(En arabe). Le titre "martyre" et la machine sociolinguistique d'annulation dans la société marocaine
لقب "الشـــهــيــــــد"
والآلـــة السوسيو-لوغوية اللاغيّـــة في المغرب.
1- عموميات
كان المجتمع المغربي مبنيا على أساس هـــرمية حقوقيــــة تترجمها الألقاب المقرونة بالإسم الشخصي على الشكل الآتي:
- الإسم الشخصي الحــــــافــــــي لـمطلق "يا أيها الناس" في أسفل الهرم (مع فئة معينة من الأسماء الشخصية خاصة بالعبيد والحراطين)؛
- لقب" سّـــــــــــــي" للورّاشيّين والعدول والقضاة والمرابطين من جميع الزوايا؛
- لقب "مــــــــــــولاي" للشرفاء من مختلف الأسر؛
- لقب "الحاج"، وهو لكل من حج بيت الله الحرام من مختلف الفئات؛ وهو إذ يضاف إلى أسماء العاميّين وأسماء فئة لقب "سّي"، فإنه لا ينسخ لقب الشرفاء الذي هو "مولاي".
- وكان لقب "سيـــــــدي" هو لقب العلاقة الشخصية المباشرة بين العبد المملوك وسيّده من أي فئة كان (عاميين، متعلمين، مرابطين، شرفاء).
تلك كانت شارات الألقاب التي كانت تضبط تلك الهرمية الاجتماعية إلى حدود الخمسينات من القرن 20 وتؤشر على تراتبية قيميّة لها ترجمتها على مستوى الحقوق والواجبات.
ومع بداية توسّع الإدارة والتعليم الحديثين امتدّ لقب "سّـــي" ليشمل كذلك جميع من تعلم القراءة والكتابة ويشتغل كموظف عمومي؛ مع كثير من التحفظ والرفض في بعض الأحيان مع بداية الترقية الاجتماعية من خلال التعليم ودخول العاميين إلى سلك الوظيفة، وبداية اهتزاز المنظومة القيمية التقليدية التي دامت قرونا.
وسرعان ما تطورت الذهنية، فانطلق اشتغال آلية سوسيو-لغوية خاصة لتحييد تلك القيم ثم إبطالها. إنها آلية شبيهة بآلية ساحبة الأوراق المالية (planche à billets) التي تنتهي بإفراغ العملة من قوتها الإبرائية عن طريق تراكم التضخم.
لقد بدأ الناس في الأسواق يطلقون "سـّـــــــي موحمّد" على كل من لا يعرفونه. ثم تلا ذلك استعمال "الشريف"، ثم "الحاج" و"الحاجة"، إلى درجة أن "الحاج" و"الحاجة اليوم" أصبح يعني "رب الأسرة" و"ربّة البيت" على الترتيب.
ومع بداية تضخم صفّ الأساتذة (في قطاعي المحاماة والتعليم) ثم الداكاترة في الجامعة وغير الجامعة واستفحال اعتداد هذه الفئات التي أصبحت في معظمها من الوافدين الاجتماعيين الجدد بألقابها وإشهارها في كل واد، امتدت آلية التحييد والتتفيه إلى لقب "أستاذ" أولا ثم لقب "دكتور" ثانيا، فعمّمتها على الرصيف وفي المقاهي والأكشاك وأسواق الخضر ... على كل من لا تعرف هويّته.
وآخر الألقاب التي بدأت تطالها آلية التتفيه والتحييد هو لقب الشــــهـــيــــــــــد"، الذي يتعلق هذه المرة بهرمية الموتى في الاستحقاق. وإذ مفهوم "الشهيد" (martyre) حكمٌ على قيمة ميّت، يعود إلى المسيحية الأولى، فإن تقاليد الإسلام في هذا الباب لم تكن تبُتّ في ذلك الحكم فتقرن لقب "الشهيد" باسم معين (فتقول مثلا "الشهيد حمزة بن عبد المطلب" أو "الشهيد عقبة بن نافع"، وإنما تقول: فلان قد استشهد، أي طلب الشهادة؛ كما يقال "استغفر"، و"استسمح"، و"ايتعفى"، و"استجدى" بمعنى "طلبَ فضلا معيّنا".
ومن المفارقات أن أول من أخذ يقرن لقب "الشهيد" على بعض الأموات أو الهالكين في المغرب، هي جهات غير دينية بل جهات متلائكة من جميع الأطياف والهويات؛ حيث أصبح البعض يستعمل "الشهيد فلان" أو "عريس الشهداء فلان" حتى على بعض من مارس مغامرة ولعبة السياسة (بمفهوم "الأيدي القذرة" في رواية جان بول سارتر) فخسر اللعبة وهلك.
وآخر تتفيه لهذا اللقب قد تمثل اليوم في إطلاق "الشهيدات" على ضحايا فضيحة بو الـــعـــــــــــــلام بجهة الصويرة (19 نوفمير 2017>) حيث هلكت 15 سيدة في تدافع شبيه بتدافعات عرفات تمّ تنظيمه في ملتقى إحساني فولكلوري يُجهل مورده، نُصِبت فيه الخيَم ورفعت الأعـــــــــــلام الوطنية، وانتهى بما انتهى به.
رحم الله الضحايا، ورحم لقب "الشــــهـــــيـــــــــــــد" الذي هو في طريقه ليلتحق بمن سبقه من الألقاب.
------------
من مشاهد ساحة شهيدات سيدي بو العلام:
https://www.youtube.com/watch?v=4t-KzG_qQG4
-----------------------------
2- جيل السبعينات وجيل الألفية الثالثة.
جيل السبعينات من القرن 20 انتظم في مسيرة خضراء (350 ألف) على متن الشاحنات، واخترق البلاد من جهاتها الثلاث إلى جنوبها عبر طرق وطنية (لم تظهر بعدُ الطرق السيارة) متهالكة وبعضها غير معبّد، ولم يسجل حادثة، على ما يذكر، ما عدا ميلاد طفلة خلال المسيرة سميت بـ"مسيرة" وسيكون عمرها اليوم أربعين سنة.
أما وجيل الألفية الثالثة فقد خلف عشرات القتلى رفسا بالأرجل في تدافع بضع مئات من هواة لكامانجة والبندير أو من ملهوطي كل ما هو فابور. لعل شيئا ما، أو أشياء ما قد تغيّرت في المجتمع والدولة. ففي سنوات الجفاف والمجاعة (نهاية الخمسينات وبداية الستينات) كان الدقيق والزيت الأمريكيان ("هدية من شعب الولايات المتحدة؛ ليس للبيع ولا للتبادل") يوزعان في جميع أرجاء المغرب بدون حوادث؛ وكان كيس الدقيق يستردّ بشعاره "يدٌ في يد" ليتخذ قماشا لخياطة قميص أو تبّان يحمل ذلك الشعار من الخلف.
الفقر لا يفسر أي شيء، لأنه قد تراجع كثيرا كثيرا، والمتسولون لم يعودو يقبلون "الصدقة" العينية (طعام، طوبة سكر، حبات شاي ...). إنهم لا يتعاملون سوى بالعملة النقدية التي لها اليوم "حدّ أدنى للصدقات" هو درهم واحد.
أما أولئك الذين يخرجون/يخرجن للتبضّع والشوبّينكًـ في الفضاءات التجارية الكبرى حينما يشعرون بالرتابة والممل، ثم يتابعون برامج الطهي على القنوات، فيستهلكون ما تقوى على استهلاكه أجهزتهم الهضمية ويرمون بالباقي في القمامة، ثم يتفرغون للتباكي على فقر الفقراء، فهم قومٌ من المسرفين، يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
عينة من الإحسان على الطريقة الماريكانية التي استفاد منها المغاربة قبل أكثر من نصف قرن.
.http://www.trbimg.com/img-5913b4bb/turbine/la-fg-global-aid-true-false-20170501
3- تساؤلات شكلية حول مشهد ساحة "شهيدات" سيدي بو العلام
من خلال التمعّن في أحد مشاهد ساحة ضحايا سيدي بو العلام التي ضربت فيها الخيم ورفعت الأعلام، يفرض أحد الاحتمالين الآتيين نفسه:
أ- إما أن عنصر الإناث في المغرب أكثر لهــــفـــة و/أو فقرا من عنصر الذكور بقطع النظر عن خلية الأسرة التي هي مع ذلك الخليّة السوسيو-اقتصادية الأساس؛ والفقر هنا مستبعدٌ جدا في هذه الحالة نظرا لطراز وألوان الملابس (جلالب أنيقة، فولارات وشالات وخُمُرٌ رفيعة، قبّعات أوروبية، أوجه نضِرة وناظرة في كلّ اتجاه على غرار تلك السيدة "الفقيرة المملقة" الجالسة في الصف الأول من الفيديو الآتي، والتي قالت المعلقة الناطقة باسم المحسن السعودي عنها وعن غيرها من الإناث بأنها تتمعّش على تكسير حبّ الأركًان)؛
.
ب- وإما أن للدعوة إلى مناسبات البرّ والإحسان قنواتٍ خاصةً تمرّ منهجيا عبر سُبُل فضاءات خاصة (المعازل النسوية بالمساجد، أقبية الجمعيات والحمامات ومختلف أنواع النوادي النسوية) تمثل فيها الأنثى القناة الأساسية لضخ الإحسان في جسم المجتمع.
الاحتمال الأول صعب التصديق باعتبار أن نساء ناحية الصويرة لسن جميعا نساء عازبات، أرامل أو مطلقات. أما الاحتمال الثاني، وهو أقرب إلى قابلية التصديق، فيطرح كثيرا من التساؤلات الأخرى عن الحكمة من البر والإحسان عبر قناة المرأة على سبيل الحصر.
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres