(En arabe) Blocage d'une frange d'intellectuels
عَطـَالة وبلوكاج جيل مخضرم من المثقفين
تطورت قنوات ووسائل الاتصال، وتغيرت علاقات التواصل بسرعة فاقت بكثير السرعة المتوسطة لتوالي الأجيال. وقد نتج عن ذلك عطالة وبلوكاج جيل كامل من شريحة ما يعرف عامة بفئة "المثقفين" حيث أصبحت القنوات التواصلية المعهودة لهذه الشريحة على حين غرة (منابر في الفضاء الفيزيقي، نشر صحفي ورقي، مجلات وكتب ورقية) قنوات غير سالكة.
وإذ تكيف بعض أفراد هذه الشريحة إلى حدّ ما، عن طريق إعادة التكوين على الصعيد التقني، مع القنوات والوسائط المستحدثة في الفضاء التقديري (مواقع تواصل اجتماعي، مجلات إليكترونية، مدوّنات شخصية، الخ.)، فقد وجد ذلك البعض فيها العلاقةَ بين المرسل والمتلقّي قد تغيرت قواعدها وأسسها نوعيا بشكل جوهري. فلم يعد الخطاب وحيد الاتجاه بمقتضى الضرورات التقنية السابقة (زمنية النشر الورقي) والقيود إدارية وشبه إدارية السابقة في تصريف التواصل والتبادل (لجن تنظيم الندوات وهيئات التحرير المنشورات، بمقاييسها المختلفة التي تتراوح ما بين الاعتبار الأكاديمي واعتبارات علاقات التعارف أو الزمالة المباشرة).
في الوضع الجديد، أصبح المرسل في علاقة مباشرة مع المتلقّي، الذي أصبح عنصرا فاعلا بشكل مباشر ولم يعد مجرد عنصر منفعل. إنه ما يسمى بـ"دمقرطة الكلمة" التي غالبا ما تتحول بحكم منطقها الداخلي إلى ما يمكن تسميته بـ"شعبأة الكلمة" (من "الشعبوية). كل هذا قد غيّر القيم التقليدية التي كانت قائمة وسائدة ما بين "المثقف/المفكر" وبين مطلق "يا أيها الناس". فهو لم يعد ذلك "المعلم الأول" بدرجة أو بأخرى، الذي يكتفي الجمهور بتلقّي أفياضه ليستشهد بها في الأحاديث العامة أو ليقارع بها أفياض "معلم أول" منافس من اختياره في إطار ذهنية "الشيخ والمريد". إن الفرد من الجمهور "يجرؤ" اليوم، بفضل الإمكانيات التي يوفرها كثير من أطر التواصل الحديثة عموما، من المناقشة التفاعلية المباشرة (المتهافتة في كثير من الأحيان)، من دون وسيط تنظيمي أو إداري، مع المثقف/المفكر، الذي أخذ يفقد شيئا فشيئا صفة "المعلم/الشيخ".
ثم إن كثيرا ممن كان قد تعود على وظيفة "المعلم/الشيخ" ضمن من تأقلموا تــقنيّــا مع الأطر الحديثة للتواصل، قد وجد نفسه، مع هذه المستجدّات، في وضعية يتمثل فيها الوضعَ الجديد كوضع "تدهورت فيه القيم" واستحالت إلى فساد؛ ففضل أن "يعتزل" اعتزال من يترفع بنفسه، وأن يكتفي بمراقبة ما يجري في العالم التواصلي التقديري، من وراء قناع وحجاب (على غرار تحملق في أوجه الناس ولا تُرى وجهها): بعضهم يتخذ أسماء مستعارة؛ وبعضهم يتخذ صورا من الطبيعة أو من التجريديات؛ وحتّى من يسفر عن هويته منهم، يستنكف من قبول التفاعل مع "الوافد الجديد" الذي استفاد من "تحرير الكلمة".
مهما تكن صعوبات التأقلم الفكري والثقافي (وليس التقني فقط) لذهنية بعض المثقفين مع هذا الواقع الجديد لأطر التواصل والتبادل، فإن وضعية البلوكات و"التيقاف" ليست قدرا محتونا، وإن مواقف الاعتزال/الترفّع، بمختلف أشكالها ودرجاتها، تمثل في النهاية إهدارا كارثيا من طرف هذا الجيل المخضرم لإمكانيات تقديرية هائلة من القيم المضافة على صعيد التطوّرات السريعة التي يشهدها المجتمع.
محمد المدلاوي
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres