OrBinah

(EN ARABE) De Salah Sharki à Simon Lévy: le souci de la mémoire

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller  dans  la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)

 

من الفنان صالح الشرقي إلى المناضل والمفكر شمعون ليفي

همّ الهوية والذاكرة

 

ودعنا قبل أسابيع الفنان والباحث الموسيقي والإثنوموسيقي صالح الشرقي (21 نوفمبر 2011)، وقبل أسبوع فقط (2 ديسمبر 2011) ودعنا المناضل والمفكر الباحث، شمعون ليفي.(1) كان كل منهما حاضرا على صعيد معين من أصعدة الفضاء الثقافي والفكري المغربي خلال نصف قرن. كان صالح الشرقي عازفا ماهرا على آلة أصيلة هي آلة القانون، ومؤلفا مؤسيقيا، وباحثا في تاريخ الأغنية المغربية خلال القرن العشرين من حيث الأنواع، ومن حيث الهيكلة المؤسسية للأجواق، وتوالي الأنواع الغنائية. وقد ألف في ذلك ما لم يؤلفه غيره ("المستظرف في قوانين الفن والموسيقى"؛ "القانوني في الموسيقى المغربية"؛ "أضواء على الموسيقى المغربي"ة؛ "الإيقاع والمقامات"؛ ثلاثي، رباعي خماسي"؛ "جُـل تـرَ المعاني"؛ Musique marocaine ; Trio El-Moacili). وقد كان الهم الأكبر عند صالح الشرقي من خلال ذلك التأريخ المعتمد على المعرفة والتجربة الميدانية هو رصد أوجه بروز أو تواري هوية الموسيقى المغربية حسب الفترات، ورصد ارتقاء أو تدني الذوق الموسيقي المغربي.

أما سيمون ليفي فقد ملأ صوته فضاء التدافع السياسي والأيديولوجي خلال نفس الفترة، ومن ذا الذي لا يعرفه في ميدانه، كما أنه ليس هناك من لا يعرف صالح الشرقي في ميدانه؟ لكن الانشغال بالسياسة لم يثن شمعون لفي عن أن يحتل مكانة مرموقة في حيز الإسهام الفكري، بالمنهج الأكاديمي، محاضرة وتأليفا في فضاء الفكر المغربي. وقد انصب أكبر جهده في هذا الصدد على نفض الغبار عن المنسي من تاريخ المغرب سواء على مستوى التدافع الحدثاني أم على مستوى التدافع الفكري. وقد جمع نصيبا مهما من تلك الأعمال المنشورة والمنجمة على حوالي ثلاثين سنة في كتاب له كان قد حصل لي شرف تقديمه في 7 مارس 2002 بمكتبة كليلة ودمنة بالرباط:  (Essais d'histoire et de civilisation Judéo Marocaine). بل إن ذلك لم يحل بينه وبين الإسهام بقوة في ميدان أكثر تخصصا وتقنية ألا وهو تاريخ الدياليكتولوجيا المغربية الذي حرر فيه أطروحة ضخمة للدكتوراه ما تزال تنتظر النشر.

لكن ما الذي يجمع، يا ترى، بين هذين الشخصيتين؟ أنه همّ دور المتحفية أو التحافة (muséographie) في بناء وصون الشخصية والهوية الوطنية وتدعيمهما. قضى سيمون ليفي قرابة ربع قرن في ترميم البيع والمزارات اليهودية المغربية، من وجدة إلى أرازان وأقا، وفي جمع التحف التاريخية المؤرخة لبعد أساسي من أبعاد جذور الهوية المغربية كما أقرها الدستور الجديد مؤخرا، ألا وهو البعد العبري. وقد توج كل ذلك بتأسيس "المتحف اليهودي المغربي" وإدارته إلى آخر حياته بالدار البيضاء. أما صالح الشرقي، وهذا ما لا يعرفه إلا القليل من أصدقائه، فقد خصص بمنزله قاعة كبرى علوية إضافة إلى غرفة ملحقة بالحديقة، ضمـّـنهما عدة مئات من القطع المتحفية، ما بين تحف فنية عامة، وآلات موسيقية قديمة وأحيانا لشخصيات بعينها، وصور فوتوغرافية أو زيتية لموسيقيين أو أجواق يعود بعضها إلى العشرينات من القرن العشرين. وقد دعاني رحمه الله في أبريل 2009 إلى منزله وكرّمني بزيارة لمتحفه المنزلي، وكان لا يفتأ يردد تخوفه من أن يضيع ذلك التراث الذي هو قطعة من قطع الذاكرة الفنية المغربية. وقد حرر رسالة أعطاني نسخة منها ووزعها على كثير ممن كان يتوسم فيهم غيرة على أعشار تلك الذاكرة لعله يحظى بمجرد فضاء يعرض فيه تلك التحف لفترة من الزمن، عسى أن يقيـّض ذلك بعض من يتولى انتشال تلك التحف من جرف النسيان. ولا أعتقد بأن أي شيء من ذلك قد تم، وكنت شخصيا قد حدثت في شأنه بعض المسؤولين عن الفضاءات بدون طائل. إنهما مبادرتان خاصتان مختلفتان (مبادرة ليفي ومبادرة الشرقي) تمتا في غياب أي عناية مؤسسية عمومية في بابهما.

هذه لمحة خاطفة عن جانب من جوانب الهموم الثقافية التي تجمع ما بين الشخصيتين اللتين ودعتانا في الأسابيع الماضية؛ أي الحرص الشخصي، خارج أي عناية مؤسسية، على مختلف اوجه الجانب المتحفي للذاكرة الهوياتية الوطنية. وبما أنه بمقابلاتها تتحدد طبائع الأمور وتبرز دلالاتها، ولكي نعطي لهمّ كل من الفقيدين معانيه في سياق ما تمّ وما لم يتم، نشيرُ في ما يلي إلى مجموعة من الوقائع المصاحبة والمفارقة في نفس الوقت.

فقبل أسابيع (10 نوفمبر 2011)، وعلى إثر ندوة تكريم المستمزغ الهولندي، هاري شترومر، المشار إليها في حلقة سابقة، والتي نظمتها جامعة ليدن بهولندا، كان المشاركون في الندوة على موعد، في المساء، مع معرض بخزانة الجامعة نظمه السيد بول دحان Paul Daha، عضو مجلس الجالية المغربية بالخارج، ليعرّف من خلاله بـ"مركز الثقافة اليهودية المغربية" الذي أسّسه ويُديره ببروكسيل ببلجيكا. إنه فضاء للتنشيط الفكري والثقافي زيادة على كونه يضم 1500 قطعة متحفية، وخزانة من 8000 وثيقة متعلقة بالجماعات اليهودية المغربية ما بين مخطوط ومطبوع، موزعة التحرير ما بين الفرنسية، والعبرية، والعربية المدونة بالحرف العبراني والإسبانية والإنجليزية، إضافة إلى أرشيف قوامه 30.000 وثيقة متعلقة بجماعات اليهود المغاربة، وإلى حوالي 3000 وثيقة مصورة (صور فوتوغرافية، بطائق بريدية، رسوم)، وإلى حوالي 50 وثيقة سمعية بصرية. وقد تم ذلك الحفل بحضور جمهور غفير من الأكاديميين إضافة إلى عدة شخصيات رسمية وشبه رسمية من بينها السيدة ميمونة الراضي، المستشارة المفوضة من سفارة المملكة المغربية بالمملكة الهولندية، والسيد هيرمان أوبايجين (Herman Obeijin)، مؤسس "مؤسسة المغرب- هولندا 400". وقد تناولت شخصيا الكلمة بعد تقديم السيد بول دحان مؤسس ومدير المركز لأُعَـقـّبَ على بعض دلالات ذلك التراث اليهودي المغربي بجميع أوجهه، خصوصا وأنني كنت قد شاركت من جهة أخرى في السنة الماضية (أبريل 2010) في ورشة عمل نظمتها خزانة جامعة يال Yale بـ"نيوهافن" بالولايات المتحدة، وذلك لمدة أسبوع، تم خلالها جرد رصيد تلك الخزانة من المخطوطات اليهودية المغربية (من فاس، ومكناس، ووزان، مراكش، وتارودانت، وتافيلالت، الخ) وتبويب ذلك الرصيد الموزع ما بين العبرية والعرية المدونة بالحرف العبري، وتلخيص مضامين كل ذلك.(2)

أما الحدث الثاني ذو الصلة بهمّ كل من الفقيدين اللذين لا تشاطرهما إياه أية مؤسسة عمومية، فهو تدشين "المتحف الأمازيغي" قبل أيام، أي يوم السبت 3 ديسمبر 2011 بـ"رياض ماجوريل" بمراكش بعناية ورعاية مؤسسة "بيير بيرجي - إيف سان لوران"، وبحضور وزير الثقافة الفرنسي فريديريك ميتيران. وكانت هذه المؤسسة قد عمدت إلى تشكيل لجنة علمية متعددة الاختصاصات للسهر على مراحل تصور وإنجاز هذه المأثرة الثقافية (المهندسة والأنثبوبولوجية، سليمة الناجي، والأنثروبولوجي أحمد سكونتي والأنثروبولوجي Romain Simenel)؛ وقد قمت من جانبي، بطلب من المؤسسة، بإعداد ورقة تقديمية باللغتين العربية والفرنسة تتعلق بوجه من أوجه العمق التاريخي للثقافة الأمازيغية، تحت عنوان "الأمازيغ ومسألة الشأن المقدس".

وهكذ،ا فإن التراث المغربي المتعدد الأوجه (رسوم ونقوش صخرية، قطع متحفية، مخطوطات باختلاف لغاتها وحروف كتابتها، الخ) يبدو أنه إلى حد الساعة "خارج التغطية" بالنسبة لهموم العناية المؤسسية العمومية. والحال أن "الطبيعة لا تقبل الفراغ" كما قيل في حلقة سابقة في شأن المخطوطات الأمازيغية على الخصوص ("الدراسات الأدبية المغربية، وعولمة البحث العلمي") وأن "من أحيا أرضا مواتا فهي لهخصوصا مع منطق العولمة الذي حَكم فضاءَ البحث العلمي والإنتاج الثقافي وتدبير رصيد وثائق الذاكرة لزمن طويل قبل أن يطال اليوم ذلك المنطق فضاءات الاقتصاد والإعلام والاتصال.

ولعل استحداث مؤسسة "أرشيف المغرب" مؤخرا مبادرة تـَـعِـدُ بأن يتم تداركُ ما يمكن تداركه مما تبقى في باب الوثائق المكتوبة التي لم يتم بعد تهريبها بشكل أو بآخر. فحتى يومنا هذا، هناك مثلا في هذه الأيام بالذات من هو منهمك على جرد ورقمنة (numérisation) الرصيد المخطوط الذي يحتوي عليه المتحف اليهودي المغربي بالدار البيضاء الذي سبق ذكره. ولست أدري ما إذا كانت قد خضعت العملية الجارية لترخيص معين مشفوع بشروط (تمكين الأرشيف الوطني مثلا من نسخة من نتائج العمل). كما أعرف بأن هناك جيوبا أخرى ما تزال تحتوى على مادة مهمة من نفس القبيل من الوثائق اليهودية المغربية (المجلس الأعلى للقضاء مثلا) ولكن لست أدري ما مصير هذه المادة وما إذا كان ذلك الرصيد ذو الطبيعة الخاصة سيفتح قريبا أمام مؤسسة "أرشيف المغرب" الحديثة العهد.

أما فيما يتعلق بجانب آخر من جوانب ما تبقى من التراث المغربي المخطوط (التراث الأمازيغي)، الذي يتعين التذكير بإلحاح بأنه موزع ما بين عربية مدونة بحرف عربي، وأمازيغية مدونة بحرف عربي، وعبرانية مدونة بحرف عبراني، وعربية فصحى أو دارجة مدونتين بحرف عبراني كذلك، فإن نقطة الضوء الوحيدة التي لمعت مؤخرا في كل ذلك الفضاء المشاع الذي تجد فيه بعض أوجه التراث المغربي المخطوط نفسها على المستوى المؤسسي، هو الندوة الأخيرة التي نظمتها المجالس العلمية بجهة "سوس-ماسة-درعة" بشراكة مع كلية الشريعة بأيت ملول، في موضوع "الأمازيغ والوحدة الدينية والوطنية بالمملكة المغربية". فبقطع النظر عما يمكن أن يقال عن المفهوم الذي يفيض، بحكم علم المعاني، عن منطوق عنوان الندوة، فإن المتتبع لأطوار ومضامين هذه الندوة سيكون قد لاحظ بأن منعطفا ثقافيا مهما يرتسم في الأفق؛ وربما كانت لنا عودة إلى ذلك الحدث في هذا العمود بتفصيل.

---------------------------

(1) أنظر:

 https://orbinah.blog4ever.com/blog/lire-article-162080-3456352-hommage_a_simon_levy.html

(2) أنظر:

  http://www.library.yale.edu/judaica/site/conferences/northafricanjewry/melmedlaoui.php



16/12/2011
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres