OrBinah

(En arabe) Correspondances de forme à propos du mouvement des Gilets Jaunes

توازيـــــــــات وتناظـُـــــرات حِراكية نمطيّة

بمناسبة آخر تطورات حركة الجيليجون بفرنسا

-----------------------------

 

أولا: عرض بعض أوجه التناظرات الحراكيّة

تؤثث الشارع الفرنسي اليومَ قوتان متكاملتا الأدوار في المواجهة مع "السيستيم"/الجمهورية. هما: حركة الجيليجون وحركة "المخرّبون" (casseurs). القوة الأولى حصلت منذ البداية على شرعيةٍ وفرتها لها أدبيات طيف من السياسيين والمثقفين و"المحللين" المناهضين للسيستيم، بما أن الحركة، في حد ذاتها، لا تتوفر على أدبيات وليست لها هيئة مهيكلة. أما القوة الثانية، فأكثر براغماتية، ولا تبحث عن أي شرعية، وإنما تستفيد مما توفره لها الأولى من أطارٍ للعمل الميداني في تقاسم للأدوار من حيث إن الأولى تستـفيـــد، في إطار الضغط، ممّا تقوم به الثانية ميدانيا، ولا تـتحمل في نفس الوقت مسؤوليته ولا تدينه أبدا. وقد يكتفي منها البعض بالقول أحيانا بشكل عابر: "هؤلاء لا ليسوا منّا، لا يمثلوننا". وحتّى على مستوى المظهر والهندام، تتمايز الحركتان، ويساعد ذلك التمايز على توزيع الأدوار في إطار من الإبهام الذي يخدم الطرفين: لون أصفر فاقع وإسفار عن الوجوه والهويات الشخصية بالنسبة للجيليجون، واللون الأسود والحجاب/القناع بالنسبة لـ"المخربين".

هذا القبيل من الإبهــــــام الحـــــركي، الذي تمّ تلخيص أوجه اشتغاله في تركيز زمكاني بفرنسا في باب "الحِراكيات" القصيرة الأمد، له ما يناظره في العقود الأخيرة على مستوى الحِراكيات الطويلة الأمد في بعض أدبيات موضوع الإرهاب بصفة عامّة: تهيئة معنوية وأدبية لأطُـر العمل الميداني الملموس في تكامل في الغايات المتوخّاة، مع إمكانيات التملص من مسؤولية أيّ عمل شنيع في لحظة تمامه، دون إدانته، بل وبالتماس تبريرات له من خارج ذلك العمل في حدّ ذاته.

 أما هيئات الحفاظ على "السيستيم" (الجهازان التنفيذي والتشريعي)، فقد وجدت نفسها في ورطة ومتاهة حلقية/دائرية ما بين "ما هو لائق سياسيا"، باعتبار "الشرعية" المكتسبة المذكورة التي وفرها الخطاب العامّ لحركة الجيليجون في إطار وضعية سوسيو-اقتصادية وطنية وإقليمية وعالمية متناقضة، وبين مقتضيات قوانين الجمهورية وقيم أشكال الديموقراطية عامّة (الديموقراطية التمثيلية، والديموقراطية المباشرة بمختلف درجاتها). ومن باب المفارقة أن النتائج الميدانية الملموسة المتراكمة لمفعول التحالف الموضوعي بين القوتين المناهضتين المذكورتين، تدفع من جهة إلى إعـــــــــادة التفكيــــــــر في أسس "السيستيم"، سياسيا (نوعية بناء المؤسسات) وسوسيو-اقتصاديا (توزيع الثروة عموديا وأفقيا)، بينما تــدفع من جهة ثانية وفي نفس الوقت نحو الجنوح إلى تقوية أكثر للسيستيم من الناحية السياسية على الأقل (قرارات وقوانين حماية النظام الجمهوري من جنوحات التسيب والتخريب). هذا الجنوح يعبر عن نفسه عادة بانتظار "المنــــــقـــــذ" الذي "يأخذ الأمور بيد من حديد".

ومن المفارقات الأخرى في هذا الباب أن الرئيس ماكرون، الذي استقطب كلّ السخط خلال حراكيات الجيليجون (المطالبة بالاستقالة)، كان هو نفسه قد برز في الساحة بشكل مفاجئ كـــ"منـــــقذ" حازم "ديكًولي/نابوليوني النزعة" يقطع مع الطبقة السياسية المترهلة ويقوي مؤسسة رئاسة الجمهورية قصد تجاوز تباطؤات مسطريات مؤسسات السيستيم في التعامل مع الديناميات السريعة الجديدة (وقد سبق لي أن أشرت إلى هذه الملامح "الديكولية"/"النابوليونية" في الأسابيع الأولى لانتخاب الرئيس وعلوّ شعبيته سنة 2017). إنه الوجه الملموس لما يسمّى بـ"التناقض الجدلي" في لحظة من لحظات التاريخ: الإرادة الجمعية لشيء يفضي إلى نقيضه.

 

 

ثانيـــــا: أيديولوجية "تامّــــــارا" كثابت من ثوابت "الحراك"

أشرع أولا بنكتة: كنت أقطن سنة 1984 بساحة الكولونيل فابيان بباريس، أثناء تحضيري لدكتوراه السلك-3. زارني صديقي العزيز، عبد السلام أرخصيص، الذي كان يسكن في الضاحية. خرجت به للقيام بفسحة في حديقة "بيت-شومون" القريبة. استرعت انتباهه في طريقنا بناية كبرى بيضاوية شكل المعمار وسط حديقة مخضرة. شرحت له: "هاداك راه ماقرّ الحيزب الشيوعي؛ يلا بغيتي تسلّم على الرافيق جورج مارشي ...".

توقّف زميلي في الحين مستغربا: "تّــراخّ يا ودّي تّراخّ على حيزب البروليتاريا بهاذ السوبّير-لوكس ...". توقّفت بدوري في الحين معقّبا عليه بعنف وسرعة لكن في ممازحة: "وا مال ملّــتكوم، نتوما هاذ صحاب إيـــــــــديولوجيــــة تـــــامّـــارا؟ كا تبجّلو غير الزلط والوسخ؛ وعندكوم حاساسيّة موفريطة معا جميع وجوه النقاوة، والخير، والفن"...". تضور ضاحبي بالضحك مقهقها، كما لو أن الفكرة كانت ثاوية مكبوتة ذاتيا لديه ... (للتوضيح: لم أكن حينئذ "بورجوازيا صغيرا". أقضي الشهر بنصف مرتبي كأستاذ متفرغ حينئذ: 1600-د، أدفع منها 800-د كثمن كراء بباريس، والنصف الآخر متروك لزوجتي وابني في المغرب يؤدى منه 700-د كثمن للكراء).

هذه الأيديولوجية، أيديولوجية تــــــــامّـــــــارا، ليست مقصورة على جيل مناصرة "البروليتاريا والفلاحين الصغار وجميع الطبقات المسحوقة ... ضد الطبقات السائدة المستغِـلة في إطار النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي ...". فزيادة على مختلف تجليّات مفعولها، تحت شعارات متجددة تختلف حسب الزمان والمكان، قد عبرت عن نفسها في حراك الجيليجون عبر تحالفه الوظيفي الموضوعي مع عنصر "المخربين" في فرنسا، وفي العاصمة باريس خاصة. فإضافة إلى رموز الجمهورية (قوس النصر، قصر الإليزي، ...)، تمّ اختيار كل مظاهر الــــــــــرفاه والترفيه في العاصمة الفرنسية، المتركزة في شارع الشانزيليزي، لتكون هدفا منتقىً للتخريب والإحراق و... النهب في نهاية المطاف. ويأتي اليوم في المقدمة، مقهى/مطعم لوفوكي الشهير (Le Fouquet)، الذي فعلت به أيدي شعب "جامهاروش" الفرنسي ما لم يُفلح مالُ النفط أن يفعل به قبل عشرين سنة. وأختم هذا النص بمقتطف من نص يعود إلى عشرين سنة حول هذه المعلمة السوسيو-ثقافية التي صنفت ضمن المآثر الوطنية الفرنسية:

 

المقتطف (في إطار حديث عن الحفاظ عن المآثر التاريخية بالمغرب):

[[... فليس في هذه الديار أمثال "أصدقاء مقهى Le Fouquet" (رقم-99؛ شانزيليزي، باريس) الذي ما أن راجت أخبار تفويته يوما لأحد الأثرياء العرب، الذي كان سيقيم على أرضيته ناطحة سحاب زجاجية، حتّى هبّ زبناؤه من كتّاب وفنّانين، وكاتبات وفنّانات، فشكلوا "جمعية أصدقاء لوفوكي"، التي نصّبت نفسها طرفا مدنيا، وطرحت القضية أمام العدالة التي انتهت بالحكم بإحصائه ضمن رصيد التراث الوطني من المعالم التاريخية والثقافية، واضعة الملكية والمصلحة الشخصية في إطار الحدود التي يسطرها القانون؛ وبذلك تحول حكم الإعدام إلى عقد ولادة جديدة ...]]. (محمد المدلاوي: 1999. عن الذاكرة والهوية: التاريخ والمتخيل. سلسلة "شراع" العدد-64؛ ص:72-73).

--------------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



17/03/2019
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 345 autres membres