(EN ARABE) De Saleh Sharki à A. Tayeb Laalej
(1) Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis surARABE(Windows)
(2) نافذة التعليقات لا يظهر فيها الحرف العربي بشكله الصحيح بعد إرسال التعليق.
لقطتان من حياة رجلين رحلا وفي نفسيهما "شيءٌ من حتّى"
تماما كما لو أنهما تواعدا على أجل الرحيل بفاصل سنة بالضبط! فقد رحل الفنان صالح الشرقي يوم 21 نوفمبر 2011، ثم التحق به فنان فذ آخر هو أحمد الطيب العلج يوم فاتح ديسمبر 2012. كان الأول سلطان آلة أصيلة، هي آلة القانون، ومؤلفا موسيقيا، وباحثا في تاريخ الأغنية المغربية خلال القرن العشرين من حيث أنواعها، ومن حيث الهيكلة المؤسسية للأجواق المغربية، وتوالي وتطور الأنواع الغنائية المغربية. وقد ألف في ذلك ما لم يؤلفه غيره: ("المستظرف في قوانين الفن والموسيقى"؛ "القانوني في الموسيقى المغربية"؛ "أضواء على الموسيقى المغربي"ة؛ "الإيقاع والمقامات": ثلاثي، رباعي خماسي"؛ "جُـل تـرَ المعاني"؛ Musique marocaine ; Trio El-Moacili) الخ.. وقد كان الهمّ الأكبر عند صالح الشرقي، من خلال ذلك التأريخ المعتمد على المعرفة والتجربة الميدانية، هو رصد أوجه بروز أو تواري هوية الموسيقى المغربية حسب الفترات، ورصد ارتقاء أو تدني الذوق الموسيقي المغربي.
أما أحمد الطيب العلج فهو فنان عصامي متعدد أوجه الإبداع. فهو زجّال بارع، وقيدوم المسرح المغربي تأليفا وإخراجا وتمثيلا. إنه موليير المغرب، الذي وفر للعربية المغربية أوراق اعتمادها لعقود قبل أن يؤكد الدستور المغربي سنة 2011 ["على حماية اللهجات والتعبيرات الثقافية المستعملة في المغرب"] وعلى ["حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا"]، فأشرك الراحل، من خلال ذلك، الجمهورَ العريض في هذا الفن التمثيلي في صورته العصرية المهنية.
وفي باب النص المسرحي والزجلي، تميز أحمد الطيب العلج بحمل هم سكنه طيلة حياته؛ إنه هم لمّ شتات معجم وأساليب العربية المغربية من خلال الإصغاء إلى أدبيات الحلقة والمجدوبين والحكماء في حلقات الساحات العمومية ولدى الحرفيين، وتوظيف كل ذلك في مؤلفاته المسرحية والزجيلة، صونا له من الاندثار. إنه همّ الذاكرة اللغوية المغربية المغربية، تماما كما كان المرحوم صالح الشرقي مسكونا بهم الذاكرة الفنية المغربية عامة، والموسيقية منها على وجه الخصوص. فقد خصص صالح الشرقي في حياته بمنزله قاعة كبرى علوية ،إضافة إلى غرفة ملحقة بالحديقة، ضمـّـنهما عدة مئات من القطع المتحفية، ما بين تحف فنية عامة، وآلات موسيقية قديمة هي أحيانا لشخصيات بعينها، وصور فوتوغرافية أو زيتية لموسيقيين أو أجواق يعود بعضها إلى العشرينات من القرن العشرين. وقد دعاني رحمه الله في أبريل 2009 إلى منزله وكرّمني بزيارة متحفه المنزلي؛ وكان لا يفتأ، طيلة مدة تلك الزيارة، يردد على مسمعي تخوفه من أن يضيع، بعد وفاته، ذلك التراث الذي هو قطعة من قطع الذاكرة الفنية المغربية. وقد حرر رسالة أعطاني نسخة منها، كما وزعها على كثير ممن كان يتوسم فيهم غيرة على أعشار تلك الذاكرة، لعله يحظى بمجرد فضاء يعرض فيه تلك التحف لفترة من الزمن للتعريف بها قبل وفاته، إذ عسى أن يقيـّض ذلك بعض من يتولى انتشال تلك التحف من جرف النسيان. لكن، أعتقد بأن أي شيء من ذلك قد تم، وكنت قد حدثت شخصيا في شأنه بعض المسؤولين عن فضاءات العرض لكن بدون طائل لأن لعجلة الاهتمام الميدياتي والإعلامي محركات من طبيعة أخرى.
ومن غريب الاتفاقات أن المرحوم أحمد الطيب العلج، وفي إطار حرصه على صيانة نفس الذاكرة وترميم الرقع التي أصابها منها التلف، كان قد اتصل بي، بدوره، قبل بضعة أشهر فقط من رحيله، وذلك في شأن مسرحية متميزة أصيلة، قال أن مشروعها قد سكن باله منذ أكثر من عشرين سنة، وأنه قد قرر في الأخير حينئذ الاعتكاف على ذلك المشروع لإخراج تلك المسرحية إلى حيز النور قبل أن تباغته الوفاة، كما قال لي. إنها مسرحية تجري أطوارها حسب ما بين لي، في زمن مسرحي معيّن، ما بين مدن فاس ودبدو ومراكش. وكان الذي دعاه إلى الاتصال بي هو رغبته في أن أمدّه بنصوص من الصلوات اليهودية، مدونة بالحرف العربي ومصحوبة بترجمتها إلى العربية، وذلك لكي يتسنّى إدخال ما هو مناسب منها في نص تلك المسرحية لإضفاء نصيب من الواقعية الفنية، إذ المسرحية تتضمن مشاهد للجماعات اليهودية المغربية بمدينة دبدو، ويتمثل بطلها في فقيه مسلم قد تنكر لمدة معينة ولأسباب معينة في شخصية يهودي اعتنق الإسلام، قبل أن يعود إلى شخصيته الحقيقية. ولقد بعثت إلى المرحوم في الحين بما طلب عن طريق ابنه البار حفظه الله؛ لكن أعتقد مرة أخرى أن المرض، ثم الأجل، قد استقويا على مشروع الفنان المبدع.
كما أعتقد من جهة أخرى أن المرحوم، أحمد الطيب العلج، المتشبع بالثقافة المغربية بأوجهها المتعددة، والذي يحفظ فعلا مقتطفات من تلك الصلوات اليهودية بالضبط ،بفضل طول وحميمية عشرته مع مواطنيه من المغاربة اليهود في صباه وشبابه وكهولته - إذ أسمعني شخصيا كثيرا من تلك المقتطفات، والمتسم بالاعتدال في مضامين التواصل مع جمهوره حسب القدرات الوقتية لهذا الأخير، أعتقد أنه قد أدرك مؤخر،ا بحس الفنان العبقري الذي يتمثل روح عصره، أن التحول الفكري الذي ترجمه دستور يوليوز 2011 من خلال تأكيده على ["الرافد العبراني"] للهوية والثقافة المغربيتين، هو أمرٌ يترجم تحولا في الذهنية المغربية العامة بما يسمح اليوم برفع الحجاب، على المستوى الثقافي في الأعمال الأدبية والفنية، عن الرُقع التي تم طمسها كبتـا جماعيا لحين من الدهر في قرارة ذاكرة أجيال المغاربة، فقرر بناء على ذلك الإدراك أن يعمل، من خلال مشروع مسرحيته المذكورة، على أن يعكس المسرح المغربي وجه المجتمعَ المغربي على حقيقته التاريخية وبمختلف شخصياته الفنية الممكنة.
وإذا كنت قد تساءلت في الحلقة التي كنت قد خصصتها قبل سنة للمرحوم صالح الشرقي في نفس هذا العمود، عما إذا كان هناك من قد يتولى إنقاذ متحفه الشخصي من الضياع - وفي مثل ذلك تتمثل التكريمات الحقيقية بعد الممات، وليس في الاحتفالات التأبينية الخطابية - فإني أتساءل اليوم كذلك عما إذا كان هناك، من بين من يعنيهم الأمر، من المتعهدين والمدبرين للشأن الثقافي ومن ذوي الكفاءة الفنية، من يتولى ماديا وفنيا إتمام مشروع مسرحية المرحوم الطيب العلج حول الفقيه الفاسي الذي تهوّد في تنكر، وعاشر الجماعات اليهودية في دبدو، ثم عاد إلى فقهيته كمسلم من ذوي الجاه والمكانة في مراكش.
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres