(En arabe) Flashs de l'intérieur d'un hammam maure
حمّــــــــام دوّار العوينة وسوق طلاطا إيكًودار
وبالعودة إلى قصة الحمّام، فلا منظر يضاهي عند موحمّاد، من المشاهد السوريالية بشاعة، تلك المشاهدَ التي احتفظت بها ذاكرته منذ أن صحبته الوالدة ذات يوم إلى حمام المجموعة القروية وهو ابن حوالي الثلاث سنوات. وجد الإناث يتحركن في عتمة مقصورة الحمّام كالجنّـيات، وتتحرك معهن ظلالهن على جدران المصورة قبالة ضوء الشمع، وهن متجرّدات عاريات مما عدا كف اليد اليسرى يوضع على صميم رقعة البـُضع أثناء التحرك في جنبات مقصورة الحمام، وشعورهن السوداء المبللة ملتصقة بظهورهن وصدورهن. أما العورة الخلفية فلا يبالين بمصيرها أثناء الانحناء. ولقد زاد من حرجه وسخطه على تلك التجربة الحمـّامية "الحمِـيميّة" الطفولية، ومن حيث لم تكن أيّ واحدة من ذلك القطيع من الجنـّيات تتوقع ذلك من طفل في مثل سنّه، أنّ معشر الإناث قد طوقنه، في صخب، بمداعباتهن المستفزة والمثيرة للتقزز عند صبي في مثل ذلك العمر، من قبيل: "هل تريد أن تتزوجني؟ لكن، أرني أمانتك أولا! ثم إن عليك أن تختـتن قبل كل شيء؛ فأنت رجل؛ ...". كان مفرّه الوحيد هو أن ينزوي منفردا في أقصى المقصورة ووجهه مطبق تقريبا على الجدار تجنّبا للمشاهد البشعة.
إنها مشاهد عاد، مع ذلك، وبحكم منطق آلية إعادة إنتاج الثقافة، إلى التعايش مع مشاهدة أبشع منها بعد عدة سنوات من ذلك، حينما أصبح - وذلك من رموز بداية الرشد والرجولة - يرتاد نفس حمّام دوّار العوينة المذكور، مع الرجال والمراهقين هذه المرة، وذلك خلال أيام العطلة الصيفية بعد التخلص من عسكرتارية الحياة اليومية بالداخلية هناك بعيدا في عالم "الحضارة والزمن العصري" الذي كانت تمثله بالنسبة لمجموعته القروية عاصمةُ الجهة، تارودانت، التي توجد بها داخليتـا الجهة الوحيدتان المعهد الإسلامي وثانوية ابن سليمان الوداني، وهي مع ذلك مدينة عتيقةٌ، سجينةٌ أسوارها وتاريخها؛ وتروي بعض المناقبيات الشفهية أن أحد الملوك الذي كان قد اتخذها عاصمةً لملكه قال بشانها يوما، قبل أن يغادرها إلى أختها الكبرى، مراكش: "أردناها للحَضَر، فأبت أن تكون إلاّ للنساء والبقر".
وتبِعاتُ هذا الموقف "الكُـرهـــونثاوي" محمولةٌ على الراوي طبعا، لا على المروي عنه. فقد قال الراوي على لسان المروي عنه:
كنت أدخل نفس المقصورة، التي يتناوب عليها الإناث والذكور، بحيث إن لأولئك أيامَ الأسبوع نهارا، وللآخرين صباحَ الجمعة إلى ما قبيل الصلاة، إضافة إلى ليلة مساء الإثنين استعدادا لاستقبال يوم السوق الأسبوعي، طلاطا إيكًودار. فكنت أجد أمامي حديقة حيوانات آدمية تتحرك أمام نفس ضوء الشمع الباهث وهي عارية شبيهة بصور "قوم بني كلبون" كما كنّا نشاهدها مقابل أربعة ريالات في علبة "السوليما" في نفس السوق، كائنات عارية وزوائدها الذكورية مدلّاة دانية قطوفها بشكل مفرط البشاعة بفعل الحرارة وبمفعول العرق والانعكاس الحادّ لضوء الشمع على كل ذلك مصوّرا أدنى تفاصيل وجزئيات أخاديد وتجاعيد ظلال ثنايا الأعضاء بشكل هيتشكوكي بورنوغرافي سابق على ظهور اللفظ وعلى ظهور الحاجة الوظيفية إلى الاستعاضة عن تلبية مثل تلك العوائد الثقافية باللجوء إلى نقش الأقراص المدمجة انطلاقا من بعض المواقع الإليكترونية.
دخلت يوما فوجدت من بين المستحمّين "مولاي الحسن الطالب"، وهو مستلقٍ على بطنه مُكـِبٍّ على وجهه بين ذراعيه المطويين، يستلذ فركات أحد الدلاّكين المتطوعين من فلاحي القرية، مقابلَ حسنات دعوات "رحمة الوالدين". يعالج ذلك الفلّاح جثتة الطالب الورّاشي، الممدّدة أمامه كـ"صولصيصة حلزون الليماصون، كما تعالج كتلةُ العجين؛ يفعل ذلك وهو ممتط صهوة الجثة كما تُمتطى بردعة بغل، وذلك جِلدا لجِلدٍ، وعُصعُصا على عَجُز، وهو مفحـِّج فخديه على جنبي خصر مترهّل، فائض الكشحين كبطن ضفدعة برية. أما المستفيد من المعالجة بالعجن، المتلذذ بنوبات قوة الفرك والدلك، فكان يكيل لمعالِجه ما يترتب على ذمته من مقابل جراء أتعاب معالجة ذلك الفلاح النحيف المفتول والزمْـبُركيّ العضلات، وذلك بالدعاء الجاري والمستمر "الله يرحم الواليدين؛ الله يغفر ليك الدّونــوب، كيما كا يغــسل صّابون تــّـوب"، وبصوت مرتفع متقطع في تألم مازوشي يزيد ارتفاعا وحدّة نبرةَ تألـُّمٍ كلما كانت دفعة الدلك متمكنة موجِعة، خصوصا حينما يعمد ذلك الدلاّك، فيما يشبه سجدة وثنية في معبد مجوسي، إلى تقنيّة الضغط بأعلى جبهته وقُحف رأسه الحليق على واسط العمود الفقري المغيّب تحت طبقا شحم كتلة المدلوك المُكـِبّ على وجهه، وذلك في حركة بطيئة دافعة نحو الأمام كما يفعل الحلّوف البرّي، متخذا من جبهته المدبوغة، ومن شوى قُحفه الحليق فرّاكة حيـّـة تشتغل بالضغط البنوماتيكي العالي لكتلة جسم صاحبه المُكِبّ على وجه يتألم متلذّذا وداعيا بالرحمات والغفران، أي لكتلة جسم مولاي الحسن.
كان "مولاي الحسن الطالب" 'رئيسا' عرفيا لحفظة القرآن، من الطُولبا وغيرهم من الورّاشيين؛ وإليه كان يُرجَع في أمر إحياء "السلكات"، والصدقات، والتأبينات. فكانت له في ذلك القطاع من الخدمات سلطةٌ عرفية زبونية يقرر من خلالها لائحة المدعوين من الطولبا والوراشيين، ويكون وسيطا بينهم وبين إحسان المحسنين، رغم أنه لم يكن قطُّ، مع ذلك، إماما ولا معلمَ أطفال. إذ لم يكن قد أكمل مشوار التكوين كما كان متعارفا عليه؛ فقد كان مجرد "مجروح الجـامع" كما يقولون. كان مكفوفا لا يبصر عَلـَما في رأسه نار؛ إلا أنه كان يجوب الطرقات الملتوية، والأزقة، والمداشر، وفدادين أشجار الزيتون، عبرَ أشواك السدر، والسواقي، ومصارف المياه، وتضاريس النتوءات، والحُفَر، والمنعرجات بين الدواوير، بسداد خُطىً منقطعِ النظير، وبسرعة وحذاقة قُندُس، خصوصا حينما يكون في مهمة دعوة إلى وليمة ورّاشية بمناسبة قران، أو وفاة، أو ختان، أو غير ذلك من مناسبات السرّاء أو الضرّاء على حد سواء. كان بدينا بسبب مواظبته على الولائم بصفة عامة؛ ويرى البعض أن لكثرة تناول بسّوسة المعجون والمقويّات على الخصوص دورا في ذلك، بالرغم من أن المعني بالأمر لم يكن متزوجا حتي يـُحتملَ حرصُه الدائم على وصفات تقوية الباءة. عـُرف بخفة الروح وبلين العشرة وبميله للدعابة فيي الحديث ولما يسمى عندهم بــ"الإحماض" الترويحي في الكلام، خصوصا مع العامّة، وذلك بكثرة الحديث المازح وهوس أدبيات التفكّه الشعبي القروي في باب الغلمانيات.
نطق الفلاح الدلاّك فور ولوجي إلى مقصورة الحمّام ممازحا إياي بعد سماع التحية قائلا: "وعليكم السلام؛ أفمن أجل ذلك أتيت؟ أفقد جئت من جديد لتتنطـّع هنا بتـُبـّـانك الرومي مستعرضا على المستحمّين مستحدثات المدينة؟". عقــّب مولاي الحسن، وهو مستلق دائما على بطنه كالفقمة قائلا: "أيوا، الله يحفظنا من المتشبـّهين بالنّــصارى؛ هادا تاخير الزّامان: السـّروال الطـّـويل المزيّر بلا حشما فوسط السّوق، والفوطة والگارصون فوسط الحمّام!". ثم استطرد في حديث طويل عن السراويل الطويلة الطويلة، وعن رذيلة كونها تصوّر العورةَ الخلفيةَ تصويرا مستفزا بالنسبة للغير، وتقتل النفس الأماميةَ وتفشل الباءةَ بالنسبة لمن يرتديها، وفي ذلك ضرران اثنان كما قال، إضافة إلى نقيصة التشبّـه بالنصارى. ثمّ ما لبث أن استسلم لاستفزاز المستحمّين المحبين لمزيد من اللغو الأقوى حموضة، فأفضى به الحديث عن العورة والباءة إلى الإحماض من جديد بأحاديث الغلمانيات دون كناية ولا تستر متعفّف وراء ذريعة "لا حيا في دين" ممّا يتمّ عادة في خطاب مقام الوعظ.
في أجواء ذلك العالم الغرائبي، كان متسوّقو الغداة يعدّون أنفسهم لارتياد فضاء سوق الطلاطا، الذي يضبط إيقاع جُماع حياة الجميع. ويحرص الشبّان خاصة على إعداد مظهرهم بما يليق بمقام فضاء سوق الطلاطا، بما في ذلك الاختلاء في المقصورة الوسطى الضيقة والأكثر عتمة من أجل حلق شعر الإبط والعانة والرمي بتلك الفضلات في المجرى. وقد شهدت يوما فتيين مزهويّن بخاتم وسيط التشغيل الفرنسي، المسمّى "مــوغا"، المضروب على صدريهما كما يُضرب خاتم جودة لحم الذبيحة السليخة، كعلامة على تأهّلهما، بعد الفحص، للهجرة من أجل العمل في مناجم فرنسا. وقد شهدت يوما فتيين مزهويّن بخاتم وسيط التشغيل الفرنسي، المسمّى "مــوغا"، المضروب على صدريهما كما يضرب خاتم جودة لحم الذبيحة السليخة، كعلامة على تأهّلهما، بعد الفحص، للهجرة من أجل العمل في مناجم فرنسا؛ وقد ارتبطا للتو في صداقة مهنية مستقبلية في دار الغربة. وقد حرصا على عدم فرك مكان الطابع، لأنه سيكون من بين شارات الاعتزاز التي ستكشف عنها فتحةُ القميجة في الغداة بشكل "عفوي" أثناء التجول بفضاء سوق الطلاطا.
-----------------------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres