(EN ARABE): 3-L'holocauste et la théorie des civilisations inégales
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)
واقعة الهولوكوست ومفاهيم "صراع الحضارات"
كما بينت ذلك الحلقات السابقة، ما فتئت واقعة الهولوكوست تشكل محور مختلف الصياغات الذهنية للاستردادات الأيديولوجية المختلفة، التي يتم بها تغليف مواقف مختلف المصالح السياسية الملموسة المتدافعة أو المتناقضة. فبعد المهارشة الديبلوماسية التركية-الفرنسية، التي نشبت على إثر مصادقة الهيئات التشريعية الفرنسية على قانون تجريم إنكار الإبادات الجماعية التي تعترف بها الدولة الفرنسية، بما في ذلك واقعة إبادة جماعات أرمينية في تركيا ما بين 1915-1916، وذلك في ما اعتبره البعض مغازلة لأصوات الجالية الأرمينية الفرنسية، وبعد ما اعتبره البعض الآخر خطوة مقايضة من طرف السلطات التركية مع اللوبيات المعنية، مقابل عمل هذه الأخيرة على غضّ الطرف عن الواقعة الأرمينية، وذلك لما أقدمت تركيا على قبول بث شريط "لانزمان" حول الهولوكوست على قناتها، ها هي قضية الهولوكوست، التي تم اختزال كل أبعاد النظام النازي فيها، تعود من جديد كحلبة رمزية لتدافع سياسي انتخابوي فرنسي-فرنسي.
ففي إطار الحملة الانتخابية الفرنسية المحمومة التي تصادف الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي انعكست على المجتمعات الأوروبية على الخصوص، بما فيها المجتمع الفرنسي بفئاته المتعارضة المصالح، والمعبر عنها، إلى ما قبيل أيام، بمقولات ومفاهيم تتعلق بأرقام الفوائد ومختلف أوجه الضرائب والنفقات العمومية وقانون الشغل والسكن والتغطية الصحية، الخ. في ذلك الإطار الانتخابوي، وكما هو شأن السياسة في وجهها البراغماتي الاحترافي، لم يجد بعض الفرقاء هناك أحسن من خطة التمويه، أو ما يسمى عند الفرنسيين أنفسهم بـ diversion: أي تعويم التناقضات الملموسة المصالح المتعارضة أو المتناقضة الموصوفة، في سديم مقولات ضبابية يستحيل معها تبين معالم الاختلاف أو الخلاف. ومن تلك المقولات اللفظية والفضفاضة الماهية مقولات "الحضارات" أو "الديانات" أو "الثقافات" أو "الهويات".
إنه من المناسب دائما، على مستوى الخطاب السياسي الاحترافي، أن يقدّم كل خلاف أو اختلاف حول حق من الحقوق الملموسة (حق في الأرض، حق في توزيع الخيرات، والخدمات، والتحملات، والحريات، والمقومات الفردية والجماعية والفئوية والجهوية، الخ) كخلاف حول مقولات إشكالية أصلا من حيث تصور ماهياتها. ولقد كان الفيلسوف الألماني "أرتور شوبنهاور" قد صاغ أسلوب التعويم هذا صياغة صورية في كتابه حول الجدل الذي يحمل عنوان L’art de toujours avoir raison "فن حيازة الصدق دائما". وقد قدم في ذلك الباب وصفات في الجدل من بينها أن تعمل، عن طريق "منطق" علاقات التداعيات المجازية اللانهائية بين المقولات والأفكار، على توسيع دائرة نقطة الخلاف بينك وبين خصمك؛ فبذلك سينتهي خصمك بتركيز جهده الإقناعي أمام الآخرين للدفاع عن أمور بعيدة لم تكن هي أساس المطارحة ولم يكن الخصم بالتالي مهيئا لها؛ وستكون النتيجة في النهاية هي تحييد نقطة الخلاف الجوهري الملموس الذي كان يشكل المنطلق.
هذا ما حصل بالضبط لما اختار وزير الداخلية الفرنسي كلود كَـيّون مناسبة ملتقى لشبيبة حزبه ليرمي بحجر في بِركة فوران الحملة الانتخابية الرئاسية الفرنسية، وذلك حينما نبه، في هذا الظرف بالذات - وهو يتحدث عن فرنسا وآفاقها المستقبلية - إلى أن "الحضارات غير متساوية فيما بينها"، حاثّـا الفرنسيين بقوله "ويتعين علينا أن نحمي حضارتنا". ولقد كان للوزير السياسي ما أراد في الحين؛ إذ أصاب عصفورين بحجر واحد: أرسل "رسالة ودّ" إلى ناخبة اليمين الفرنسي المتطرف في أفق احتمال عدم تمكن زعيمته ماري لوبين من الحصول على الخمسمائة توقيع اللازم للترشح لرآسة الجمهورية من جهة، وتحويل النقاش حول الأرقام والبرامج الملموسة إلى نقاش حول المرجعيات الفضفاضة من جهة ثانية. وهكذا، فلم تمر 24 ساعة حتى قامت القيامة في المجلس التشريعي الفرنسي، حيث انسحبت الأغلبية الحكومية "انسحاب رجل واحد" وفي مقدمتها الوزير الأول، فرانسوا فيّون، احتجاجا على ردّ فعل أحد النواب من المعارضة على تصريحات وزير الداخلية كلود كَـيّون. لقد سقط النائب السياسي في شرَك توسيع دائرة نقطة الخلاف الذي نصبه الوزير السياسي بكل دهاءٍ ميكيافيلي حسب الوصفة الجديلة العامة التي كان قد وصفها شوبنهاور بدقة العارف بآليات اشتغال الذهنيات.
فإذ نبّه النائب المعارض إلى أن مفهوم "الحضارات" مفهوم غوغائي فضفاض ينطوي على تصورات متناقضة ما بين الخير والشر، وأنه مفهوم غالبا ما يستعمل لتأجيج الأهواء والعواطف البدائية التي أساسها خليط من الخوف الجماعي الوهمي والعصبية المرضية وتعبئة تلك الأهواء في سُبُـل مشاريع جهنمية كما حصل لما قامت النازية كمدافع عن "الحضارة الآرية" في وجه بقية الحضارات بمختلف مراتبها حسب خطاطة تلك الأيديولوجية فانتهى الأمر إلى ما انتهى إليه، بما في ذلك المراكز المحشرية وواقعة الهولوكوست، فقد انتفض الطرف الآخر من الطبقة السياسية الفرنسية على التوّ مُزايدا.
لقد زايد ذلك الطرف بالقول بأن مقارنة ذلك النائب لتصريحات وزير الداخلية بالأيديولوجية النازية أمرٌ فيه تهوين بما اقترفه النظام النازي، وفيه مسٌّ بالاحترام اللازم لذكرى ضحايا ذلك النظام. وفي غداة حادث الانسحاب، يتدخل رئيس الجمهورية، المرشح لحد ذلك الحين بشكل غير رسمي لخلافة نفسه، وذلك أمام هيئة المجلس التمثيلي للهيئات اليهودية في فرنسا (CRIF) يوم 8 فبراير 2012، فيعرّج من جديد على مسألة الهولوكوست في ثنايا تدخله، لكن في محاولة لفصل تلك المسألة هذه المرة عن مفاهيم صدام الحضارات في إطار توزيع سياسي للأدوار، وربطها ما أمكن بسياقها الخاص كحماقة من الحماقات الناجمة بالضبط عن سياسة تنمية المخاوف الجماعية واستثمارها؛ وقد فعل ذلك بعد أن اضطر إلى التمهيد إليه، في القسم الأول من كلمته، بمرثية خطابية مطولة ومملة تخللتها التصفيقات دون غيرها من القضايا الجوهرية والمواقف السياسية المهمة التي عبر عنها الرئيس، وهي مرثية خصصها الرئيس لجزئية الجندي الإسرائيلي ،جلعاد شاليط، المفرج عنه قبل أشهر من سجون "حماس"، وذلك من حيث دلالات موقف فرنسا من تلك المسالة في باب الصداقة الفرنسية الإسرائيلية؛ كل ذلك أمام نخبة وازنة من مواطني الجمهورية الفرنسية التي يُعدّ الرئيس نفسه لخلافة نفسه على رأسها.
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres