(En arabe) Interview à l'occasion de la Journée Mondiale de la Langue Maternelle
بمناسبة "اليوم العالمي للّغة الأم"
حوار اجرته جريدة "العلم" مع محمد المدلاوي
(يومية "العلم" المغربية؛ عدد: 19-20-21 فبراير 2021)
نص الحوار:
1- ماذا يعني الاحتفال باليوم العالمي للغة الأم بالنسبة لكم؟
الاحتفالات بالأيام الوطنية أو العالمية لكذا أو كذا شيءٌ جميل ومحمود، من باب التحسيس الإعلامي. لكنه في بعض الأحيان يستحيل إلى طقوسية يُستعاض فيها بالشكل عن الجوهر. وقد يصدق هذا في كثير من الحالات حتّى على إعلانات المبادئ في بعض النصوص المؤسِّسة، مثل نصوص الدساتير. أما الحاسم في أمر جوهر مثل هذه القضايا، فهو التدبير التنفيذي، وليس إعلان المبادئ.
2- أي دور للغة الأم في التنمية الاجتماعية والتربوية للمجتمع؟
ما يسمّى بـــ"اللغة الأم" أو "لغة البيت" هو الوسيلة اللغوية (لغة قائمة بذاتها أو سِجِلّ معيّن من لغة متعددة السجلّات) التي يكتسب بفضلها المولودُ ملَكات التواصل خلال فترة تنشئته الأولى؛ وهي التي بفضلها - إلى جانب عناصرَ سلوكيةٍ محيطيّة أخرى، تتشكّل بالتدريج البنية النفسية لشخصية ذلك الناشئ في تواصله/تعامله مع محيطه السوسيولوجي المتدرّج في الاتساع، ابتداء ممّا بين جدران البيت، إلى ما وراءها، بما في ذلك فضاء فناء البيت مع الأقران الأقربين. على المستوى اللغوي المحض؛ وبفضل احتكاك الطفل بمحيطه اللغوي الأول المباشر، يشرع الطفل في هذه المرحلة في الإرساء والتثبيت الفعلي لاستعداداتِ "مَلَـكة اللغة"، المودَعة فطريا بالقوّة في ذهنه، باعتباره كائنا بشريا، والتي بفضل وراثيّـتها الذهينية، يكون أيّ مولود بشري مستعدّا لاكتساب أيّ لغة بشرية مهما كانت، أي لبناء نموذج ذهنيّ ملموس لجهاز نحوي متماسك للغةٍ من اللغات الطبيعية الممكنة في إطار ما هوّ مشترك فيه بين الأنظمة الصوتية والصرفية، والتركيبية لجميع اللغات، ممّا يتولّى اليومَ الكشفَ عن معالمه ما يُعرف بــ"النحو الكلّي" في علم اللسانيات.
يتمثل ذلك الإرساء والتثبيت الفعلي الملموس في تشكيل ذهني تدريجي لــ"نموذج نحويّ" للغة من اللغات الطبيعيّة (لغة المحيط المباشر في هذه الحالة)؛ إذ - كما هو معلوم في حقل الاختصاص - كلّ لغةٍ بشرية تتمثّل في معجم وفي نحو مطّرد يضبط قواعد نظام أصواتها وصرفها وتركيبها في إطار مبادئ "النحو الكلّي" المميّز للغات البشرية الطبيعية. ذلك البناء الذهني التدريجي يتمّ على شكل مهــــارة غيـــر منعكســــة في الوعي المعرفي الصوري بالشكل الذي يصَورِنُـها به الباحث اللغوي مستعملا مقولات ومصطلحات من قبيل "الفعل والفاعل"، و"المبتدأ والخبر" و"النعت والمنعوت" و"المطابقة" و"الشرط والجواب"... (علم التركيب)، أو من قبيل "الفكّ والإدغام" و"الإبدال والإعلال"... (علم الأصوات).
ومن خلال ذلك الإرساء والتثبيت الأساسي، يشرع الطفل في اكتساب العلاقات المنطقية المتماسكة والمرتبطة في نفس الوقت بواقع الممارسة اليومية مع المحيطين الطبيعي والاجتماعي. كما يتمرّن الطفل، من خلال ممارسته لاستعمال تلك الوسيلة اللغوية الأولى، التي تصبح لديه بالتدريج عفوية فطرية، من أن يطوّر قدراته السيكو-تواصليه مع الغير، بشكل تلقائي طبيعي، منمّيا بذلك شخصية واثقة متوازنة. وتستمر فترة تلك الإرساءات والتثبيتات الأولى لاستبطان "نموذج نحوي ملموس متماسك" لدى الناشئ إلى حوالي السنة السادسة. وكلّ "عرقلة سوسيو-لغوية" أو "سوسيو-بيداغوجية" خلال تلك الفترة التكوينيّة الأساسية الحرجة، من شأنها أن تولّد أعطابا تواصلية دائمة. وفي مقدمة أوجه حصول تلك العرقلة، على سبيل المثال، مُصادرة حقّ الطفل في مراحله تنشئته الأولى في الاستمرار في التواصل بلغته الأولى وسجلّه اللغوي الأول، على شكل قطيعة فجائية دراماتيكية على عتبات الروض و/أو المدرسة، وإلزامه باستعمال معجم لا يفهمه، وتركيب لا عهدَ له به (وهو لم يستكمل بعدُ إرساءً نهائيا لنحو لغته الأم)، واعتبارُ عادتِه اللغوية في التواصل "عيبا/نقيصةً تربوية" يتحتّم عليه التخلّي عنها فور ولوج الروض/المدرسة.
تلك العرقلة تتولد عنها اضطرابات غالبا ما تكون - حسب الأشخاص والحالات - ذات مضاعفات لا رجعة فيها مدى الحياة. أوجه تلك المضاعفات تتراوح - مجتمعةً أو مُبعَّضةً - ما بين درجات مختلفة من "الاحتباس الكلامي"، و/أو "العيّ التعبيري"، و/أو "التفكك التركيبي"، و/أو "التعثّر النطقي"، و/أو "مفارقة الحديث للواقع" بدروج الطفل/التلميذ على ترديد مجرّد مدوّنة من العبارات المسكوكة، و/أو "النكوص السيكولوجي" في التواصل مع الآخرين.
ويترتب في النهاية على بعض هذه الأوجه عدمُ التأهّل لاستيعاب مضامين المعارف العلمية بما تتميّز به نصوصها من صرامة صورية، ولا للتمكّن من اكتساب لغات أخرى عند الحاجة، بشكل متماسك سليم، نظرا لتفكك وعدم اكتمال تثبيت النموذج النحوي اللغوي الأول في الذهن.
فإذا ما أُخِذ كل هذا بعين الاعتبار، ليس على مستوى الفرد فقط، ولكن على مستوى إعداد أجيال متعاقبة، يمكن تصور مدى حظوظ نجاعة نوعية الخطاب الجمعي الغالب على مستويات التواصل الجمعي العمومي، والخطاب التعبوي السياسي، والتبليغ البيداغوجي للمعارف في أسلاك التربة والتكوين، في علاقة كل ذلك بالتنمية الاجتماعية العامة. هذا زيادة على ما يترتب على الانتقاص المعنوي من قيمة اللغة الأم من جنوح سلوكي يصبح سيكولوجيا إلى التخلّي عمّا تحمله أدبيات تلك اللغة الأولى أو السجل اللغوي من قيم ثقافية هي بمثابة حصن لا-مادّي منيع لمقومات الهوية الجمعية.
3- في رأيكم، إلى أي حد ساهم العلماء الأمازيغ في المغرب في الإبداعين العلمي والأدبي العربيين؟ وما هي أهم مجالات ذلك الإبداع ومميزاته؟
لكي نبقى ملتزمين أكثرَ بموضوع ما عرف بـ"اللغة الأم"، تجدر الإشارة إلى أن عدّة أجيال سابقة من طبقة مُروّجي وناشري معارفِهم الوقتية في كثير من المناطق الناطقة بالأمازيغية كلغةِ أمّ، قد طوّروا مناهج خاصّة، متطوّرة بالقياس إلى زمانهم، في باب التعامل مع معطيات التعدد اللغوي؛ وذلك في باب التربية والتكوين، سواء أتعلّق الأمر بـ"التعليم النظامي" للوقت، لفائدة للطفولة الناشئة في الكتاتيب أم لفائدة لليافعين في المدارس العتيقة، أم تعلّق بـ"التكوين المستمر" غير النظامي" لفائدةِ مطلقِ الراشدين من العامّة.
فإذ كانت مضامين معارف الوقت دائرةً حول العقيدة وفقه الشريعة من عبادات ومعاملات وأخلاق، وحول اكتساب أداة الولوج إلى النصوص المؤسّسة الأولى لتلك المضامين، من قرآن وسنة وأمهات كتب العقيدة والفقه، أي أداة اللغة العربية، فإن أداة التعليم والتواصل التربوي في جميع مراحل التعليم النظامي ظلت في تلك الأوساط هي اللغة الأمازيغية، التي طوّرت لتلك الوظيفة في هذا الباب المصطلحات اللازمة، التي ليس هنا مكان استعراضها ولو جزئيا. أما التكوين المستمر غير النظامي الموجه لمطلق الراشدين من العامّة، فيتمثل في وضع وترويج أدبيات ما عرف بأدبيات "المازغــــي". ويتعلق الأمر بمجموعة من المتون التعليمية المنظومة باللغة الأمازيغية حاملةً لمضامين متنوعة في باب معارف الوقت (توحيد، فقه، أخلاق)، يَحفَظ منها من شاء ما شاء كما تُحفظ المتون، وتُنشَد في المجالس والمحافل. وقد سبق لي شخصيّا أن فصّلت في تقاليد أدبيات "المازغــــــي" في كتاب-2012 "رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب" وفي منشورات أخرى.
4- وكيف ترون تدبير العلاقة بين اللغتين الرسميتين في إطار الدستور الجديد والمؤسسات المنتظر تشكيلها؟
كما قلت في بداية هذا الحوار، إن النصوص المؤسِّسة، بمختلف درجاتها، وعلى الرغم من أهميّتها في التحفيز على تجاوز الاحتباسات الثقافية والفكرية الغالبة على الجيل في باب التعامل مع الواقع اللغوي في البلاد، ليست حاسمة في الميدان، مهما تدرّجت في التفصيل من أعلى إلى أسفل. إن الحاسم في مثل هذه الأمور هو اتضاح رؤية سياسة عامة مدعومة بإرادة قوية تترجم على صعيد التدبير الميداني الملموس. وهذا بدوره رهين بتطوّر النصاب المعرفي العام بطبيعة الجانب الميداني للمشهد اللغوي الوطني وبالجانب المعرفي لميكانيزمات اكتساب اللغة الأولى، لغةِ الأم، ولوظيفتها التنشيئية، وكذا للجوانب البيداغوجية لكل تدرّج في إكساب اللغات الأخرى ممّا هو لازم اليوم لمواكبة تطوّر المعارف العلمية الراهنة بما أصبح يطبعها من عولمة وسيادة بعض اللغات الأجنبية. معنى هذا أن الأمر حلقيّ ما بين توفر رؤية وإرادة سياسيّتين في الباب من جهة، وتطور ذهنيات منتجي ومروجي القيم الثقافية والفكرية من جهة ثانية.
-----------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres