(En arabe) Le numéro-100 de la revue marocaine Al-Manahil: un dossier sur "Le fond de l'amazighe-berbère écrit"
مجلـــة المنـــــــــــاهل؛ عدد 100. أکتوبر 2020
ملفّ العـــــدد
”لمحات عن الرصيد الأمازيغي المکتوب“
تقديم: محمد المدلاوي
(المعهد الجامعي للبحث العلمي، جامعة محمد الخامس) مُعدّ المـلفّ
للأمازيغية، بأوجهها الجهوية المختلفة، رصيد هائل من مختلف أنواع الأدب والعلوم الدينية والوقتية الشعبية أو شبه العالمة التي انتقلت من الحامل الشفهي، کمردّدات أو مَرويات، إلى الحامل الکتابي. قليل جدّا من هذه النصوص قد اتخذ سبيله نحو الطبع والنشر بالحرف اللاتيني، تدرّجاً تصاعديا منذ أکثر من قرن على يد مستمزغين أوروبيين (جوستينيار، باصي، ماسينيون، لاووست، ارسان-رو، شترومر، بوخرت، ...)، ثم بالحرف العربي في العقود الأخيرة بالمغرب، بينما ظل أغلب تلک النصوص مخطوطا بالحرف العربي أو مخطوطا/مرقونا بالحرف اللاتيني، موزعا بين الخزانات العالمية (في "إيکس أون-بروفانس"، و"ليدن"،و"باريس، ...،[i] بالخارج، وبالخزانات الوطنية أو الخزانات الخاصة وخزانات الزوايا.[ii] وإذ تميزت فترة ما بعد السبعينات من القرن-20، في المغرب خاصة، بطفرة نوعية في مراکمة المکتوب الأمازيغي في باب الأنواع الإبداعية في المواضيع/الأغراض الوقتية (أي غير الدينية) من شعر غنائي وقصة ورواية، فإن هذه الفترة قد تميزت في نفس الوقت بتنوع حرف کتابة الأدب المغربي الناطق بالأمازيغية. فبعد أن کانت کتابة النصوص الأمازيغية مقصورة على الحرف العربي، على مدى ما يقارب عشرة قرون، إذا ما اعتبرنا کامل شمال إفريقيا، ظهر تبنّي الحرف اللاتيني الذي کان قد طوّره المستمزغون، ثم بدأت حرکة استعادة صيغ جديد معدّلة من حرف تيفيناغ الضارب في القدم خلال العقد والنصف الأخير على يد المبدعين الأمازيغوفونيين المغاربة خاصة، بعد قرار المعهد الملکي للثقافة الأمازيغية فور تأسيسه اتخاذَ ذلک الحرفَ حرفاً معياريا لکتابة الأمازيغية. ويمکن الحديث إجمالا، بخصوص ذلک الرصيد - بجميع أنواعه الأدبية وأغراضها، وبجميع أحرف کتابته (بما في ذلک الحرف العبراني رغم ندرته) وبجميع أحواله ما بين مخطوط ومرقون ومنشور - عن آلاف الأعمال المعروفة حتّى الآن کما سيبيّن ذلک الملفُ الحالي.
هذا من حيث الواقع الوجودي الموضوعي لذلک الرصيد. أما من حيث المعرفة بوجوده، دونَ الکلام عن الاهتمام الأکاديمي به، ودعکَ عن رواجه في سوق التبادل الثقافي العام، ففي الأمر مفارقة کبرى تحتاج في حد ذاتها إلى دراسة. ففي الوقت الذي کان فيه شأن استعمال اللغة الأمازيغية في دائرة التبادل الثقافي العام ودائرة المکتوبات خاصة مثارَ نقاشات/سجالات تعميمية حول المواقف المبدئية، تکون في بعض الفترات نقاشات حادّة (التقاطب القديم ما بين أصحاب "المازغي" ومن أطلِقت عليهم تسميةُ "المنکرون"،[iii] ظلت المعرفة الملموسة بمجرّد الوجه التاريخي الضارب في القدم لذلک الرصيد أمرا يکاد يکون منعدما حتّى في أعلى مستويات النخبة العالمة في بلد کالمغرب، مهما کانت لغة تکوين تلک النخبة؛ وذلک إلى ما قبل حوالي عشرين سنة فقط من اليوم.[iv] وحتّى على المستوى الدولي، کان الاهتمام الأکاديمي بالرصيد الأمازيغي المکتوب خاصة بالحرف العربي مقصورا على حوالي أربعة فيلولوجيين مستمزغين في کل من هولندا وإيطاليا؛ ولم يظهر أول التفات أکاديمي أوسعَ قليلا على ذلک المستوى سوى سنة 2011 لمّا انعقد ملتقى بجامعة باريس الثامنة لنشر نداء مشارکات حول "المخطوطات العربية-الأمازيغية"، وهي مشارکات نشرت بعد خمس سنوات من ذلک في عمل ضخم من 418 صفحة.[v]
فمن بين الغايات التي يتوخاها هذا الملف، إذن، غايةُ التعريف بهذا الرصيد وبخزانته ومظانه، في صفوف قرّاء العربية على أوسع نطاق، وذلک من خلال منبر بارز من منابر الثقافة المغربية، منبر مجلة "المناهل". ولهذه الغاية، حرصت المجلة على أن تترجم إلى العربية مساهمتين من متخصّـصين مشارکين، حُرّرت إحداهما بالفرنسية والثانية بالإنجليزية.
ولقد اتصلت المجلة بحوالي عشرين مستکـتَـبا من الباحثين بداخل الوطن ومن خارجه، ممن لهم معرفة بخزانة الرصيد الأمازيغي المکتوب، فلبّى الدعوة سبعة باحثين مرموقين، موزعين ما بين الداخل والخارج. وقد جاءت مساهماتهم، بفضل ما اقتُرح على کلّ واحد منهم کزاوية نظر ومعالجة، مساهماتٍ متکاملةً، باعتبار الزمان والمکان وطبيعة السؤال، دون ثغرات کبيرة ولا تکرار في جُماع تناولها لکل ما يتعلق بماضي وحاضر الرصيد الأمازيغي المکتوب؛ وهاهي عناوين وتلاخيص تلک المساهمات، مرتبة حسب أوجه ما أُثر من ذلک الرصيد أو ما رُوي عنهُأأ عبر مدّة معتبرة من الزمن التاريخي:
أ- مساهمة الوافي النوحي (المعهد الملکي للثقافة الأمازيغية) بعنوان:"التراث الأمازيغي المخطوط بالمغرب: نظرات في النشأة والتطور".وهذا تلخيصها:
تتمثل هذه المساهمة في استعراض بانورامي موثّق المراجع لکمّ هائل من الآثار المروية التي تحتفظ بها المصنفات التاريخوغرافية والمناقبية منذ بداية نشر وانتشار الإسلام في شمال إفريقيا، عن علاقة اللغة الأمازيغية (بمختلف أوجهها وتسميّاتها في تلک المصنفات حسب الحقب) بالخطاب العمومي في المحافل والمنابر وبالتأليف والکتابة. وقد اتخذ أمر الکتابة عند الأمازيغ، حسب الباحث أربعة مناحٍ: تَمثل المنحى الأول في التأليفَ بالعربية، والثاني في التأليف بالأمازيغية، وتمثل المنحى الثالث في الترجمة من العربية إلى الأمازيغية، أما الرابع فهو مزاوجة بين اللغتين. ويروم هذا العمل الوقوفَ عند نماذج من الاتجاهات الثلاثة الأخيرة لرصد حجم التأليف فيها، ومقدار مساهمة الأمازيغ منذ قرون في تنشيط حرکة التأليف؛ وهي المسألة التي کان لبعضِ ولاة الأمر دورٌ مهمّ فيها، لِما اتخذوه من إجراءات في إطار "تدبير المشهد السوسيو-لغوي" (بين العربية والأمازيغية) وتصريفه تصريفا وظائفيا حسب معايير الوقت.
ب-مساهمة فيرموندو برونياتيليّ (جامعة ميلانو-بيکوکا) بعنوان:"مُختاراتٌ لمخطوطاتٍ بالأمازيغيةِ الليبيَّةِ والتونسيَّةِ مِن حقبٍ مختلفة. وصف وتعليق". وهذا تلخيصها:
تنتمي الأغلبية الساحقة من المخطوطات الأمازيغية المعروفة لحدّ يومنا هذا إلى غرب فضاء التامازغا عامة، وإلى المغرب على الأخصّ. ولقد تم بيان غِـنى الأدب الأمازيغي المغربي، منذ العصور الوسطى وإلى يومنا هذا، من خلال لائحة طويلةٍ للأنواع الأدبية وللمؤلفين والمصنّفات، التي تتضمنها المقدمة الکبرى التي قدم بها "نيکو فان-دن بوخرت" (Nico van den Boogert) تلک الآدابَ في کتابه الصادر سنة 1997. ولقد أسفرت منطقة القبائل، من جهتها عن بعض المخطوطات، بالرغم من أنها أقل عددا ممّا في المغرب؛[vi] بينما ظلت بلدان التامازغا الشرقية، تونس وليبيا، تبدو إلى حدود الآونة الأخيرة، کما لو أنها غير متوفرة على أيّ أدبيات [أمازيغية] مکتوبة.
وقد ترتّب عن ذلک أن الدراسات حول اللهجات الأمازيغية الموجودة في هذه الجهات الأخيرة بدَت کما لو أنه محکوم عليها بأن تنحصر في البحث الميداني المتعلق باللغات التي ما تزال مستعملة اليوم هناک، بدون التوفر على أي شاهـد مکتوب يحتفظ بذکرىً عن الأحوال السالفة لتلک اللهجات ولأدبياتها. لکن قد تجلّى أن العالـَم التامازغي الشرقي، الذي هو مجال مرتبط تاريخيا بالإباضية، قد عرف، هو أيضا، تقاليد کتابية منذ العصور الوسطى، وصلت بعض شواهدها حتى إلى جيلنا الحاضر. في هذا المقال سنقدّم ثلاثة أمثلة من الوثائق المکتوبة المنتمية إلى شرق الفضاء التامازغي، منجّمةً في الزمن منذ العصور الوسطى إلى نهاية القرن19م. ويتعلق الأمر بما يلي:
1.نص طويل ذو طبيعة دينية يعود إلى القرون الوسطى (”کتاب البربرية“)؛
2. قصيدة دينية نظمت ما بين نهاية القرن18 وبداية القرن19م (قصيدة ”تامازيغت“)؛
3. ديوان کبير من الحکايات، حکايات”شينينّي“Cheninni (تونس)، وهو نص لم يدوّنه أحدٌمن الأهالي، بل دوّنه أحد الفرنسيين في بدايات استعمار تونس.
ج- مساهمة کل من محمد السعدوني وهاري شترومر (جامعة ليدن) بعنوان: "مخطوطات أمازيغيةِ تاشلحيت المدوّنة بالحرف العربي: تحدّياتٌ وفُرصٌ"، وهذا تلخيصها:
لعلّ أمازيغية تاشلحيت هي الوجه، من أوجه الأمازيغية، الذي يتوفر على أقدم تقاليد الأدبيّات [المکتوبة] وأکبرهاکمّا في العالم الناطق بالأمازيغية؛ وهي تقاليدُ أدبيّاتٍ تتمثل، في معظمها، في نصوص دينية مدونة بالحرف العربي.وقد ظلت هذه التقاليد في المغرب خارج دائرة الانتباه لزمن طويل. وغالبا ما کان يتمّ إنکار وجود تلک التقاليدکليّة أو التنقيصُ من أهميّـتها، فأهمِـلت العنايةُ بدراستها في الأوساط الأکاديمية. ولقد کان سائدا وعامّا في المغرب - وما يزال ذلک عند البعض - القولُ بإنکارٍ تامّ وصريحٍ لوجود أي تقاليد کتابية أمازيغية. فکثيرا ما يسمع السامعُ، إلى يومنا هذا، بعضَ المغاربة - بقطع النظر عن لغتهم اليومية من عربية و/أو أمازيغية، أکاديميين وغير أکاديميين - يدّعون أن "الأمازيغية إنما هي لسان شفهي." هذا الاعتقاد يکذّبه، بطبيعة الحال، وجودُ رصيد هائل من المخطوطات الأمازيغية التي تمثل تقاليد أدبية امتدّت على مدى حوالي خمسة قرون.
کذلک في أوروبا، لم يکن أغلب الباحثين، ممن لهم اهتمام بشمال إفريقيا، على علم بوجود تلک التقاليد؛ وکثير منهم ما يزال کذلک إلى يومنا هذا. لم يتمّ الانتباه إلى تلک المخطوطات والتعرف عليها باعتبارها مکتوباتٍ أمازيغيةً إلا في حوالي 1850م. فلقد اقـتـنى منها باحثون أکاديميون من أمثل دو-لابورط (J. D. Delaporte) وشتـــوم (H. Stumme) نماذج لفائدة خزاناتهم الجامعية. وقد مثلت الطبعة الأولى لمخطوط کامل بأمازيغية تاشلحيت على يد الأکاديمي الهولندي شتريکـر (B. H. Stricker) سنة 1960 معْـلمةَ منعطفٍ في هذا المجال.
ويمکن العثور اليومَ على مخطوطات أمازيغية بأعداد کبيرة في أوساط المناطق الجنوبية المغربية الناطقة بتاشلحيت. أغلب مالکي هذه المخطوطات يمتنعون عن إظهار تلک المخطوطات لمن يبدي اهتماما بها ما لم يتأکـدوا من حسن نواياه. ولهذه المخطوطات قيمة وأهمية باعتبارين اثنين؛ أولهما کونهاتمکننا من دراسة العالم المعقّد للفکر الديني الجهوي في المناطق الناطقة بأمازيغية تاشلحيت، وثانيهماکون تلک المخطوطات توفر لنا فرصة فريدة لدراسة اللغة الأمازيغية من وجهة نظر دياکرونية تاريخية نظراً لأن تلک المخطوطات - کما سبق ذکره - تتوفر على عمق تاريخي من حوالي خمسة قرون، وهو أمر يکاديکون استثنائيا بالنسبة للغة الأمازيغية. فالمراحل الأقدم من أوجه نصوص الأمازيغية تتّـسم بسمات عتيقة مهمّة على أصعدة المعجم والصرف والترکيب. وسنتناول في ما يلي ما يتعلق بهذا الرصيد المخطوط من خلال ثلاثة محاور:
1- التجميعيّات الأوروبية من المخطوطات الأمازيغية؛
2- أنشطة المغرب وتجميعاته في باب العناية بالمخطوط الأمازيغي؛
3- مؤلـِّفان بارزان في باب موروث أدبيّات أمازيغية تاشلحيت؛
د-مساهمة الخطير أبو القاسم-أفولاي (المعهد الملکي للثقافة الأمازيغية) بعنوان:"الموروث الکتابي الأمازيغي بالحرف العربي في فترة الحماية: تجربة لحسن البونعماني نموذجا"، وهذا تلخيص لها:
حين استقر سّي لحسن البونعماني (1909-1982) المعروف بکتاباته الشعرية والصحفية بالعربية، وبمسؤولياته الإدارية، کتقلده منصبَ قاضٍ مفوض بمراکش في فترة الحماية، ثم منصبَ أول باشا لمدينة أکادير بعد الاستقلال، استقراراً بمراکش في النصف الأول من القرن الماضي، مع التحولات الکبرى الناتجة عن الاحتلال الفرنسي والممهّدة لخلخلة البنيات الاجتماعية والقيميّة للمجموعات الاجتماعية المختلفة وإدماجها في بنيات الدولة العصرية الناشئة، تارکا وراءه المناخ الثقافي الذي طبع تکوينه بمنطقته الأصلية بسوس، لم يکنالبونعماني يعرف أن الرأسمال/الرصيد العلمي الذي راکمه في بداية تحصيله الدراسي وتنشئته داخل أسرة علمية وصوفية يمکن أن يساعده في ولوج بعض الوظائف العصرية في بداية مساره المهني. فـلمّا تقدم للاشتغال کمتعاون مع المستمزغ الفرنسي Arsène Roux، الذي کان مديرا لــ”ثانوية مولاي يوسف“ ومديرا للأبحاث بـ”المدرسة العليا للدراسات المغربية“ بالرباط مکلفا بمديرية الأبحاث اللهجية الأمازيغية، تمکـنالبونعماني بفضل امتلاکه لجزء من ثقافته العالِمة المحليّة، التي تتمثل في المعرفة الکتابية والتوثيقية للفقهاء القرويين، من تکييف رأسماله المعرفي مع الوضع الجديد الذي يتطلب منه انجازَ مهامَّ عمليةً/خبراتية تتضمن صياغة/تحريرأوراق وصفية عن الحياة الاجتماعية والثقافية المحلية باللغة الأمازيغية وبالحرف العربي.
يسعى هذا المقال إلى التعريف بإسهامات هذا الکاتب، وبمکانتها ضمن التراث المخطوط بالأمازيغية، وذاک من خلال محاولة بيان ظروف وملابسات انخراط أحد الفقهاء القرويين انخراطا مهنيا ووظيفيا في تجربته الحياتية في الممارسة الکتابية باللغة الأمازيغية. هذا زيادة على رسم السياق العامّ لهذه الممارسات، والظروف التي ساعدت على هذا المُنجَز الکتابي في باب الأدبيات الأمازيغية. ولهذه الغاية قسمنا المقال إلى أقسام أربعة. في القسم الأول حديثٌ عامّ عن الموروث الکتابي الأمازيغي؛ وفي القسم الثاني نبدةٌ عن المسار التکويني العلمي للکاتب سّي لحسن البونعماني. أما القسم الثالث فيعرض أوجه تقاطـُع حياة البونعماني الشخصية ومساره المهني مع التحوّلات السوسيو-سياسية التي عرفها مغربُ جيلِه. وأخير، يخلص القسم الرابع، من کل ذلک، إلى استعراض موجز لأهم أعمال البونعماني في حقل الأمازيغية مع بيان خصائصها من حيث الموضوع والشکل.
هـ-مساهمة محمد المنادي (المعهد الملکي للثقافة الأمازيغية) بعنوان:"الإبداع الأدبي الحديث باللغة الأمازيغية. حصيلة خمسة عقود من الکتابة"، وهذا تلخيصها:
يهدف هذا المقال إلى بيان أوجه إغناء الإبداع الأدبي باللغة الأمازيغية للمشهد الأدبي في المغرب في العقود الخمسة الأخيرة، وبيانِ ما يتصل بتلقي هذا الإبداع من قضايا وإشکالات خلال العقدين الأخيرين. فقد أسهمتْ هذه الحساسية الأدبية الجديدة في إغناء الحرکة الإبداعية المغربية وتنويع تعبيراتها، بما راکمته من نصوص وخطابات زاخرة بالمعاني والقيم والقضايا، إلى جانب ما جادت به مسيرة الأدب المغربي عامة عبر تاريخه العريق. ولئن کان لهذا المشهد الأدبي العامّ تاريخ طويل تراوح بين المدّ والجزْر باختلاف الدول وتعاقبها، فإن الإبداع الأمازيغي ظل دائما على الهامش، بسبب لغته التي لم تفلح في أن تجد لها مکانا ضمن ”الثقافة العالمة“ عامة وفي أوساط النخبة الجامعية في المؤسسات الأکاديمية خاصة. إنها معضلة الآداب الشفوية عموما، أو ما يصطلح عليه عادة بالآداب الشعبية، التي لم تحظ بالاهتمام اللائق، حيث وقع جزء مهم من الإنتاج الفني والجمالي للشعوب ضحية التقاليد المهيمنة على تاريخ الأدب، والتي دأبتْ على نعت هذا الإنتاج بنعوت من قبيل ”الهامشي“ و”الشعبي“ و”العامّي،“ فحرمته زمنا طويلا من أن يکون موضوعا للبحث والدراسة ليس في الحقل الأنثروبولوجي والإثنولوجي وفي الدراسات الفولکلورية فقط، وإنما في حقل الأدب إلى جانب النصوص والأعلام التي طبعت تاريخ الآداب ووجدتْ مکانها في المقررات الدراسية وبرامج التکوين في الجامعات والمؤسسات الأکاديمية. وسنتناول وضعية هذا الإبداع الأمازيغي الحديث في هذا العمل من خلال المحاور الآتية:
1. متون الأمازيغية ومسألة الکتابة في الماضي؛
2. الإبداع الأمازيغي المعاصر المکتوب: النصوص الأولى؛
3. الألفية الثالثة وطفرة الإنتاج الأدبي الأمازيغي المنشور؛
ز- مساهمة جمال أبرنوص (کلية الآداب، جامعة محمد الأول، وجدة) بعنوان:"المکتوب الأمازيغي، ومواکبة الرصد النقدي؛ بحثٌ عن إشاريات التطريس في ديوان الملعبة الأمازيغية"، وهذا تلخيص المساهمة:
تُمثـل هذه المساهمة النظيرَ المقابلَ على جميع المستويات (بما في ذلک مستوى هيکلة مواد الملف ما بين أحول البدايات والخواتم) لمساهمة الأستاذ الوافي النوحي في بداية هذا الملف. وذلک من حيث إنها تتمثل في معالجة محصورة الموضوع تفصيلية الطابع لنموذج ملموس کامل التوثيق ومعاصر من المکتوب باللغة الأمازيغية. وتنطلق، في القسم الأول منها، من ملاحظة ما يشيع من اعتقاد لدى کثير من الدارسين -ومنهم متخصصون في أشکال التعبير والتأليف الفنية الأمازيغية - أن اللغة الأمازيغية حديثة العهد بالکتابة، وأن کل إنتاجها إلى حدود الربع الأخير من القرن العشرينکان شفهيا تتناقله الألسن، وتعتريه بالتا ليأعراض النحل والانتحال والمحو؛ بينما الحقيقة هي أن بواکير النشاط الکتابي، بمفهومِ مجرّدِ تدوين نصوصٍ بهذه اللغة، أقدمُ بکثير مما يُعتقد. بعد هذه الملاحظة، يتطرق المقال، في القسم الثاني، وفي تطوير نظريّ عامّ، إلى مسألة انتقال أدب من الآداب من حال الشفهية إلى حال الکتابية، راصدا الخصائصَ البنيوية الذاتية المميّزة لکل من حالتَي الأدب بذلک الاعتبار، بما يتعدّى مجرد اختلاف نوعيةِ الحامل ما بين الشفهية/الروائية والکتابية/القرائية. وانطلاقا من ذلک الرصد النظري للفرق البنيوي ما بين الإبداع الارتجالي اللحظي العابر الذي تکون الرواية الشفهية حامله الأساسي، والإنشاء ”الحولياتي“ المُهيّأ والمُراجع الذي هو صناعة فنّية تتميز بالتنقيح والمعاودة، والذي تکونالکتابة حامله الأساسي، انتقل المقال - بعد توفير ذلک القسم الثاني لطائفة من المفاهيم والمصطلحات - إلى تلمّس بعض أوجه صفة الکتابية (المقابلة للشفهية) في أحد الأعمال الأدبية الأمازيغية من أعمال العشرية الأولى من الألفية بالمغرب. إنه ديوان ”الملعبة الأمازيغية“ (2008).
ولقد فتح المقال بذلک بابا نظريا واسعا من أبواب المواکبة النقدية للإبداع الأدبي الأمازيغي الحديث على الخصوص، من حيث تميّزه في المغرب منذ السبعينات باقتحامه لأجناس وأغراض أدبية وقتية جديدة کالشعر الغنائي والسرديات (بخلاف أدبيات "المازغي" التديّنية النفَس)؛[vii] إنه باب مؤشرات خاصّية الکتابية (scripturalité) في العمل الأدبي. ولقد تمّ الترکيز، بخصوص رصد هذه المؤشرات في العمل الذي هو موضوع الدراسة والتحليل، على بعد "التـنـاصّ" کتقنية بناءٍ فنية مقصودة وواعية من تقنيات الجانب الإنشائي التحريري للإبداع الأدبي. تم ذلک عبر المحاور الفرعية الآتية من القسم الثالث من المساهمة:
1- إضاءات مصطلحية؛
2- إضاءات النص الموازي؛ العنوانُ کشاهد على شعرية التهجين
3- ما الذي يقوله النص الأصل؟
4- مِن النصّ الأصل إلى النص المتفرع؛ تتتبع أوجه التناص
ح- مساهمة محمد السعيدي (کلية الآداب، جامعة ابن زهر، أكادير) بعنوان:""، وهذا توطئة المساهمة:
يتطرق البحث إلى عنصرين هامين هما:
1. الفهرسة: أي فهرسة المخطوطات الأمازيغية في المغرب، وسيتوقف المقال عند تحليل معطيات الفهارس المنجزة ومناهجها والملاحِظِ عليها، وهي: "فهرس المخطوطات العربية والأمازيغية"، مؤسسة آل سعود بالدار البيضاء؛ و"فهرس المخطوطات الأمازيغية"؛ و"فهرس المكتبة الوطنية بالرباط"؛ و"الدليل الجُذاذي للمخطوطات والوثائق الأمازيغية"، منشزرات المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط.
2. النشر:
نشطت في الآونة الأخيرة، لأسباب أكاديمية وثقافية حركة نشر المخطوطات الأمازيغية في المغرب، فتمّ تحقيق عدد من النصوص ونشرها وَفق مناهج التحقيق المعاصرة، في علوم الدين (تفسير وحديث وفقه وعقيدة وتصوف..)، والأدب (أشعار ورِحْلات وقصص وأمثال..)، واللغة (معاجم وقواميس)، والتاريخ (أخبار وحوليات...). وسيلقي البحث الضوء على هذه النشرات الأمازيغية من حيث كمُّها، بجرد المنشور وتقويمه، ثم من حيث كيفها، بتحليل مناهج تحقيقها ودراستها. ويشار إلى أن هذه المخطوطات تنقسم إلى قسمين: مؤلفات أمازيغية أصيلة، ومؤلفات مترجمة من العربية إلى الأمازيغية، وهي كثيرة عُرفت عند علماء سوس في جنوب المغرب بالمشلَّحات، نسبة إلى الشلحة أي الأمازيغية السوسية.
الملاحظ هو أن العمل كثير في مجال المخطوطات الأمازيغية بالحرف العربي في المغرب على صعيد الفهرسة؛ لكن الفهارس المذكورة - على أهميتها - لم تلمّ إلا بالنزر اليسير من النصوص الأمازيغية، لأن كثيرا منها ما يزال مجهولا أو مفقودا أو قابعا في خزائن خاصة (خزائن الأفراد والأسر العلمية والمدارس والزوايا...). ثم على صعيد التحقيق، لا يوجد إلى حدود اليوم كتاب أو دليل يرشد المحققين إلى كيفية تحقيق هذه النصوص ونشرها، أو يدرس المستوى الكوديكولوجي فيها، وهي إشكالات لزم التأمل فيها وإيجاد حلول لها.
***
إن من شأن هذه اللوحة البانورامية المعرّفة بماضي وحاضر الرصيد الأمازيغي المکتوب، المصوغة بلغة طالما وُضع حجابٌ من عدم الاهتمام بين قرّائها وبين واقع ذلک الرصيد، أن تفتح أعين النخبة عامّةً وأعينَ المسؤولين في مختلف مؤسسات وهيئات التکوين خاصة، على ما يتعين القيام به من أجل خلق جيل جديد يقوم بتوطين مؤسَّـسي للبحث العلمي في هذا المضمار الذي ظل حکرا على لغات أخرى، وذلک في تعاون مع المؤسسات المتوفرة على المادة وعلى التجربة التکوينية الميدانية في باب فيلولوجيا التحقيق وإعداد النصوص للنشر ومختلف أوجه دراستها لغويا، وأدبيا، وإثنوغرافيا، وتاريخيا.
وقد ختم الملف بمادة فهرسية غنية من شأنها أن تميط اللثام عن الرصيد الرصيد الأمازيغي المكتوب.
.
المراجع المحال عليها في هذا التقديم:
أفـــــا، عمر (2015).الدليل الجذاذي للمخطوطات والوثائق الأمازيغية – المصادر المکتوبة بالحرف العربي في منطقة سوس. الرباط: منشورات المعهد الملکي للثقافة الأمازيغية. 2015.
المدلاوي، محمد (2012).رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون. الرباط: منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي،2012. (جائزة المغرب للکتاب 2012؛ صنف الدراسات اللغوية والأدبية).
Elmedlaoui, Mohamed. (2016) “La tradition ‘Almazghi’ dans le Sous (Maroc): caractéristiques linguistiques et fonctions socioculturelles du code.”Etudes et Documents Berbères 35-36 (2016): 243-62.
Ould-Braham, Ouahmi (Coordinateur, 2016); Etudes et Documents Berbères35-36 (2016).(Les manuscrits arabo-berbères). Paris.
Van den Boogert, Nico (1998).Révélation des énigmes: Lexiques arabo-berbères des XVIIe et XIIIe siècles. Travaux et Documents de l’IREMAM, no.19. Aix-en-Provence: IREMAM, 1998.
Van den Boogert, Nico (1997).The Berber Literary Tradition of the Sous. With an edition and translation of 'the Ocean of Tears' by Mohammad Awzal. Publication of the“De Goeje Fund” XXVII. Leyde: Nederlands Institut voor het Nabije Oosten, 1997.
Van den Boogert, Nico (1995).Catalogue des manuscrits arabes et berbères du fond Roux. Travaux et Documents de l’IREMAM, no.18. Aix-en-Provence: IREMAM, 1995.
[i] Nico van den Boogert, Catalogue des manuscrits arabes et berbères du fond Roux. Travaux et Documents de l’IREMAM, no.18 (Aix-en-Provence: IREMAM, 1995).
Nico van den Boogert, Révélation des énigmes: Lexiques arabo-berbères des XVIIe et XIIIe siècles. Travaux et Documents de l’IREMAM, no.19 (Aix-en-Provence: IREMAM, 1998).
[ii] عمر أفا، الدليل الجذاذي للمخطوطات والوثائق الأمازيغية - المصادر المکتوبة بالحرف العربي في منطقة سوس (الرباط: منشورات المعهد الملکي للثقافة الأمازيغية،2015).
[iii] - محمد المدلاوي، رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون (الرباط: منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، 2012). [جائزة المغرب للکتاب 2012؛ صنف الدراسات اللغوية والأدبية].
- Elmedlaoui, Mohamed (2016) “La tradition ‘Almazghi’ dans le Sous (Maroc): caractéristiques linguistiques et fonctions socioculturelles du code,”Etudes et Documents Berbères 35-36 (2016): 243-62. La Boîte à Documents. Paris.
[iv] ورد في الهامش رقم 32 من المدلاوي-2012، "رفع الحجاب..."، ص 86، بخصوص مدى معرفة النخبة المغربية بالرصيد الأمازيغي المکتوب، وخاصة منه ما کُتب بالحرف العربي، الذي عرف بين متداوليه بمصطلح /لمازغي/، ما يلي:[الحقيقة أن هذه المعرفة لا تتوفر حتى في مظانّها، لا على مستوى المؤسسات ولا على مستوى الأفراد. فهذا، المحقق الهولندي المقتدر، فان-دن بوخرت، يُـبدي استغرابه في هذا الباب على الشکل الآتي (نترجم عن الانجليزية): "... ومن بين الأحکام المتأخرة الحديثة الصادرة بشأن التقاليد الأدبية الأمازيغية بسوس، ذلکالحکمُ الذي أصدره في شأنها اللساني المغربي أحمد بوکوس. حيث کتب في Grande Encyclopédie du Maroc ما يلي:"لم يبق من هذا الأدب إلا مؤلَّفان للهوزالي: ”بحر الدموع"، و”الحوض". إن هذا ليُـبـيّن إلى أي مدى يبقى حتى الناطقون بالأمازيغية السوسيّة ممّن هم منخرطون مهنيا في ميدان البحث في موضوع لغتهم، ناقصي المعرفة بالتقاليد الأدبية لتلک اللغة”]:
Nico van den Boogert, The Berber Literary Tradition of the Sous. With an edition and translation of 'the Ocean of Tears' by Mohammad Awzal. Publication of the“De GoejeFund” XXVII(Leyde: Nederlands Institut voor het Nabije Oosten, 1997), 39-40.
والمرجع الکامل لهذا الشاهد الذي أورده کذلک: (Stroomer 1992:186) على سبيل الاستغراب هو:
La Grande Encyclopédie du Maroc, Culture, Arts et Traditions,vol. I (Rabat: GEM, 1987), 143.
أما لسانيّ آخر مرموق، هو الأستاذ محمد الأوراغي، المتمکن بدوره روايةً من وجه من الأوجه الحالية للغة الأمازيغية (وجه تاريفيت) زيادة على معرفته الدرائية العامّة في ميدان اللغويات، وفي ما يتعلق بالضبط بـ"المازغي"و"الأمازيغية" من حيث هما اسم ومُسمّى، فقد صرح بإلحاح شديد بصفته "أمازيغيا متخصصا في اللسانيات" على حد تعبيره، وذلک خلال ملتقى نظمته "الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية" بالمدرسة الوطنية للصناعة المعدنية بالرباط سنة 2011 حول "اللغة والدستور"، صرّح بأن"الأمازيغية اسم لا مُسمّى له أکاديميا وعلميا وتاريخيا. فلا وجود لمسمى لهذا الاسم؛ بل حتى هذا الاسم لا وجود له في التاريخ؛ وإنما ظهر مؤخرا. فالموجود في الواقع والتاريخ والجغرافيا هو الزناتية في الشمال، والصنهاجية في الوسط، والمصمودية في الجنوب؛ هذا هو الواقع". (http://hespress.com/videos/31133.html).
أما بقية اللسانيين ممن ليس لهم علم بأي وجه من أوجه الأمازيغية، لا حديثا ورواية، ولا وصفا ودراية، فقد اکتفى بعضهم بابتداع مفهوم أيکولوجي هو "التلوث اللغوي" کتوصيف مريح للواقع السوسيو-لغوي المغربي.“
[v] Ouahmi Ould-Braham(Coordinateur), Etudes et Documents Berbères 35-36 (2016). (Les manuscritsarabo-berbères). La boîte à Documents. Paris.
أضف إلى ذلک أن شبکة ”النيط“ قد مکنت کثيرا من مواقع التبادل من أن تتخصّص في موضوع المخطوط الأمازيغي وعرض نماذج منه، وإن لم يکن ذلک على سبيل الاختصاص. ومن تلک المواقع في فضاء الفيسبوک، على سبيل المثال، موقع ”المخطوطات الأمازيغية“ Amazigh Manuscripts؛ وهذا رابط نحو ذلک الموقع:
[vi] Djamel Aïssani, “Écrits de langue berbère de la collection de manuscrits Oulahbib (Béjaïa),”Études et Documents Berbères 15-16(1998): 81-99.
[vii] ذلک أن جعل المکتوب الأمازيغي موضوع تتبع نقدي ليس جديدا حتّى بالنسبة للنوع الأدبي القديم المسمّى بـ"المازغي" (متون منظومة تعليمية في أبواب العقيدة والعبادات والأخلاق). فقد استعرض المدلاوي-2012، في رفع الحجاب،59 -68، بعض مآخذ أحد مؤلفي المازغي (حماد التاميلي؛ بداية القرن19) على بعض مؤلفات غيره من حيث إخلالها بـغاية الإفهام (إفهام من لا يعرف العربية) التي هي من المقاصد العليا لذلک النوع من التأليف. لقد أخذ عليهم کثرة استعمالهم للمفردات العربية في نصوصهم، حذلقةً منهم واستعراضا لمعرفتهم بالعربية وکمؤشّرات على انتماءهم إلى أوساط النخبة العالمة، وليس لعدم وجود مقابل لتلکالکلمات في الأمازيغية.
---------------------------------
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres