(EN ARABE) 8-Du système de l'enseignement au Maroc
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)
منظومة التربية والتعليم؛ إلى أين؟
9- "شــوف كَـُــدّامــك"
القسم الأول عبر الرابط الآتي
خلال الحديث عن الأركان المعرفية الأساسية الثلاثة (أ- الأداة اللغوية، ب- القراءة والكتابة، ج-الرياضيات) التي تشكل القاعدة الصلبة لكل تعليم موفّق، مهما كان أفقُه ومداه (أكاديمي طويل، أو تكويني متوسط أو قصير)، ورد في الحلقة الأخيرة من هذه السلسلة ما يلي بخصوص الركن الثالث من تلك الأركان:
[ج- امتلاك الفرد لأسس الحساب (العمليات الأربع، السرعة والمسافة والزمن، ومبادئ الجبر) وأسس الهندسة (الأبعاد، والزوايا، والأشكال، وحساب أبعادها) كوجه متقدم من الهيكلة الذهنية للواقع وضبط أبعاده ومقاديره في نسبيّـتـَي الزمان والمكان.].
الواقع أن مقولتي المكان والزمان، في علاقتهما بظاهرة الحركة وقيمة السرعة، ليستا مجرد مضاربات "فلسفية"، ولا حتى محض قضايا علمية نظرية، مما تتوزّعُه الهموم ُالفكرية في عالمَي أمثال أرسطوطاليس وألبير أينشتاين ونُظرائهما في ميدانَيهما، أي الفلسفة والفيزياء. إن متوسط الثقافة الجمعية في باب مدى التـَـمثــُّـل المعرفي المنهجي للخطاطات الذهنية الأساسية الضابطة للعلاقة بين هذه المقولات الرياضية ينعكس بالملموس، في المجتمع المعيّن، على الحياة اليومية للأفراد والجماعات، وعلى الآليات الاقتصادية والتدبيـرية، من البيت إلى المؤسسة والمقاولة، وإلى دواليب الدولة؛ ومن سلوك الأفراد في قنوات منظومة السير مثلا، إلى حُسن أو سُوء ضبط الأجندات الفردية والجماعية والمؤسسية، وإلى كل أوج ما أصبح يعرف بمهارات اللوجيستيك بمعناه الواسع: ن إعداد قاعة لغرض من الأغراض في زمان ومكان معينين مثلا، إلى تصميم ورشة للعمل، إلى إعداد تصميم مديري لحيّ أو لمدينة يأخذ بعين الاعتبار الواقع القائم والاحتمالات المستقبلية، وإلى تصميم منظومة تربوية منسجمة مع الواقع، ومنفتحة على احتمالات آفاق المستقبلوقابلة لتعديلاته كمثل أخير؛ وغير ذلك من الأوجه كثير.
فلنأخذ المثال الملموس لتصريف التحرك العمومي في الفضاء العام، أي منظومة السير. فإذا كان نصيبٌ من أوجه الأعطاب والكوارث التي تحصل في هذا القطاع يعود إلى مسألة الحكامة (القوانين، طبيعة الإدارة)، وكان نصيبٌ آخر منها يعود إلى التربية المدنية والأخلاقية (التهوّر، واللامدينة، والعدوانية)، فإن نصيبا مهما منها يعود إلى قصور في ثقافة تمثل بُعدي المكان والزمان تمثلا معرفيا منهجيا، في علاقتهما بالحركة والسرعة والكتلة المتحركة. هذا القصور المعرفي، الذي أصبح بعدا ثقافيا، ينعكس على مستوى بعض تصاميم البنيات التحتية (سعة الطرقات وإفضاءاتها وتفرّعاتها وتقاطعاتها، الفضاءات المعَدّة للوقوف والرَكن، التشوير في علاقته بقوانين الإدراك وبالتلوث الإشهاري والفوضى العمرانية)، تلك التصاميم التي يترجم بعضها تصورات "هندسية" سوريالية لتصريف الحركة والسير، لا يتسع المجال لاستعراض أمثلة منها. كما ينعكس ذلك القصور كذلك على مستوى سلوك المستعملين لفضاء السير (راكبين وراجلين) على هدي نوعية تمثلهم للأبعاد الزمكانية في علاقتها بالحركة والسرعة وكتلة السيل من جهة، وبالتنظيم والتأطير المدنيين من حهة ثانية.
ففي ما يتعلق بهذا المستوى الأخير، يمكن عزل تصورين اثنين للفضاء، ينبني عليهما سلوك التحرك في ذلك الفضاء: فهناك من جهة تصور فطري خام للفضاء كماهية غير متشكلة (amorphe) لا يختلف كثيرا عما تدركه كافة الكائنات الحية المتوفرة على حاسة بصرية ضوئية والتي تدرك الأشجار والأحجار والحواجز والحفر كما يدركها الآدمي؛ وهناك من جهة ثانية تصور مهيكـَـل ومهيكـِـل يُفـرمط الفضاءَ الموضوعي حسب خطاطات قوامها أوليات الأشكال الهندسية الأساسية (خطوط مستقيمة، أو منحنية، تواز، تقاطع، تناظر، تطابق، الخ.)، تلك الأشكال التي يُسقطها الذهن المهذَّب على مُعطيات الفضاء الموضوعي الخام فيُهيكله ويُـفرمطه قصد تدبير السعي في أبعاده؛ وهي أشكال صورية لا يمكن تحصيل مفاهيمها تحصيلا صوريا مصوغا إلا بالتعليم المنهجي المهذِّب للذهن. سطحُ الفضاء في التصور الأول يتخذ شكلا أميـبـيا يتحدى الهندسات الثلاث (لا هو مثلث، ولا هو مربع، ولا متعدد الأضلاع، ولا دائرة، الخ.). هذا الشكل الذي يتحدى الهندسة الإقليدية، تُصوّره طوبوغرافيات كثير من المدن العتيقة والأسواق الشعبية اليومية والأسبوعية وفضاءات "الفرّاشة" في الحواضر الحديثة أصدقَ تصوير؛ ولنسمّه التصور "الفدّاني" للفضاء. في هذا التصور الفدّاني، وعلى سبيل المثال في باب وظيفة السير، تشكل كلُّ فُسحة أو ثغرة أو فجوة طريقا سالكا للجميع (راجلين، وراكبين على الدواب، أو على عجلتين، أو ثلاث، أو أريع)، في جميع الاتجاهات وفي نفس الوقت؛ وليس هناك سوى قاعدة واحدة للسير في ذلك التصور للفضاء وللتحرك فيه، ألا وهي قاعدة: "شوف كَـُـدّامـك"؛ وهي نفس العبارة التي يحتجّ بها كل من تعرّض للدوس في غمرة تلك "الفوضى الخلاقة"، فيجيبه من داسه: "علاش ما سمعتيـش 'بالاك'؟"، إذا كان قد قالها فعلا.
في إطار هذا النمط الثقافي لتصور المكان والزمان ولتصريف التحرك عبر ابعادهما، يكون الجميع مجبرا على التزام النظر إلى الأمام دون التفات (وفي هذا مغزى سوسيو-ثقافي آخر عميق) ودون احتفال بمعطيات المحيط، بما في ذلك حركة الآخرين، إذ يعرّج نحو اليمين أو نحو الشمال أو يعود القهقرى كلما خطر له ذلك وطاب، وكلما بدت له فسحة أو فجوة فيتسلل إليها أو يتسلل عبرها قبل غيره كما تفعل أي دابة من الدواب التي تسعى في الأرض ولا تـتحاشى في انعطافاتها ومراوغاتها المفاجئة إلا الحواجز المرئية أمامها والتي تفوق كتـلـتـَها، وتتعدى قدرتـَها على القفز أو التسلق.
ومن الأوجه المأساوية القصوى للتحرك الآدمي حسب هذا التمثل للمحيط الزمكاني، ما حدث مؤخرا لإحدى المواطنات الراجلات في قلب العاصمة قرب محطة القطار: توقف الترامواي على سكته الحديدية في محطته المخصصة له حسب تصميم المدينة والمعلـّمة بالتشوير، فاعترض بذلك السبيل الشخصي و"السكة" التقديرية التي خطر للمواطنة الراجلة أن تتحرك فيها "فدّانيا"، في زمنها الخاص، ودون التفات أو احتفال بإشارات المحيط، التي لا تعني بالنسبة إليها شيئا، إما بسبب الأمية الكتابية أوبسبب الذهنية الثقافية، أو هما معا؛ وإذ رمقت تلك الراجلة فجوة بين مقطورتي الترامواي، فقد سارعت في "ذكاء" و"شطارة" إلى التسلل عبرها متخطية مفاصل الربط بين المقطورتين؛ لكن زمن الترامواي، وكتلته، وهيكلته الإدارية لفضاء حركته، بالمقارنة مع زمن الراجلة وكتلة جسدها وتمثلها للمحيط الزمكاني، قد جعل التقاطع الهندسي الفيزيائي بين الترامواي في اتجاهه، وبين الراجلة في اتجاهها، يسفرُ عن اختراق كتلة الترامواي لكتلة جسد الراجلة بالدكّ على السكة الحديدية، بدل أن يحصل الاختراق العكسي بالقفز على مفاصل الترامواي كما تصورت الراجلة الشاطرة المرحومة ذلك. وفي الغداة كتبت المانشيطات الأولى للصحافة الحداثية المواطنة باللون الأحمر: "الترامواي يواصل مسلسل القتل" (المساء: 5 ماي 2012؛ ص:1).
وكما أن أي رقعة أو فسحة أو فجوة تصلح، في ذلك التصور والتمثل الفدّاني، لتُـتّـخذ طريقا سالكا للجميع، في جميع الاتجاهات، وفي نفس الوقت حسب قانون "الأسبقية للأسبق"، فهي تصلح كذلك للاستقرار أو الاحتلال والاستغلال (الوقوف أو الجلوس للراحة، افتراش بلاستيك، نصب قيطون، إقامة برّاكـة، الخ.)؛ والحق هنا دائما لمن أسرع إلى الفسحة قبل غيره من المتسارعين، وذلك حسب نفس قانون " الأسبقية للأسبق". وإذا ما احتج فضولي على احتلال الفضاء العام يُصاح في وجهه: "دخُــل سوق راسـك".
فهل هناك، في النهاية، فرق كبير بين هذه الصورة "الفدّانية"، التي ليست كاريكاتورية في شيء، وبين الصورة الغالبة على سياقة السيارات، والناقلات، والحافلات، والشاحنات، والهوندات، والدراجات النارية، والانعطاف بها انعطاف الصراصير، أو الوقوف بها، أو رَكنها هنا أو هناك في ساحات وأرصفة وأزقة مُدن البلاد أو في عرض وجنبات وقارعات طرقها الوطنية والسيارة، بناء على رخص قانونية تشهد لصاحبها بحفظ "الكود" عن ظهر قلب، وبحيازة مهارة المناورة الميكانيكية لتحريك الناقلة؟
فقانون "شوف كَـدّامـك"، في باب السياقة، يترجمه التهميش الثقافي لوظائف المرايا الثلاث (العاكسة الخلفية والجانبيتان) في حقل رؤية السائق، تلك المرايا التي تصبح لديه مجرد ديكورات مخصصة للفحص التقني الموسمي. ويبقى المنبّه أو "الكلاكصون" (في المدار الحضري) والأضواء القوية أو "الفار" (في الطرق الوطنية والسيارة) هما الأكسيسوارات الوحيدة المفرطة الاستعمال في باب السياقة لإفزاع وترهيب الآخرين وإجبارهم على إفساح المجال في الحين لصالح الأسرع منهم والمستعجل دائما ما دام يتقدمه غيره أو يحاول غيرُه تجاوزه. تلك الأكسيسوارات هي المقابل التيكنولوجي الحداثي لجلبة ولجاجة "بالاك، بالاك" في زقاقات المدن العتيقة والأسواق الأسبوعية وفضاءات الفرّاشة. المنبه يمثل حنجرة الصياح بأنكر الأصوات وأبذأ الألفاظ في وجه الآخر، وذلك ما لم يدعمه اللسان والأيدي عبر النافذة. أما الأضواء القوية فهي تمديد لقوة دفع الإجحاض العدواني للأعين المحمَرّة والحواجب المقطـّـبة، قصد ترهيب من هو في الأمام ليفسح المجال لمن يلاحقه ليتقدمه. ويتكامل مع كل هذا في إطار منظومة السير " شوف كَـدّامـك " تهميش وظيفتي ضوئَي الجنوح أو الانعطاف، أو تشغيلهما طقوسيا في تزامن مع عملية الجنوح، وليس قبلها بما فيه الكفاية للتبليغ.
وكما أن الراجل "الفدّاني" يتسلل، مسرعا ومراوغا ودون التفات، إلى كل فجوة تلوح، ما لم يعُـقه حاجز طبيعي يفوق قدراته الفيزيقية (أسلاك شائكة، مدبّبات حديدية أو زجاجية)، فكذلك السيارات من مختلف الأحجام والماركات ينـقـفـل بعضها إلى بعض انقَـفالا، ويتسلل بعضها من مسلك إلى آخر في الزحمة كلما بدت في المسلك الآخر فسحة أوسع، وذلك كما يحصل في أسراب الصراصير، فلا يثنيها إلا الجدران أو الارصفة العالية أو الحُفر.
إنها باختصار ثقافة معينة من بين ثقافات تَـمثــل المحيط الزمكاني: فضاء خام غير مفرمط ولا تمثيل هندسي له في الذهن، ولا وضيعة قانونية له في الأذهان. والتشوير، متى ما كان موجودا وملائما، يبقى عبارة ديكور حداثي؛ والقانون المُسطـّر بشأنه لا معنى له ما لم يكن بجانبه دركيّ أو شرطي من غير من أتعبهم "سّـربيس" فأصبحوا يفضلون بدورهم أن يتخذوا لهم "عين ميكا" فيلتزموا من خلالها بـقاعدة السير الذهبية: "شوف كَـُـدّامك"، ويلتزموا بشعار "المواطنة والمدنية" المتمثل في ثقافة "دخُـل سوق راسك"؛ والمبدآن متكاملان دلالة وقافية. وإذا كان هناك من خطأ في تدبير بُعدَي المكان والزمان، فهو خطأ الجدار أو القطار. ذلك أن هذه الثقافة ترى بأن "لحيط كا يضرب"، و"تّـــران كا يهرب"، وترى بأن"دّنيا لنّاس شّبعانين، ولاخرا لشّرفا ولمرابطين، وانا ويّاك طالعين وهابطين"؛ وترى أن "لّي ساينها تبرد، كا يجيه من ياكُـلها سخونا"؛ فيكون شعار الجميع: "ا-وحضي راسك لا يفوزو بيك لكَومان يا فلان" و"كون ديب لا ياكلوك دّياب"؛ والأسبقية والبقاء للأسبق إلى "الهمزة"، الذي يضع الآخرين بين قوسين، حسب شعار من قال:
مَن راقب الناسَ مات غمّا وفاز بـ"الهمزة" الجسورُ
البــــقيــة
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres