(EN ARABE) 2-L'Holocauste et le concept 'Istikhlaf'-2
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)
2- واقعة الهولوكوست والأبعاد الثقافية
تمت الإشارة في الحلقة الأولى إلى قبول تركيا بث شريط لانزمان حول واقعة الهولوكوست على قناتها TRT، وهو ما يشكل سابقة في تعامل العالم الإسلامي مع تلك الواقعة. كما تمت الإشارة بالمناسبة إلى كل أشكال التداخلات التي تكتنف المواقف المختلفة إزاء تلك الواقعة وأمثالها، ما بين موقف مسؤولية فلسفة الأخلاق، التي تنظر إلى الواقعة في حد ذاتها، وبين موقف التوظيف الأيديولوجي لها، اعترافا أو أنكارا، في خضم براغماتية التدافع السياسي والجيوسياسي.
وفي هذا الإطار تمت الإشارة إلى أن إقدام تركيا على ما أقدمت عليه، وهو أمر ذو دلالة فكرية وأخلاقية على كل حال في باب مسؤولية مفهوم الاستخلاف، قد تزامن مع الإعدادات التي كانت جارية في فرنسا للمصادقة على قانون يجرّم إنكارية "الإبادات الجماعية" التي تعترف بها الدولة الفرنسية، بما في ذلك ما عرف بواقعة "إبادة الأرمن" في تركيا ما بين سنتي 1915 و1916؛ وهو تزامن قد يوحي بأن الأمر يتعلق بمقايضة لوبوية على مستوى جماعات الضغط، مقابل غض الطرف عن هذه الواقعة الأخيرة. وقد ردّ وزير الخارجية التركي على موقف فرنسا بقوله، في باب فلسفة حرية التفكير والتعبير: ("إن محاكم التفتيش في طريق عودتها إلى فرنسا")، بينما كان الرئيس الفرنسي قد قال في باب المسؤولية الأخلاقية بأن ("إبادة الأرمن الجماعية واقعةٌ تاريخية. وإن تركيا، التي هي بلد عظيم، ستعظم أكثر إذا ما راجعت تاريخها كما فعل ذلك كثير من البلدان في العالم. إننا نصبح دائما أكثر قوة حينما ننظر سويا إلى تاريخنا"). وقد تم التساؤل أخيرا عما إذا لم يكن القولان معا من قبيل الحق الذي يحتمل أن يكون وراءه التصريح به باطل؛ وذلك من حيث أن ليس على السلطات التركية إلا أن تكف عن التجريم القانوني على أرضها للحديث عن إبادة الأرمن، وأن ليس على فرنسا إلا أن تحقق مثلا في دور قواتها في الإبادة الجماعية التي تمت في رواندا.
ثم إن هناك مستوى آخر يؤثر في التعامل مع مثل هذه الوقائع التاريخية ويزيد في القوة الإدراكية لها من عدسة المنظار الأيديولوجي، فيرجّح بذلك جوانب التعامل معها سياسيا على حساب التعامل معها على المستوى الأخلاقي المجرد. إنه مستوى خلفية الأبعاد الثقافية الخاصة لدى مختلف الفرقاء فيما يتعلق بأسس تصور عناصر الهويات الجماعية. ففي إحدى دراساتها حول مدى إدراكية الفكر الكوني لواقعة إبادة التوتسي في رواندا في التسعينات من القرن العشرين، أوردت الباحثة المغربية، نزهة الطاهري، مقتطفا من كتاب لأحد الناجين من تلك الإبادة، 'جان ماري روراغوا'، يقول فيه الكاتب:
("كان لي يوما حديث مع سيدة يهودية كنت أتردد، كزبون، على مكتبتها لشراء كتب وأشرطة فيديو حول الهولوكوست، لأنني كنت أرغب في أن أعرف مزيدا عن إبادة اليهود، لعلي أقف على ما تشترك فيه مع إبادة التوتسي في رواندا. وقد لاحظت بأن تلك السيدة، التي كانت تقترح علي الكثير من الوثائق حول الهولوكوست، لا تعرف شيئا عن الإبادة الجماعية لـ'التوتسي'. ولما شرعت في شرح ذلك لها، قالت لي، كما لو أنها تريد إسكاتي: انظر يا أخي، الأمران مختلفان؛ فبالنسبة لكم، كانت هناك حرب بين قبائل").
فبقطع النظر عن واقعية هذه الرواية (والرواية من أسس بناء ذاكرة الأحداث مهما كان نوع ما يسمى بالوثائق)، فإنها تترجم وجها من أوجه ذلك البعد الثقافي الهوياتي الذي يجعل من واقعة معينة إما واقعة تاريخية تفرض نفسها على الوعي الأخلاقي الكوني، وإما مجرد حادثة من حوادث سير مجريات أمور الطبيعة مهما كانت شدة قوتها في حد ذاتها. ولعل الخانة الأخيرة من خانات أوجه التصور هي التي تؤطر كثيرا من الإبادات الجماعية في العصر الحديث، مثل إبادة التوتسي في رواندا، وإبادة الإثنية البوسنية المسلمة في سريبرينيتشا خلال حرب البوسنا-هيرزيكوفين في منتصف التسعينات الماضية.
فبحكم الثقافة الجماعية للجماعات الضحية في هاتين الحالتين، لم يصادف هذان الحدثان لدى الجماعة الضحية إطارا ثقافيا يجعل من ذاكرة المحن والشدائد التاريخية المشتركة للجماعة مقوما أساسيا من مقومات بناء الهوية، مقوما تتشكل خلفيته من ديوانٌ راسخ من النصوص المؤسّسة والأدبية والفنية، وكذا نظام مهيكل من الرمزيات الطقوسية والاحتفالية المؤطرة للتربية. فإذا كانت الجماعات الإسلامية، مثلا، قد هبت من سائر الأصقاع للمحاربة في البوسنة أثناء الحرب من منطلق التماهي الهوياتي، فقد نسوا الأمر بمجرد أن وضع الحلف الأطلسي حدا لتلك الحرب وهو يستحضر شبح الفاشيات والنازية الجديدة التي لا يأمن الغرب الديموقراطي عودتها، فتراه يحتفل سنويا بما يذكـّر بها الأجيال، ومن بين ذلك الاحتفالُ بذكرى الهولوكوست. وذلك الغرب هو الذي واصل متابعة مجرمي تلك الإبادة أمام العدالة الدولية بتهمة "الجريمة ضد الإنسانية"، وذلك من منطلق شعوره بمهمة الاستخلاف.
صحيح أن هناك فرقا، من ناحية مسؤولية فلسفة الأخلاق، ما بين فعل مؤسسي يصدر عن مؤسسة مهيكلة، ويُستند في تصور طبيعته إلى إطار فكري مصوغ خطابُه سياسيا، ويُعتمد في تنفيذه على خطة تنفيذية موصفة وموكولة إلى هيئات نظامية - وتلك كانت حالة الهولوكوست التي خططتها ونفذتها الدولة النازية- وبين فعل ينتج عن مجرد عنف الجماعات غير المهيكلة من الناحية المؤسسية كما يحصل مثلا في صدامات كرة القدم بين كتل بشرية خام فيسفر في ساعة واحدة عن مئات القتلى دون أن يكون بالإمكان تحديد هيئة مسؤولة موصوفة. وفي ما بين الحالتين درجات متفاوتة. فمثلا، الميليشيات التي تتشكل في فترات انعدام الدولة أو تفككها تمثـل أوجها مختلفة من ذلك التفاوت؛ فتكون المسؤولية في هذه الحالة مسؤوليات أفراد، كالزعماء مثلا. غير أن المسؤولية، كما يتصورها القانون الكوني الاستخلافي الذي ما فتئ يطور نفسه، قد تصور لها هذا القانون أوجها أخرى في مثل هذه الأحوال. فهناك مثلا مسؤولية الدولة المهيكـَـلة التي يكون لها تواجد عسكري في مكان وزمان الواقعة. وفي هذا الباب تدخل مسؤولية إسرائيل مثلا في مذابح صبرا وشاتيلا، التي اقترفتها بعض الميليشيات اللبنانية في مخيمات الفلسطينيين إثناء احتلال إسرائيل لبيروت. وفي هذا الباب كذلك يتم التساؤل عن مدى وجود نصيب من مسؤولية فرنسا عما وقع في رواندا.
غير أن كل هذا لا ينفي وجود ثقافة مترسخة بدرجات متفاوتة كما سبق أن قيل، تجعل من ذكرى المحن والشدائد الجماعية عماد بناء الهوية الجماعية. وبما أن الهوية بصفة عامة مفهوم ثقافي تكويني يبنى ويعاد بناؤه باستمرار أكثر من كونها معطى جوهريا أزليا وقبليا، فإن أقصى أوجه بناء وإعادة بناء الهوية هو إضفاء القدسية على عناصر بنائها. وفي هذا الصدد، هناك اتجاهات قوية لاسترداد واقعة الهولوكوست وإدراجها في خطاطة هوياتية خاصة غيبية أزلية، بدل إدراجها في السجل العام لوضعية الإنسان والبشرية كافة التي خلقت في كبد بما لها وما عليها.
وهكذا نجد مثلا بأن بعض الطبعات الحديثة لسيرة الهاكادا (הגדה של פסח) اليهودية، التي يتم ترديدها خلال طقوس ليلة عيد الفصح، والتي تذكر بظروف خروج بني إسرائيل من مصر وانعتاقهم من استعباد فرعون، وبكل الشدائد والمحن التي تروي بأن بني إسرائيل قد عاشوها مع جيرانهم في الشمال وفي الجنوب، نجد أن تلك الطبعات قد أخذت تدرج مقتطفات من شهاداتٍ حول الهولوكوست في نهاية نص الهاكادا. وبهذا تعطي لواقعة الهولوكوست بعدا دينيا أزليا يندرج في إطار برنامج مصير قدري غيبي أزلي لامتحان بني إسرائيل وتذكيرهم كل مرة بخطاياهم في باب كل ما يغري بعضهم بنسيان المحطات المرجعية للهوية الجماعية المتفردة، كما حصل مثلا في فترة النهضة اليهودية في أوروبا المعروفة بـ"الهاسكالا" (השכלה) التي كان فلاسفتها ومفكروها ينادون بالاندماج المدني لليهود في الدول القومية الحديثة الناشئة.
إن تربية قائمة على أساس هذا الإدراج للهولوكوست في إطار قدرية أزلية خاصة هو ما يجعل مثل تلك السيدة التي تحدث عنها صاحب الكتاب عن إبادة التوتسي، لا تقوى على أن تتصور بأن مثل ما قامت به النازية في حق اليهود يمكن أن يكون قد حصل، أو يمكن أن يحصل لمجموعة بشرية أخرى. ومن هنا نفهم النقاش الأيديولوجي المعجمي الذي تلح من خلاله بعض الأوساط على أن يتميز به الفعل النازي في حق اليهود، من حيث تسميته ("الشوا" أو "الهولوكوست")، هذه التسمية التي تعتبر تلك الأوساط إطلاقها على غير تلك الواقعة من بقية أوجه الإبادات الجماعية، تهوينا وابتذالا لتميّز تلك الواقعة بالذات كحدث قدري وأزلي.
إذا كان كل هذا صحيحا، فيتعين الإلحاح مرة أخرى على أنه عبارة عن وجه من الأوجه الكثيرة للاسترداد الأيديولوجي لواقعة الهولوكوست، اعترافا أو إنكارا، وأن هذا الوجه الأخير من الاستردادات الأيديولوجية لا يعفي كل من يؤمن بمفهوم الاستخلاف من ضرورة تكوين تصور معرفي عقلاني عن واقعة الهولوكوست وأمثالها بدل مجرد التراوح بشأنها ما بين تصوّر أيديولوجي وآخر: إما ترويج طبعات متعددة مجهولة الناشر من كتاب "كفاحي" على كل الأرصفة، وإما إدراج شهادات الهولوكوست في طبعات الهكادا ليرددها الأطفال طقوسيا إلى جانب مرددة אחד מי יודיע التي تقول في مستهلها ("واحد، من يدري من هو؟ الواحد، أنا أعرف من هو؛ هو الله ربّـنا").
القسم الأخير عبر الرابط الآتي
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 345 autres membres