(EN ARABE) 1-Innocence des Musulman, un choc de civilisations?-1
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis surARABE(Windows)
صدام ماذا؟
1- "صدام حضارات"، أم صدام أوجه الجهل؟
إذا ما كان للفظ "حضارة" من محتوى مفهومي قابل للتعريف في الذهن ويُحيل على حقائق ملموسة في العالم الخارجي، فإن تعريف ذلك المفهوم، ولو بشكل اختزالي أولي، هو القول بأنه يعني مجمل ما أسهم به قوم من الأقوام - في فترة من الفترات قد تطول وقد تقصر، وقد تكون أو لا تكون لها امتدادات في الحاضر – وذلك في بناء صرح تكريم بني آدم وترقية الإنسان وتحسين وضعيته أفرادا وجماعات، وتطوير تصوره لمسؤولية الاستخلاف في الكون (إذ لم تعد مسؤوليته مقصورة على سطح الأرض).
وبمقتضى هذا التعريف التعميمي لما يستفاد إجمالا، كمدلول من لفظ "حضارة"، لا يمكن للنماذج والتجارب الحضارية أن تصطدم فيما بينها، بما أنها، بحكم ذلك التصور، متكاملة مبدئيا فيما بينها من حيث المقاصد والغايات. ويترتب على هذا أن ما تمّ تقديمه في العشريات الأخيرة كـتجل لما عُرف بنظرية "صدام الحضارات"، لا يمكن أن يكون، في حقيقة أمره، سوى "صدام أوجه الجهل"، وعلى رأس تلك الأوجه الجهلُ بمختلف أوجه التكامل القائم بالقوة وبالفعل، على مستوى التاريخ، ما بين مختلف إسهامات المنظومات والتجارب الحضارية المتعاقبة أو المتوازية ماضيا وحاضرا.
هذا هو الجوهري في مفهوم "الحضارة"؛ أما تفاصيل أوجه الخصوصيات، فمجرد تفاصيل أنثروبولوجية يحددها ما تفرضه المعطيات الخاصة لظرفيات الطبيعية والتاريخ فيما يتعلق بما تقتضيه تلك المعطيات من أوجه تأقلم هذا المجتمع أو ذاك للتعامل معها ما دامت قائمة. ويتمثل تقدم الوعي بالضبط (الذي هو نقيض الجهل والاستلاب) في مدى قدرة قوم من الأقوام على إدراك تبدل ما تبدل من تلك الظرفيات قصد مواصلة الإسهام في إحقاق جوهر المقاصد بما هو أنسب وأكثر ملاءمة وفاعلية.
وبما أن مفهوم تكريم بني آدم والرقي بالإنسان يشكل قيمة متحركة تاريخيا على سلم تفاوتي مفتوح (من الوضعية شبه الحيوانية، ثم الهمجية، ثم المؤسسية باختلاف درجات مؤسّستيـتها)، فإن أوجه الجهل، التي تتصادم فيما بينها بمقتضى طبيعة جوهر "الجهل" و"الجاهلية"، تشكل بدورها درجات على سلم تفاوتي بدوره.
ومن أوجه ذلك الجهل ذلك التنميط الإسقاطي والاختزالي التهييجي الذي حاول من خلاله مثلا "مخرجٌ" سفيه مغمور، فاشل فنيا، ومشبوه عينيا من حيث هويتُه وإطار عمله، تشويهَ التجربةَ الحضارية التاريخية لرسالة نبي من الأنبياء، هو نبي الإسلام، الذي بُعث في وسط وثني عشائري يئد البنات ويؤله شيوخ القبائل والعشائر (يقول امرؤ القيس: "بنو أسد قتلوا ربهم") ويتخذ، في مجمله، من الآلهة بمقدار ما كان هنالك من شيوخ العشائر ممن يتقاتلون غزوا على حماية الحِمى والمال والنساء والبنين، فأخرج ذلك النبي القومَ من همجية المغازي العشائرية كنمط للعيش، إلى حضارة شعّت بأسهاماتها عليهم ومن حولهم قرونا، ذلك التنميط الاختزالي الذي تم مرة أخرى - لن تكون هي الأخيرة - من خلال الشريط الرديء المعنون بـ"براءة المسلمين".
أما الوجه الثاني المقابل لذلك الوجه من أوجه الجهل والجهالة الجهلاء - مع وجود الفارق بين جهالة أفراد وجاهلية قوم - فهو رد الفعل الجماعي الجاهلي الهائج، والمدمر للذات قبل الغير، على ذلك العمل التافه السخيف.
فبعيدا عن أن يعمل قوم بما جاء به التنزيل على لسان ذلك النبي الرسول، حيث قال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا، وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا}، {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا}، {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}، اتخذوا من شخص الرسول، باسم المحبة والتماهي، صورة يسقطون عليها في نوع من التصعيد السيكولوجي هشاشة معنوياتهم ويفرّغوا من خلال التماهي السيكولوجي معها عُقـد وساوسهم، بشكل يعكس أمام أعين العالمين عدم ثقتهم في صلابة ما يدعون الإيمان به، وذلك بما أنهم {يحسِبون كل صيحة عليهم}، وأنه يكفي أن يصدر لغوّ سخيفٌ أو صورةٌ كارتونية تافهة عن كاتب مغمور، أو رسام مخرفِش فاشل، أو مصور فيديوهات سفيه ذي سوابق في أي بقعة من بقع المعمور، ليهبّوا هبّة جاهلي واحد، كما هبوا مؤخرا في هلع على رقعة بكاملها من العالم يوم 11 سبتمر 2012 (الذي يمثل الذكرى 11 للواقعة الجهادية المعروفة بـاسم ذلك التاريخ) إلى الخروج عن أطوار مشي عباد الرحمن على الأرض هونا، وعن قوانين بلدانهم وبقية البلدان، وعن مواثيق المؤسسات الكونية الضابطة للنظام العالمي الهش، وذلك باقتحام همجي مدمر لحشود هائجة مهيَّجة منهم لسفارات وقنصليات بلد أهـّـل نفسَه بنفسه في التاريخ المعاصر للعب دور محوري في إرساء توازنات تدافع المعمور منذ الحرب الكونية المدمرة التي أفضت إليها وجه آخر من أوجه الجهالة، ألا وهو وجه الفكر النازي، الذي كان قد وضع الساميين كافة، من يهود وعرب، في أسفل سلم الاستحقاق الآدمي؛ وذلك بقطع النظر عن ظرفيات الأوجه العملية التي تتم بها المساهمة في إرساء تلك التوازنات.
فهناك إذن اليوم، وقبل اليوم، وجهان من أوجه الجهالة: وجه ضلال أفراد، ووجه ضلال أقوام بكاملها كأقوام تجمعها ذهنية وسيكولوجية سلوكية جمعية مشتركة.
ففي بلد مثل الولايات المتحدة أو البلدان الأنجلوساكسونية الالسكاندينافية، اكتسب الفرد المدني حريات واسعة، تترتب عليها مسؤوليات أخلاقية ثقيلة أيضا، وتضبط كثيرا من أوجهها قوانينُ موصوفة متواضع عليها سلفا ومجردة عن الإرادات التي تنبثق من الظرفية؛ وكان كل ذلك من بين أوجه ما أسهمت به أقوام تلك البلدان تاريخيا وحضاريا في باب تخليص وضعية الإنسان من تحكمية خبطات المزاج حسب الظرفية (arbitraire de la conjoncture)، فرديا كان ذلك المزاج ام جماعيا. ومن أوجه تلك الحريات، حرية الضمير التفكير والتعبير في إطار قوانين مدنية موصوفة تحدد حقوق وواجبات الفرد المدني الملموس والهيئات المدنية.
تلك الحرية قيمة من القيم الأخلاقية لا يتيسر لمن تربي واشتد عوده في ظل القهر والحجر والوصاية، فلم تتحقق له بعدُ تلك القيمة، ولم يمارس الحرية ولم يتمتع بها، لا ضميريا، ولا تفكيرا، ولا تعبيرا مدنيا، أن يدرك معناها ومرماها ومغزاها؛ وذلك هو عين الجهل والجاهلية. إن من تلقى تربيته في وسط تحتكِـر فيه هيئةُ السلطة بالوصاية حقَّ تحديد مضامين الخطاب العام والخاص، من خلال وزارات للإعلام مثلا، وكذا رسم معالم وأشكال ومضامين الإبداع في مجالات الآداب والفنون والعلوم من خلال وزارات للثقافة والمعارف أو الشؤون الدينية مثلا (وهي مصالح لا مقابل لها في الإدارة الأمريكية مثلا)، وكذا تحديد أشكال الهندام والسلوكات في الحياة اليومية الشخصية من خلال أوجه معينة من أوجه الحسبة الجماعية أو شرطة السلوك المهيكلة، لا يمكنه أن يميز ما بين مسؤولية الفرد المدني ومسؤولية الدولة في هذا الباب، كما هما عليه في الدول الديموقراطية. فلذلك ترى الجموع ممن تربوا في ظل الحِجر يسرعون، في اندفاع عشائري غير عاقل كما هو شأن كل ما هو كتلوي، إلى مؤاخذة الدولة المعينة (التي لا يمكنهم تصورها إلا كعشيرة) بما يصدر عن مواطن من مواطنيها مما لا يتنافى مع قوانينها في إطار ترابيتها.
كما أن من تربى في وسط تتم فيه الأحكام والتدابير بمقتضى الإرادات التحكمية الظرفية لمن يحتكر السلطة والقوة العمومية، لا يمكنه أن يفهم بأن ليس بإمكان الإدارة الأمريكية مثلا أو الحكومة الدانماركية، أن تتخذا أي إجراء في حق مواطن من مواطنيها وخارج ما تنص عليه القوانين الموصوفة والموضوعة على ضوء القيم التي يحددها الدستور والتي يؤدي رئيس الدولة المنتخب قسما دستوريا على حمايتها؛ وذلك مهما كانت الفائدة السياسية لذلك الإجراء، ولو كانت لمجرد اتقاء شر جهل الجاهلين الذين يتهافتون على التهلكة تهافت البعوض على لسان جذوة اللهب. ذلك لأن الخرق المؤسسي للمبادئ والقوانين لاعتباراتِ انتهازيةٍ سياسيةٍ مهما كانت فائدتها الظرفية، يفتح بابا لا ينغلق بعد ذلك أبدا، إذ ينتهي القياس على سابقة فتحه إلى تقويض النظام القيمي والأخلاقي من أساسه لأي دولة من دول الحق والقانون.
القسم الثاني عبر الرابط الآتي
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres