OrBinah

(En arabe). Lectures dans l'ouvrage en arabe de M. Mustapha Kabbaj "Théâtre et Philosophie"

متابعات ثقافية

قـــراءةٌ في "لقاء قراءاتٍ في كتاب".

 

كتاب "المسرح والفلسفة ..." للأستاذ محمد مصطفى القباج

 

 

 

التأمَ زوالَ يومِ 15 ماي 2025 لقاءُ قراءاتٍ في كتاب الأستاذ محمد مصطفى القباج ("المسرح والفلسفة: بعض من تجلّيات صلات وثيقة") بالمدرسة العليا للأساتذة بالرباط، بتنظيم من هذه المؤسسة في شراكة مع "الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية"؛ وذلك تحت شعار: "اللغة العربية حاضنة العلوم والفنون".

 

كانت القاعة غاصة بالحضور، من طلبة وطالبات خاصة (قبل أن يغادروا القاعة فجأة بشكل جماعي قبل بداية العروض!)، لكن مع غياب يكاد يقهر الأبصار ببريقه، غيابٍ شبهِ كلّي لطبقة المشتغلين في حقلي الفلسفة والأدب/المسرح، مما عدا السادة مقدّمي العروض.

بدأ اللقاء بتلاوة آيات بيّنات من الذكر الحكيم، تلته قراءةٌ جماعية للفاتحة وُقوفا، ترحُّما على أرواح من رحلوا من أعضاء الجمعية المغربية للدفاع عن العربية؛ ثم تلت ذلك، كما جرت العادة، كلمات المسؤولين الرسميين من عدة رتب في الجهتين المنظّمتَين، وعلى رأسهم السيد مدير المدرسة العليا للأساتذة، ورئيس الجمعية المغربية لحامية اللغة العربية، السيد رشيد الحلو،[i] السفير السابق المنتدب لدي الأمم المتحدة، الذي تمّ التذكير أمس كذلك بأنه هو الذي "حظي حينَها بشرف فرضِه لمشروع قرار يجعل العربية لغة رسمية في الأمم المتحدة". ...

تمّ الانتقال بعد تلك الكلمات التي غلب عليها البروتوكول والمجاملات المتبادلة بين الأطراف، والتي اتسمت بقدر ملموس من الإطالة، إلى موضوع اللقاء، أي إلى قراءات في كتاب "المسرح والفلسفة: بعض من تجلّيات صلات وثيقة" للأستاذ مصطفى القبّاج.

 

استفدتُ كثيرا من تكامل عروض قراءات الكتاب وكذلك من تعقيبات وتوضيحات صاحب الكتاب، وذلك باعتباري بعيداً عن ميدان المسرح وشؤونه (نشأته، تطوّره، وحالته الراهنة ...) وباعتباري قليلَ الإلمام بالأفكار الفلسفية وبتاريخها. لكنّي تأسفت قليلا على عدم تمكّني من الاستزادة عن طريق طرح بعض الاستيضاحات. ذلك لأنه قد تمّ إعلان ختم اللقاء فور انتهاء تعقيبات الأستاذ المحتفى بعمله التي تميزت بالتركيز والاختصار.

كنت أودّ أن أسمع أكثر عن بعض الأفكار التي وردت في القراءات وكذلك في تعقيب الأستاذ القباج؛ ومنها ما يلي على الأخص:

 

1-  استيضاح حول مدى وجود علاقة ما بين اعتبارِ الفنون (وفي مقدمتها المسرح) في الثقافة الإغريقية  "صنــــاعـــــة"  τέχνη   tékhnê وتبلور نظرية نقدية حول ذلك الفن ذات ترسانة من المصطلحات. فذلك العتبار يفترض ضمنيا أن هناك موادّا/عناصر أولية للبناء/الإنشاء (بالنسبة للمسرح: شخصيات، زمان، مكان، حوار، أصوات، عقدة، حل ...، تقنيات الإخراج) من جهة، وقواعد للبناء/الإنشاء من جهة أخرى؛ وأن كيفية التصرف في نِسَـب تركيب تلك المواد ومدى التقيّد النقلي بتلك القواعد أو القيام بالتصرف في بعضها، هو ما يُكسب العمل الفنّي المعين نوعيته الإبداعية ما بين الجودة وانعدامها وبين "التقيد بالتقاليد" أو "الإتيان بجديد"، وذلك صميم الدراسات والتحليلات النقدية.

إن تصور فنّ المسرح كـ"صناعة من الصناعات" لهو في الواقع تصوّر يحبِل في طيّاته بأدوات جهاز نظري وصفي ونقدي كفيل بتوليد ترسانة من المفاهيم والمصطلحات. يذكّرنا هذا بكون انتقال تصوّر طبيعة "الشِـعر" في الأدب العربي مثلا من طبيعة "إلهام" يقذف به وحيُ "شياطين الشِعر" في "قلب الشاعر" إلى مفهوم الصناعة ("صنــــاعة الشعر") هو ما تولدت عنه المدارس النقدية الأولى (قدامة بن جعفر، ابن طباطبا، الآمدي، عبد القاهر الجرجاني، حازم القرطاجنّي) التي انتهت بتطوير ترسانة من المفاهيم والمصطلحات النقدية أغلبُها منتثرٌ في فرعي "المعاني" و"البديع" من علم البلاغة (التشبيه، الاستعارة، المجاز، الكناية، التورية، الفصل، الوصل ... السجع، الطباق، المقابلة، الخ.). وذلك بما يعني أن الشاعر صــــــانــــعٌ ذو مهارة وليس ساحرا؛ يعمد إلى ما توفّره أبعادُ المعنى واللفظ من إمكانياتٍ - تمّ إحصاءُ كثير منها بعديّا وأُعطِيتْه تعاريف صورية ومصطلحات - فيُبدع في استعمال تلك الآلية في ما يقوم ببنائه وإنشائه.

 

2-  استيضاح حول ظاهرة نشوءِ فنِّ/صناعة المسرح عند الإغريق في علاقة وثيقة فلسفة الأخلاق في المدينة ("الجمهورية")، وفي مقدمة تلك الفلسفة مفهومُ/قيمةُ "الديموقراطية"، أي تصريفُ التدافع بين فرقاء "المواطنة" حسب قواعد لعب يلتزم بها الجميع، وعلى رأسها مبدأ القبول والاعتراف المتبادل. ذلك في مقابل عدم ظهور تلك الصناعة (صناعة المسرح) في ثقافات قريبة أو بعيدة زمنيا من عهد الفكر الإغريقي وتغلب عليها ثقافة الذاتيّات الطافحة وما يتفرع عنها من خطابة ومدح هجاء (الخطابة والهجاء إقصاء ونفي للمخاطب؛ والمدح يمحو فيه المادح نفسه أممام الممدوح).

فأبرز ما يتميز به المسرحُ (والملحمة، والقصة والرواية بعد ظهورهما) هوّا قدرة المنشئ/الكاتب على الاعتراف باستقلالية الشخصيات من خلال تواريه خلفها تواريا، كما يتجلّى ذلك في ما عرف بـنوع "الحوار السقراطي"، الذي يعتبره البعض شكلا من أشكال النوع المسرحي: قوامه شخصيات مختلفة الرأي والقناعات، لكنْ يجمعها الاعتراف المتبادل، إلى درجة أن الشخصية المعينة تأتي أحيانا بأطروحات تبدو مدعِّمة لرأي من يخالف تلك الشخصية، قبل أن تتخذ من ذلك تسلسل الأطروحات في النهاية ما يدعّم رأيها هي، وذلك كما في قواعد لعبة الشطرنج.[ii]

 

3-  استيضاح حول مدى صحة الربط بين عدم ظهور بوادر الخطاب المسرحي في الثقافة العربية لِما بعدَ الإسلام - وهو خظاب يوزَّع على شخصيات مستقلة على شكل محاورات - بكون مضمونِ ذلك الخطاب وشكلِ إخراجه كما نشأ وتطوّر عند الإغريق تخترقهما حمولاتٌ دينية وطقوسٌ خاصّة يكونُ لآلهةِ الإغريق مكانٌ معتبر في تشخيصاتها، باعتبار هذه الماهيات الغيبية شخصياتٍ تعبّر عن نفسها بخوارقها وعبرَ أصوات ما يعرف بــ"الأوراكل".

ذلك الاستيضاح قد فرض علي نفسه وما يزال، لأن الممارسات الطقـــوسية، فردية كانت أم جماعية، إذا ما نُظر إليها في حدّ ذاتها كـشكل من الأشكال، لا تنعدم لها وجوهٌ في مناسك الإسلام، اليومية منها (قواعد الوضوء والصلاة) والأسبوعية (وصَلات صلاة الجمعة) والفصلية (شكل صلاة الاستسقاء) والسنوية (شكل صلاة العيد،؛ زيادة على السعي، والطواف، والتلبية، ورمي الجمرات، والتجرّد عن المخيط).

معنى ذلك انه كان بالإمكان أن تُطوِّر الثقافة العربية والأدب العربي في ظل الدين الإسلامي طقوسَ ممارساتٍ ذات أبعاد دينية/تعبدية أو أبعاد زمنية (في حقول الفنون كالموسيقى والسماع والمسرح مثلا). لكن ذلك لم يحصل بالنسبة للمسرح الذي هو موضوع الحديث؛ وربما يرجع ذلك إلى الذهنية/الثقافية المشار إليها في الفقرة-2 أعلاه (مدى قدرة المنشئ/الكاتب على الاعتراف باستقلالية الشخصيات من خلال تواريه خلفها، بدل مجرد ممارسة الخطابة وذاتيّة المدح والهجاء ومختلف أوجه التعبير الغنائي عن الذات).

أما مسألة موقف وفِعل ومفعولِ قــــــوّة الحــــكم الزمني القائم (بتقلباته ما بين العصبية، والديموقراطية، والديماغوجية، والثيوقراطية) ليس إزاء أشـكــال/أجناس الإنتاجات الأدبية، ولكن على مضامين تلك الإنتاجات مما يلامس أسُـس الحكم في تقلباتها هنا وهناك، ففي واقعتي إعــــــدام كل من الكاتبين الصديقين، عبد الحميد الكاتب وابن المقفع (واضعَي اللبنات الأولي للنثر الفنّي بل للسرد في الأدب العربي)  بتــهمــة من قبيل "كل ما من شأنه"، أي ما عرف بــ"الزنــــــدقـــة" (وليس بسبب إعلانهما للردّة أو بسبب المجاهرة بشرب الخمر أو أكل الخنزير أو الزنى أو الغلمانيات) ...، أقول إنّ في تينك الواقعتين ما يدعو إلى استحضار تجربة سقراط، صاحب المحاورات ذات البنية المسرحية، أي تجربة إعـــــدامه هو كذلك في فترة مدّ ديماغوجي بآثينا بناء على تهم ثلاث:  "ازدراء آلهة المدينة"، "استدخال آلهة جديدة" و"إفساد عقول الشباب".

معنى كل ذلك أن المعتقـَـد حاضر بقوة في بلاد الإغريق على عهد سقراط، كما هو حاضر في المجتمعات العربية قبل ظهور الإسلام وبعد ظهوره؛ غير أن فنّ المسرح قد ظهر في المناخ الثقافي للمجتمع الأثيني، ولم يظهر في المناخ الثقافي العربي الإسلامي قبل العصر الحديث، الذي لم يختف فيه المعتقَـد، إن لم نقل إنه قد تقوّى فيه من جديد.

 

4-  وأخيرا تأسفت على أمر، وانزعجت من أمر. تأسفت على مغادرة الطلبة والطالبات للقاعة دفعة واحدة (الصورة) بينما كان رئيس "الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية" يلقي كلمته، أي قبل الشروع في تقديم قراءاتهم للكتاب، بما أثارته تلك القراءات من أفكارٍ مِن شأنها أن تُذكي لدي الطالب على الخصوص روحَ الفضول المعرفي والحس النقدي. لا يُعرف ما الذي حصل؛ أيتعلق الأمر بضجر أم بتنظيم غير ملائم؟ إشارةُ عقارب الساعة إلى الرابعة والنصف أمرٌ يَستبعدُ ما قد يتبادر إلى الذهن من تفسير لتلك المغادرة بالتحاق الطلبة بحصة من الحصص. على كل حال، لم يبادر المنظمون بأيّ تعليق تفسيري لذلك الحادث الذي أربك من كان قيد ألقاء كلمته، ومَن كان يُنتَــظر أن يلقوا عروضهم، وكذلك الكاتب المحتفى بعمله، زيادة على التأويلات السوسيولوجية الممكنة لمثل ذلك الحادث (مع غياب تفسير) في فضاء مؤسسة مثل "المدرسة العليا للأساتذة" حول نوعية الدوافع السوسيولوجية الحقيقية للإقبال على مؤسسات التعليم العالي ذات الولوج المفتوح.

أما الأمر الذي انزعجت منه، فهو نوعية اللغة العربية التي ألقيت بها بعض العروض. يكاد يجزم المستمع بأن إعرابَـي الرفع والنصب في اللغة العربية قد أضحيا وجهين اختياريّين ("يجوز الوجهان") مهما كانت نواسخ الابتداء مِن "إنّ وأخواتها" و"كان وأخواتها".

بلغ منّي ذلك الانزعاجُ أني كلما تكررت على مسامعي جملةٌ من هذا القبيل الجديد من "اللغة العربية"، إلا وبادرت، في نوع من الحماية الذاتية لما اكتسبته في اجتهاد وعناد، إلى إعادة الجملة مرتين أو ثلاث همسا على مقتضى قواعد نحو اللسان العربي، حتّى لا تضعف تلك القواعد على لساني ويتمَّ لديّ التطبيعُ مع "نحو جديد" ليست له لا مزايا اللغات المعربة (مثل اللسان العربي، واللسان اللاتيني، واللسان الألماني ...) ولا مزايا اللغات غير المعربة التي تعتمِد الرتبةَ (مثل اللسان الفرنسي، أو اللسان الأمازيغي، أو لسان المغربية الدارجة المغربية، ...).

 

-----------------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



17/05/2025
4 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 357 autres membres