OrBinah

(En arabe) L'Arabe Classique et l'Orientalisme

"الشعب الفصيح" من الأمييــــــــــــن،

 وقصة العربية وآدابها مع كيد الكائديـــــــــــــــن

 

 

 

ظهرت "اللسان العربي" (الذي سمي بعد ذلك بـ"العربية الفصحى" على غير ما ورد في القرآن) كسجلّ لغوي عربي كتــــــــابــــي جامع في صفوف "الأمـــيـــيــــــــن" بشبه جزيرة العرب ("الأميون"، أي سائر "الأمم والشعوب"، تمييزا لهذه الشعوب عن "أهل الكتـــــــــــــاب" من بني إسرائيل الذين يعتبرهم كتابهم شعبا مختارا من بين سائر الأمــــــــم لتلقي الرسالة، قبل أن "يـبــعث في الأميين رسول منـــــهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب") في ظروف تاريخية وسوسيو-لغوية ما يزال يكتنفها الغموض. وقد اكتسبت تلك اللغة ما اكتسبت، مع ظهور الإسلام وحملها لنص المؤسس لرسالته، القرآن الكريم، ثم استوت كلغة آداب وعلوم لعدة قرون بعد الفتوحات الإسلامية.

وقد اهتمّ العجم على الخصوص (فرس وروم وأقوام آسيا الوسطى وبربر في شمال إفريقيا وإيبيريا) بعد ذلك بمتنها، وصفاً لبنياتها الصوتية والصرفية والتركيبية والمعجمية، ودراسةً لآدابها، نظرا لأنهم لم يكونوا يتملكونها إلا اكتسابا تعلميّا، عن بعد لغوي كبير بالقياس إلى ألسنتهم الأصلية، وليس عن طريق مجرد تغيير في سجل الكلام، كما كان وما يزال حال ممتلكي اللهجات العربية امتلاكا سليقيا يُخيّل معه للناطق اللاهج أن لا فرق بين لهجته والفصحى.

تطوّرت تلك الدراسات الوصفية في موازاة مع حركة للتدوين المتون (أشعار، وأمثال، وأخبار، وتراجم) في اتجاه وظيفي محدود يتمثل في خدمة لغة النصوص المؤسسة للدين الإسلامي (القرآن والحديث)، الذي أصبح مصدر شرعية إقامة الدولة الزمنية. فتطورت تلك الدراسات إلى شروح وحواش على الشروح، وتطورت الشروح إلى منظومات تُحفظ حفظا عن ظهر قلب (الألفية مثلا)، ثم عادت الشروح لتنصبّ دوريا على المنظومات والمختصرات، إلى أن ضعفت أو اختفت مهارة التمكّن من اكتساب اللغة العربية الفصحى كلغة تواصل عالمِ، واستحال التعامل بها ومعها إلى مجرد مرددات لا يفقه المردّدون معناها (مرددات البصيري وتلاوة القرآن بالنسبة للعموم)؛ ودام ذلك لقرون عرفت بعصر "الانحطاط" الثقافي والفكري/الفلسفي والتكنولوجي والاجتماعي والسياسي.

وبعد النهضة الأوروبية، بما طبعها من ظهور اللغات الوطنية انطلاقا من لهجات لاتينية وجرمانية وساكسونية (ألمانية، فرنسية، هولندية انجليزية، ...)، في استقلال عن اللغة العالمة التي كانت تمثلها اللاتينية، وانفتاح تلك اللغات الناشئة على العالم الجديد بعد الاكتشافات، وسعيها لتكون حاملا للمعرفة بذلك العالم (بما فيه الطبيعة والإنسان)، كان من بين ما اهتمت به تلك اللغات الناشئة في حقل العلوم الانسانية، الدراساتُ الفيلولوجية والإثنوغرافية ثم الأنثروبولوجية باللغات الشرقية وفي مقدنتها اللغة العربية وآدابها وتاريخ حضارتها والمجتمعات المستعملة لها. فكان ذلك بداية ظهور ما عرف في ما بعد بالحركة الاســـــــتشراقيّــــة التي أسست لإخراج العربية ممّا عرف  بــ"عصر الانحطاط".

ومن أبرز وجوه هذه الحركة الاستشراقية التي بعثت اللغة العربية الفصحى من سباتها بنفض غبار القرون عن مظانّها الأساسية في استفادة من ظهور الطباعة، هذه الأوجه الموردة أسفله على سبيل مجرد الميثال لا الحصر:

1  المستشرق الألماني، كوستاف فلوجل  (1802-1870)، صاحب كتاب "تاريخ العرب" من ثلاثة أجزاء، وكتاب "نجوم الفرقان في أطراف القرآن" (معجم مفهرس لألفاظ القرآن، يخرّج جميع الآيات التي ترد فيه الكلمة المعينة بصيغة صرفية معينة)، وكتاب "المدارس النحوية عند العرب". ...

 

2- المستشرق الألماني، كارل بروكلمان، صاحب كتاب "تاريخ الأدب العربي"، المرجع الأساسي الجامع في بابه، الصادر سنة 1909.

 

3- المستشرق الهولندي، انطوان دي ساسي (1758-1838)  الذي عمل في "معهد الدراسات الشرقية" بباريس. ومن آثاره تحقيقٌ وطبعٌ "مقامات الحريري" لأول مرة (1812)، تلك المقامات التي قال عنها الفيلسوف عبد الله العروي في هبته لنصرة الفصحى المُعربة على العربية الدارجة بأنها هي مثال المتن الذي يمثل جوهر اللغة العربية؛ وقد حقق كذلك متن مجموعة "كليلة ودمنة". ...

4- شيخ المستشرقين الألمان، ثيودور نولدكه (1836-1930)؛ ومن مؤلفاته "تاريخ القرآن" من ثلاثة أجزاء (نشر جزءه الثالث المستشرق الألماني الآخر، بيرغ شترايسر سنة 1930، و"تاريخ الشعوب السامية" و"تراجم المسلمين" ...

5- ارند جان فنسنك (1982-1939). هو بدوره مستشرق هولندي مثل دي ساسي (وقد قال الأستاذ العروي في مرافعته المشار إليها بأن الاهتمام بالعربية الدارجة سينتهي بالمغرب إلى الانحدار إلى منزلة هولندا). وهو صاحب "المعجم المفهرس لألفاظ الحديث"، المناظر لـ"المعجم المفهرس لألفاظ القرآن" المذكور أعلاه.

-----------

هذه الحركة الاستشراقية، التي كانت بالنسبة للعربية الفصحى بمثابة عصر تدوين ثان، هي التي مهدت ووفرت المادة اللازمة لظهور ما سمّي في الأدبيات العربية الحديثة بعصر "النهضة"، تلك النهضة التي اتضح اليوم أنها لم تكن سوى انتفاضة المتقلِّب في نومه قبل العودة ليغط فيه، والتي بلغت أوج لحظتها العابرة مع مدرسة طه حسين (الملقب بـ"عميد الأدب العربي") الذي سافر إلى بلاد الروم، وإلى "معهد اللغات الشرقية" بالضبط في باريس لينهل من غير ما كان يغرغر له في أروقة "الأزهر الشريف"؛ وهي مدرسة لم تعمّر أكثر من عُمر فراشة.

واليوم يتوزع القوم من الأمّيـــيـــــــن من أهل العربية ("الشعب الفصيح") ما بين فريق يرى أن الاستشراق ("في أوجهه الجديدة الاستعمارية والأمبريالية والصهيونية") يعمل جاهدا ويـــــــــــدعـــــــــو إلى إقــــــــــبـــــــار اللغة العربية ("لغة آدم والقرآن والجنة") لعلمه بأنها القلعة الوحيدة الصامدة في وجه قوّى الشر بجميع أوجه تجليّاتها، كما دعــــــــــــــــا المرحوم الجابري يوما إلى "إمـــــــــــــاتـــة" اللهجات التي تزاحم العربية الفصحى في المغرب (يقصد الأمازيغية والعربية الدارجة)، وفريق آخر يرى أن الروم والغرب عامة منهمكٌ على نقل تراثه وأرشيفه إلى العربية الفصحى يقينا منه بأنها اللغة الناجية في أفق المستقبل القريب (2070) وذلك بناء على "دراسات مستقبلية" وإسقاطات إحصائية.

---

 محمد المدلاوي



11/09/2018
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 345 autres membres