(EN ARABE) 1-L'éthique, la politique, l'école et la rue (quel rapport)-1
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)
مسألة "القيم" في موسم "الحراك"
(1) تدقيق بعض المفاهيم
بعد حملة إعلانية صحفية مزيّنة بصور بعض المشاركين دامت أكثر من أسبوع، تمّ أخيرا الحدثُ الثقافي الموعود، لكن بغياب الشخصيات التي كانت صورُها تزين الإعلانات، وبغياب شبه كلي لطيف المثقـفيـن المعنيين بالموضوع،؛ثم تلت ذلك تغطية إعلامية للحدث بعد تمامه؛ فـقد أوردت جريدة العلم مثلا ما يلي: ("ناقش خبراءُ مغاربة مساءَ أمس الجمعة بالرباط [بقاعة باحنيني، 29 يوليوز 2011]، في ندوة حول 'سؤال القيم في المجتمعات المعاصرة'، تأثيرَ التطورات المجتمعية والاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية على منظومة القيم، التي اعتبروها صمام الأمان لحفظ التوازن داخل المجتمعات ..."). وقد ربط المنشط والمتدخلون بين الموضوع المختار وكذا زوايا معالجته، وبين "الحراك المجتمعي والتطور التكنولوجي والاقتصادي السريع"، فـ"أبرزوا أن السبيل إلى ضبط القيم الوليدة والظواهرِ المصاحبة لها هو اللجوء إلى سياسات استباقية مفكـَّرٍ فيها"، وذلك من قبيل "حماية دولة الحق والقانون ... والتماسك والوحدة والتلاحم"؛ ذلك أنه ("بدون روابط اجتماعية وبدون مرجعيات ترسم وتحدد الإطار المرجعي للعيش الموحد يفقد المجتمع روحه ووسائل المناعة الداخلية ... وذلك كقيم التضامن، والكرامة، والعدالة، والانفتاح، والتسامح").
أول ما يلاحظه مَن تابَع نوعية أسئلة منشط النقاش وردودَ الخبراء هو استمرارُ سيادةِ تقاليد الخطابة كمنهج وأسلوب في معالجة قضايا علوم الاجتماع والأخلاق المدنية (sociologie et éthique). فالـ"خبير الاجتماعي"، أو "فيلسوف الأخلاق"، ما يزال يعتقد بأن الظواهر الاجتماعية والسلوكات الأخلاقية لا يمكن تصورُها كمواضيع لتلك العلوم إلا من حيث اعتبارها "أمراضا" جنوحية، وأن صفة الخبير كخبير تفترض فيه أن يكون بمثابة طبيب شاماني يتمثل دورُه في تقديم وصفاتِ علاج تلك الأمراض وتقويم تلك الاعوجاجات. زدْ على ذلك أن تلك الوصفات لا تخرج عن عموميات خطاب الوعظ، وذلك بالدعوة مثلا إلى التشبث بشعارات فضفاضة، حسب شعارات الوقت، من قبيل "الوحدة" و"التلاحم" و"التضامن" و"الكرامة" و"العدالة" و"الانفتاح" و"التسامح" و"دولة الحق والقانون"، الخ. فـمن ذا الذي سيختلف مثلا مع ذلك "الخبير" في مثل تلك الدعوات الخيّرة الصالحة؟ لا أحد طبعا، عالما كان أم أميا، فقيها أم سياسيا وبأيّ لون كان. ذلك بكل بساطة، لأن تلك الشعارات فضفاضة في معرض استعمال ألفاظها في مثل ذلك السياق، سواءٌ من حيث مفاهيمها العامة، أم من حيث آلياتُ تفعيلِ أي مضمون انطباعي قد "يفهمه" هذا أو ذاك عند سماعها في ذلك السياق الوعظي الأرشادي. ولا يغيّر من ذلك الطابع الوعظي لمنهج أولئك الخبراء إثارتهم لـعموميات أخرى من قبيل "الحراك المجتمعي"، و"زحف النانو-تيكنولوجيا"، وغير ذلك من كل ما يـوهِم ربطُ موضوع "القيم" به، بأن معالجة ما سمي بـ"القيم" هي بالفعل معالجةُ خبرةٍ، مُحيـنّـةٌ على ضوء "معطيات الميدان"، كما لو أن دلالات ما أصبح يسمى بـ"الحراك" مثلا قد أصبحت دلالاتٍ بديهية على مستوى التحليل العلمي السوسيو-سياسي والسوسيو-أخلاقي للأحداث، وأنها ليست مجرد رجْع صدىً في الذهنية العمومية للانطباعات الصحفية ولخطابَي الوعظ و السجال السياسي التدافعي والاستقطابي الظرفي، اللذين لهما على كل حال وظائفهما في مستويي عمل كل منهما، وهما مستوَيان يختلفان عن مستوى المعالجات الوصفية التحليلية التفسيرية، الذي هو مستوى اشتغال المفكرين العمِّـميـن، فما بالك بالخبراء المتخصصين.
ومما يتكامل مع ذلك التصور الذي لا يري الظواهر الاجتماعية الجديرة بأن تشكل موضوعا للدراسة السوسيولوجية إلا في ما يُعتبر "حالة مَرَضية غير مُرْضية" من وجهة نظر معينة، ما يستفاد من خطابيات الملتقى المذكور مِن حصرٍ لمفهوم "القيم" في ما يعتبر "إيجابيا" محمودا؛ وهو يستفاد من حديث صاحب تغطية ما دار بذلك الملتقى عن ("تأثير التطورات المجتمعية والاقتصادية المحلية والإقليمية والدولية على منظومة القيم، التي اعتبروها صمام الأمان لحفظ التوازن داخل المجتمعات"). ذلك في حين أن "القيمة" من القيم، في اصطلاح علوم الأخلاق، إنما هي مجرد نقطة قياسٍ على درجات سلـّم محورٍ من المحاور. فالسلطة المطلقة للجماعة على الفرد أيديولوجيا وأخلاقيا ومدنيا واقتصاديا، على سبيل المثال، قيمةٌ سوسيو-أخلاقية من القيم؛ لكن انبثاق الفرد المدني وتحرُّره أخلاقيا مدنيا وضميريا واقتصاديا قيمة أخرى في الجهة المقابلة على سُـلـّم نفس المحور، محور العلاقة بين الفرد والجماعة، وهكذا. وبينما تكون بعض محاور القيم ثنائية القيم، مثل محور مفهومي سيادة القانون في مقابل سيادة الهوى أي التحكم (la loi vs l'arbitraire)، أو محور قيمتي الصدق والكذب أو محور مفهومي العدل والظلم؛ توجد كذلك محاور ذات أبعاد متصلة غير منفصلة (continuum)، تشكـِّـل عليها أحيازُ القيم درجات نسبية تتحدد باعتبار موقعها بالقياس إلى أحد الحدين الأقصيين للمحور أو بالقياس إلى حده الأوسط؛ وذلك مثل محور درجات قيمتي التقدم والتخلف اللذين هما مفهومان نسبيان (فوق كل تقدم تقدمٌ، وتحت كل تخلف تخلفٌ). وليس من اختصاص الخبير المتخصص ولا حتى المفكر المعمِّم أن ينتصر خطابيا ووعظيا لهذا الاتجاه أو ذاك على سلـّم محور من محاور القيم؛ إنما يتمثل دوره في تشخيص حالة الوضع على ذلك المحور عن طريق رصد تحرك الدوالّ على طول ذلك المحور، معتمدا على مؤشرات صورية تحددها مفاهيم العلم المعني بالموضوع ويقف الاستقراء على مدى تحقـقها ميدانيا في الوسط التجريبي الذي يشكل أرضية البحث. ذلك هو الوصف والتشخيص. ثم إن من مهام التناول العلمي لتحرك مؤشرات مثل هذه القيم الأخلاقية على محاورها المعنية أن يربط الباحث ذلك التحرك بحركية وتطور أنماط العلاقات على مستويات أخرى، كتطور أنماط الاقتصاد وآلياته الملموسة في الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، وبمدى تطابق أو عدم تطابق تلك الأنماط وتلك الآليات مع خطط ومضامين فلسفة التربية والتأهيل الاجتماعي وتشكيل الوعي الفردي والجماعي. فمن خلال ذلك الربط المقارن، يحقق البحث في تطور الأخلاق المدنية مزية التفسير والتعليل لما تم تشخيصه من حركية القيم؛ وهنا ينتهي دور الباحث باعتباره خبيرا، ويبدأ دور الخطيب والسياسي والمدبّر الميداني.
فإذا ما عدنا إلى محور العلاقة بين الفرد من جهة، والجماعة (أسرة، عشيرة، إثنية، حزب، دولة) من جهة ثانية، يتعين مثلا رصد مدى تطابق الانتقال من نمط سوسيو-اقتصادي تكون فيه الأسرة، إما في استقلال وإما تحت نظام أقطاعي أو شبه إقطاعي، هي المُعيل الأول والمشغـّل الأول للفرد، وهي ضمانه الاجتماعي الوحيد، في إطار مجتمع فلاحي-رعوي حِرفي تجاري تقليدي، إلى نمط اقتصدي آخر تصبح فيه مؤسسات القطاع العام للدولة، ومؤسسات القطاع الخاص الرأسمالي، هي المشغل الرئيسي، الذي يتولى كذلك أكثر فأكثر تدبير الضمان الاجتماعي للأفراد (المرض، الشيخوخة) بدل تقاليد كفالة الأقرباء والذرية في الاقتصاد الأسري الفلاحي الرعوي الحرفي الاكتفائي الآخذ في الاختفاء؛ يتعين إذن رصد مدى تطابق كل تلك التحولات السوسيو-اقتصادية الملموسة مع مضامين التربية والتأهيل الاجتماعي وتشكيل الوعي لدى أفراد الجيل الجديد بشكل يؤهل الفرد للاندماج المتكامل في الهياكل والآليات الجديدة بدل التأرجح، في انفصام سكيزوفريني، بين سيادة آليات سوسيو-اقتصادية ملموسة من نمط معين من جهة، وسيادة مضامين فكرية في باب التكوين والتأهيل تربط وعيَه الأخلاقي المدني والسياسي بنمط آليات سوسيو-اقتصادية هي في طريق الانقراض من جهة ثانية. فإذا كان الاقتصاد الرأسمالي الليبرالي يوصف مثلا بأنه اقتصاد المنافسة و"المبادرة الحرة" (libre entreprise)، فإن هذه الخاصية لا تنفصل عن قيمة انبثاق الفرد المدني الحر وعياً ووضعيةً قانونية كفاعل جديد، فاعل لا يلغي مؤسسة الجماعة، ولكن الجماعة الجديدة بدورها لا تظل تلغي دوره؛ وهذا يفترض تأسيس قواعد تعاقد وتعامل جديدة تنعكس في صياغة القوانين، وفي ممارسة السياسة (على مستوى الأحزاب وعلى مستوى الدولة)، وفي مضامين التربية (في باب التكوين والتأهيل السوسيو-اقتصادي وفي باب التثـقيـف على مستوى الوعي والأخلاق المدنية).
وهكذا فإن ما يلاحظ اليوم مثلا من اتخاذ التدافع الاجتماعي طابع مطالبة حادة "غير مفهومة" بحقوق ريعية ("حق الإدماج المباشر في الوظيفة العمومية" لكل حاصل على شهادة بالعمل أو بالأقدمية والنقل، "حق الإسكان اللائق" لكل من أفلح في إقامة كوخ صفيحي) من خزائن دولة تدبر مجتمعا في طريق الترسمُـل الليبرالي متداخل مع الريع في الاقتصاد والسياسية، إنما هو تدافع يترجم انفصاما ما بين الهياكل والآليات السوسيو-اقتصادية من جهة، ووعي عقليات الأفراد التي ما تزال مبنية بحكم برامج فلسفة التربية على نظام الكفالة من جهة ثانية. فإذْ لم تعد للأسرة موارد تشغيلية (تفكك الاستغلاليات الأسرية الاكتفائية في االفلاحة والرعي والحرف المتوارثة)، فقد تحولت مرجعية انتظار الكفالة من قِبلة مؤسسة الأسرة إلى قبلة مؤسسة الدولة على مستوى تصور الوظائف السوسيو-اقتصادية. أما على مستوى تصور السياسة، فقد أدى نفس ذلك الانفصام ما بين الهياكل السوسيو-اقتصادية من جهة، والقيم التي تلقنها فلسفة برامج التربية من جهة ثانية، إلى تداخل انفصامي ما بين مفاهيم الحزب السياسي من جهة، ومفاهيم القبيلة أو الزاوية من جهة ثانية، وهو ما يترجم مرة أخرى العوائق التي ما تزال تعرقل انبثاق مؤسسة "الفرد المدني" الحر والمبادر الذي يَـفترض نمط الآليات السوسيو-اقتصادية الجديد وجودَه كفاعل أساسي من فاعليه؛ وتلك قيمة من القيم يقتضيها ذلك النمط، ولا يستقيم أمره بدون انبثاقها في الوعي وتفعيلها بفلسفة تربوية مناسبة وبصياغة قوانين مناسبة، وبتنزيلها على مستويات التدبير الملموس.
البقية عبر الرابط الآتي:
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres