(En arabe) Gauche, droite et libéralisme au Maroc
"ما موقع االيسار واليمين المغربيين من الفكر الليبيرالي؟"
...
...
كثر الحديث من جديد في المغرب عن مفهومي اليــــميــــــن واليــــــسار في السياسة والأخلاق، وهو حديث ارتدادي تردّدي تعود ارتداداته في المغرب من حين لآخر كلما اهتز المشهد السياسي و/أو اختلطت بالنسبة إليه الجهات الأربع في الأفق. هذان المفهومان كان لهما دائما مرجع معبّر عنهما ويعبّران عنه بشكل أكثر أو أقل وضوحا وصراحة على المستوى الفكري والتنظيمي السياسي الصوري أو السديمي الهلامي بالمغرب، ويصعب هنا استعراض تلك الأدبيات (من علال الفاسي إلى عبد السلام ياسين، ومن المهدي بن بركة إلى غيره من اليساريين السياسيين والفكريين وما بينهما).
غير أن الملاحظ، على المستوى التجريدي المحض، هو أن وجود حدّي اليمين واليسار في السياسة والأخلاق يقتضي منطقيا وجود حــــــــــــد ثـــــــــالــــــــث مهما كانت تسميته (الحدّ المحايد أو الحد الوسط).
في المجتمعات التي أفرزت علوم السياسة والأخلاق من خلال دينامياتها الداخلية التاريخية الطويلة، تفرّع مفهوما اليمين واليسار تدريجيا عن مفهومي المحــــــافظــــة والتنــــــويــــر على جميع المستويات (المعرفة، الدين، الأخلاق، السياسة، الاقتصاد) في إطار دينامية مظاهر ما عرف بالنهضة الفكرية ثم الثــــــورة الصناعيـــة وما ترتب عن ذلك من تغيّر البنيات الاجتماعية بظهور طبقة البورجوازية التجارية ثم الصناعية والطبقة العاملة، إلى جانب القوى الأريسطوقراطية المحافظة القديمة.
وقد كان لكل فئة نخبة فكرية تصوغ تصوّرَ الواقع بما يتلاءم مع الموقع الاجتماعي الذي تنطق باسمه، من الفكر الأريسطوقراطي "اليميني" المحافظ الذي ظل يدافع على المرجعيات التقليدية لتصور الكون والمجتمع والإنسان، إلى الأفكار "اليسارية" لــروسو ثم الفكر الماركسي فالشيوعي من جهة، التي كانت تمركزت حول مفارقة قوة العمل والتملك الخاص لوسائل الإنتاج ولفائض القيمة، وإلى الفـــكـــر الليبــــرالي الفرانكو-انجليزي الذي ظهر في نهاية القرن-18، والذي كان يمثل الحــــــدّ الأوســــط الأصلي في تلك المراحل الانتقالية لتبلور الفكر السياسي الحديث. والأدبيات في هذا الباب أكثر من أن يكون بالإمكان مجرد الإشارة إلى أمّهاتها.
ويمكن تلخيص الفكر الليبرالي الأصلي في "إقامة آليات اشتغال المجتمع على أساسقاعدة أفراد مدنيّين هم أحرار بناء على المقتضيات العقلية وليس على الخضوع لشرعيات السلط التقليدية المتوارثة (دينية، عرفية، إثنو-ثقافية)"؛ وذلك من خلال ما يلي:
- مساءلة المركزيات التصوّرية التقليدية للوجود في الكون (الحق الإلهي االمخوَّل، الحق السلالي أو الإثني)، مما يجعل الإنسان يخلخل ويزحزح ويدفع بعيدا بجميع الحدود، ويجدّد بذلك معالمَ وجوده من خلال إعادة تصوره للزمان والمكان الطبيعيين والاجتماعيين والمصيريين، فلا يظل معتبرا نفسَه في عالم محدود وموصد بالأختام من الأزل وإلى الأبد.
- الكف عن الاستمرار في اعتبار النظام الاجتماعي قائما على مُعطى قناعي مطلق، أو محكوما بطبيعة خارجية أجنبية عن الإنسان كفرد ملهم عاقل يُعمِل العقل الأخلاقي في علاقته بالجماعة، والعمل بدل ذلك على جعل ذلك النظام يقوم على مقتضيات العقل والتقدم المعرفي للأنسان وعلى تراكم إنجازاته التقنية والحضارية الملموسة.
- الرفع من القيمة الوجودية المعنوية لكيان الفرد المدني ككيان ذي مشروعية وجودية وككيان حرّ ومسؤول عاقل (مثال "كوجيطو" ديكارت كمنطلق لمساءلة البديهيات وبناء اليقينيات)، وهو ما يجعل كل فرد مدني في حد ذاته عالما بمفرده يتعين احترام سلامته الكيانية وضمان حقوقه الطبيعية التي لا تترتب لا عن طبيعة معطيات الميلاد ولا عن حيثيات النشأة والانخراط السوسيو-اقتصادي أو السوسيو-ثقافي في منظومة المجتمع (الحريات، الأفكار، التعبير، الملكية، الخ.). انظر مقالا أكاديميا في الموضوع هــــنـــــا.
هذا الحدّ الأوسط (فليسمَّ "ليبرالية" أو "وسط" أو غير ذلك) الذي كان قد مثّـل، من خلال أدبياته (آدم سميث، دي كوندورسي، فولتير) في المجتمعات التي أنتجت الفكر السياسي الحديث، واسطةَ العِقد في تطور ذلك الفكر، وخلافا لحدّي اليميـــن/المحافظ، واليسار "ثوريا" كان أم "إصلاحيا"، التي حظيت بأدبيات لا بأس بها في الفكر المغربي، ظل حدّا لم يُكتب له قطعا أن يكون له وجود معبّر عنه بحركات وبأدبيات في الفكر السياسي والأخلاقي المغربي الحديث، الذي تهيكل حصريا حول قطبي اليمين واليسار، وهذه من المفارقات الفكرية التي تستحق الوقوف عندها.
مناسبة طرح الوقوف عند هذه المفارقة هو ما أدت إليه الانسدادات والبلوكاجات الأخيرة من مغازلات وتلابزات بين بين القطبين المذكورين في المغرب الراهن. فمن جهة، هناك بقايا حنين النوسطالجيين (سياسيين ومفكرين و"مثقفين عضويين") إلى يويتوبيات تصوراتٍ وبرامجَ يسارية ستينية سبعينية لم تُكتب لهالتجرية الممارسة وطوى التاريخ صفحاتها، فلم يبق أمام أصحابها سوى التشبّث بأهداب تقاليد مهدوية استنقاذية بقطع النظر عن طبيعة "المهدي" المنقذ وكيف؛ ومن جهة ثانية، هناك من رشحتهم تجربة الممارسة التاريخية لتجريب قيم المحافظة تجريبا سياسيا ملموسا، فأدركوا من خلال الممارسة أن مغازلات ومزايدات اليسار إنما تسعى إلى أن تتخذ من أفواههم "أفواها لأكل الثوم" وأن تتخذ منهم "كاسحات ألغام" متقدمة لتصفية حسابات قديمية، و"اللي فراس الجمل فراس الجمّال" (انظر تصريح الوزير محمد يتيم في هذا الباب هــــنــــا).
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres