OrBinah

(En arabe) Institutions religieuses au Maroc et discours intégriste

ما بين تبشــــيــــر المبشريــــن وتنفــيـــــر المنفريــــــن.

ولم يقل أحد إن طبقة الفقهاء ظلوا حبيسي عالم أهل الكهف

---------------------------------------------------

 

 

تقول حكمة المنطق الدياليكتيكية: "إذا تجاوز الأمر أقصى حدّه، انقلب إلى ضدّه". لقد كانت أيام نهاية السنة هذه السنة مناسبة ظهرت فيها على السطح أعــــــــــراض/مؤشـــــــرات ذات دلالات خاصة. تلك الأعراض، وإن كانت أرضيةُ الحبل بجنين جوهرها قد تمّ تخصيبها تدريجيا طوال العقود الأخيرة، فقد برزت تلك الأعراض هذه السنة بشكل ملفت للانتباه، وتلازم ظهورها في الزمن القصير مع وقائع ليست بالجديدة ولكنها كانت الهــــــــزة/الرجّـــــــــة التي عجّلت بالميلاد.

إنها ظاهرة إشـــــــــــهار الاحتفـــــــال الفولكلوري الشعبي بعيد ميــــــلاد المسيـــــح في البــــــــوادي (عيطة، أحيدوس، أحواش، ...؛ لن أتقاسم هنا مختلف الفيديوهات التي تعج بها الشبكة)، وخصوصا جبال الأطلس التي يبدو أن قَـشّــــة أخيــــــرة قد قصمت ظهر الجمل فيها على إثر عدوان سيدي شامهاروش بتوبقال قطب جبال الأطلس التي هي أوتاد البلاد وخزّان الحياة فيها وحصنها البشري والثقافي.

.

كانت بعض جبال الأطلس، المعزولة منذ زمان عن العالم وعن المرافق، تحتضن كثيرا من الأديرة وما يشبهها منذ ما يربو على قرن من الزمن. لكن السكان كانوا يتعاملون مع تلك الهيئات، لا نقول بشكل انتهازي كما يحصل اليوم مثلا مع إحسانيات التبشير الانتخابي التي لها مقابل مباشر يتمثل فالصوت، وربما في التزام دائم بإبداء بعض الشارات، ولكن بمجرد  شـــــكل انتفاعي محــــــض مما تقدّمه تلك المؤسسات من خـــــدمات مرفقيـــــة في باب الصحـــــــة ورعايــــــة الطفولـــــة والمـــــرأة والمساعدة على التمدرس وغير ذلك، ولم يكونوا يفهمون حتى معنى التبـــــــشيــــر، الذي لم يكون يلمسونه في تعاملها معهم. ثم انصرمت عقود وعقود من دون أن يظهر لنشاط المبشرين أثر في الأجيال، على أي مستوى من المستويات ولو حتى الاستهلاك ونمط الهندام، ناهيك عن العبادات والطقوس.

.

ثم جاء تنــــــــفيـــــر المنفــــرّيــــــن الأفّاقين بعد تبـــشيــــر المبشّـريــــن الأفاقين كذلك، وكان تنفيرا عنيــــــفا وفجّـــــا وفاتــــحا، يبدأ بمصادرة الحياة اليومية للفرد وللجماعة وتأطيرها وضبطها من خلال التدخل في شؤون الهنــــــدام والعـــــادات والفولكــــلور مستهدفا كل مظـــــاهر الثقــــــافة الرمزيــــــة التي كانت تؤطر الجماعة بمــــــا يناســــب محيــــطها السوسيــــو-اقتصادي والطبيـــــعي (قواعد أحيدوس وأحواش والحفلات الاجتماعية والأعياد الدينية والمواسم، ...)، فاستسلمت الجماعة استسلاما شقـيّا لذلك التأطير الجديد، بل أخذت تنتج بنفسها مؤطّريه المحليين في صفوفها وتنضبط لسلطتهم المعنوية.

لكنّ ذلك اصطدم في العمق وفي نهاية المطاف مع الأطــــر الأنثروبولوجيّـــــة المتجــــذرة التي فرضتها المعطيات المجالية والبشرية الموضوعية المشار إليها. فكان ما كان على هيئئة ردّ فعـــــــل قويّ في تحـــــدٍّ بما يشبه انتفاضــــــة رمزيّــــــة مضــــــادّة، بشكل وقوة لم يفلح تبشير المبشرين في إحداثه ولو جزئيا طوال أكثر من قرن من الزمن.

.

وضعية فئة الفقهاء والأطر الدينية إزاء الوضع

الفقهاء الأطر الدينية بصفة عامّة ظلوا يستمدون سلطتــــــهم المعنويّـــــة في النيابة عن الضمائر من مـــزايـــــدة بعضهم على بعض في التنقيب عن مطمور النصوص والتفاسير والتآويل وفتاوى النوازل التي يحفظ منها الفقيه ما حفظ حفظا من خلال التنقيب في ركام هائل من القول والأثر. كان ذلك الحفظ يتطلب حياة كاملة لمراكمة ما يمكن مراكمته منه في الذاكرة، فيؤتى منه ما يؤتى على سبيل الانتــــــــقـــــاء حسب ظروف الاصطفافات المذهبية وما تُجعَل تعبيرا عنه من مواقف إزاء تـــــدافعـــــات السياســـــة الزمينــــــة الملموسة الراهنة. ولقد غاب عن الجيل الحالي من الفقهاء ورجال الدين والدعاة للمذاهب ومــــــؤوّلــــــي وقائـــــع السيــــــر التاريـــــخ وغير ذلك أن عصر تـــحريـــــــــر سوق المعلومة وتيسيـــــــرها للعمــــــوم قد جعل من وظيفتهم القائمة حاليا على الحفـــــــظ والاستـــــعراض الانتقـــــــائي حسب الحاجة والغاية، وظيفة بدائية متجاوزة.

.

فقد دأب اليوم الشباب ذو المعرفة المتوسطة أو ما تحت المتوسطة، وفي ردّة فعلٍ للجيل إزاء تناقضات التمييز الميتافيزيقي المفتعل الدائم بين الملة وأهلها، يتحدّى تلك الطبقة فيورد الآيات والأحاديت بمتونها وأسانيدها، كما يورد مختلف الفتاوى، عاديّها وغريبها ... بمجرد بحث على الشبكة لا يستغرق أكثر من بضعة دقائق فينشرها في الناس على الشبكة، بمناسبة قضية من القضايا أو حتى بغير مناسبة، وبذلك تفقد مقولة حَـلقيّة "التمييز بين الإسلام والمسلمين" بريقها الإقناعي على سبيل الجدل الكلامي، لكي تحل محلها مقولة المنطق التي لا تفصل بين الإسلام والمسلمين كما لا تفصل أي ملة عن معتنقيها.

ولقد امتدت ردة الفعل هذه إلى ما بعد مجرد المعرفة والاطلاع، فاتخذت أوجها أخرى أكثر جذرية، ما كان ليحدثها مفعول أي تبشير أبدا. إنها تتمثل في نوع من "العصيان" الفكري المعلن ونت الجرأة التعــبيرية على إشهار ما يعتبره هذا الجيل "تناقضات" في تلك النصوص، سببُها تستّر الوسطاء وانتقائيتهم المحكومة بتدافعات الظرفية السوسيو-سياسية. إنها موجة ما يسميه البعض من أولئك الوسطاء موجة "الردة" أو "الإلحاد العلماني".

.

هذا العــــــالَـم الجديــــــــــد أصبحت فيه الطبقة الوسيطة المذكورة في أعين البعض أشبه ما تكون بــ"أصحاب الكهف"، من حيث عن انقطاعــــها عن العالـــم الحسّـــــي. ولا يتعلق الأمر بمجرد غياب التصـــــــــور الجديـــــــد للمعلومة ولكيفية الحصول عليها وقد كانت تُستمَدّ منها السلطـــــة المعنويّـــــة لطبقة الفقيه/الداعية ورجل الدين (الذي ليس له لحد الآن تحديد صوري مضبوط لكيفية حصوله على اللقب كما يحصل عليه الطبيب والمهندس والقاضي والمحامي ...). إن الأمر يتعلق كذلك، ليس فقط بالانــــقطــــاع عن العلوم اللازمة للمعرفة بالواقع كما هو قائم في العصر، من علوم إنسانية/اجتماعية ونفسية ولغوية ومن معرفة بالفنون وبوظائفها، ولكن بمحاربة كل هذه الفصيلة من العلوم والفنون محاربة شديدة باعتبارها من وحــي الشيطان في نظر من يحاربونها.

.

لقد تنبه الأستاذ إلى هذه الحالة الأخيرة وقال فيها ما قال. لكن القول إنما يكون ذا أثر حينما يكون المقال مطابقا للمقام ومقتضى الحال. فبالرجوع إلى واقعة جبل توبقال التي تمت الإشارة إليها والتي لا تمثل سوى عينة من أمثالها، بما يقوم بينها وبين قبيــــل من الخطــــاب أصبح روتينيا لدى كثير من الأفراد وحتى بعض الهيئات، سبق لإحدى تلك الهيئات أن "وضّحت" توضيحا مؤسسيا في أمر حُكم "المرتــــــد"، هذا المفهوم الذي بقي على ما كان عليه في ظروف سحيقة في القدم وبالغة الاختلاف عن العصر والظروف التي تمّ فيه توضيح الهيئة المشار إليها، فأسقطتــــــه إسقاطـــــا على العصـــــر في زمكانيته الخاصة، وذلك نتيجة للانقطاع عن المعرفة بالواقع.

.

وهذه الآن تغطية صحفية للدعوة الأخيرة لأحمد العبادي الأمين العام لـ"الرابطة المحمدية للعلماء" من أجل "مواكبة التحولات الفكــــــــــــــرية والاجتماعيّـــــــــــة والتواصليّـــــــــــــة"

 

http ://www.menara.ma/ar/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/%D9%88%D8%B7%D9%86%D9%8A%D8%A9/2018/12/28/2468134-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A8%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D9%8A%D8%AF%D8%B9%D9%88-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%85%D9%88%D8%A7%D9%83%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%83%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84%D9%8A%D8%A9.html



29/12/2018
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 345 autres membres