OrBinah

(EN ARABE) Interroger l'évidence à propos de l'Année Amazighe

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS, puis sur ARABE(Windows).

 

مساءلة البداهات حول عيد راس السنة الأمازيغية

 

 

العيد في اللغةً العربية هو العَـوْد. وهو صيغة "مصدر النوع" الذي يتميز بكسر فاء الفعل (مثل "جلس جـِـلسة القرفصاء"). فالعلاقة الاشتقاقية لسلسلة الاشتقاق [عاد/يعود/عِيـدا] هي نفس العلاقة القائمة في السلسلة الاشتقاقية [صات/يصوت/صِـيتا] ومنه "الصيت" أي الصوت النوعي والسمعة؛ أي أن ذلك الاشتقاق محكوم بقاعدة قلب الواو المكسور ما قبلها إلى ياء. ومن ذلك قول المتنبي:

عيدٌ، بأية حالٍ عُدت يا عيدُ   *   بما مضى، أم لأمرٍ فيك تجديدُ

 

فالأعياد إذن هي تلك المعالم الطبيعية الدورية التي تؤطر بها ثقافات المجموعات البشرية وجودَها للتخلص من ربقة لانهائية ديمومة الدهر السرمدي المطلق الذي اعتبرته الميثولوجيا الإغريقية ماهية إلهية تفترس أبنائها والذي يهلك الإنسان {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ}، ما لم يتم تنظيم تلك الديمومة الدهرية وتأطيرها بمعالم الطبيعة  من حركات الأجرام وما يترتب عنها من تعاقب الليل والنهار وتوالي الفصول: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاء وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}يونس:5، وما لم يتم إعجام وتعليم تلك المعالم نفسها باحتفاليات ثقافية خاصة تجدد ربط الإنسان ربطا واعيا بمعالم النظام في المحيط الطبيعي لوجوده؛ وهذا ما يسمى أعياد. هذه الأعياد ترتبط في ثقافات المناطق المعتدلة المتميزة جغرافيا باعتبار موقعها من خطوط العرض بتمايز الفصول الأربعة، مثل حوض المتوسط، بأشهر تلك الفصول؛ ولذلك تتمايز طقوس الاحتفال بها بـسمات الحياة في تلك الفصول. وإذ الأطر العقدية والفكرية الكبرى في تطور مستمر، حسب مستجدات التاريخ الحدثاني (فتوحات، توسعات امبراطورية، استعمارات)، فإن تلك الطقوس يتداخل فيها الحديث مع القديم والأقدم على غرار قول إبي العلاء المعري

رُبّ لحدٍ قد صار لحْداً مرارا   *   ضاحك من تزاحم الأضـدادِ

ودفيـــن علـــى بقــايـا دفيـــن  *   في طويل الأزمــان والآبــادِ.

 

 هذا الآلية الأنثروبولوجية المعروفة بالمزجية السانكريتية (syncrétisme) والمتمثلة في تراكم عناصر فُرشات العناصر الطقوسية (strates d'éléments rituelles) على مر تطور أو تعاقب الأطر العقدية والفكرية هو ما يسمح للمجموعات البشرية بالحفاظ على استمرارية أبعاد شخصيتها التاريخية عبر تلك التقلبات المرتبطة بصروف التاريخ الحدثاني. ويتحقق التعايش السانكريتي للعناصر الثقافية التراكمية عن طريق تأويلات تعطي من خلالها الجماعات مضامين مرجعية جديدة لألفاظ ومصطلحات وطقوس قديمة كلما حصل تطور تاريخي كبير في تركيبتها البشرية و/أو في الأطر الفكرية والعقدية. ولنعط لذلك مثالا واحدا ضمن أمثلة كثيرة معروفة ومحصاة؛ وليكن مثال تسمية وطقوس ومرجعية "الأضحية" في الثقافة الأمازيغية. تسمى الأضحية في الأمازيغية "تافاسكا". وهي كلمة ممزّغة عن طريق تصديرها بتاء التأنيث في الصرف الأمازيغي انطلاقا من الأصل الآرامي "فاسقا" الذي يعني أصلا "أضحية عيد الفصح" (l'agneau pascal) في الديانة اليهودية التي كانت منتشرة في شمال إفريقيا قبل المسيحية والإسلام؛ تلك الأضحية التي تأسست في تلك الديانة بناء على ما ورد في سفر الخروج (12: 3-7) من قوله:

[في العاشر من ذلك الشهر يـؤخذ خروف لكل بيت (...) و يكون خروفا سالما من العيوب، ذكرا وابن حول كامل، خروفا أو جديا (...) ويقوم الملأ من بني إسرائيل بذبحه أضحية، فيؤخذ من دمه ويـُهرق منه على قائمتي الباب وعارضته] (ترجمتنا الخاصة).

 

ولنلاحظ هنا أصل عادة ما تزال جارية في بعض البوادي المغربية وتتمثل في إهراق بعض دم الأضحية على عارضة باب البيت، وهو أمر كان قد نهى عنه الهوزالي في أرجوزته "تنبيه الإخوان على ترك البدع والعصيان" باعتبار ذلك في اعتقاده بدعة مستحدثة  حيث قال:

[ولطخهم بالدم فوق الباب  *   من بدع ليست من الصواب].

وبتعديل لفظ مصطلح "تافاسكا" حسب الأنظمة الفونولوجية للغات الساحل وغرب إفريقيا، أي بإبدال الفاء باء (وهما صوتان شفهيان يبدلان من لغة أو لهجة إلى أخرى) دخل ذلك المصطلح بصيغته الصرفية الأمازيغية إلى تلك اللغات (الفولا والوولوف مثلا) مع دخول الإسلام إلى تلك البدان مع الحركتين المرابطية والموحدية وما بعدهما، أي بلفظ "تاباسكا" أو "تاباسكي" للدلالة على أضحية عيد الأضحى.

فبالرغم من أن تسمية "تافاسكا" وكذلك بعض الطقوس المشار إليها ما تزال تعكس بالنسبة لمؤرخ الملل والنحل مرحلة انتشار اليهودية في أوساط المجتمع الأمازيغي، فإن مرجعية الأضحية قد تحولت، مع دخول الإسلام، من الإحالة على قصة ظروف خروج بني إسرائيل من مصر حسب رواية التوراة، إلى الإحالة على تضحية إبراهيم عليه السلام كما أسس الدين الإسلامي تلك المرجعية.

ففي هذا الإطار من أطر إعادة تأويل المرجعيات، مع استمرار اللفظيات وتراكم الطقوسيات وتداخلها ضمانا لاستمرارية أبعاد الشخصيات الجماعية التاريخية الملموسة وذلك باعتبار الإنسان والأرض والثقافة والمؤسسات، يندرج كذلك ما أصبح يعرف اليوم بـعيد "السنة الأمازيغية". إنه في الأصل عيد مرتبط بالأرض والفصول، كإطار لاندراج الشخصية الجماعية في ديمومة الدهر وصيرورة التاريخ. ذلك الارتباط بالأرض وبالفصول تترجمه الخصوصيات المحلية لكيفيات الاحتفال بذلك العيد. فإذ الاحتفال بذلك العيد يشمل كل المناطق المغربية مُشكلا بذلك بعدا من الأبعاد الثقافية الموحِّدة المخترقة للجهويات ووللخصوصيات الإثنو-لغوية، فإن تسمياته ("حكًـّـوزة"، "نـّـاير"، "يض ن-وسكًـُّـاس"، "ليلة العام"، "راس العام") وأصناف وألوان ما يحتفل به فيه من الأطباق مثلا (كوسكوس، بادّاز، عصيد، ثمار جافة، طبيخ الحبوب والقطنيات السبع مع أكرعة الغنم أو ما يسمى "وركيمن" أو "شرْشم" الخ) تختلف حسب المتغيرات الجهوية للمناخ وللتربة ونمط الاقتصاد، رعويا كان أو زراعيا أو مختلطا.

إن هذا العيد إذن عبارة عن وجه من أوجه العِلم بعدد السنين والحساب بفضل التأمل {في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار} وفي دورة الحياة التي جعل الخالق فيها {الليل سباتا، والنهارَ معاشا}، وبفضل النظر إلى تعاقب الفصول وإيقاع بردها وحرها، وإمطارها وصحوها، ونبتها ومرعاها ويبس ونبتها، الذي أنبته من {أخرج المرعى ثم جعله غثاء أحوى}. إنه شكل ثقافي لاتخاذ الإيقاع الطبيعي إطارا يضبط عليه الإنسان إيقاع نشاط حياته الدنيوية لإعداد أسباب العيش من حرث وسقي وجني  أو حصاد، وتوزيع وتبادل للإنتاج في المواسم، وتخزين له في المخازن، وإعداد للبذور من جديد، أو للتنقل الرعوي أو التجاري في رحلتي الشتاء والصيف وما بينهما، حسب المناطق وأنماط الإنتاج، من مراحل القطف الطبيعي، ثم الرعوي، فالزراعي، ثم التبادلي فالصناعي فالسياحي، إلى آخر ما هناك وما سيكون هناك من أوجه الترويج والصلاح.

من هذا المنطلق، وبهذا الاعتبار، يمثل عيد رأس السنة الفلاحية أو "راس العام" أو "يض ن-وسكًـُّـاس" أو "حكًـّوزة" في المغرب وفي شمال إفريقيا عامة، العيدَ الوحيد الذي يحتفل بالحياة ولا يحمل أي حمولة من حمولات الملل والنحل والفرق والطوائف والمذاهب. إنه نظير عيد النيروز الفارسي (Nowruz، ومعناه "اليوم الجديد")، الذي يُحتفل فيه بأول أيام فصل الربيع (21 مارس) الذي هو رأس السنة الفارسية، والذي يعود الاحتفال به إلى القرن السادس قبل الميلاد أيام الأمبراطورية الأخمينية، قبل أن يمتد وينتشر في ربوع آسيا الوسطى والجنوبية وفي القوقاز وشمال غرب الصين، والذي اعترفت به اليوم الجمعية العامة للأمم المتحدة كعيد من الأعياد العالمية، فاحتفل به بتلك الصفة الجديدة سنة 2010 بطهران بعد أن تم اعتماده في مؤتمر الأمم المتحدة بأبو ظبي كتراث ثقافي لامادي للإنسانية. وعيد النيروز المتجرد عن كل حمولة ملية أو مذهبية، والذي يحتفل به اليوم في ظل الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كان يحتفل به في ظل الخلافة الإسلامية على عهد بني العباس في كامل ربوع العراق والشام، ويتميز بالاحتفال بالزهر والورد، وفيه قال الشاعر البحتري

أتاك الربيعُ الطلق يختال ضاحكا  *  من الحُسن حتى كاد أن يتكلمـا

وقد نبّه النيروزُ في غَسَق الدُجى  *  أوائلَ وردِ كُنّ بالأمس نُـوَّمـــا

 

وإذ أخذ المغرب اليوم يستجمع أعشار شخصيته التاريخية الموحّدة في تعدد عناصرها وروافدها، فمِن الطبيعي أن يكون هذا العيد الذي هو بُعد من الأبعاد الثقافية الموحـِّـِدة لكافة مكوناته البشرية والثقافية مَحَط رد الاعتبار. وإذ كانت الحركة الثقافية الأمازيغية سباقة في هذا الباب قبل غيرها إلى إعادة تبني ذلك الشكل الثقافي تبنيا حركيا، لأن الطبيعية لا تقبل الفراغ، وبقطع النظر عن التأويلات الأسطورية الجديدة التي استعانت بها تلك الحركة لربط هذا العيد ببعض معطيات التاريخ (قصة الملك شيشونغ)، فإن التأويلات لا تغير شيئا من جوهر الوجه الوظيفي للشكل الثقافي المعين كما بينـّـا في مثال تطور مرجعية أضحية "تافاسكا". فالبعد الأسطوري بُعدٌ ملازم للفكر الإنساني قديما وحديثا وإلى الأبد في كل زمان ومكان باعتباره شكلا تعبويا في كل الأمور الثقافية والسوسيو-اقتصادية (الإشهار) والسوسيو-سياسية (الشعارات والزعامات). فقبل عقود فقط (أي في النصف الأول من خمسينات ق-20)، كان المغاربة يرون بأن أعينهم ملكـَهم المنفي، في ظلال صفحة القمر البدر (كانوا يرددون: "بن عارافة يا الحْمار؛ شوفْ سيد'ك فالقامار") فكان ذلك شكلا تعبويا جمعيا رائعا في باب التعبئة السوسيو-سياسية، دون أن يعني ذلك أن مغاربة ذلك الوقت، وجيلنا منهم ونحن صبية، كانوا وثنيين أو خرافيين. إن الأساسي في كل ذلك هو التمييز في الأدبيات ما بين الخطاب التعبوي وخطاب حقائق علم التاريخ في ما يتعلق مثلا بقصة ربط السنة الأمازيغية بقصة اعتلاء شيشونغ الليبي العرش الفرعوني.

وأخيرا، لعل من أوجه تطور الوعي وتوسعه في باب إعادة الاعتبار لهذا العيد، المغربي بامتياز، ما دعا إليه السيد عادل بن حمزة عضو الفريق الاستقلالي للوحدة والتعادلية مؤخرا بمجلس النواب من ضرورة اعتماد رأس السنة الأمازيغية عيداً وطنيا (انظر هــنـا). إن من شأن ترسيم هذا العيد أن يرسخ المغرب كرائد في باب استعادة المنطقة المغاربية لخصوصيتها الثقافية والمذهبية التاريخية العامة كما فعل في ملف المرأة واللغة الأمازيغية، خصوصا إذا ما عرفنا أن مطـلبـية إعادة الاعتبار لهذا العيد غير مقصورة على الفضاء المغربي (انظر احتفالات السنة الأمازيغية في تونس على جدار الفيسبوك هنــا، وكذلك مقال مكمل بالفرنسية هـنــا).

 



17/01/2014
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 345 autres membres