OrBinah

(En arabe) A propos des académies nationales et des encyclopédies

رهانات الأكاديميات الوطنية والموسوعات

 

 

ظهرت الأكاديميات بمفهومها الحديث في أوروبا مع بداية ترسيم الألسن الوطنية كــ"لغات" خلفت اللاتينية تدريجيا حسب قطاعات الاستعمال، ومع تأسيس الجامعات. تنوّعت تلك الأكاديميات، حسب البلدان، ما بين حصرِ الاهتمام في "معيـــرة اللغة"  المعنيّة (نموذج "الأكاديمية الفرنسية" التي أسّـسها دي ريشيليو في القرن-16) و المزاوجة بين مواكبة معيرة اللغة والعناية بالعلوم الإنسانية (الآداب، التاريخ، القانون) مثل أكاديمية مملكة السويد. تختلف كذلك الأكاديميات حسب وجود أو عدم وجود وكذا نوعية قوانين هيكلتها ومعايير الولوج إليها ما بين فئات الرسميين و/أو الباحثين و/أو المبدعين، وأبعاد أخرى.

وإذا أصبحت الأكاديمية الفرنسية (المنغلقة على مجرّد "الذود عن بيضة اللغة وصفائها"، وليس فيها لا لسانيون ولا سوسيو-لسانيون) مؤسسة تعاني اليوم، حتّى في مجرد قطاع اللغة، من تكلّس فكري وبروتوكولي منبتّ كليّة عن الواقع، ففي ما يلي رابط نحو نص قصير يلخص تطور مواضيع اهتمام الأكاديمية السويدية وتطور تشكيلة أعضائها ما بين الرسميين والمبدعين والباحثين ومن حيث النوع الاجتماعي (تأسّـست سنة 1786، وعدد أعضائها 18؛ ويعتبر الملك رئيسها الأعلى الذي يصادق على قرارات الانتماء إليها بناء على تصويت سرّي). ويتبين من التشكيلة الحالية، على مستوى بُعد سنّ الأعضاء مثلا، كيف يغلب شباب نسبي على أعضاء تلك المؤسسة (مواليد الخمسينات والستينات من القرن-20). فالرئيس السابق بالنيابة مثلا، اللساني/العروضي، طوماس رياد (Tomas Riad)، الذي سبق لي في خريف 2016 أن اشتغلت معه لمدة شهر بتلك الأكاديمية، من مواليد 1959؛ بينما ولدَت أصغر امرأة عضو في الأكاديمية، السيدة Anne Swàrd سنة 1969. وللتذكير بهذا الصدد، في ما يخصّ المغرب، فإن الظهير الشريف المتعلق بإعادة تنظيم أكاديمية المملكة المغربية قد صدر بالجريدة الرسيمة قبل أسابيع بتاريخ 25 فبراير 2021 (نصّ الظهير: هـــــنــــــــا).

 

من الأكاديميات، كما ذُكر، أكاديميات تهتم بجميع العلوم الإنسانية، وتقترح في برامج لجانها مواضيع مختلفة للدراسات تستعين في إنجازها بخبراء متعاقدين، وتصدر المنشورات الموضوعاتية والموسوعات. وكما بيّنتُ ذلك على سبيل الإشارة في تدوينة عابرة يوم 18 مارس-2021 بصفحتي على الفايسبوك (بعنوان "جولة خاطفة في موسوعى قومية") على إثر جولة خاطفة في جزئين من الموسوعة التركية /Türk Ansıklopedısı  ، تعتبر الموسوعات، مهما كان الطابع الأكاديمي لمضامينها، من بين وسائل التملّك وترويج "نظرة خاصة إلى العالم"؛ وذلك من خلال اختيار لائحة مداخــــــــــل الموسوعة، من مفاهيم (اجتماعية وتاريخية وسياسية) ومن الأعـــــــــــلام المكانية والبشرية والقومية (ذِكْـراً أو تجاهلا/حجبا)، وكذلك من خلال تسميات التمليك أو التملّـك عن طريق نسبة الأعلام إلى البلدان و/أو القوميات (فلان الفلانـــــي الصحراء الفلانية، البحر الفلاني، الخليج الفلاني) ومن خلال مضامين بســــــط/تعريـــــــف تلك المداخل، ومن خلال وسائل التوضيح من خرائــــــــــط طبيعية وسياسية ومن صوَر وغير ذلك.

 

 وقد سبق لي من جهة أخرى في خريف 2006، مباشرة بعد أن تمّ إنهاء مهامّي بمعهد الإركام، أن دُعيت، كخبير، إلى المشاركة في إعداد وإنجاز إحدى الموسوعات الكبرى، موسوعة The Encyclopedia of Jews in the Islamic World و واكبت أعمال إنجازها منذ بداية اقتــــــــراح ثم حصـــــــر المداخــــل المعنية (أعلام مكانية وبشرية، أحداث تاريخية قضايا، مؤسّـسات...) إلى أن صدرت الموسوعة سنة 2010 وحضرت حفل تقديمها بأحد متاحف مدينة نيويورك سنة 2010، بعد أن ساهمت فيها بتحرير محتوى خمسة مداخل.

تعلمت من خلال كلّ ذلك كيف أن جميع المداخل التي يقترحها الخبراء القطاعيون لا تُـقبـل فتُـعتمدَ بالضرورة؛ وذلك أمر طبيعي نظرا لما تمّت الإشارة إليه من وجود "نظرة خاصة إلى العالم" في كل الأعمال من ذلك القبيل مهما كان الطابع العلمي/الأكاديمي. كما سبق لي قبل ذلك أن كنت قد تقصيّت مداخل محتوى معجم موسوعي من حوالي 1300 صفحة (Dictionnaire Encyclopédique du Judaïsme، وهو عمل مترجم عن أصل أمريكي)، وحرّرت على إثر تقصّيّ له بحثا مطوّلا ساهمت به في أحدى الندوات في ديسمبر 1999. كان بحثا في استنبــــــاط المقــــاييــــس الكامنة وراء اختيار المداخل في ذلك المعجم (ذكراً أو حجبا/إقصاءً). فقد لاحظت مثلا أن الفيلسوف الهولندي، سبينوزا، المشهور بنقده للفكر اليهودي إلى درجة أنه قد صدر في حقه حكم اللــــعن חרם من المؤسسة الدينية اليهودية، ونجـــا من الاغتيال بعد أن تمّ طعنه غيلة، قد حظي مع ذلك بما يفوق صفحة من المعجم الموسوعي المذكور، بينما اللغوي اليهودي، يهودا بن قريش التاهرتي المغربي (القرن-9 الميلادي) على سبيل المثال، مؤسّـس علم اللغة المقارن بدون منازع لثمانية قرون قبل أن يظهر ذلك العلم في ألمانيا، لم يرد له ذكر في تلك الموسوعة (انظر نص البحث المذكور هـــــــــنــــــــا، بالفرنسية).

 

الخلاصــــة

والخلاصة في هذا الموضوع هي أنّ "الطبيعة تكره الفراغ" كما كان يقال في الفيزياء التقليدية، وأن هذا يصدق أكثر، وفي تنافس شرس، على سوق المضامين الثقافية. وفي ما يخص المغرب، هناك موسوعة عامّة هي "معلمة المغرب" التي آن الأوان لكي تعاد طبعات أجزائها لإغنائها بمزيد من  المداخـــــل على ضوء التصور الجديد للفكر والثقافة المغربية وعلى ضوء التراكم المعرفي الحديث. ويـبقى صنف الموسوعات القطاعية، مثل "مسوعة الملحون" التي أصدرت منها أكاديمية المملكة المغربية أحد عشر جزءا لحد الآن، والتي تحتاج بدورها إلى مزيد من الجمع والإغناء، من قبيل جزء خاص بـقصيدة "العربية المهوّدة" (Judéo-arabe) مثلا. وزد على ذلك – وفي إطار ما كنت قد سميته "استرداد أوجه الرافد العبري إلى حيز الوعي" (نص بالفرنسية وفي أوله رابط نحو الصيغة العربية، هــــــنــــــــا) ضرورة استرداد طيف واسع من أوجه الثقافة المغربية وتملّكه من خلال إنجاز أعمال موسوعية قطاعية، قبل أن يتملَّك الغير ذلك الطيف بطريقته الخاصة وحسب "نظرته الخاصة إلى العالم والتاريخ") على سبيل "من أحيى أرضا مواتا فهي له".

--------------------------------------

محمد المدلاوي

https ://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



20/03/2021
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 347 autres membres