OrBinah

(EN ARABE) Autobiographie de Mohamed El-Omari (nouvel ouvrage)

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)

الجديد في باب السيرة الذاتية

القسم الثاني من سيرة محمد العمري

   

تقديم عام

تـتـميز المجتمعات الفتيّة، اليقظة والمتوقدة، التي تعيش عصرَها بكافة أبعاده وآفاقه، وليس عصرا وزمانا آخرين تقيس عصرها عليهما قياسا فاسدا، تتميز تلك المجتمعات بقدرتها، من خلال وظيفة الكفاية التي يُغنِي من خلالها البعضُ عن الكل، على التقاط الإشارات الدالة في الجيل، وعلى عدم ترك مثل تلك الإشارات تخفت أمام أبصارها الشاخصة، فتستغرب بعد ذلك أجيالُ الخلـَف كيفَ وقع أن لم يحرك رادار فطنة السلف ساكنا على شاشته بشأنها، فتتأسف تلك الأجيال على فرصة أضاعها السلف ويؤدي الخلف عواقب ضياعها.

يصدق على الأمور هذا في كافة مستويات وأوجه وظائف المدينة (سياسيا وسوسيو-اقتصاديا، وعلميا، وإبداعا). إلا أن معكوس حالة هذه اليقظة والقدرة على التقاط الإشارات الدالة، كثيرٌ كذلك في التاريخ؛ ولو لم يكن الأمر كذلك، لما انحطت مجتمعات بعد رقيّها وتألقها، وذلك بالرغم من الاستمرارية السلالية الطبيعية للأجيال وتداخلها في الزمان والمكان

لقد قدّر جاك بيرك في هذا الصدد عن أبي الحسن اليوسي – ومهما كانت درجة صواب تقديره – بأن فكر اليوسي كان قد دشن في مغرب جيله بوادر "عصر أنوار" بلون مغربي، مواز في الزمن لـ"عصر الأنوار" في أوروبا، إلا أن منطقا معينا قد حكم على بوادر أنوار فكر اليوسي بالتواري في حينها خلف سحب نقع عواصف جيله، ذلك الجيل الذي شكل، قبل غيره من الأجيال، الحلقة المنفرطة الأولى التي ترتب عن انفراطها انقطاع سند علم اليوسي ونظرائه، إلى أن اكتشفه الغرب، بفضل استمراره في مسيرته الأنوارية، وبقي لحد الآن الطرف الوحيد الذي يحتفظ لليوسي ولأمثاله، بكل جدية وبدون "تقيّة" في غير محلها، بالمكانة التي يستحقها في حظيرة تطور الفكر الكوني، تماما كما حصل مع آخرين أمثال ابن رشد، وابن خلدون، وحسن الوزان؛ وغيرهم كثير.

مصير أمثال هذه الفرص (السياسية والجيو-سياسية والمعرفية والروحية والإبداعية) الضائعة في الجيل من الأجيال، تتضافر في رسمه عدة عوامل؛ أهمها عاملان اثنان:

ü     حالة ميزان القوى في مجتمع الجيل المعين على مستوى الأطر الفكرية (سياسيا ومعرفيا وروحيا وثقافيا) ما بين مختلف درجات أوجه أُطـُر السكون والمحافظة والقدرية من جهة، ومختلف أوجه أطر الحركية والدينامية في اتجاه الإبداع والتجديد في إطار مسؤولية الاستخلاف من جهة ثانية،

ü     مدى قوة الشحنة العاطفية والديناميكية الفعلية للعنصر البشري الحيّ على صعيد التدافع الحي الملموس في الواقع الملموس لدى ممثلي كل من إطاري تصريف التفكير الجمعي والفردي، أي أطار السكون وإطار الحركية.

فالذي يحدث حينما يتجه منحني تبدّل الأحوال بشكل دراماتيكي حادّ في اتجاه معين من هذين الاتجاهين، على صعيد معين من مستويات شأن المجتمع في جيل معين أو بين جيلين، هو أن فريقا فكريا معينا يتعامل في حلبة التدافع الملموس مع الإطار الفكري الذي يؤمن بصوابه تعاملا يؤطره "تاكتيك" ما يسمى بـ"التقيّة" و"الإرجاء"، ذاك الذي صاغه الأقدمون في عبارة [قلوبهم مع علي، وسيوفهم مع معاوية]، وذلك في إحالة إلى واقعة تاريخية معينة.

وبما أن الأمر لا يتعلق هنا لا بزمن الحرب ولا بعقليتها، اللذين صيغت في إطارهما تلك العبارة التصويرية، فإن الصيغة العامة الجامعة لسائر الأوجه التاريخية العينية هي أن يقال: [قلوبهم وعقولهم مع "س"، ومواقفهم اليومية الملموسة، قولا أو فعلا أو صمتا، مع نقيض أو معارض "س"، وذلك بناء على مضاربات تقدير الربح والخسارة المباشرين للأفراد والجماعات في الحلبة].

فليس صحيحا إذن أنْ لم يكن لكل التشييدات الفكرية والإبداعية التي لمعت في جيل من الأجيال ثم خبت في حينها مَن يسكنُها وتسكنُه في نفس الجيل مما عدا من صاغ معمارها، وكأن هذا الأخير ينبثق من عدم. فمثل هذا التصور منافٍ لمنطق ظهور الأفكار ولمبررات عمل أصحابها على صياغتها بلغة الجيل وبمصطلحاته المشتركة الرائجة، قصد تبليغها لمتلقٍ موصوف وواضح المعالم في ذهن من صاغها. 

هذا بمناسبة صدور "زمن الطلبة والعسكر"

محمد العمري، الذي أصدر في شهر مارس الماضي (2012) القسم الثاني من سيرته الذاتية بعنوان "زمن الطلبة والعسكر" بعد سنوات من صدور القسم الأول "أشواق درعية" ليتوج بذلك حصيلة ثلاثين سنة من البحث العلمي (سلسلة من الكتب حصل من خلالها على جائزتين: وطنية وأجنبية)، والتأطير الأكاديمي (سلسلة من الإشرافات ووحدات البحث والتكوين)، والترويج الثقافي في عالم النشر (مجلتان: "دراسات أدبية ولسانية"؛ دراسات أدبية سيميائية ولسانية")، والنضال السياسي والنقابي الذي خبر بسببه عالم السجن وعاش تجربة التوقيف عن العمل، هو بالضبط من يصرح في مسالك مختلفة من "زمن الطلبة والعسكر" بأن الطريق الضيق الصعب الذي سلكه أمثال الطاهر الإفراني وأبي الحسن اليوسي ما يزال يلهم ويذكي الحماس ويوفر الطاقة اللازمة لسلوكه من شيء ومن لا شيء. 

نظرات في "زمن الطلبة والعسكر"

لا يُنتظر أن يتفق الجميع وبإجماع مع كل أحكام الأستاذ العمري ومواقفه على هذا الصعيد أو ذاك، وفي هذه المسألة أو تلك، أو هذه الواقعة أو تلك؛ وهذا أمر طبيعي جدا ما عدا في المجتمعات والأطر الفكرية التي لم ينبثق بعدُ فيها مفهوم الفرد وقيمة الشخصية كبعد أساسي من أبعاد هوية كل عضو من أعضاء المجتمع، أي المجتمعات العشائرية مهما كانت أوجه تجلياتها. لا ينتظر ذلك إذن، خصوصا وأن صاحب هذه السيرة لا يلف لفّا ولا يدور حول المِرجل كما يقول الفرنسيون. ثم إنه قد كتب كل شيء في سيرته الذاتية بضمير المتكلم، فزاد وسمّى عشرات وعشرات من الشخصيات التي ورّطها أو ورّطته، أو تورط معها أو تورطت معه، بأسمائها كاملة كما هي في الحالة المدينة، ومهما كانت منازلها ومكاناتها، وذلك فيما عدا حالات نادرة جدا يرمز إليها برموز جبرية. وفوق كل هذا، يستمد بطل السيرة الذاتية إرادة الحياة التي بها اخترق ما اخترق، وطاقة المقاومة ضد محيط شديد المعاكسة ولا يرحم، من سيكولوجية قال عنها بنفسه بأنها نظير سيكولوجية شاعر النقائض المشهور جرير ("ويظهر أني على مذهب هذا الشاعر وسيكولوجيته"؛ "إني أُظـلـَم، ثم لا أعفّ").

لكن، إذا ما وضعنا هذه السمات والمميزات الأدبية والسيكولوجية جانبا، ونظرنا إلى العمل كإنجاز ثقافي، سنجد أنفسنا أمام مُجمّع رحب من مناجم خام لطيف واسع من معادن صافية للمعارف المتعلقة بالمجتمع المغربي. فإذا ما أحللنا متغيراتٍ من قبيل 1، 2، 3، الح. أو من قبيل "أ"، "ب"، "ج"، الخ. محل أسماء الأعلام البشرية، ابتداء باسم بطل السيرة الذاتية نفسه، وهذا مصير شخصيات كل نص من هذا القبيل وبدرجات متفاوته حسب عينية الأشخاص حينما تتبدل الأجيال، فإننا سنجد أمامنا سجلات وصفيه دقيقة، وبمعطيات تفصيلية وبنيات وآليات اشتغال موصوفة، لعدد هائل من قطاعات التدافع الاجتماعي في مغرب الخمس وثلاثين سنة الأخيرة: سوسيولوجيا وإثنولوجيا العمل السياسي، والعمل النقابي، والتدبير الإداري، والعمل الأكادمي، والبحث العلمي، والنشر والتوزيع وعالم الوثائق والخزانات، وحتى سوسيولوجيا فضاءات السجن وسوسيولوجيا فضاءات أوساط المرضى.

إنه باختصار إنجاز متميز، يشكل تحديا جديدا لهيئات ومنابر نخبة الجيل فيما إذا كانت قد التقطت إشارته لتتعامل معه في استحضار لعناصر مقدمة هذا المقال، وبالمنظار الذي يحوّل الأعلام إلى مجرد متغيراتٍ، نماذُجها موجودةٌ وفاعلةٌ على كل حال. 

"منيـــــن نــتــا؟"

الأبعاد السوسيولوجية، والإثنو-ثقافية، والسوسيو-لغوية، التي تبرز في ثنايا الكتاب من خلال استعمالها السياسي الملموس عبر آليات اشتغال مختلف داوئر المجتمع المغربي للفترة الموصوفة أعاد متعددة ومتفاوتة الأهمية والقوة؛ ويكفي أن نشير هنا، على سبيل المثال والنكتة الدالة، إلى مكانة أحد تلك الأبعاد، الذي يفرض نفسه في فضاءات منظومة الحياة الموصوفة في الكتاب، من فضاء قضاء شأن من الشؤون في مرفق عمومي (خزانة مثلا) إلى تشكل تنظيم سياسي معيّن، وإلى تقلـّـد أو عدم تقلد مسؤولية معينة في مؤسسة عمومية، أو في منظمة سياسية أو نقابية؛ إن البُعد الذي يجمله السؤال الفضولي "منين نتا؟". 

مزايا أخــرى

أما بالعودة إلى مسألة أسماء الأعلام بالضبط في السيرة الذاتية عامة، فإن "زمن الطبلة والمخزن" يحوز فضيلة أخرى من فضائل التميز في باب تحريك وخلخلة أركان صنم لغة الخشب؛ وذلك بفضل ذلك البعد بالضبط الذي يجعل من ذلك العمل عملا على درجة عالية من الحموضة بالنسبة لذوي المعدات المرهفة ممن يفكرن بالجهاز الهضمي. إنه من السهل دائما - وسلوك المسالك السهلة غالبا ما يترجم تنصلا من المسؤولية - أن يعمد صاحب السيرة الذاتية إلى أسلوب الغيبة التي تأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. والغيبة في باب السيرة الذاتية هو ألا يتجرأ الكاتب إلا على أشباح الموتى، فيذكر ما اقترفه المرحوم زيدٌ "سامحه الله" في حقه، أو في حق غيره، أو في حق الأمة، وما أسدى هو شخصيا من حسنات إلى عمرو، أو إلى الأمة بشهادة عمرو "رحمه الله"، ويعدّد ما جمعه من زمالة حميمية بهذه الشخصية الرفيعة أو تلك ممن لم يعد بوسعهم لا الشهادة ولا التوضيح ولا التظلم ولا التصويت في الانتخابات إلا في ظل عقلية نظام أخلاقى وفكرى ملعوم. فهذا المسلك في تحبير السير الذاتية يمثل بحق الحالة الواقعية الملموسة للصورة البيانية التي صورت بها الآية القرآنية رذيلة الغيبة، أي صورة "أكل لحم الميت": {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ} (الحجرات:12).

إضافة هذه المزية الأخلاقية (مزية تحمل المسؤولية إزاء الأحياء من الخلان والمناوئين)، هناك مزية أخرى تتفرع عن الأولى. أنها مزية تجعل من السيرة الذاتية ليس طقسا من طقوس طيّ رمزي للشؤون والأغراض الشخصية وإسدال للرّيدو قصد الركون والقعود على مقعد التقاعد في انتظار المغادرة الطوعية أو الإكراهية، بل مجرد آخر فصلٍ من فصول نفس المشوار الذي ترسم السيرة معالمه.

فإذْ للنظر إلى كل حدث من الأحداث والوقائع كيفما كان مستواها (وقائع "أوطم" مثلا، أو إضرابات 1979) أو إلى كل ماهية من الماهيات (ماهية "المخزن" أو "الجماهير المقهورة" مثلا) زوايا نظرٍ مختلفة، قد تتطابق، أو تتكامل، أو تتناظر، أو تتقاطع في تناقض ("غراب أم عنزة؟"، وذلك حسب العلاقة ما بين الماهية الموضوعية المعنية من جهة، والمواقع والذاتيات الفردية والجماعية من جهة ثانية، فإن في تقديم الأمور بالشكل الذي قُدمت به في "زمن الطلبة والعسكر" يشكل تحديا جديدا ومجددا، ودعوة صريحة غير مباشرة ولكنها قوية لكل من يهمه الأمر، ذكر اسمه أم لم يُذكر، بالخير أم بالشر، ومهما كان الحيز الذي اقتطع له في فضاء الواقعة الفلانية إذا ما ذكر، دعوة إلى المناظرة لتحقيق الأمور وفرزها ما بين "العنزة" و"الغراب" بشأنها، وذلك بمنطق طبيعي لا يسمح بتصور عنزة تحلق في الجوّ.

البقية عبر الرابط الآتي

https://orbinah.blog4ever.com/blog/lire-article-162080-9310638-_en_arabe__2_autobiographie_de_m__el_omari_2.html

 

 



14/05/2012
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 347 autres membres