(En arabe) Création lexicale en Arabe Classique et contraintes morphologiques
التوليد المعجمي والقيود الصرفية
(بمناسبة الاستعدادات للاحتفال بـ"اليوم العالمي للغة العربية")
1- اللغة العربية لغة طبعت بنياتِ كلماتِها، الصوتية والعروضية الصرفية وظائفُ الخطابة والشعر الموزون على أساس من عروض كمّي (أي عروضٍ قائم على التقابل بين المقاطع الخفيفة والمقاطع الثقيلة في حساب الأسباب والأوتاد والتفعيلات). وقد تمّت دراسات صنافية مقارنة بهذا الصدد منذ بداية الألفية، ليس هنا مجال استعراضها.
.
2- مع تغيّر مكانة وظائف الخطابة والشعر وتغيّر الإمكانيات العروضية لهذا النوع الأخير، بما في ذلك التحرر الكلي من القوالب العروضية لفائدة إبراز مكانة عناصر أخرى من العناصر الأخرى المميزة للنوع الشعري (تخيــيل، تصوير،...)، تطوّرت الخصائص الصوتية (ما يأتلف من الأصوات وما لا يأتلف في المفردة المعجمية) والصرفية (صيغُ الفعل والاسم) لكثير من اللغات في جدلية تعاملها مع الواقع الطبيعي والفكري/العلمي والاجتماعي القائم والمتجدّد، تأثرا وتأثيرا، حسب درجة انخراط اللغة المعينة في ذلك الواقع أو عيشها على هامشه وفي صلب تمثّـلات مفارِقة لم تعُد أسسها قائمة، أو ربّما لم تقم قطّ بقدرما هي تخييل أدبي في الأساس.
.
3- في إطار ما تمّت الإشارة إليه في النقطة-2 (تطوير الخصائص البنيوية)، تقوم معاجم اللغات المختلفة، بدرجات متفاوتة من السلاسة المكتسبة بفضل التطويع الذاتي لإمكانية البنيات التوليدية، بتوليد مئات المفردات الجديدة سنويا (أسماء وأفعالا) في معجمها العام، وآلاف المصطلحات العلمية في معاجمها المتخصّصة من جهية، ومطوِّرةً مداخلَ تلك المفردات المولَّدة في المعاجم، بما يقتضيه علم المعجمية لكل من المعجم العام من جهة ومعجم المصطلحات العلمية من جهة ثانية. ذلك التوليد يتمّ - حسب الحالات والحقول المفاهيمية - بمختلف أساليب التوليد المعجمي المعروفة في اللغات (اشتقاق صرفي عادي، ترجمة دلالية، استعمال مجازي لمفردة متأصلة في المعجم العام، تركيب مزجي تامّ أو مرخّم، تطبيع لفظي لمقترض من المقترضات اللفظية).
4- اللغة العربية الفصحى (أعني هنا عربية الإعراب وصرامة الصيغ الصرفية التي هي محصورة بالنسبة للاسم وللفعل باعتبار عدد ما هو مسموح به من الأصول والزوائد) لغةٌ قد حاولت، منذ أكثر من قرن ونصف (منذ ما عرف في تاريخ الأدب العربي بـ"النهضة")، وما تزال تفعل ذلك (لكن في مجرّد عفوية)، أن تنخرط في ما تمت الإشارة إليه في الفقرة-3 (أي توليد المفردات بما يقتضيه الانخراط في بنية الواقع القائم)، لكن دون توفُّـق كافٍ بالقياس إلى الاغتناء الهائل السريع للمعجم الكوني، عامِّه ومتخصِّـصه. ذلك راجع إلى استمرار سيادة قيم الملاءَمة الشعرية والخطابية كــقيم أساسية وظيفية لهذه اللغة، باعتبارها لغة بيــــان وبديع وقافية وعروض قبل كل شيء في ذهن مستعمليها، بالرغم من أن الشعر الحديث في مجمله فيها قد هجر العروضَ أو همّش قواعده الكلاسيكية إلى حدّ بعيد على الأقل. وإذا ما كان مستعملو هذه اللغة اليوم يجنحون عمليا - في عفوية دائما وفي غير تأسيس أكاديمي/تربوي - إلى تخلّص جزئي من الإعراب، في ما عدا المثنى والجمع السالم بالنسبة للأسماء أو علامة جزم الفعل المعتل، وذلك عن طريق تسكينهم شبه المنهجي لأواخرْ الكلماتْ، فإن قدرة استعمالْ هذه اللغةْ، على مستوى توليدْ المفردات المعجمية اللازمةْ للواقعْ الجديد القائمْ، ما تزال تفتقر كثيرا إلى ما يلزم من جرأة، بعد حصول المعرفة اللازمة.
5- فمن ضمن أساليب التوليد المعجمي العامة المعروفة المشار إليها في نهاية الفقرة-3، ما يزال استعمال اللغة الفصحى، على مستوى معجميها العامّ والمتخصص على السواء، يفتقد الجرأة اللازمة لتطويع قابليّاتها الصرفية من أجل استغلال الإمكانيات الهائلة التي تلجأ إليها اللغات، الحيّة بالفعل، بأسلوبي التطبيع اللفظي للمقترضات، وبالنحت والتركيب المزجي للمفردات مهما كان أصلها/مصدرها، كما حصل في العربية نفسها في فترة معينة من فترات تطورها، فترة الصياغات الصورية لعلمَي الاصوات والصرف الخاصَّين بها (ابن جنّي، ابن عصفور، الاستراباذي، ابن يعيش) وفترة صناعة أمهات المعاجم الكلاسيكية التي استقرأ واضعوها ما كان من قبل وما أنتجه كتّاب أجيالهم من مولَّـدات معجمية جديدة بمختلف أساليب التوليد في مختلف الحقول والمجالات.
وقد أصبحت صناعة معاجم العربية بعد ذلك - وفي ماعدا مجهودات المدرسة المعجمية اليسوعية التي واكبت إلى حدّ لا بأس به ما كان يروج في فترة جيلها من مستحدثات المفاهيم والمصطلحات، معرّبة إيّاه تعريبا لفظيا في أحيان كثيرة (تيليغراف، أوكسيجين)، ومحتضنة لكثير من المفردات العامية (كانو يشيرون إلى ذلك في المدخل بـ"عامية") الرائجة في حياة أهل الشام ومصر على الأقل – مغلقة مجمّدة. وبذلك ظل كمّ هائل مما راج ودرج في الاستعمال اليومي منذ عقود من الألفاظ المعربّة صحفيا وكتابة محترفة باقيا على هامش المعاجم العامة المروّجة تربويا وأكاديميا، بينما انصرفت كثير من الهيئات الرسمية المنغلقة على نفسها (في ما يشبه أوراش نجارة أو حدادة) إلى رصف أعمدة "معاجم مزدوجة اللغات" ما فتئت تتراكم، تقرّر من خلالها تلك الهيئات ما يتعيّن على مستعملي اللغة العربية استعماله ("نفجيٌّ" مثلا في مقابل pneumatique، وليس "نفخيّ"؛ أو "تبغيلٌ لغويٌّ " في مقابل hybridation linguistique، عوض "تهجين لغوي") بدل جرد وتقصّي ما حصل على مزية الاستحسان الرواج الاستعمالي ممّا لا تعتريه نقيصة عيب مفهوميّ أو بنيويّ.
6- زيادة على العامل الأيديولوجي المتمثل في إضفاء القداسة على اللغة العربية وعدم القدرة على التمييز بين دُنيويتها وقداسة النصوص المقدّسة، هناك عامل آخر، ناتج في الحقيقة عن العامل الأول. إنه الاعتقاد بوقفية بنية اللغة العربية وانختامية مشروعية مواصلة جهود الوصف والتشخيص المتعلقين بـقدرات بنياتها الصرفو-صوتية والعروضية بالقياس إلى مقتضيات تطور المنطق اللغوي الكوني العامّ في احتكاكه وتفاعله مع تطور بنيات المجتمعات وتطوّر المفاهيم والمعارف.
فعلى مستوى التشخيص مثلا، هناك غياب تام للوعي المعرفي بكون صرف العربية، كما هو عليه منذ قرون، يعاني اليوم على الخصوص من قيود صارمة على مستوى نظام الاشتقاق الصرفي الممكن في إطار ما هو قائم ومعترف به أكاديميا وتعليميا. نظام ينحصر في الصيغ الفعلية العشر (فعل، أفعل، فعّل، افتعل، انفعل، فعلل، ...) وما يشتقّ منها سماعا أو قياسا كصيغ مصادرَ وأسماء فاعل ومفعول، واسماء مكان وزمان، وصفات مشبّهة. هذه المشتقات ما بين أصل فعلي، وأصل اسمي، خاضعة في الفصحى لقيود في ما يتعلق بأقصى ما تكون عليه أصول المادة المعجمية عدداً: أربعة أصول بالسبة للفعل (مثل دحرج، شرذم...) وخمسة بالنسبة للاسم (مثل كنهبل، غضنفر...). يضاف إلى ذلك قيود أخرى على مستوى عروض الكلمة تتمثل في حظر التقاء الساكنين والبدء بالساكن (مثل "بْــلاستيك"، "تْـــرانزيت"، ...). هذه القيود مجتمعة، صرفيّها وعروضيّها تحدّ اليوم من طواعية هذه اللغة في باب التعريب اللفظي للمقترضات العلمية والثقافية العامة ذات الانتشار الكوني. فكلمة démoctratie/democracy بجميع تلفيظاتها عبر اللغات والتي عرّبت لفظيا في العربية بلفظ "ديموقراطية" وراجت على أوسع نطاق وبوتيرة ورود عالية منذ عدة عقود، ما تزال متعثرة صرفيا في إمكانيات اشتقاق الفعل ومصدره منها (démocratiser, se démocratiser, démocratisation, démocratisé)، وهذا مجرد مثال؛ وذلك بسبب كون أصولها (د.م.ق.ر.ط) تفوق الأربعة.
7- لا يتسع المجال في نص مثل هذا، يراد له أن يكون أخف ما تسمح به طبيعة قضايا الموضوع، كي يتمّ تفصيل القول في جميع هذه القضايا. يكفي أن نقفز، من بعض تشخيص الحالة هذا، إلى القول بإمكانية تخليص الصرف الاشتقاقي للغة الفصحى الدنيوية العملية من قيد حصريّة أصول المادة المعجمية الممكن الاشتقاق منها (على غرار إمكانيات اللغات الحية في مثال "démocratie" المشار إليه)، والإبقاء على مجرّد القيد العروضي المتمثل تجنّب التقاء الساكنين. هذا نظرا لأن الأسماء ذات الأصول الخماسية على الأقل جدّ متأصلة حتّى في الفصحى الكلاسيكية (زبَرْجَـدٌ ، كَـنَـهْـبَلٌ "نوع من الشجر" أوردته معلقة امرئ القيس، غَـضَـنْـفَـرٌ "أسد"،...). فلنفترض مثلا أن قائلا قال /اِكْـنَـهْـبَـلَـت الغابة/ بمعنى "اكتسَـت كنهبلاً"، أو /اغضنفرت الأجمة/ بمعنى "امتلأت آساداً"، فأين المشكل بالنسبة للعربية؟ بل، وعلى غرار فِعل بَـلقَـن/يُبلقِن/ البلدَ، فهو مبلقِن، والبلد مبلقَـنٌ بلقنةً (في إحالة إلى حروب البلقان) أو لبنَـن/يُلبنِن ... (في إحالة إلى الحالة اللبنانية)، ما الذي يمنع قائلا من القول، في حالة تلوث بيئي نووي: /اِهرَوشَم/ أو /اشْرَنبَل/ المحيط البيئي على إثر الحادثة الفلانية، في إشارة سيميائية إلى واقعتي هيروشيما وشارنوبيل؟ هذا القبيل من التصور والقول غير موجه طبعا إلى أمثال من أفزعَهم إدخال كلماتٌ من قبيل /البغرير/ و/السلهام/ و/القفطان/ و/البلغة/ إلى الكتاب المدرسي، فجزعوا جزَعا عظيما على تلويث اللغة وأشفقوا إشفاقا خوفا على نقائها. أما غيرهم ممّن يأخذ اللغة على ما هي عليه من حيث وظائفها (التي لا تهمّش الوظيفة العملية) طبيعة بينياتها الموصوفة وصفا صوريا، فإن مجرد الرجوع إلى أمثال المصادر السابقة الإشارة إلى نماذج بارزة منها (ابن جنّي، ابن عصفور، الاستراباذي، ابن يعيش، ...) كفيل بأن يعيد تحريك دينامية علمية جديدة في فهم وتجديد القوالب الصرفية للغة العربية. أما أول تفكير لي شخصيا في هذا الموضوع فيعود إلى سنة 2004 من خلال مشروع مؤسسة مقبور كان قد قدّم في ملف إحدى المباريات. انقر على الرابط الآتي:
PROJET DE DEVELOPPEMENT D'UN ETABLISSEMENT :
Institut d'Etudes et de Recherches pour l'Arabisation : 2004-2008.
(Fragment extrait d'un ancien dossier de candidature)
https://orbinah.blog4ever.com/gestion-de-la-recherche-sur-les-langues-au-maroc-ex-projet
.
8- أما الباب الآخر المهمّ، من أبواب تطويع اللغة ورفع قدراتها على صعيد التوليد المعجمي، فيتعلق بضعف خلق اللواصق التمييزية (préfixes modificateurs) التي تميّز المفاهيم الثنائية أو الثلاثية المدى المكاني، أو الزمني، أو الاتجاه، أو الضد، بالنسبة لبعض الصفات من قبيل ما هو معروف في كثير من اللغات من قبيل اللواصق الفرنسية مثلا (trans-, inter-, intra-, télé-, auto-, extra-, méta-, pluri-, anti-, ...)، التي خطت فيها لغة من قريبات العربية معجما وصرفا أشواط كبيرة، ألا وهي اللغة العبرية، التي تخلصت، في نفس الوقت، من القيود القديمة المفروضة على عدد الأصول مما تمت الإشارة إليه، كما تخلصت منها حتّى العربية المغربية الدارجة في توليداتها واقتراضاتها، كما تمّ تفصيل ذلك في كتاب صدر سنة 2019 "العربية الدارجة. إملائية ونحو: الأصوات، الصرف، التركيب والمعجم".
---------------------------------
محمد المدلاوي
https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres