(En arabe) Du nouveau président de l'Union Mondiale des Oulémas des Musulmans (un Marocain)
هذا الرجل مُربـِــك في وضوح تصوّراته وفي صراحة عرضه لها
(الرئيس الجديد لاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)
------------------------------------------------
بقدرما ظل المغاربة متهافـــــتين عبر التاريخ للحصول على اعـــــــــتـــــراف مشرقي بهم ككيان وهوية في ميادين الشرعيــــــة السياسيـــــــــــة والديــنيـــــة وفي ميادين الفلسفة والآداب والفكر والأيديولوجيا عامة، ظلـّـوا على مر العصور "محرومين" من بلوغ تلك الغاية التي تحرّك الفرد والجماعة منهم على جميع تلك المستويات.
وإذا ما اقتصرنا على العقود الأخيرة منذ منتصف القرن-20، التي تداخلت خلالها أطر الأيديولوجيتين، القوميــــــــة ثم الدينيّــــــــة السياسية، بأدبيات كل منها وبهياكلها التنظيمية قبل أن تحلّ الثانية محل الأولى، لم يحصل قط أن أسندت رئاســـــــــة منظـّـــــــمة من المنظمات أو اتحـــــــــــاد من الاتحادات إلى المغرب في شخص فـــــــــــرد من الأفراد أو مؤســـــــسة من المؤسسات (مما عدا لجنة القدس التي لها صفة ووضع خاصين).
إذن، فما عسى أن تكون دلالات إسناد رئاسة اتحاد من الاتحادات من حجم "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، الموجود مقره اللوجيستيكي الحالي في الخليج العربي/الإسلامي، لشخصية مغربية؟ لقد أسندت تلك الرئاسة لرجل مُـــــــربِـك من حيث وضوح وصفاء تصوّراته، وصراحة خطابه وعبارته، في ما يتعلق بالمهمة التي أنيطت به، فخلف سلفَه، الذي يبدو أن تطوّر ما آلت إليه تجربة ما بعد 2011 في الميدان هنا وهناك، التي كان بطلـَـها الخطابي الموجّه بامتياز، قد استهلكه استهلاكا.
يجب الإنصات إلى هذا الرجل الرزين والمتبصر في تصوراته حول نظرية الحكم كما يراها في هدوء وأناة. نظرية عامة تقوم على نظرية فرعية تسمّى "التــــــدرّج" وتجنّب التهــــافت على واجهة الجهاز التنفيذي للدولة، دولة يراد لها أن يكون لها عـــــــمقٌ وواجــــــــهة. الواجهة يُـنتدب لها من يتحمّل عن الدولة العميقة عـــــوارض التـــــآكل المقترن، بشكل طبيعي، بمسؤولية التدبير اليومي الأمــــــور الزمنيّــــة للمجتمع، خصوصا قبل نضج حالة المــــــفاصــــل الإداريـــــة لقطاعات الدولــــة بما يسمح في النهاية باندماج وجـــــهي الدولـــــة: الوجه العميق والوجه السطحي.
لقد عبر هذا الرجل عن هذا التصور من خلال تقـــــــويمــــه القديم/الجديد للتجربة المصرية بإبداء وإعادة تأكيده لارتياحه لما آلت تلك التجربة إليه من تنحيّة دراماتيكية لمن تم انتخابهم لتولي الحكم، فأفرطوا في نظره في ثقتهم بأنفسهم، واستعجلوا بدل أن يتريثو ويقدموا إلى الواجهة الملتهبة من يكون لها وقودا (دعم ترشّح أحمد شفيق أو محمود البرادعي بدل ترشيح محمد مرسي، كما عبر الرجل عن ذلك الرأي صراحة). عبّر عن ذلك بوضوح وصفاء وبصراحة تربِك كلّ من ليس له من خطاب سوى التجريح التعميمي والتنقيص من شأن من يخالفه عن واتهامه بازدواجية لم تـــــعــــــد قـــائمــــة سوى في ذهن من يتّهم الآخرين بها.
.
هذا الرجل يستحق الاحترام على هذا المستوى، وأولى بخصومه الأيديولوجيين والمؤسّـسيّين أن يضعوا العمامة أو القبّعة احتراما لوضوحه وصراحته، على خلاف تلفيــــقيّـــــات أولئك الخصوم. ولتوضيح الأمور و"أسباب النزول"، فلست خصما ولا مشايعا لذلك الرجل ولا لغيره، نظرا بكل بساطة لأنه ليس لي خصمٌ على الإطلاق، بما أنني لست ممارسا للسياسة لا تنظيميا ولا مجرد تعاطف مع هيئة من الهيئات، على الرغم من أنّني مهتمّ بالأيديولوجيا وبالفكر السياسي وتطورهما وأعبر عن ذلك كتابة منذ سنوات.
فقد وقفتُ شخصيا، منذ سنوات، على هذا الوضوح والصفاء اللذين يطبعان فكر وتصورات هذا الرجل عندما يتعلق الأمر بالتفكير البعيد الأمد، ليس فقط في ما يتعلق بنظرية الحــكــم بشقيّه في تصوره الجديد له، شق العمق وشق الواجهة، ولكن كذلك في ما يتعلق بما يتصوره كمؤسّـــــسة مهيكَــــــلة تنظيميــــــــا لتمثيل عمق الدولة. إنّ أول ما عبر من خلاله ذلك الرجل عن ذلك التصور التنظيمي – من بين ما اطلعت عليه - كان أيّام أعمال لجنة صياغة دستور 2011 بالمغرب، لما واخذ هيئة العلماء على عدم مطالبتها بتمثيلها في تلك اللجنة، بالرغم من أن تلك اللجنة كانت تضمّ إحدى العالمات من هيئة العلماء، ثم بُعيد إقرار ذلك الدستور واستمرار النقاش حول ملابسات صيغته النهائية. فبعد أن صرح قائلا: «إن أمير المؤمنين ليس عالما في الدين»، نبّه تنبيها قويّا إلى ضبابية وغموض كيفية حصول صفة العــــــــــالِـم، وعزا تلك الضبابية إلى تدخل الأجهزة الإدارية والأمنية للدولة بدل وجود هيئـــــة صوريـــة مهيكلة وذات آليــــــات تكوين/تشكيل واشتغال، واضحةٍ في معالمُها وأسس تشكيلها واختصاصاتها مما لم يسمه ولم يتحدث عنه؛ وذلك لما قال:
[لقد حصلت تطورات على الصعيد الدنيوي لمؤسسات الدولة، أي على المستوى التشريعي والسياسي، لكن على الصعيد الديني، هناك منعٌ لأي تطور. فمغرب ما بعد الاستقلال لم يكن فيه شيء يسمى بـ'الانتخاب': المُلك بالوراثة والباقي بالتعيين. أما الآن، فقد صارت هناك انتخابات على عدة مستويات؛ لكن الشأن الديني لا زال على ما كان عليه منذ قرون. بل أكثر من ذلك فلكي يُعيَّن شخصٌ ما عضوا في المجلس العلمي، لا بد أن يمر عبر 'الديستي' و'لادجيد' وما إلى ذلك؛ وفي النهاية تصبح الملاحظة التي يكتبها ضباط في الاستخبارات هي الحاسمة، وليس العلم والقدرة والكفاءة. لذلك أنا أطالب – وبعبارة أخرى يفهمها الجميع – بدمقرطة الشأن الديني؛ فهو ليس أقل استحقاقا للديموقراطية والشفافية ...] ("المساء": 22 أكتوبر 2012، ص7).
مشروع هذه الهيـــــــكلة الصــــــــوريـــــة لهيئة رجال الدين التي تميّزت بها الكنائس المسيحية منذ قرون، والتي مارست من خلالها الحكم في عمق الدول لعدة قرون، والتي للمذهب الشيعي نصيبٌ منها تنبثق عنه وظيفة آية الله على رأس الهرم، والمنعدمة كلية في المذاهب السنية، مشروع عاد إليه الأستاذ أحمد الريسوني في تصريحاته الأخيرة المشار إليها على إثر انتخابه كرئيس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين (مقتطفات من شريطِ حوالي ساعة، هــــنـــا: "لا نؤمن بفصل الدين عن السياسة، ومن لا يعجبه تمويل قطر فليتفضل، فأيدينا مبسوطة للجميع").
.
يبقى السؤال اليوم قائما حول دلالات سابقة انتخاب شخصية مغربية على رأس منظمة/اتحادٍ من حجم الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يوجد مركزه اللوجيستيكي اليوم بالمشرق، أفـيتعلق الأمر بمجرّد مسألة كفـــــــاءة شخصيّـــة، لا أحد يشكك فيها - كما يبدو أن الرئيس الجديد يعتقد ذلك - أم أن الشيء الحاسم في المسألة يكمن في حسابات أخرى ظرفية على ضوء تجربة ما آل إليه ما سمّي بــ"الربيع العربي" في المشرق والمغرب؟
محمد المدلاوي
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres