(EN ARABE) 4-L'éthique, la politique, l'école et la rue-4
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)
مسألة "القيم" في موسم "الحراك"
القسم الأول عبر الرابط الآتي
(4) الفرد، والإبداع في الفن والعلم والأخلاق السياسة
تمت الإشارة في الحلقة الأولى إلى مسألة انبثاق شخصية الفرد كقيمة أخلاقية تتفاوت على سلمها المجتمعات تاريخيا وجغرافيا. وتم ربط ذلك في الحلقات التي تلت بمسائل التربية والأخلاق والسياسة. وتعود هذه الحلقة إلى موضوع انبثاق شخصية الفرد المدني لتفصل فيه القول، وذلك بإيراد مقتطفات مترجمة عن الفرنسة من كتاب العالم ألبير أينشتاين (Albert Einstein) المعنون بـ"Comment je vois le monde".
ألبير أينشتاين (ألمانيا، 1879 – أمريكا 1955) لم يكن فقط عبقرية فيزيائية فوق العادة. فإذا كان عموم الناس يربط اسمه في ميدان العلوم بنظريتي النسبيتين، الكبرى والصغرى، فإنه قد كان له كذلك نشاط ثقافي ومواقف أيديولوجية وسياسية بارزة لخصها كتاب "كيف أرى العالم"، وهو الذي عايش من الداخل كل الأحداث الكبرى التي طبعت بطابعها القرن العشرين (الحرب العالمية الأولى، قيام الفاشية والنازية، الحرب العالمية الثانية، قيام دولة إسرائيل، الحرب الباردة). فعلى هذا المستوى، وبصفته يهوديا، كان مثلا ضد أيديولوجية الانصهار الثقافي للشتات اليهودي في ثقافات مجتمعات الاستقبال، تلك الأيديولوجية التي بلورتها حركة الهاسكالا اليهودية في القرنين، الثامن والتاسع عشر. وإذ عايش الفترة التي بدأت فيها الحركة الصهيونية تفاوض القوى العظمي من أجل إعطاء شكل ملموس لما تقترحه كحل لما كان يسمى بــ"المسألة اليهودية" في أوروبا، والتي كان يُهيأ خلالها وعد بلفور (صدر سنة 1917)، فإنه قد تميز، بالمقابل، بأنه كان مع فكرة خلق كيان ثقافي يهودي، ولكنه كان ضد إقامة دولة يهودية أينما كان (أوغاندا، فلسطين). وإذ كان من الفاعلين الذين عملوا علميا وماديا من أجل تأسيس الجامعة العبرية، التي رأت النور سنة 1925، فإن رفضه لإقامة كيان الدولة اليهودية قد بلغ به حد رفض العرض المغري الذي قدم له بعد ذلك لرئاسة تلك الدولة التي كان يجري الإعداد لإقامتها.
ما سيتم تناوله في هذه الحلقة هو موقف أينشتاين من قيمة انبثاق الفرد المدني كشخصية ذات استقلال ذاتي (autonomie) في إطار المجتمع، في علاقة ذلك الانبثاق بالإبداع في عوالم العلم والأدب والفن والأخلاق والاقتصاد والسياسة.ولنبدأ بما قاله أينشتاين عن نفسه في هذا الباب:
((أنا جد متعلق بالعدالة، وشغوف بالانخراط الملتزم في المجتمع؛ إلا أنني لا أندمج إلا بصعوبة جد كبيرة مع الناس في جماعاتهم. لا استشعر حاجة إلى ذلك، لأني أحس بأني وحداني في قرارة نفسي. أشعر بأنني مرتبط بكيان الدولة وبالوطن [ألمانيا]، وبأصدقائي وأسرتي ارتباطا فعليا وبأتم معنى الكلمة. إلا أن وجداني يحس إزاء هذه الروابط بغربة غريبة...)).
((وباعتباري إنسانا، فإني لست موجودا فقط كمخلوق فردي؛ إذ أني أكتشف نفسي كعضو في مجموعة بشرية كبيرة. إنها توجهني جسدا وروحا، من ولادتي وحتى مماتي. وتتوقف قيمتي الأخلاقية على الاعتراف بذلك. فأنا إنسان باعتبار مشاعري، وأفكاري، وأفعالي، التي ليس لها إلا هدف واحد، هو هدف الجماعة في ترقيها نحو التقدم. فمواقفي الاجتماعية هي التي تحدد في النهاية الحكم الذي سيصدر في حقي، حسنا كان أم سيئا. غير أن هذه المعاينة الأساسية للأمور غير كافية. فأنا مجبر كذلك على الاعتراف، فيما يتعلق برصيد المواهب المادية والفكرية والأخلاقية للمجتمع، بدور الحاسم لبعض الأفراد من مبدعي العبقريات. نعم، فذات يوم توصل أحدهم إلى إشعال النار للمرة الأولى؛ نعم، وذات مرة قام آخر بزرع وتعهد النباتات الغذائية لأول مرة؛ نعم، وذات مرة توصل آخر إلى اختراع الآلة البخارية لأول مرة. الإنسان الفرد الوحداني يفكر وحيدا، ويخلق قيما جديدة لصالح الجماعة. إنه يتصور هكذا قواعد أخلاقية جديدة، وبعمل بذلك على تغيير الحياة الاجتماعية. فالشخصية الخلاقة يتعين أن تفكر وتصدر الأحكام بنفسها، لأن التقدم الأخلاقي للمجتمع رهين حصريا باستقلالية تلك الشخصية. وباختصار ألخص تعريف المجتمع السليم بهذه العلاقة المزدوجة: المجتمع لا يوجد إلا من خلال كائنات فردية حرة ولكنها متينة الارتباط بالجماعة. وهكذا فحينما نتأمل الحضارات القديمة فنكـتشف تفتـّح الحضارة الأوروبية في فترة النهضة الإيطالية مثلا، نعاين من خلال ذلك وفاة حقبة القرون الوسطى، التي تم تجاوزها بسبب التحرر من العبودية، وتمكن العقول الكبرى من البروز إلى حيز الوجود)).
وبشكل لا يبتعد عن مفهوم مانديلسون للأخلاق، يترجم أينشتاين هذا التصور لمعادلة الحرية والإبداع من جهة، والمسؤولية والمحاسبة من جهة ثانية في علاقة كل ذلك بمعادلة العلاقة بين الفرد والمجتمع، وذلك في حديثه عن تجربته الخاصة في علاقتها بتلك المعادلات. فقد قال، رابطا الأمر بأنماط الأنظمة السياسية في عصره ما يلي:
((يعبر الناس تجاهي عن إعجاب مبالغ فيه لا يـُتصور... إني أتصور السبب العميق والتافه الذي يؤجج فيهم تلك المشاعر. يريدون أن يعرفوا [كيف توصلت] إلى الأفكار التي صغتها. لكنني نذرت لذلك كل حياتي دون انقطاع! صحيح أنني، باعتباري أنسانا، لدي بعض المثل التي تقود أفعالي وتحفزها، وتوجه أحكامي وتمكنني من أعيش الحياة متحملا شعوري بالمسؤولية دون شعور بأنها تقهرني، وأنني لم أعتبر قط المتعة والسعادة في ذاتيهما كغاية، تاركا هذا القبيل من الاستمتاع للأشخاص الذين تستبد بهم نزوات الجماعة والقطيع. تلك المثل، تسمى [عندي] 'الخير'، 'الجمال' و'الحقيقة'. فلو لم أستمـت دون كلل في السعي وراء تلك المثل، المنيعة المنال دائما في باب الفن والعلم، لكانت الحياة غير ذات معنى بالنسبة لي. لكن عامة الناس مجبولون على السعي وراء غايات تافهة؛ وتسمى 'الاغتناء'، 'الأمجاد'، و'الترف'. وصحيح كذلك أن أفعال الإبداع والاختراع تستلزم وجود وحدة في التصور والقيادة والمسؤولية. إلا أن المواطنين الذين يتولون الإنجاز، باعتبارهم أفرادا، يتعين ألا يكونوا مجبرين؛ وذلك بأن يكون دائما بإمكانهم اختيار من يرأسهم.))
((غير أن النظم التحكمية الأوتوقراطية سرعان ما تقوم. فالعنف يستهوي الكائنات الضعيفة أخلاقيا. هذا هو السبب الذي جعلني أناهض دائما وبقوة هذا القبيل الأخير من النظم في إيطاليا الحالية وفي روسيا السوفياتية. أما الديموقراطية الحالية في أوروبا فقد أصابها الذهول؛ ويَعْـزون ذلك الانحطاط إلى فتور الأيديولوجية الجمهورية. أما أنا، فأرى لذلك سببين قاتلين. فرؤساء الحكومات هناك لا يجسدون قيم الاستقرار؛ ونمط الاقتراع ليس فرديا في جوهره. وأعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية قد اهتدت إلى حل هذا الإشكال. إنهم ينتخبون رئيسا مسؤولا ومحاسبا على رأس كل أربع سنوات، رئيس يحكم فعليا ويؤكد التزامه فعليا (...). ففي الهياكل المؤسساتية بتصورها الكوني، ليس هيكل الدولة في حد ذاته هو الهيكل الضروري أكثر من غيره. إن الفرد البشري الحر، الخلاق والمرهف الإحساس هو الذي يصوغ ويشكل كل ما هو جميل وَسامٍ، بينما تبقى كتلة الجمهور سجينة حلقة جهنمية من الغباء والغفلة.)). ((فالجماعات، باعتبارها كذلك وبمقتضى قوانين سلوكها السيكو-اجتماعي، تكون أقل إحساسا بقضايا المسؤولية والضمير إذا ما قورنت بالفرد)).
((ترى، ما عسى أن أقول اليوم [منتصف القرن العشرين] عن العصر وعن الدولة والمجتمع والشخصية الإنسانية؟ لقد عرف كوكبنا تناميا ديموغرافيا كبيرا (...) غير أن عدد الشخصيات الخلاقة قد تناقص؛ والجماعة لم تعد تكتشف هذه الكائنات التي هي في حاجة إليها. لقد حل النظام الآلي محل الإنسان المجدد. هذا التحول يجري طبعا في أوساط التطوير التكنولوجيي، لكنه بدأ كذلك يبرز بوتيرة مقلقة في أوساط البحث العلمي. إن غياب الشخصيات العبقرية شيء يلاحظ بشكل تراجيدي في عالم الجماليات. فالفنون اتشكيلية والموسيقى في انحدار والناس أصبحوا أقل إحساسا. القادة السياسيون غير موجودين والناس يهملون استقلاليتهم الفكرية ولا يحفلون بضرورة منظومة حقوقية أخلاقية. والتنظيمات الديموقراطية الجماعية والبرلمانية، المحرومة من هذه الأسس القيمية أصبحت حالة انحدار في كثير من البلدان. وهنا تظهر الديكتاتوريات، ويتم التسليم بها نظرا لأن حس احترام الفرد والحس الاجتماعي قد أصبحا في حالة احتضار إن لم يكونا قد ماتا. ففي كل مكان، وفي ظرف أسبوعين، يمكن لحملة صحفية أن تهيج وتلهب جماهير تبلغ من عدم القدرة على الحكم والتمييز حدا من الحماقة يجعل الأفراد مستعدين ليخرجوا إلى الميدان فيَـقـتـُـلون ويُـقتـَـلون. وهكذا يجد المفسدون كيف يحققون مآربهم الحقيرة)).
وأخيرا يرد أينشتاين أسس ما يلحق المجتمع المعاصر المعين من تدنّ على مستوى القيم إلى فضاءات ثلاثة، إن صلحت صلح المجتمع، وإن فسد واحد منها فسد الكل: المدرسة والصحافة وعالم الأعمال. وبهذا الصدد، يوكل أينشتاين للإبداع الثقافي بمفهومه الواسع دورا مهما في العمل على تخليق المجتمع بصفة عامة:
((ففي منتصف القرن التاسع عشر كان يعتقد بأن تقدم التفسير العلمي لكل أوجه الواقع، من خلال محاربة ذهنية المسلمات والخرافة، سيحقق كل الآمال. في ذلك نصيب من الصحة؛ فقد كان كل ذلك يستحق كل ما تم بذله من أجله من تضحيات أجود المحاربين (...). إلا أن إزالة العراقيل لا تقود بالضرورة إلى تقدم أخلاقي على المستويين الجماعي والفردي. إن ذلك الجهد السلبي [مقاومة الفكر الخرافي] يستلزم كذلك عملا إيجابيا من أجل تنظيم مخـلـّـق للحياة الاجتماعية (...). وفي هذا الصدد ليس بإمكان العلم أن يكون مصدرا للخلاص. بل إني أعتقد بأن المبالغة في المواقف المعرفية المفرطة التركيز على الواقع الملموس بشكل حصري، كما تمت تربيتنا على ذلك، أمر يشكل خطرا على القيم الأخلاقية. أنا لا أشير هنا إلى الأخطار المرتبطة بالتقدم التكنولوجي؛ إنما أفكر في تناسل المبادلات الفكرية المفرطة اللصوق بكل ما هو مادي دون غيره، مما يشكل تصلبا يشل العلاقات الإنسانية. فالتطهّـر والسمو الأخلاقي والجمالي، إنما يستطيع الفن - أكثر من العلم - أن ينشده ويبلغه. ففهم الآخر لا يمكن أن يتقدم إلا بمشاطرة الأفراح والأتراح. فالحيوية الأخلاقية تستلزم تربية تلك العواطف العميقة؛ وبذلك يجد حتى الدين نفسه وقد تخلص مما يعلق به من خرافيات)).
البقية عبر الرابط الآتي
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres