(En arabe) L'histoire d'un manuscrit-1988 "La langue hébraïque: principes de phonologie et de morphologie"
"اللغة العبرانية: أسس الفونولوجيا والمرفولوجيا-1988"
قصة كتاب مخطوط
.
1- قصتّي مع اللغات قصة سوسيولغوية وشخصية في نفس الوقت. فإذ نشأت في وسط عائلي مزدوج اللغة (أمازيغية تاشلحيت وعربية المنابهة) حسَب مَن يتحدّث مع مَن (ما بين الأم والأب والإخوة)، وإذ كان ذلك الوضع يفضي إلى نشوء طريقة خاصة في التحدث بالدارجة (كال/يكول، مثلا، بدل كال/ياكُل) ممّا كان يلفت انتباه الغير في وسط لغوي تغلب فيه الدارجة وإن كانت تطبعه في مجمله درجات متفاوتة من الازدواج على مستوى الفهم المتبادل، مع ما تمثله كلّ لغة من رمزيات قيم سوسيو-ثقافية، فقد كانت تخطر علي بالي ملاحظات لغوية مقارنة من قبيل الفضول منذ الفترة التي بدأت أتعلم الكلام في تنازع للغتين على لساني. وقد استمرّ ذلك الفضول ثم تقوّى من الزمن، يرصد الاختلافات في أوجه الدارجة نفسها (بما فيها الدارجة المهوّدة) والأمازيغية نفسها معجميا ونطقا، وكان السوق الأسبوعي لثلاثاء المنابهة بما يستقطبه من أوجه كلام الناس في سوس ودرعة والصحراء والحوز بمثابة مختبر مفتوح لتلك الملاحظات التي تتم على هامش سعي الحياة اليومية.
2- في إطار استمرارية ذلك الفضول بعد ولوج المدرسة، كان تعلّمي للمبادئ الأولي لكل من الفصحى والفرنسية يتمّ انطلاقا من نفس القبيل من رصد الاختلافات وما يعكسه في نظري كل وجه من منطق أو لا-منطق، ومن تماسك أو تفكك، ومن منهجية أو عشوائية، ومن ذكاء أو غباء. وانطلاقا من بداية المرحلة الجامعية، اتخذ ذلك الميل الفضولي طابعا عمليا منهجيا في اكتساب ما تيسر من اللغات (فرنسية، انجليزية) بدرجات متفاوتة حتّى إنني كنت قد اقتنيت كتبا ومعجم لاروس كبير لتعلم اللاتينية ولم يضع حدا لتلك الدروس سوى الإجلاء ليلا من الحي الجامعي بفاس الذي ضاعت مني بسببه بعض كتبي.
3- أما ما يتعلق باللغة العبرانية، فقد كان أول انبهار بها قد حصل في قسم الشهادة الابتدائية بتاليوين، لما أحضر أحد التلاميذ من فرقة الصغار ذات مرة شريطا صغيرا من الرقاع فتحلق عليه زملاؤه وهوا يقول: /زرات: تيرّا ن-ووداين/ ("نظروا إنها كتابة اليهود"!). انبهرت لتلك الكاليغرافيا، ووددت في نفسي لو أنه بمقدوري أو سيكون بمقدوري أن أتعلم يوما كيف تقرأ تلك الكتابة. ولذلك، فلمّا علمت في السنة الثانية من الكلية بفاس أن هناك مادة شفهية الاختبار في سنتي السلك الثاني تسمى "اللغة الشرقية" في اختيار ما بين "الفارسية والعبرية"، لم آخد في التحرّي لمعرفة أي الأستاذين "متساهل"، أستاذ الفارسية أم أستاذ العبرية. كان اختياري محسوما سلفا. انطلقت مباشرة للمواظبة على ارتياد جوطية الملّاح قرب سينيما أبولو حيث كنت اقتني كتب اللغة الفرنسية؛ إذ كانت الهجرة الكبرى لليهود المغاربة بعد حربي 1967 و1973 في أوجها، وكانت تظهر من حين لآخر كتب ونشرات مكتوبة بالحرف العبري. كنت أقتني كل ما يقع عليه نظري دون معرفة لا بمحتواه ولا بما عسى أن أفعل به، ومتى وكيف. كان من بين ما وقعت عليه كتاب من ثلاثة أجزاء (א, ב, ג, ד) متدرّجة لتعليم العبرية للراشدين في مراكز "الأولفان" بعنوان אלף מלים ("ألفُ كلمة") وهو صادر في إسرائيل سنة 1956. وقد كان فتحا مبينا. بفضل جودة ديداكتيكيته. استخلصت لائحة أحرف الأبجدية بفضل مجرّد مقابلة بعض الأسماء المقابلة للصور التوضيحية مع افتراض القرابة بين العربية والعبرية. ثم انطلقت البداية حتى قبل بداية دروس التعليم بالجامعة، دروس لم يكتب لها في النهاية أن تتم بسبب اقتصار سنة 1971-1972 على أربع حصص غير ذات منهجية وبقية السنة إضرابات طلابية، بينما كانت سنة 1972-1973 سنة بيضاء بدون دروس بعد حظر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وإغلاق المدرسة العليا للأساتذة.
4- أصبحت أقرأ اللغة العبرية بدرجة لا بأس بها، بما في ذلك نصوص من سفر التكوين وبعض القصص التلموذية لعدة سنوات عن طريق مجرد إسقاط المقابلات الصوتية العربية على الكلمة المكتوبة بالعبرية بدون معرفة ما إذا كان النطق صحيحا أم لا (نطق الراء، نطق الصاد)، إذ لم أسمع قط متحدثا/قارئا لتلك اللغة. كانت أول مرة أسمع فيها حديثا باللغة العبرية لما عثرت على برنامج إذاعي في קול אשראל "قول إسرائيل" يعلّم العبرية للراشدين انطلاقا من نفس الكتاب المشار إليه، فكان الفتح الثاني تلاه الفتح الثالث لما حللت بباريس لتحضير رسالة دكتوراه السلك الثالث في فونولوجيا أمازيغية تاشلحيت فتسجلت كمستمع حرّ في سيمينار الراحل حاييم الزعفراني بقسم اللغة العبرية جامعة باريس الثامنة (سنة 1983-1984)؛ وكان ذلك بداية تبادلات علمية مع الراحل عبر المراسلة وفي بيته استمرت إلى ما قبل ستة أشهر من رحله سنة 2004.
5- ابتداء من تلك السنة الباريسية، التي كنت قد بدأت خلالها إبحاري الجدّي المحترف في الدراسات اللسانية، اتخذ مسيرتي في اكتساب العبرانية وامتلاك ناصيتها تندرج بشكل منهجي في إعمال فكر المقارنة اللسانية بينها وبين اللغة العربية. وقد صادفت عودتي إلى التدريس بالجامعة بوجدة ومناقشتي التي تمت سنة 1985 أن طرأت أزمة سنة 1986 في تدريس مادة اللغة العبرية في كل من شعبة اللغة العربية والدراسات الإسلامية بعد أن كان الأستاذ أحمد شحلان يتنقل من أجل ذلك من الرباط إلى أن أصابه التعب ثم حصل نفس الشيء للأستاذ مولاي المامون المريني الذي كان يتنقل من مراكش لأداء نفس المهمة. لمّا طرحت المسألة في مجلس الشعبة التي كان يرأسها حينئذ الزميل الراحل عبد الرحمن حوطش، اقترحت نفسي لتدريس تلك المادة شريطة ألّا أزاوج بينها وبين اللسانيات التي كنت أدرسها. سئلت عما إذا كان لدي معتمد إشهادي في الميدان فأجبت بالنفي ما عدا أنني أتوفر على شهادتين خطيتين من كل من حاييم الزعفراني ودافيد كوهن كـ"مستع مشارك بفعالية في السيمينار يثير الانتباه". طلب منّي الأستاذ حوطش الإتيان بنسختين من تينك "الإجازتين" الخطيتين فسلمهما للعميد الذي وافق على إسناد مادة اللغة العبرية إلي، فظللت أدرسها إلى أن غادرت الكلية سنة 2002.
6- منذ البدايات الأولى لتلك التجربة التدريسية اتضحت في ذهني طريقة خاصة لتعليم اللغة العبرية للناطقين بالعربية (فصيحها وعامّيها) بعد أن أصبح اهتمامي بتلك اللغة يندرج في إطار اهتماماتي اللسانية المقارنة. في سنة 1988 كان كتاب "اللغة العبرانية؛ أسس الفونولوجيا والمرفولوجيا" قد تمّ تحريره كثمرة ثلاث سنوات من تدريس تلك اللغة، وكان موضوع تبادل بيني وبين المرحوم الزعفراني (في شهر يناير 1988؛ الصورتان). اقترحت الكتاب على "دار توبقال" بالدار البيضاء ثم على "دار الكلام" بالرباط وتنقلت عدة مرات من وجدة إلى مقر الدارين في المدينتين من أجل ذلك. دار توبقال أجابتني كتابة برسالة تنوّه بالعمل لكنها اعتذرت بسبب "الجانب التقني": عدم جمالية إضافة أمثلة الحرف العبري يدويا؛ مع أن في الرسالة الجوابية لحاييم الزعفراني تنويها بكاليغرافيتي في رسم الحرف العبراني. أما دار الكلام، فقد وقعت معي عقدة، وتم الشروع في مسك النص على أن أضيف الأمثلة في أماكنها منه يدويا، ثم شُرع في تصحيح البروفات، وأعلنت الدار في مطويات برنامجها للنشر عن الكتاب لسنة 1990 ثم لسنة 1991؛ ثم انتهى مديرها بالاعتذار عن العقدة بدعوى أن الدار قد غيرت وضعيتها التجارية وأصبحت دارا للتوزيع فقط... وبذلك تمّ الاقتناع بأن الكتاب قد كتب له أن يكون من مصيره مصير "الراكًـد" وتمّ اليقين أن وراء ذلك المصير تضافرا ما بين اعتبارت سوسيو-أيديو-ثقافية للوقت ومفعول بعض الممارسات السوسيو-مهنية في أوساط الثلة القليلة من اللسانيين الذين تعتمدهم دور النشر في الخبرة والاستشارة، كما فاتحني بذلك أحد الزملاء من فاس ممن كانو على علاقة بلجن قراءة إحدى الدارين المذكورتين، وكا وردت نماذج ملموسة ومسمّى أصحابها في مرويات سردية حديثة النشر. خشيت على الراكًد أن يتلاشى ذكره، فسلمت نسخة مصورة من المخطوط اليدوي إلى الأستاذ سعيد كفايتي مباشرة بعد التحاقه في منتصف التسعينات كأستاذ للغة العبرية بكلية فاس سايس، وتعهّد بمبادرة منه بالقيام بمسك نص الكتاب مسكا حاسوبيا، وقد شرع في ذلك بالفعل، وأتوفر على القسم الذي قام بإنجازه، غير أن شؤونا سوسيو-مهنية قد صرفته عن مواصلة ذلك. في سنة 2015 خطرت لي فكرة استخراج جوهر الكتاب بشكل جدّ مركّز وأكثر أكاديمية على هيئة مقال باللغة الإنجليزية بعنوان معناه "طريقة تقابلية في تعليم العبرية للناطقين بالعربية"، وهو العمل الذي انصرفت عنه من جديد لعدة سنوات ولم أعد إلى إنهائه سوى في هذا الأسبوع الأخير من يناير؛ وأرجو أن يجد طريقه هذه المرة، في حلته اللغوية الجديدة إلى النشر.
--------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres