(En arabe). Le terme ‘Islam’ : du sens lexical éthique premier au concept terminologique de doctrine confessionnelle
لــفــظ "إســــــــلام"
ما بين دلالته في أصل اللغة العربية وبين مفهوم "المِــــلّـــة/العقيدة"،
في علاقة ذلك بفلسفة الدولة والدين
(مقتطف من كتاب "سبع رسائل في اليهود وفي الفكر العبري. ص: 153-159)
... (...)
ب- ضرورة إصلاح فكري على مستوى تَمثـُّـلِ المقاصد
إنه إصلاح ثقافي/فكري يتعلق باستكمال القطع مع روح الجاهلية، التي تمكّـنت تاريخيا من أن تلبَس لَـبوس المِلّة. تلك "الجاهلية"، بما هي نمط من القيم في الأخلاق والسلوك والحياة، يمثـّـل "الإسلام" (لغة واصطلاحا وجوهرا) نقيضا لها بمقتضى السياق التاريخي لظهور المصطلح.
فلفظ "إسلام" مصدرٌ لفعل "أسلمَ" بمعنى "أسلمَ وجهه لله، وجنح للسلم" في تدبير شؤون ومُداينات المدينة، أي شؤون معاملاتها:{اليوم أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا}ق.ك؛ وليس ذلك المصطلح مصدرا لفعل "استسلم" بمعنى خضع إكراها وقهرا للملة الجديدة بعد ظهورها، كما انتهى الاعتقادُ الجاهلي الذي لبس لبوس الملة إلى القول بذلك وترويجه.
كما أن "الديـــن" في اللغة العربية مفهومٌ سلوكي اجتماعي مدني بمقتضى الاشتقاق الداخلي للغة العربية وبمقتضى الاشتقاق المقارن بينها وبين شقيقاتها من اللغات السامية.
فـ"الدين" يعني في أصل دلالته العربية " التداين" و"التعامل" في فضاء المدينة (ومنه /الدَّين/، أي "ما في ذمّة المتعامل")؛ وهو نفس مفاد أصل دلالة religion في اللغات الأوروبية (كلمة منحدرة من religare "أقام رابطا أو رابطة"). ومن ذلك المعنى في العربية قولُ الأثر: "كما يَدين المرء يُدان" (أي كما يعامِل يعامَل)، وكذلك: "الدينُ المعاملةُ".
فلفظ /الدين/ لا يحيل لغوياً في أصل الوضع على مفهوم ملـّــي عقــدي؛ إذ أن اللفظ المحيل على ذلك في كل من العربية والعبرانية إنما هو لفظُ مِـــــلـّــــة (confession): {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَـــمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، وَهُوَ مُحْسِنٌ، وَاتَّبَعَ مِلَّــــــــةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} ق.ك؛ {ولن ترضى عنك اليهودُ ولا النصارى حتى تتّبِع مِلـتــــهم} ق.ك.
وقد ظهر مصطلح "الإسلام" ليحيل على مفهوم حقـــــــــوقي مدني جديد، كنهج في ذلك التعامل والتداين، مفهوم يـقطعُ مع نهج الجاهلية، وذلك مع تأسيس نواة الدولة في فضاء حاضرة "يـــثـــــرب"، التي أصبحت بعد ذلك التأسيس تسمى "المديــــــنــة"، أي ترابيةُ وفضاء التداين/التعامل والمداينة/المعاملة. هذه الصيغة الأخيرة ("المدينة") صيغةُ "اسم مكان" مشتقة قيّاسا في العربية من فِعل دان/يدين، بمعنى "تعامل/يتعامل". فـ"المدينة" إذن (وهي غير "الحاضرة" التي هي مقابل "لقرية" أو "البادية") بمعناها الأصلي في اللغة، هي الفضاء المؤسّسي لتنظيم التداين والمداينة، أي لتنظيم المعاملات؛ وهو ما يسمى اليوم في العربية بـ"الدولـــــــة"، وذلك على غرار نماذج "دُوَل الحواضر" (Etats-Cités) في حواضر "صور"، و"صيدون" و"اسبرطة"، و"أثينا"، و"قرطاج" قديما، التي قامت على أسُس دساتير معاملات مدنية ملائمة لعصر وظروف كل منها.
وما تزال لغة من شقيقات العربية، ألا وهي اللغة العبرانية، تحتفظ بكامل السلسلة الاشتقاقية لمادة /دان/؛ وكل ألفاظ تلك السلسلة الاشتقاقية تدور حول مفاهيم المعاملات، ولا ارتباط لها بمفهوم الملة والعقيدة (التي تسمّى מלה [مِلـّـة] أو דת [دات] في هذه اللغة).
فـعبارة בית דין [بيت دِين] تعنى في تلك اللغة "دار القضاء"، أي "المحكمة"؛ وكلمة דיין [دايّان] تعني "القاضي"؛ وكلمة מדינה [مدينة] تعني "دولة" إلى يومنا هذا.[1]
فجوهر مضمون مصطلح "الإسلام" يحيل إذن، على تجربة مدنيّة تاريخية طبعَت فترة الرسالة المحمدية ووازتها على صعيد التدبير السياسي. تلك التجربة التي تدعو على هذا الصعيد الأخير إلى نهج أسلوب السِلم في تدبير شؤون التادين والمعاملات وإحقاق الحقوق وفض النزاعات. مفهوم ذلك المصطلح، اشتقاقاً لغويا واستعمالا سياقياً، ليس هو نفس مفهوم المـلـة كعقيدة أزلية في باب الإيمان والتوحيد والعبادات. إنه مفهوم عمل ودعوة، على مستوى السياسة، من أجل تقويض مختلف أوجه نهج دعاوى الجاهلية في باب التداين والمعاملات وإحقاق الحقوق وفض النزاعات. معنى ذلك أن مصطلح "الجاهلية" بدوره يحيل على مفهوم ثقافة مدنية خاصة في أسس وسلوك التداين، وليس مصطلحا حاملا لمفهوم معرفي (وجودا وعدما في باب العلوم، الفنون، والعمران) كما يُعتـقـد، ولا لمفهوم مِلّـي عقدي (إيمان/كفر، توحيد/شرك، الخ.). فالمعاني الفرعية، السلوكية والتعاملية، التي يغطـّـيها مفهوم "الجاهلية" كمصطلح في النصوص الإسلامية الأولى، وفي المعجم العربي عامة بعد ذلك، تدور جميعا "حول خصال "الغلظة"، و"الخشونة" و"الجفاوة"، و"العجرفة"، و"سرعة الغضب"، و"العصبية"، و"التعصّب" و"الحميّة" والأبيسية الوأدية، وروح الثأر، وغير ذلك في باب التداين والمعاملات وإحقاق الحقوق وفض النزاعات.
وبناء على هذا التأصيل اللغوي والتاريخي المقتضب لمفهومي مصطلحي "الإسلام" و"الجاهلية"، يمكن فهم خاصية جوهرية من خصائص تحليل الخطاب لـ"خطبة الوداع" النبوية الشهيرة. فهي خطبة ذات دلالة جوهرية في هذا الباب، باب دلالة "الإسلام" كمفهوم مدني تاريخي وليس كمفهوم ملةٍ وعقيدة؛ وذلك من حيث إن تلك الخطبة - التي هي "خطبة وداع" - لم تتناول لا أسُس الملة والعقيدة، ولا شعائر العبادة، ولا تشريعات الحلال والحرام من الأطعمة والأشربة، ولا أخلاقيات الفنون والإبداع والجماليات، ولا أي وجه من أوجه الهندام، من كل ما أصبح اليوم جوهر الرهان على شكل رموز وشارات.
إذ كان الهمّ الأول والوحيد الذي استأثر بخطبة الوداع هو الخوف والتحذير من أن تتلفع العقليةُ الجاهلية برداءَ الملة، فتلتبس من خلال ذلك التلفّع بـ"الإسلام"، الذي هو، كما رأينا، نقيضٌ لـ"الجاهلية" كنهج على مستوى التجربة السياسية التاريخية لـ"الدين" أي لـ"التعامل" و"المعاملة"؛ وذلك تفصيلا في تلك الخطبة للحديثين النبويَين القائلين: [ليس منا من يدعو بدعوى الجاهلية]؛ و[ليس منّا من دعا إلى عصبية، أو من قاتل من أجل عصبية، أو من مات من أجل عصبية].
فجميع القضايا التي طرحت في "خطبة الوداع" إنما تتعلق أساسا بالتداين والتعامل في فضاء "المدينة" (أي في حظيرة ما يسمى اليوم "الدولة"). ولم يرد في آخر تلك الخطبة إلا إشارة واحدة إلى التوحيد، ولكن فقط في معرض التأكيد على مبدإ المساواة بين الناس، ومسألة واحدة في باب المناسك التعبدية نظرا لأنها مما له علاقة بجمع ما تفرق من القبائل في ذلك الوقت تفرقا جاهليا يضبطه منطق الغزو والحروب الدورية، ألا وهي مسألة مناسك الحج.
وهاهي الآن -على شكل مقتطفات - القضايا التي تناولتها خطبة الوداع الموجة للناس جميعا ("أيها الناس" ، وليس " أيها المسلمون" ولا حتى "أيها المومنون"):
[["أيها الناس، إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم "؛ "فمَن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها"؛ وإن رِبا الجاهلية موضوع؛ ولكن لكم رؤوس أموالكم، لا تظلمون ولا تظلمون"؛ "وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب؛ وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية"؛ "أيها الناس إنما النسئ زيادة في الكفر"؛ "أيها الناس، إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق"؛ "أيها الناس، إنما المؤمنون إخوة ولا يحل لامرئ مال لأخيه إلا عن طيب نفس منه"؛ "فلا ترجعنّ بعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض"؛ "أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد؛ كلكم لآدم وآدم من تراب، أكرمكم عند الله اتقاكم؛ وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى"؛ "أيها الناس إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث ولا يجوز لوارث وصية، ولا يجوز وصية في أكثر من ثلث"].[UW1]
إنها بالضبط الأمور والقضايا التي يتم تدبيرها اليوم في كثير من بقاع فضاءات ما عرف بـ"الربيع العربي" بسلوكات العصبيّة والتعاضُد الجاهليين في لبوس مذاهب ملّية وفي إطار غياب تاريخي لأي تراكم ثقافي وتربوي متشبع في أعماق الوعي بقيم ومزايا الانضباط الفردي والجماعي لتقنينات تسمو على أهواء الحس العشائري البدائي والأهواء الجاهلية، التي تعتمد على قوة العدد أو القوة الخامّ، و على تأجيج الغضب الجماعي، وإذابة وإفناء عقل الفرد، المفكِّر بطبعه وفطرته، في سيكلوجية قطيع الجمهور الذي هو ماهية جمعية غير عاقلة وغير مسؤولة بمقتضى طبيعتها.
إن خطبة الوداع، باختصار، خطبة مدنيّة محض بامتياز، وليست قطعا خطبة ملـّـية لا في العقيدة ولا في اعبادات والحلال والحرام؛ وتشكل بذلك مدخلا رئيسيا لأي إصلاح للفكر الإسلامي قصد تخليصه من أعشاب وأشواك مختلف الأدبيات الفقهية والخطابية التي أُلبِست من خلالها أهواءُ الجاهلية لبوسَ الملة ورداءَ الإسلام خلافا لوصية: "فلا ترجعنّ بَعدى كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض".
نص مقتطف من الكتاب الآتي:
المدلاوي المنبهي، محمد (2025). سبع رسائل في اليهود وفي الفكر العبري. أي علاقة بالرافد العبري للثقافة المغربية؟ (ص: 153-159). منشورات دار التوحيدي. الرباط. المغرب.
--------------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
[1] بالنسبة للتأصيل الأنثروبو-لغوي لنشأة مجموعة من المصطلحات الحقوقية والفكرية في اللغة العربية، انظر محمد المدلاوي 2010: 86-133
[UW1]Agrandissement opéré
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 357 autres membres