OrBinah

(EN ARABE) 3-L'éthique, la politique, l'école et la rue (quel rapport)-3

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller  dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)

 

مسألة "القيم" في موسم "الحراك"

(3) أخلاق الوازع والورع، وأخلاق الخوف والطمع

 

القسم الأول عبر الرابط الآتي:

https://orbinah.blog4ever.com/blog/lire-article-162080-2592393-_en_arabe__1_l_ethique__la_politique__l_ecole_et_l.html

 

 

 في نص سابق من نصوص "مساءلة البداهة" يتناول تصور نظرية موسى مانديلسون الأخلاقية للعلاقة بين الدولة والدين والفرد المدني، وردت الفقرات التالية:

((... ولذلك فليس جديرا بالدولة أن تـنـصّب نفسها كهيئة ضميرية مفعِّـلة وضامنة لكل الواجبات الأخلاقية للفرد، محوِّلةً هذه الواجبات الفردية جميعا من دائرة الوازع الداخلي إلى مجال صلاحيات حقّ عامّ [تضبطه الجزاءات المدنية للجماعة]. فالإنسان إنما يشعر بقيمته الخاصة حينما يقوم بفعل كثير من أوجه الصلاح (...) انطلاقا من وازعه وإرادته؛ أما عندما يفعل أي وجه من أوجه الصلاح العام أو يتجنب وجها من أوجه الفساد لمجرد أنه مجبَـرٌ على ذلك، فإنما يشعـر بما يشكله حصولُ ذلك الصلاح وتجنب ذلك الإفساد حينئذ من إكراه خارجي.))

وتنسحب هذه الأخلاقية عند مانديلسون حتى على جوهر الدين في حد ذاته، فهو يهـوّن من قيمة أي تدين يقوم على مجرد أسـس الرغبة، والرهبة، والخوف، والاتقاء ولو سُمّي ذلك بـ"التقوى" (יריאת אלהים)، إذا ما قيس ذلك بـتدين الورع الحر والمتجرد. وفي ذلك  يضيف مانديلسون قائلا:

((وبناء على هذا، فإن واحدا من أهم جهود الدولة هو العمل على أن تمارسَ الحكمَ في الناس من خلال [التربية على] القيم الأخلاقية؛ والحال أن ليس هناك من سبيل للرقي بالمعتقدات، وبالتالي، لتحسين القيم الأخلاقية، سوى سبيل الإقــناع بالموعظة. فالقوانين والتشريعات لا تغيّـر المعتقدات؛ والعقابُ والتوابُ التحكّـميان لا يولّـدان أي مبادئ، ولا يهذبان أي أخلاق. فالرهبة والرغبة ليستا مقياسا لحقيقةِ الحالةِ الأخلاقية لطـوّية الإنسان. وحْـدَها المعرفةُ، وإعمالُ النظر، والإقناع، يمكن أن تؤسس المبادئ، التي من شأنها - في تكامل مع دور السلطة ونماذج مُـثُـل الاقتداء - أن تتحول إلى قيم أخلاقية [لا تحتاج في تنزيلها في السلوك إلى قهرية سلطة خارجية، حسيةً كانت أم معنوية]. وهنا بالضبط، يأتي دور المؤسسات الدينية المهيكَـلة، في التعاون مع الدولة؛ وبذلك الدور تكون الكنيسة عُمدة أساسية من عُـمَـد إسعاد المدينة. فمن المهام الأساسية للكنيسة إقناعُ الناس، بأعمقِ ما يمكن، بحقيقية المبادئ والمعتقدات النبيلة، فتبيّـنَ لهم بأن الواجبات تجاه الإنسان هي في ذات الوقت واجباتٌ نحو الله، وبأن الإخلال بها في حد ذاتها هو صميم الشقاء - إذ إنه لا يتقي الله من لا يوقّـر ولا يُـكرّم الإنسان – وتبينَ لهم بأن خدمة الدولة هي عبادة حقيقية لله، الذي يُـعتبَـر الخيرُ وفعلُ الخير أقدسَ أوجه إرادته، وبأن المعرفة الحقيقية بالخالق لا يمكن أن تـتعايش في النفس مع أي وجه من أوجه البُغض والكراهية [للانسان]. إن غرس كل هذه القيم الأخلاقية لـمهمةُ من مهام الكنيسة وواجبها، وصلاحية من صلاحيتها؛ وإن تلقين تلك القيم للناس لمهمةُ دُعاتها وواجبُهم)).

أما "التشبع بروح الحرية" الذي كان قد أشار مانديلسون  في مكان آخر إلى اختلاف الاستعدادات التاريخية للأمم في بابه، حسب "مستويات التهذيب الثقافي" الذي بلغته في ما يتعلق بأنظمة الحكم الملائمة، فإن مانديلسون يستعمله بالمفهوم الحقيقي لـ"التشبع"، أي الحالة التي تصبح فيها قيمُ مفهوم الحرية المستوعَب جيدا، مقوّما من مقومات الوعي الذي يعطي للحياة معنى ويجعلها جديرة بأن تعاش بما تتطلبه من سعي ونصَب وتدافع، وليس مجردَ شعار لفظي سياسي يُستعمل في لحظات ضعفِ دولةِ الاستبداد أو الحكم المطلق، حيث تُخاض باسم ذلك الشعار، وباسم كثير من ألفاظ المبادئ الأخرى، حربٌ تـتـنازع من خلالها، في الواقع وفي الحقيقة، نزوعاتُ الاستبداد المتمكـنة في العمق من سائر الفرقاء، الذين يجرؤ كل فريق منهم، في مثل تلك الأحوال، على الحاكم المستـبـد، بِنـيّـة الحلولِ مكانَـه، رافعا فيها مثلا شعار "الشعب يريد إسقاط الاستبداد" (فتح الله أرسلان: "الأيام الأسبوعية"؛ ع: 01 أبريل 2011؛ ص:24). وفي هذا الصدد، يردّ مانديلسون نظرية هوبز في فلسفة الحكم باعتبارها مجرد رد فعل فكري غير عقلاني، إذ يرى أن تلك "النظرية" صادرة لدى هذا الأخير عن مجرد حيثيات ظرفية معينة عايشها هوبز شخصيا، وليست صادرة عن تصور عقلاني مبدئي لأسس الحق الطبيعي، فقال مانديلسون:

((لقد عاش توامس هوبز (Thomas Hobbes) في فترة كان فيها التعصب المقرون بمفهوم مشوَّه للحرية لم يعد يعرف حدودا، وكان فيها ذلك التعصب مستعدا ليعرك السلطة الملَـكية تحت الأقدام، وليـقوّضَ مؤسسةَ المُـلك برمتها. وإذ كان هوبز قد سئم من استشراء الفتنة المدنية، وهو الميـّال بطبعه [كمفكـر] إلى حياة تأملية هادئة، فقد اعتبر الهناء والسلامة [المدنيـين] أعظم أوجه الخلاص والسعادة [في المدينة]، بقطع النظر عن كيفية حصولهما. وهو يرى أن هتين المزيتين لا يضمنهما إلا وحدةُ غير منقوصةٍ لأعْـلى سلطةٍ في الدولة [أي سلطة الحاكم]. فهو يعتـقد، إذن، بأن رفاه وسعادة الحياة العامة لن يكونا إلا أحسنَ حالا، وأكثر ضمانا حينما يصبح كل شيء، بما في ذلك أحكامُـنا [الفكرية] حول الصواب والخطإ، خاضعا للقوة العليا للسلطة المدبّرة للشأن العام في المدينة. ولإضفاء المشروعية على ذلك، يفترِض هوبز أن الطبيعة قد جعلت الإنسانَ مستعدا وميسَّرا لكل ما حبَـتْـه تلك الطبيعةُ القدرةَ على القيام به أو الحصول عليه. فحالُ الإنسان باستعداداته الطبيعية تلك، هي حالُ قلاقلَ وحروبِ الجميع ضد الجميع، حيث يمكن لكل واحد أن يفعل ما له القدرةُ على فِعله. وقد استمرت [حسب هوبز] هذه الوضعيةُ غير السعيدة إلى أن تواضعَ الناسُ على وضع حد لشقائهم بالتنازل عن الحق والقدرة [الفرديين] كلما تعلق الأمر بسلامة الحياة العامة، وبوضْعِ كِلا  تينك الملَـكتين في يد السلطة المؤسَّـسة القائمة. وبناء على ذلك، يصبح كل ما تأمر به السلطة هو الحقّ والصواب [حسب ما يراه هوبز])).

إن الوضع الذي وصفه مانديلسون بدقة في حديثه عن الظروف التاريخية الخاصة التي دفعت بـهوبز إلى التنظير لأوجه الاستبداد يكاد يتطابق مع ما سمي اليوم بـ"الحراك" في أكثر من ساحة وميدان. فما هو موقع طبيعة الأخلاق عامة في تلك الأوساط، ما بين أخلاق الوازع الداخلي وأخلاق الخوف من قوة خارجية؟ القوة الخارجية التي يمكن أن تفرض الوصاية والولاية على ضمير الفرد فتنتهي بالحلول محله هي سلطة الجماعة، متمثلة حسب الفضاءات، في سلطات الأسرة والمدرسة والدولة، والدائم الديّان في نهاية الأمر كما تصوره نوعية التربية الدينية في فضاءات تلك السلطات الثلاث الأولى.

فكل من هذه السلطات الثلاث يختص بنوعية من القيم (الأعراف في فضاء الأسرة، ومساطر الانضباط في المدرسة، والقانون في الفضاء العمومي)؛ إلا أنها تشترك جميعا رغم اختلاف في المنهج والمستوى والمضمون، في باب التأطير الديني للفرد؛ مع العلم أن الدين كما هو معيش تاريخيا قد شكل دائما دائرة من دوائر الفكر والوعي تتداخل فيها أبعاد الحقيقة الأزلية المطلقة مع المعطيات الثقافية الخاصة. والذي يميز التربية الدينية بصفة عامة في الأوساط المشار إليها أعلاه هو منحاها الثقافي التربوي الذي يقيم كل أسس البعد الديني لوعي الفرد على رادع "الترهيب" وحافز "الترغيب"، أي "التواب" و"العقاب" معبَّرا عن مضامينهما بمفاهيم حسية فجّة سواء تعلق الأمر بالعاجلة (الحدود) أم بالآجلة (الجنة أو جهنم)، وعدم قدرتها التاريخية على الرقي بالفكر الديني مع تواتر تهذّب الفكر الإنساني المتدرج في حضارة الاستخلاف إلى درجة تجعل الفرد يدرك فضيلة الخير كقيمة موجبة في حد ذاتها تعطي لوجوده جدارة ولمصيره معنى، وتجعله يدرك الشر كقيمة سالبة في حد ذاتها وتنتقص من كرامة الإنسان وجدارته، فيفعل الصلاحَ ويتجنب الإفسادَ لا يريد في ذلك، مبدئيا ومن حيث الباعث المحرك، لا جزاء ولا شكورا. هذه الخطاطة الأخلاقية التي تحجرت تاريخيا في مرحلة الأساس المصلحي المباشر للفرد، تنسحب على مجمل برصة القيم الأخلاقية للفكر الديني في ثقافة تلك الأوساط على اختلاف مستوياتها، على حد سواء في أبواب الإيمان أو التعبّد أو المعاملات. وتبرز معالم تلك الخطاطة صارخة بشكل كاريكاتوري كلما تعلق الأمر بالمستويات التعميمية الدنيا في أوساط الجمهور، وذلك من خلال أدبيات "أخبار الجنة والنار" وخطابيات الأدعية. فهذا كتاب بحر الدموع للهوزالي مثلا – وهو مجرد مثال من الأمثلة – يؤسس قيم منظومة الأخلاق التي تضمنها (معرفة الله، شكر نعمه، معرفة نبيه، طريقا الفلاح والخسران، التوبة، مصادر الغواية، حتمية الموت، أخبار الآخرة) على ترسانة حقيقية من روادع الترهيب وحوافز الترغيب الحسية، وذلك من خلال وصف طبيعي للجنة التي هي للمفلحين (أشجار وأنهار من ماء وعسل ولبن وسمن، الخ,)، ووصف طوبوغرافي معماري لها (أسوار من ذهب، وشرفات من فضة، الخ.) ولحياة الاستهلاك فيها (المأكل والمشرب الجنس والترفيه والراحة والعطالة، الخ.)، ووصف متفنن لنقيض كل ذلك في جهنم التي هي للخاسرين. وتربط تلك الخطاطة كلا من ذلك الترهيب والترغيب بنظام مصرفي للدائنة والمديونية قوامه وحدات الحسنات والسيئات، قائم على أساس مفهوم محاسباتي لكون الأولى تـُذهب الثانية؛ بل إن كشوف الحساب تمكـّن في الآخرة من التعامل بالمقاصّة بين رصيد ذمة الفرد المعين ورصيد ذمة غريمه في الدنيا حيث يرد فاعل السوء من حساب حسناته على ذوي الحقوق مما لم يصفّ في الدنيا إذا كان لديه رصيد، أو يُحال عليه من سيئاتهم إذا استنفذت حسناته (الأبيات 511-514). والخلاصة هي أن أخلاق الخوف والطمع سواء على مستوى البعد الديني أم المدني تبقى أخلاق "على حرف"، أي أنها متأرجحة  دائما ما بين سلوك المنافقين وأخلاق العبيد، بحيث إنّ كل حالة يتصور فيها الفرد غياب الرقيب، إنْ حقيقةً وإنْ وهْماً، مفضيةٌ بالطبع إلى انفكاك قيود نزعات الشر، في غياب الوازع الداخلي.

 

وإذْ أضيفَ إلى هذا الأساس الخارجي لضبط الأخلاق بالطمع والخوف تصورٌ آخر للإرادة والفعل ضاربٌ في أعماق الفكر المزدكي الإشراكي الذي يجرد الفرد بمقتضاه نزعات نفسه الأمارة بالسوء فيحملها على شخصية الشيطان، ويجعل من مفهوم طقوسي لـ"التوبة" بابا مفتوحا لتبرئة النفس وحمل الإدانة على الشيطان، تكون مسؤولية ذمة الفرد عن أفعاله قد نُسفت وألغـِيتْ ضمنيا إلى حد بعيد، تماما كما أن تجريد الكلمة والكلام في ثقافة الحفظ والإنشاء من المعنى الذي تفيده بالوضع يلغي في النهاية ما يترتب عن الكلمة من تعاقد والتزام بمقتضي مبدإ مطابقتها لمقتضى الحال والواقع، كما سبق بيان ذلك.

إن الأخلاق المبنية على الخوف والطمع في باب الانضباط من جهة، وعلى ثقافة يتم فيها تـتـفيه قيمة الكلمة والكلام في باب التعاهد والالتزام من جهة ثانية، هي ما يترجمه المثل المغربي الستيني-السبعيني الذي كان يقول في باب الاجتماع تجمهرا كان أم "حراكا" وفي ظل مفهوم السلطة لذلك الوقت وبأساليبه في ممارستها: "يْجمْعها بْندير، وتفْـرّقها زرواطة". وإذ يتأرجح  ذلك النمط من الأخلاق بالطبع دائما ما بين سلوك المنافقين وأخلاق العبيد، فإن كل حالة يتصور فيها الفرد غيابَ الرقيب، إنْ واقعياً وإنْ وهْما، مفضيةٌ بالطبع إلى انفكاك قيود نزعات الشر في غياب الوازع الداخلي، بحيث إن تخفيف مفهوم السلطة وأسلوب ممارستها لسبب أو لآخر دون أن تواكب ذلك تقويةٌ تربوية وثقافيةٌ لمفهوم الأخلاق كشأن داخلي مقره الضمير، يُفضي بالضرورة مع ذلك النمط من الأخلاق إلى انبعاث ما عُرف في فترات من تاريخ المغرب مثلا بـحالة "السايــبــة". فالسلطة، برموزها وبوسائلها القهرية، يمكن من الناحية المبدئية أن تختفي من فضاءات كثيرة، ولنمثل لها بفضاء تنظيم السير. فهذه الوظيفة السوسيو-اقتصادية يوكـَل ضبطها وتنظيمها في بلدان كثيرة إلى مجرد نظام تشويري وإليكتروني من الإشارات الضوئية، بينما يتطلب ذلك في بلدان أخرى وجودَ شرطة بهراواتها تجلـِد المخالِف في عين المكان بدل تحرير محضَر. ومن نكت ازدواج "الأصالة والمعاصرة" في هذا الباب، ممّا له عميق الدلالة، ما يُحكى عن ذلك المراكشي، الممثل لجوهر الثقافة المغربية، الذي كان ممتطيا دراجته الهوائية، يتحرك بها غيرَ مكترث، مراوغا ذات اليمين وذات الشمال في عرض الطريق وفي تؤدة، والهواء يملأ عليه جُبته كالبالون؛ وإذ بلغ خط الضوء الأحمر، فقد استمر في الدفع بدراجته بنفس الوتيرة وفي غير اكتراث؛ وفجأة سمع صفير صفارة ينبعث من تحت شجرة بعيدة كان شرطي المرور يستظل تحتها. قال الشرطي ببذلته المحترمة: "يـوا نتــا ا-هاداك خييّـنا ما شفتيش ضّـوّ لحمر"؛ فتوقف الدرّاجيّ حينئذ معتذرا في أدب مراكشي دائما: "لاواه، نْعام-اسّ، شفـتْ ضّوّ؛ نتايا لـّي ما بنتيـش لـيـّا !". وقِسْ على ذلك، من صاحب الدراجة أمام الضوء الأحمر، إلى أصاغر وأكابر المسؤولين في فضاءات أعمالهم وتعاملاتهم.

 

البقية عبر الرابط الآتي

https://orbinah.blog4ever.com/blog/lire-article-162080-2936057-_en_arabe__4_l_ethique__la_politique__l_ecole_et_l.html

 



16/08/2011
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres