OrBinah

(EN ARABE) Constitution et question linguistique (le cas de l'Amazighe)

 

حول مطلب دسترة المسألة اللغوية

(حالة اللغة الأمازيغية)

محمد المدلاوي المنبهي

 

 

 

من أوجه الاستسلام لذهنية البداهة الاعتقاد بأن الوجه الوحيد لتناول المسألة اللغوية في مجتمع تعددي في إطار مناقشة مشروع الدستور هو البت في سؤال "ما هي اللغة الرسمية؟ (الأولى، وما هي الثانية أو الثالثة، الخ.)". هذا الصنف من الأسئلة ليس قدريا لا بحكم القدر، ولا بحكم المنطق، ولا بحكم الواقع، ولا بحكم روح الديموقراطية على وجه الخصوص. ولبيان ذلك، هذا مقتطف، مع تحيين طفيف، من حوار كان قد أجراه معي الأستاذان، حفيظ اسماعيلي وامحمد الملاخ (كلية الآداب، اكادير) سنة 2005 لفائذة مجلة  "قراءات" (عدد 2-3 (خريف 2005) ص: : 108-124)، وكنت حينئذ باحثا بمركز التهيئة اللغوية بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.

 

ســــــؤال:

يسود اليوم مطلب"دسترة" اللغة الأمازيغية لدى عدد من الجمعيات الأمازيغية المغربية. هل من إضاءة وتنوير بهذا الخصوص؟

 

جـــــــواب:

 أرى شخصيا في أمر هذا المطلب مجرد هروب إلى الأمام أو إلى الخلف من طرف كل الذين هم فيه مختلفون،  ممن يفضل افتعال "الخلاف العالي" في باب السياسة، ثقافية كانت أم غير ثقافية، وذلك تهربا من تحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية على مستوى التدبير اليومي الملموس. هذا الجنوح الذي يتخذ طابعَ التعجيز من جانب المُطالب، وطابع التهويل من الجانب المقابل، والذي لا يميز لدى كلا الطرفين بينالمبادئ الدستورية المقاصدية من جهة والقوانين الإجرائية من جهة ثانية، ولا يولي أي دور لعامل الظرفية والزمن في تحديد المعالم المرحلية للتدبير والسياسة. إنه جنوحٌ غير مقصور في هذا البلد على ملف الأمازيغية. إن هناك من يهرب راكبا رأسه فيرى بأن كل النقائص في تدبير الأمور في الميدان، وفي تصفية الملفات، وفي الأداءات الحكومية والبرلمانية والقضائية، وفي العلاقة بين هذه المؤسسات وبقية مؤسسات الدولة، وحتى في باب  الإنجازات الإدارية العادية المتعلقة بفك أَسْر الملفات "المعـتـقـلة" (ملفات إهدار المال العام والإفلات من العقاب) أو بتحريف مضامين أو مسارات ملفات أخرى مثل ملف الأمازيغية، تعود إلى ثغـرات في الدستور أو عيوب في هندسته، وأنه يكفي ملء تلك الثغرات وإضافة بعض المواد أو تغيير أخرى في الدستور لتنـطلق المبادرات الخلاقة، وتفك الملفات من أسرها، ويختفي الفساد الإداري واللاحكامة، فـنـرى من حين لآخر هذا المسؤول أو ذلك مثلا يقدم استقالته من منصب التكليف والمسؤولية السياسية أو الإدارية حينما تكون قد واجهته عراقيل "تتجاوزه"، ويلج المغرب باختصار بوابة الحداثة.

فهل غاب عن هؤلاء بأن أعرق الديموقراطيات في العالم، ألا وهي المملكة البريطانية، لا تتوفر على دستور مكتوب، وأن قوانينها إنما تستمدمن مواثيق أخلاقية عـُرفية أُشربَـتها الذهنية البريطانية كقيم أخلاقية لثورتها الفكرية عن طريق التربية أولا، وتتحكم بذلك في سلوك المواطنين، جماعات وأفرادا بدءا باحترام قانون السير في غير حاجة إلى رؤية رجل شرطة وانتهاء بمعالجة الملفات الكبرى. فهل يعود عدم احترام قانون السير إلى ثغرات في الدستور؟

 

لقد عدت يوما إلى ديباجة دستور الولايات المتحدة، فلم أجد فيها أي تحديد لأمور الهوية أو الهويات (لغة، دين، مذهب، إثنية)، إذ اكتفت تلك الديباجة بإعلان المقاصد الكبرى لإرادة وعبقرية للأمة. وهذا لا يعني أن المسألة اللغوية مثلا غير مطروحة اليوم في هذا البلد؛ فـ"حركة الإنجليزية لا غير" (English-only Movement أو Official English Movement) القائمة منذ بداية القرن التاسع عشر في وجه اللغات الأخرى، من فرنسية وإسبانية ولغات أصلية، يعكس جيدا حدة المسألة. ولكن أمر ذلك متروك هناك للتداول والتدبير في الميدان حسب معطيات الجهات، وحسب التطورات الديموغرافية في بلد جوهره بوتقة التعدد (melting pot) وحسب منطق التدافع الديموقراطي، بدل أن يُـقضى فيه الأمر سلفا على مستوى الدستور ويغلق بذلك باب النقاش الفكري في جدلية مع حيوية الواقع، على غرار ما يحاول أن يفرضه من يستنجد اليوم بسلاح الدستور ليحسم أمر تدافع نقاش فكري تعددي قائم، حتى قبل إنضاجه ثقافيا في الأذهان، بدعوى الحرص على "حماية اللغة العربية من التلوث" عن طريق تجريم من لا يستعملها هنا أو هناك، أو "حماية اللغة الأمازيغية من الانقراض" وتجريم من يناهضها هنا أو هناك تجريما بمقتضى الدستور.

ليس هناك إلا النموذج اليعقوبي الفرنسي، من بين النماذج الدستورية التي اطلعت على ديباجاتها، مما نص على عينية لغة الأمة؛ وهو إنما يعكس، مع ذلك، واقعا قائما في الميدان إلى حد بعيد، وإن أصبح اليوم واقعا متحركا من جديد في أفق الاتحاد الأوروبي الذي صوت الشعب لصالحه من جهة، وعلى ضوء التغييرات الإثنية للمجتمع الفرنسي في العقود الأخيرة، مما جعل كثيرا من اللغات تجد مكانة معينة في النظام التعليمي الفرنسي الحالي في إطار ما أصبح يسمى بـــ "Les langues nationales en France". أما دستور بلد آخر مجاور، ممن قد دخل اليوم نادي الديموقراطية، فلم ينص دستوره يوما على عينية لغة معينة للأمة على سبيل الحصر الذي يفيد منطقيا الإقصاء في نفس الوقت، وذلك مند أن شرع هذا البلد في تجريب سُـنّـة الدساتير؛ وكان ذلك بدوره أخذا منه بعين الاعتبار لما هو قائم وواقع، أي واقع التعدد اللغوي، وتاركا تدبيرَ شأن ذلك الواقع التعددي للتدبير على مستوى التدافع الديموقراطي الطويل الأمد، الذي تكفلت فصول ذلك الدستور ومواده بتحديد مقاصده والآليات الإجرائية لبلوغ تلك المقاصد؛ ذلك أن الدستور في جوهر مفهومه، إنما ينص على المبادئ والمقاصد الحقوقية الكبرى وعلى آليات ضمان تحقيقها، وليس مدونه قانونية؛ أعني هنا بلد إسبانيا. فدستور الجمهورية الاسبانية لسنة 1936، وهي الجمهورية الشعبية مع ذلك، لم يتخذ، في ديباجته، من الواقع اللغوي المتعدد لإسبانيا، موقفا توجيهيا محسوما (dirigiste) في اتجاه أو في آخر، وإنما ترك أمر تدبير ذلك الواقع التعددي للتداول على هدي المقاصد ووفق الآليات التي وضعها الدستور نفسه. أما الدستور الحالي  للمملكة الاسبانية المصادق عليه سنة 1978  فإنه يؤكد صراحة وبشكل موجب ذلك التعدد اللغوي ويكرسه ويحميه من حيث مبدئيته، وليس بالنص على عينيّات اللغات المكونة له، وعلى وتراتبـها، من لغات جهوية بخارطة معلومة، وأخرى وطنية فقط، وأخرى رسمية أولى، ورسمية ثانية، إلى غير ذلك من الطوطاليطاريات الممكنة. تقول ديباجة ذلك الدستور، في سياق استعراض الضمانات الكبرى للمواطنة المتوخاة التي يضمنها الدستور:

"Proteger a todos los españoles y pueblos de España en el ejercicio de los derechos humanos, sus culturas y tradiciones, lenguas e instituciones".

أي ما معناه:

» حماية كل الأسبان وكل بلاد/شعوب إسبانيا في ممارستهم لحقوق الإنسان، ولثقافاتهم، وتقاليدهم، ولغاتهم، ومؤسساتهم«.

 

هكذا نرى أن دساتير أغلب الديموقراطيات العريقة  تركز ديباجاتها على الأهداف والمقاصد الكبرى للمواطنة بدل الاستعراض النرجسي لملامح هوية متصورة سلفا مما لا يمكن أن يصاغ إلا بثمن إقصاء أوجه أخرى متصورة للهوية. فلا نتصور أن نجد في ديباجة الديموقراطيات العريقة ما يفيد مثلا بأن الشعب الفلاني جزء من الأمة الأنكلوساكسونية أو من الأمة اللاتينية، أو ينتمي إلى الحضارة الإغريقية اللاتينية، أو يستمد تشريعه من الأسس المسيحية، الخ. وحدها الديموقراطية الإسرائيلية، التي لا تتوفر على دستور مكتوب مثل الإنجليز، تسن قوانين تحيل على الإثنية والدين.

فبدل الاستعراض النرجسي لملامح هويات لا حدود لها في عالم الإثنيات والملـّـيات بمذاهبها الفرعية، تنصرف ديباجات تلك الدساتير بالأحرى إلى إعلان المقاصد الكبرى لتدبير شأن المدينة بينما تنصرف فصولـُها وموادها إلى رسم هيكل دواليب الحكم في المدينة وتحديد آليات تدبير السلط بالشكل الذي يُـعتـقــَد بأنه كفيل بتحقيق تلك الغايات والمقاصد.  ومن هذا المنطلق يكون من الأجدر، في هذا الظرف بالذات من ظروف تطور المجتمع المغربي ألا ينص في ديباجة الدستور، فيما يتعلق بالمسألة اللغوية والثقافية على الخصوص، إلا على ما حصل عليه اليوم تعاقد ضمني شبه تام، هو ثمرة عقود من الحراك الفكري، ألا وهومبدأ التعددية باعتباره واقعا قائما تم اليوم استيعابه في الوعي الجمعي على مستويات السياسة والفكر والثقافة ويتعين تكريسه وحمايته بالنص المرجعي الأعلى كواقع وكمقصد من المقاصد في ذات الوقت؛ مع التنصيص ضمن تلك المقاصد على العمل على ترقية وتأهيل اللغتين الوطنيتين (العربية والأمازيغية) لاحتلال المواقع اللائقة بكل منهما باعتبارها لغة وطنية وعمق ثقافي حضاري تاريخي وأداة من أدوات تدعيم الشخصية المغربية، وترك تحديد الآليات التدبيرية الكفيلة بتحقيق ذلك التأهيل، حسب جدلية تفاعل معطيات الواقع من جهة وآفاق المقاصد وقوة الفعل من جهة ثانية، لتكون ميدانا للتنافس الفعل الديموقراطي عبر البرامج  السياسية التي تتقدم بها القوى السياسية أمام الشعب للحصول على أهلية تشريع القوانين في الهيئات التشرعية وممارسة الحكم في الجهاز الحكومي ممارسة تَساءَل عليها دوريا. ولهذا التصور اليوم معنى أكثر مما كان له بالأمس، وذلك في أفق هندسة الدستور الجديد الذي القائمة على توزيع جديد للسلط (مؤسسات البرلمان، الوزير الأول، الحكومة) على أساس من المشروعية الانتخابية التي تنبني عليها لزوميا المسؤولية والمساءلة. فلن يكون حينئذ لمسؤول أن يفلت من المساءلة بدعوى أنه "مغلوب على أمره"؛ لأن من يمارس السلطة التنفيذية أو التشريعية بانتداب من ناخبيه على أساس برنامج تقدم به، يستقيل عندما تختل أسس السلط وتتداخل بشكل يجعله "مغلوبا على أمره"، وذلك بدلا أن يتشبث بالمنصب في حد ذاته ويسجل المسؤولية ضد مجهول.

وأخيرا، يحق أن نتساءل: ماذا تحقق مثلا للعربية، في مواجهة نفوذ الفرنسية، من تنصيص الدستور الحالي وسابقيه منذ عقود على أن اللغة الرسمية هي اللغة العربية؟ ما ذا تحقق مما عدا الإقصاء المترتب عن ذلك التنصيص للغة وطنية أخرى هي الأمازيغية؟ فما عسى أن يتحقق للأمازيغية غدا إذا ما تم النص عليها في الدستور كلغة رسمية على الصعيد الوطني، وهي التي لم تتأهل بعد في وجهها الموحد، الذي هو رهين بالسياسات العمومية الملموسة وبالحركية الثقافية والمدنية؟ لن يتحقق لها أكثر مما يحصل من حين لآخر، حينما يرفع أحد المحامين أو إحدى الجمعيات مثلا، باسم الدستور، وفي غياب قوانين، دعوى ضد شخص أو هيئة تكون قد كاتبته أو كاتبتها بهذه اللغة أو تلك مما هو مناف للدستور دون أن تكون هناك قوانين تحدد التحملات والإلزامات والآليات والجزاءات في ذلك الباب.



25/03/2011
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 345 autres membres