(EN ARABE) 5-L'éthique, la politique, l'école et la rue-5
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)
مسألة "القيم" في موسم "الحراك"
القسم الأول، ومنه إلى البقية عبر الرابط الآتي:
(6) خطة التعليم ومسألة القيم
دور التربية بصفة عامة ودور مضامين خطة التعليم وطرقها بصفة خاصة، في إنتاج وإعادة إنتاج منظومة معينة من القيم في المجتمع، كان أمرا حاضرا باستمرار في كل الحلقات السابقة المخصصة لمسألة القيم، سواء من خلال منطق التحليل، أم من خلال أقوال من تم الاستشهاد بآرائهم من مفكرين سابقين، أمثال ابن خلدون، و مانديلسون، وأخيرا ألبير أينشتاين، الذي حصر مصادر ما كان يرى فيه وجها من أوجه تدنّي مجتمعه على مستوى القيم، في مصادر أربعة تتبادل التأثر والتأثير؛ إن صلحت سعد المجتمع؛ وإن فسد واحدها انعكس فساده على بقية الفضاءات، إلى أن ينتهي الأمر إلى خراب المجتمع: إنها فضاءات المدرسة، والصحافة، وعالـَم الأعمال وعالم السياسة الاحترافية.
وقد بلغ أمر الإيمان بأن المدرسة هي المؤسسة الأساسية لإنتاج وإعادة إنتاج أي منظومة من القيم، أن حجة اليهودية، الطبيب الفيلسوف والفقيه، موسى بن ميمون (1138 - 1204 : قرطبة – فاس – الفسـطاط) المعروف بـ"رامبام" قد سن ما يلي في فقهياته (Le livre de la connaissance PUF 1961, p. 175):
((يجب توظيف معلمين ابتدائيين في كل جهة وإقليم وبلدة؛ ويجب مقاطعة سكان كل بلدة لا يذهب فيها الصبيان إلى المدرسة مقاطعة شرعية [حيريم] ما داموا لم يوظفوا معلما؛ وإذا ما استمروا في عنادهم بالرفض، يتعين تخريب البلدة؛ لأن العالم لا يقوم إلا بفضل تنفس الصبيان في حظيرة المدارس. (...) ويتعين إدخال الصبي إلى المدرسة بمجرد أن يبلغ السادسة أو السابعة، وذلك حسب قدراته وحالته الصحية. (...) ولا يتم أبدا توقيف نشاط التعليم، ولو كان ذلك من أجل التفرغ لإعادة بناء هيكل سليمان. أما المعلم الذي يترك التلاميذ لحالهم أثناء حصة الدرس أو ينشغل معهم بأمور أخرى غير الدرس، أو يتهاون في مهمته التعليمية، فإنه يدخل ضمن من قال فيهم النبي ياراميا: "لعن الله من يتخذ ما أبدع الله هُـزُءا". (...) ويمكن لخمسة وعشرين صبيا أن يتعلموا على يد معلم واحد. وإذا ما جاوز عدد صبية البلدة ذلك، وإلى حدود الأربعين، يتعين أن يكون إلى جانب المعلم معلمٌ مساعد؛ وإذا ما جاوز العدد الأربعين، يتعين تقسيم التلاميذ على معلمين اثنين)).
هذا عن أسس الخارطة المدرسية كما يتصورها ابن ميمون في القرون الوسطى. أما على مستوى المضامين والمنهج، فإنه وإن اختلف ابن ميمون كثيرا عن المدرسة الغزالية المشرقية التي تميزت بتكـفيـر الفلسفة، وبالتحذير مما أسماه الغزالي في "المنقذ من الضلال" بـ"آفة المنطق" و"آفة الحساب" وبالحث على زجر من يتعاطى تلك العلوم سدا للذرائع، يبقى منهج ابن ميمون عاكسا مع ذلك للمنهج المغاربي في التعليم. ذلك المنهج الذي سبقت الإشارة إليه في حلقة سابقة، والذي يقوم أساسا على الترديد الشفهي جهرا قصد الحفظ. يقول ابن ميمون: ((من يدرس بصوت عال يحفظ ما يتعلمه؛ أما من يقرأ صامتا، فإنه سرعان ما ينسى ما قرأه))؛ ص: 182-183. إنه المنهج الذي كان قد انتقده ابن خلدون في مقدمته بقوله:
(("وبقيت فاسُ وسائر أقطار المغرب خلوا من حسن التعليم ... فعسَـرَ عليهم حصولُ الملكة والحذق في العلوم. وأيسر طرق هذه الملكة فـتـقُ اللسان بالمحاورة والمناظرة في المسائل العلمية؛ فهو الذي يقرب شأنها ويحصّل مرامها. فتجد طالب العلم منهم، بعد ذهاب الكثير من أعمارهم في ملازمة المجالس العلمية، سكوتا لا ينطقون، وعنايتهم بالحفظ أكثر من الحاجة؛ فلا يحصلون على طائل من ملكة التصرف في العلم والتعليم. ثم بعد تحصيل من يرى منهم أنه قد حصّـل، تجد ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر أو علـّم. وما أتاهم القصور إلا من قبل [منهج] التعليم وانقطاع سنده")).
ويتحدث ابن خلدون عن ما يسمى اليوم بـ"الهدر المدرسي" قبل ظهور اللفظ، كنتيجة لذلك المنهج في التعليم فيقول: (("ومما يشهد بذلك في المغرب أن المدة المعينة لسُكـنى طلبة العلم بالمدارس عندهم ست عشرة سنة؛ وهي بتونس خمس سنين؛ وهذه المدة بالمدارس، وعلى المتعارف، هي أقل. فطال أمدها [أي حصول الملكة العلمية] في المغرب لهذه المدة لأجل عسرها من قلة الجودة في التعليم خاصة لا مما سوى ذلك... حتى إنه ليظن كثير من رحالة أهل المغرب إلى المشرق في طلب العلم أن عقولهم [أي أهل المشرق] هي على الجملة أكمل من عقول أهل المغرب، وأنهم أشد نباهة وأعظم كيسا بفطرتهم الأولى، وأن نفوسهم الناطقة أكمل بفطرتها من نفوس أهل المغرب؛ ويعتقدون التفاوتً بيننا وبينهم في حقيقة الإنسانية، ويتشيعون لذلك ويولعون به، لما يرون من كسبهم في العلوم والصنائع؛ وليس كذلك ..."وإنما " ظن المغفلون في بادئ الرأي أنه لكمال في حقيقة الإنسانية اختصوا به عن أهل المغرب؛ وليس ذلك بصحيح، فـتـفهّــمْه؛ والله يزيد في الخلق ما يشاء، وهو إله السماوات والأرض")).
إنه المنهج التعليمي الذي سبق لنا بيان ما يفضي إليه من مجرد "ثقافة للإنشاء" تعوّد الذهن على الاستئناس و"التعايش السلمي" مع العبث ومع اللامعنى، وذلك بسبب استحالة الكلام والكلـمة في جوهر ذلك المنهج إلى مجرد مادة لفظيةٍ ولغوٍ فونيـتيـكي يُـزجى، ويردَّد اعتباطيا أو طقوسيا أو سحريا وتمويهيا، بدل أن يظل الكلام "كلاما مفيدا بالوضع"، ويشكل، بمقتضى تلك الإفادة، المرتبطة بالواقع وبمقتضى الحال، أداة انخراط وتعاقد والتزام في المنظومة التي تضبط أسس الفعل والحياة الجماعيين، فينعكس ذلك في النهاية على كافة أوجه الحياة (من وظيفة إشارات المرور، إلى القوانين والدستور) بما في ذلك، وعلى الأخص، وجه الخطاب السياسي الذي يشكل البرنامج السياسي للحزب والتصريح السياسي للحكومة أبرز أشكال صياغته.
ومن باب المفارقة أن هذا المنهج التعليمي الذي عرف به شمال إفريقيا، القائم على مجرد تنمية مهارات اللفظ، من خلال كثرة الحفظ، والتعود على الإنشاء اعتمادا على فنّ استعمال النقل والتناصّ (intertextualité) بين مقتطفات متنوعة مما يحفظه الشخص، من باب المفارقة أنه كان قد انتقد هذا المنهج التربوي أحد أبناء نفس ذلك الفضاء في القرن الخامس الميلادي. إنه المفكر العظيم، القديس أغوسطين، ابن مدينة تاكَّاست (سوق هراس)، وذلك لما انتقد في اعترافاته (الفقرات 16-18) المنهج التربوي الروماني الذي خضع له شخصيا والذي كان يقوم على أساس من مهارات الخطابة أو ما سما بـ"فن اللفظ". يقول مثلا في الفقرة 16 من الاعترافات:
((النماذج التي كانت تقدم لي كقدوة للاقتداء بها هم أناس من ذلك القبيل الذي يندى جبينه خجلا بسبب مغمز نقدي قد يوجه له إذا ما أساء نطق أو اختيار أو إعراب لفظ من الألفاظ أثناء الحديث عن مأثرة من المآثر الحُسنى، بينما يشعر بالزهو إذا ما تم التنويه به حينما يحالفه التوفيق في استعراض مستفيض لأبشع خطاياه، لكن في لغة سليمة وبأسلوب جزل وأنيق)).
بل إن القديس أغوسطين يستغرب كيف أن القوانين والمجالس الرومانية المقررة تخصص اعتمادات لإنعاش وإدامة وإعادة إنتاج هذا القبيل من التعليم وبتلك المضامين القائمة على وثنية اللفظ. يقول مثلا: ((هنا نتعلم الكلمات؛ هنا نكتسب الفصاحة (...). إنها تشكل موضوع صفقات مهمة تعقد جهارا في ساحة الفوروم بالمدينة على مرأى وعلم بالقوانين، التي تخول للمؤدِّبين [في ذلك الباب] راتبا قارا، زيادة إلى ما يحصلون من الخواص مقابل خدماتهم التأديبية)) الفقرة 16.
هذا الفهم "الشكلاني" لجوهر العملية التعليمية بعيد عن تصور فكر الأنوار في أوروبا القرن 18، الذي كان يتوخى توجيه التعليم بشكل يؤهل أكبر عدد ممكن من الناس للقيام بمختلف الوظائف التي يحتاج إليها صلاح المجتمع وسعادته، وذلك على أكمل وجه. أي أن وظيفة التعليم تكمن، بالنسبة للفرد وفي إطار الجماعة، في ضمان ترقية مطردة للعقل البشري؛ وهو أمر لا يمكن أن يتم إلا في إطار من الحرية. إنه إذن مشروع ليبرالي: من حيث إن خدمة التعليم يتعين أن تكون خدمة عمومية بما أنها، بالنسبة للدولة، واجب يفرضه الصالح العام؛ كما يتعين أن يكون التعليم، بحكم طبيعة الغايات المتوخاة منه، تعليما زمانيا تقوم فيه قيم الأخلاق على أساس مبادئي العقل، متحررة من كل أوجه الفكر "الحماسي"، دينيا كان ذلك الوجه الحماسي أم قوميا (Condorcet. GF. Flamarion. 1988).
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres