OrBinah

(En arabe) L'es études linguistiques hamito-sémitiques (afro-asiatiques) au Maroc

قصة بحث لساني ومشروع توطين حقل معرفي في باب:

الدراسات اللسانية المقارنة في حقل اللغات الحامية-السامية

(إلى ذكرى موريس هالي: 23 يوليوز 1923 – 2 أبريل 2018)

 

 

 

تنبـيــــــه لا بد منه (وليس "تنويه"، كما أصبح يقول متفصّحو الجيل)

.

إذا ما لا حظ امرؤ أو امرأة أنّ صاحب هذا الحديث قد أكثر من الاستـعـــراض خلال الأشهر الأخيرة في باب اللسانيات، وذلك واقع صحيح، والملاحظة طبيعية، فإن ذلك قد حصل عن عمد وسبق إصرار، دون تحرّج أو عدم إدراك لطبيعة الشكل الذي يُقدِّم به بعض الأمور.

ذلك أنني، في الوقت الذي كان يتم فيه تشكيـــــــل التصـــــور العامّ عن تطور مشهد علم اللسانيات في المغرب، من خلال تكوين البطانات وإقامة منابر ميدياتية تروّج ذلك التصور، انصرفتُ، عن وعي وبعد تفكير وعمد وسبق إصرار مرة أخرى، ولمد أربعة عقود، إلى ادّخار الجهد والوقت للاشتغال في حقل اللسانيات بصمت مطبق، ليس زهدا أو استعراضا لما يسمّى بـ"فضيلة التواضع" (التي ليس بيني وبينها سوى مسافة من التوقير)، وإنما حرصا أنانيا على الذخيرة من ذلك الجهد والوقت، لإنفاقهما في ما هو ملموس محسوس في ذلك الحقل، بدل الضياع في سوسيولوجيا إيجاد مقعد بين مقاعد حلقة من الحلقات أو بطانة من البطانات.

واليوم، في هذه الأواخر، بدا لي أن لمسألة سوسيولوجيا البحث العلمي، مثله مثل أي نشاط آخر، سياسي أو سوسيو-ثقافي، أهميتَها الخاصة بها والتي تـــــســـمــــو، في دلالاتها العامة، عمّا تمثله على المستوى الشخصي بالنسبة لهذا الشخص أو ذاك من المنخرطين في ذلك النشاط والذين قد يعمد بعضهم إلى تقديم إدراكه الخـــــاص لآلية انخراطه مع غيره في ذلك النشاط في الحقل المعين.

 

قصة بحث من البحوث ومشروع فاشل لتوطين حقل معرفي.

.

قصة اليوم هي قصة فرضية علمية كانت نتيجة بحث وجرد طويلين، وصيغت سنة 1987 في مقال مطول بعنوان "مبادئ المقارنة السامية الحامية على ضوء مفهوم الفصائل الصوتية الطبيعية".

كانت على شكل عرض قدّم في الندوة الأولى لجمعية اللسانيات بالمغرب (21-24 إبريل 1984). أشعرت برسالة ما زلت أحتفظ بها، بعد إيداع النص قصد النشر ضمن وقائع الندوة، في نوع الرفض بما يشبه التنويه (أو الذم بما يشبه المدح)، بـ"أن النص مفيد جدا لكنه طويل ويستحق أن يخرج في كتاب".

اضطررت إذن في الحين، وفي نوع من وضع حد للذرائع، إلى تحرير ملخص من 10 صفحات في مضمون حقل من الدراسات اللسانية (الدراسات الحامية-السامية أو الأفروأسوية) لم يتأسّس قط، وإلى اليوم، في الجامعة المغربية؛ في الوقت الذي تتوالى فيه الندوات الدسمة حول "المعجم التاريخي" لهذه اللغة أو تلك. ولقد صدر ذلك التلخيص، في الأخير، ضمن وقائع الندوة المذكورة بالرغم من أن طابعه التلخيصي لا يفي بالغرض، الذي كان هو تأسيس العناية بذلك القبيل من الدراسات اللسانية في المغرب. لقد نشر التلخيص حسب التوثيق الآتي:

.

المدلاوي، محمد (1988). "مبادئ المقارنة السامية الحامية على ضوء مفهوم الفصائل الصوتية الطبيعية". وقائع الندوة الدولية الأولى لجميعة اللسانيات بالمغرب". ص: 35-47. إعداد عبد القادر الفاسي الفهري، إدريس السغروشني ومحمد غاليم. منشورات عوكاظ. الرباط.

.

وجدت إذن بين يدي نصا بــــائـــرا من خمسين صفحة يُعرّب مضامين مجمل ما تّم في ذلك الوقت من دراسات في الحقل المذكور، مع بيبليوغرافية غنية مُحال عليها بالصفحات، ويضيف إلى كل ذلك فرضية نظرية تفسيرية تتميز بنصيب كبير من قابلية الدحض ومن التوقع في مقارعتها بالمعطيات المعجمية في اللغات المدروسة، وفي مقدمتها العربية والأمازيغية والعبرية.

اضطررت إلى "التخلص" من ذلك النص الكامل للبحث، وإلى "توثيقه" بالنشر حيثما اتفق وكيفما اتفق؛ فما كان ذلك سوى بعد سنوات، في العدد الأول من مجلة غير متخصصة موجه إلى مطلق "يا أيها الناس": العدد الأول من مجلة كلية الآداب بوجدة، فكان التوثيق كما يلي:

 

المدلاوي، محمد (1990) "مبادئ المقارنة الحامية السامية على ضوء مفهوم الفصائل الصوتية الطبيعية". مجلة كلية الآداب بوجدة.  عدد 1. (1990). ص53-95.

.

كانت تلك التجربة البحثية بداية زهدي في تحرير بحوثي المتخصصة بغير اللغات الأجنبية التي أستطيع التحرير بها، وذلك بعد أن يئست من إمكانيات وظيفة العمل من أجل ما يسمّى، بعد تحصيل المعرفة، بــ"نــــــقــــــل المعرفة" أو "توطين المعرفة" عبر اللغات في باب نشاط البحث العلمي.

وفي ما يتعلق بمضمون النص المذكور بالضبط، فقد عمدت، مباشرة بعد "توثيقه" بالشكل المذكور والمبين على التو، إلى إعادة صياغته باللغة الفرنسية، التي لا يتطلب الأمر فيها ما يتطبله التحرير بالعربية من استطرادات وتعريفات، فقدمته في إحدى الحلقات المغلقة لأعضاء مجموعة  GLECS ("المجموعة اللسانية للدراسات الحامية السامية") بجامعة السوربون يوم 19 يونيو 1991 وبحضور متخصصين في الباب (أذكر منهم: دافيد كوهن، وكالان، وروزن، وماصّون، وفرانسوا ديل).

نشر بعد ذلك النص الفرنسي في مجلة متخصصة في اللسانيات الإفريقية سنة 1994 بعنوان ترجمته "توسيع الجذر في اللغات الحامية السامية:

 

Elmedlaoui, M. (1991/1994). "Extension de la racine en chamito‑sémitique"; exposé donné à la réunion du GLECS, EPHE, Sorbonne (19 06 1991). Paru dans Linguistique Africaine n° 12 (1994): 93‑118, Paris.

.

 

ثم إنه لما ارتحت واطمأننت إلى أن مضمون العمل قد بلغ مَن يشتغلون عمليا في موضوعه من خلال صيغته الفرنسية، وبما أن كل أبحاثي خلال مشواري المهني إنـــــــمـــــا تمّ تمويلها (تنقلات وإقامات بحث) من طرف هيئات أجنبية (وفي مقدمتها المركز الوطني للبحث العلمي CNRS بباريس)، فقد تقدمت في السنة المقبلة، ،1995 بطلب "منحة امتياز" (Bourse d’Excellence) إلى المنظمة الفرانكوفونية (نعم، الفرانكوفونية) AUPELF-UREF على أساس من مشروع بحث مفصل ومعلل بعنوان ترجمته "نحو نظرية جديدة لإعادة تصور التنظيم الداخلي لمعجم اللغة العربية"، فحصلت على منحة إقامة بحث بباريس لمدة 7 اشهر (مارس-سبتمبر 1995) لاستكمال البحث في نفس نظرية بنية الجذر في اللغات الحامية السامية (ودور فصيلة الأصوات الناغمة /ل،م،ر، ن،ع،و،ي،ا/  في توسيع الجذر من الثنائي إلى الثلاثي إلى الرباعي) مطبقة هذه المرة على معجم العربية خاصة.

 

خلال ذلك المقام، قدمت سلسلة من العروض في الموضوع في سيمينار الاستاذ جورج بوهاس مع طلبته الذين كانت أغلبيتهم الساحقة من خريجي شعب الأدب العربي بالجامعة المغربية والذين كان كثير منهم قد اطلع ما بين نهاية الثامانينات وبداية التسعينات على النسخة العربية من المقال في تلخيصها (1988) ثم على نصها الكامل (1990) الذي كنت قد وزعت مستلات منه على بعضهم في مرحلة إعداد شهادة الماستر بنفس السيمينار سنة 1991 خلال مقام آخر سابق لي بتمويل من مركز CNRS المذكور.

 

وقد توجه الكثير منهم بتأطير من الأستاذ بوهاس إلى موضوع الجذر في العربية وفي الدارجة المغربية لإعداد أطاريحهم؛ ولكن قليلا جدا فقط منهم مَن انخرط بعد الحصول على الشهادة في مشوار البحث اللساني المنتج.

.

 

ومن أجل توطين ذلك القبيل من بالبحث اللساني، عملت كذلك، على مستوى تنشيط حركية التبادل، على تنظيم "الملتقى الدولي الأول للدراسات الحامية-السامية بفاس" سنة 1997، وذلك انطلاقا من وجدة حيث كنت أعمل، فشارك فيه متخصصون من القارات الأربع. وعملت مع كل من الأستاذين سعيد كافايتي وفؤاد ساعة على السهر على إخراج أعماله التي صدرت سنة 1998:

 

Elmedlaoui, Mohamed., Saïd Gafaïti et Fouad Saa (1998), éds. Actes du Premier Congrès Chamito-Sémitique de Fès. Publications de la Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, Saïs-Fès,

.

لكن ذلك المؤتمر كان أولا وأخيرا ولم يحصل التأسيس الذي كان منشودا فما بالك بالتراكم، وذلك لنفس أسباب سوسيولوجيا البحث العلمي في فضاء العمل كما يمكن تلمّس معالمها من خلال مجمل ما سلف.

واليوم، وبعد مرور ثلاثين سنة على أول تحرير للعمل المذكور، الذي لم يجد لنفسه تربة خصبة في فضاء إنجازه وتحريره وزرعه، وبعد أن اتصل بي بعض الباحثين الشباب في شأن الحصول على نسخة من الصيغة الفرنسية المبيّن مكان ُنشرها أعلاه، وعلى إثر رحيل أحد آباء اللسانيات الحديثة ومؤسس فرع الفونولوجيا فيها، العالم الكبير موريس هالي (Morris Halle) قبل بضعة أيام (2 أبريل 2018) وما خلفه ذلك من وقع لدي على المستوى الشخصي في علاقتي بالراحل، أيقض لدي كل ذلك ما جعلني أعود إلى أرشيف ملفاتي القديمة، فعثرت على النص بتاريخ تسجيله في الحاسوب سنة 1991، وبدا لي أن أعيد قراءته وتحيين بعض مراجعه وزيادة إغنائه بالأمثلة مع تجويد تدوينها بالأبجدية الفونيتيكية العالمية وتحسين عرضها في جداول تسهل إدراك التقابلات والاطرادات. وذلك في أفق وضع الصيغة الجديدة على الخط في الأيام القليلة المقبلة لفائدة كل من له اهتمام.

--------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



06/04/2018
4 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 345 autres membres