660 ص): محمد المدلاوي (2012) "مساءلة البداهات من خلال مفاهيم وقضايا بمغرب الإصلاحات" (2012).
------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
[1] {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}ق,ك
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres