(EN ARABE) LE Maroc, mâle ou femelle?
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS/AUTRES, puis sur ARABE(Windows).
هل المغربُ ذكَـر أم أُنثى؟
رياضة لغوية
في كتابه "ما وراء الخير والشر" (Par-delà le bien et le mal. 10/18. p:245)، وفي إطار فلسفته المفككة ليقينيات عصره الثقافية، صنّف نيتش الشعوب والأمم إلى مؤنث ومذكر من حيث العبقرية الخاصة؛ فقال:
[هناك نوعان من العبقرية؛ نوع هو خلاّق قبل كل شيء وتوّاق إلى الإنجاب، ونوع يحب أن يتم تلقيحه لكي يـلـد. فكذلك الأمر بالنسبة للشعوب ذات العبقرية، حيث يقوم التمييز بين شعوب يتمثل حظها في نصيب الأنثى المتمثل في الحمل، وفي المهام الحميمية للحمل والوضع والحضانة والتهييء والتعهّد إلى أن يتم اكتمال ما تمّ وضعه؛ وذلك مثل الإغريق والفرنسيين. ثم هناك شعوب أخرى ذات عبقرية ذكورية يحسون بأنهم مدعوون بالأحرى إلى إحداث وإرساء نظم جديدة في الحياة، مثل اليهود والرومان، وربما تساءلت بكل تواضع عما إذا لم يكن الألمان أيضا كذلك. هؤلاء الشعوب الأخيرة تؤرقهم هموم وتعتريهم نوبات غريبة من الحُمّى، ويجدون أنفسهم مدفوعين دفعا لا يقاوم نحو الخروج عن نطاق أنفسهم، مُغرمين ومشتاقين إلى أعراق أجنبية من بين تلك التي تهوى أن يتم تلقيحها؛ وهم في نفس الوقت مندفعون نحو السيطرة، مثل جميع من يحس بأنه مفعم بطاقات الفحولة، وبأنه بالتالي مُصطفى "بفضل الله". هذان النوعان من العبقرية يبحث أحدهما عن الآخر على غرار الرجل والمرأة؛ لكنهما يجهل بعضهما الآخر جهلا، على غرار الرجل والمرأة أيضا.]
لا يتعلق الأمر هنا بعرض فلسفة نيتش في هذا الباب. إنما يتعلق بسؤال عفوي ولكنه محرج بعثت به إلي ابنتي قبل أيام عبر الميل ويقول: [لقد أرقني أمر ما يلاحظ من أن اسم "المغرب" اسم مذكر، بينما اسم "فرنسا" اسم مؤنث؛ فما أساس ذلك التصنيف؟]. ولقد كان جوابي لها كما يلي:
مقولة "النوع" مقولة لها أسس في الطبيعة الحيّة (حيوان، نبات). ويتقابل ضمن تلك المقولة حدّان أساسيان هما "المذكر" و"المؤنث". إلا أن في الطبيعة الحية نفسها، في وجهها النباتي على الأخص، تجليا آخر لتلك المقولة يتمثل في حدّ ثالث يشكل تركيبا أو إلغاءا للتقابل بين ذينك الحدين، وذلك من حيث اعتبار الوظائف الحيوية للكائن، مثل وظيفة الإنجاب أو التكاثر. إنه حدّ أوسط، لا هو بالمؤنث ولا هو بالمذكر (asexué)، أو لنقل يجمعهما معا، باعتبار القدرة على التكاثر.
وإذا ما وضعنا الطبيعة جانبا، فإن مقولة "النوع" قد اكتسبت كذلك أبعادا محض أنثروبو-ثقافية (أي الخصائص العامة لتمثـّـل المجموعات البشرية لمعطيات الطبيعية والاجتماع والذهن والنفس). هذه الأبعاد تتجلى على شكل خصوصيات إثنو-ثقافية (أيْ الذهنيات، حسب المجموعات البشرية)، ومن بينها الخصوصيات الإثنو-لغوية (العبقرية الخاصة بلغة من اللغات في تمثّـلها وإقامتها، من خلال المعجم والتركيب، لهيكلة معينة لمعطيات عوالم الطبيعة والمجتمع والنفس والذهن). فبمقتضى هذه الخصوصيات، تختلف اللغات وتتفاوت في مدى كون مقولة النوع مقولة ذات اعتبار في معجمها وصرفها وتركيبها. في بعض اللغات مثلا، كاللغات اللاتينية (فرنسية، إسبانية، برتغالية، إيطالية، الخ.) أو اللغات السامية (عربية، عبرية الخ.) أو الأمازيغية، يتعين أن تقترن كل وحدة معجمية (اسم، فعل، صفة) في المعجم والصرف والتركيب، بعلامات تحدد تصنيفها باعتبار مقولة "النوع"، وذلك سواء تعلق الأمر بماهية حية (ضبع، عقرب، فرس) أو جامدة (شمس، قمر)، أم بمفهوم مجرد (العدل، الحرية). وهذا التصنيف اللغوي لا يعكس بالضرورة مُعطى طبيعيا (الشمس والقمر مؤنثٌ ومذكر على الترتيب في العربية والأمازيغية، بينما العكس هو القائم في الفرنسية مثلا). أما لغات أخرى مثل الإنجليزية فإن مكونات معجمها وصرفها وتركيبها قليلة الحساسية تجاه مقولة "النوع" (ليس في الإنجليزية إلى ضمير الغياب المفرد مما يميَّز فيه النوع). أما بعض اللغات الأخرى مثل الصينية الماندارينية، فإنها تهمل تماما مقولة النوع؛ ومن تم صعوبةُ اكتساب كثير من اللغات، مثل العربية والفرنسية، على مستوى التمييز بين التذكير والتأنيث بالنسبة للصينيين؛ وهي صعوبة أكبر من صعوبة تعلم الألمانية من طرف الناطقين بالعربية أو الفرنسية من حيث إن الألمانية تميّز في معجمها بين ثلاثة حدود لمقولة النوع، ألا وهي المذكر (وأداة تعريفه Der)، والمؤنث (وأداة تعريفة Die)، والغُفـل (وأداة تعريفة Das)؛ إلى درجة أن فيها اسمين لـ"المرأة"، أحدهما مؤنث صرفيا (Die Frau) والآخر غفل (Das Weib).
أما في ما يتعلق بالأسامي الجوّالة المتنقلة (أسماء البضاعة، أسماء الأعلام المكانية، الخ.)، فعندما تكون اللغة المعينة من الناحية الأنثروبولغوية من صنف اللغات التي يعتبِر معجمها حدودَ مقولة النوع، فإن ظرفيات قيام المادة المعجمية المعنية في ذلك المعجم هي التي تقرر الحدّ النوعي الذي تُحمَـل عليه تلك المادة (مذكر أو مؤنث، أو غفل إذا ما كان في اللغة). من بين تلك الظرفيات المتغيرة كثيرا، هناك مصدر التسمية، أي ما إذا كانت التسمية مقترضة من لغة أخرى من اللغات التي تميز بين حدود النوع، مع العلم بأن الاقتراض يتم في الغالب عبر وسطاء (تجار، رحالة، صحفيون، جنود، الخ.) على درجة معينة من ازدواجية اللغة، بحكم وضعهم ووظيفتهم، ما بين اللغة المُقرضة واللغة المقترضة، فينقلون التسمية المعينة حاملة معها لمقولة النوع كما هي عليه في ثقافة اللغة الأصل.
وفي ما يتعلق بأسامي الأعلام المكانية على الخصوص، التي تشكل صميم السؤال المؤرق، فمن بين العوامل الظرفية المشار إليها والمحددة لقيام التسمية في المعجم الأصلي أو المقترِض، هناك اختلاف المرجعية الإحالية الأصلية لإطلاق اسم المكان محيلا إما إلى "أرض" (و"الأرض" مفهوم مؤنث في العربية، لكنه مذكر في الأمازيغية مثلا)، وإما إلى "بلد" (مفهوم مذكر في العربية والفرنسية لكنه ومؤنث في الأمازيغية)، الخ. وقد يكون مرجع الحمل والإحالة في إطلاق تسمية على مكان من الأمكنة هو "المدينة"، أو "القبيلة"، أو "الشعب"، أو "الأمة"، أو "الدولة" الخ. وكل هذه المفاهيم تختلف، باعتبار التذكير والتأنيث، من لغة إلى أخرى، مما يجعل في النهاية التتبعَ الفيلولوجي لظروف اكتساب التسمية المعينة لحدّ من حدود مقولة النوع أمرا بالغ التعقيد لفرط تعدد المعطيات. وتبقى القاعدة المبدئية هي أن إسناد حدّ من حدود النوع إلى اسم من الأسماء في اللغات التي تعتبر هذه المقولة الصرفية، يصبح أمرا سماعيا، لا قياسيا، بالنسبة لمستعملي اللغة. ومن أبرز الأمثلة على كل هذا كلمة "مسجد" (مذكر)، المشتقة في العربية من "سجد"، والتي أصبح مقابلها في المعجم الفرنسي اسما مؤنثا (La mosquée) انتقالا إليها من الإسبانية حيث كان قد تم تأنيثه (La mezquita) بعد اقتراض أصل اللفظ من العربية، وذلك بناء على حمله، في ظرفيات الاقتراض، على مقابله الوظيفي في الأرضية الثقافية الأيبيرية، أي La iglesia ("الكنيسة") الذي وهو اسم مؤنث انحدر إلى الإسبانية من الإغريقية، عبْر اللاتينية، وهو في أصله الإغريقي عبارة ترجمة بالمعنى للكلمة الكنعانية "كنيسيت" التي تعني "المجْمع" أو المكان "الجامِع"، والتي هي اسم مؤنث في الكنعانية. وبنفس ذلك التأنيث كما استتب في الإسبانية منذ حقبتها القشتالية، انتقل لفظ mezquita في الأندلس القشتالية أيام المرابطين إلى اللغة الأمازيغية حيث أصبح على صورة /تا-مزكيدا/ (ta-mezgida) وهي اسم مؤنث.
فبهذا الشكل يمكن، لمن أراد، أن يحقق الدروب والمسالك السوسيو-لغوية التاريخية، والظروف الفيلولوجية التي جعلت اسم "المغرب" مذكرا في العربية والفرنيسية مثلا، بينما اسم "فرنسا" مؤنثٌ فيهما. أما من أراد أن يتحقق من طبيعة عبقرية المغرب بمفهوم نيتش، فإن عليه أن يتمثل هذه الفلسفة أولا، ثم يستعرض بعد ذلك ما أنجزه المغرب وصدّره ماضيا وحاضرا، أو ما استورده واستهلكه في ميادين الفكر والآداب والفنون، والمذاهب والأيديولوجيا، والعلم والحضارة والعمران، والسياسة والإدارة ونظم الحكم والسلطان، والنفوذ أو الخضوع. فإذ ذاك يمكن أن يبني فلسفة تصنفه في حدّ من الحدود الثلاثة الممكنة لمقولة "النوع"، أي المؤنث أو المذكر، أو الغُفل المسمى في باب الفرائض والميراث بـ"الخُنثى المشكل".
--------------
- مقال سالف متكامل مع ما سبق حول الأبعاد الثقافية للتذكير والتأنيث، عبر هذا الرابط:
https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-condition-feminine-langue-et-mentalite
- المقالان معا مستوحيان من كتاب:
المدلاوي، محمد (2010) مقامات في اللغات والعقليات؛ الهوية والتحديث ما بين التذكير والتأنيث
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres