OrBinah

(EN ARABE) 2-Glorifier la foi selon Al-Ghazali, Al-Samaw'al et Benamozegh-2

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller  dans  la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)

 

نصرة الدين، ما بين هدي العقل وأمر الخليفة

من الغزالي، إلى السموءل المغربي، وإلى إيليا بن أمازيغ

 

-القسم الثاني-

 

القسم الأول عبر الرابط الآتي:

https://orbinah.blog4ever.com/blog/lire-article-162080-2432632-_en_arabe__1_glorifier_la_foi__al_gazali__al_samaw.html

 

3. نموذج لتأهيل دين من الأديان

إن كلاّ من عملي المفكرين، مانديلسون وابن أمازيغ، رائدٌ في باب إعادة طرح مسألة ما كان قد أرّق جيل السموءل من بني طينته من "اختلاف الناس في الأديان والمذاهب" في المدائن؛ وقد أعادا معا طرح المسألة طرحا تجديديا حداثيا على ضوء بداية تبدل هيئة الدولة الحديثة في أفق تأهيل الديانة اليهودية للانخراط في تلك الحداثة. ولا تتمثل حداثيـة ذلك الطرح في ما قد يُـتصور اليوم من دعوة غوغائية أو منافقة لما أصبح اليوم يسمى "حوار الأديان" من أجل "التقريب بين العقائد"، وهي دعوة قديمة اتفق المفكران معا، بالرغم من بعد الزمن والثقافة والجغرافيا، على تسفيهها باعتبار أنها منافية لطبيعة القناعة الدينية، إضافة إلى أن ماندليسون، على وجه الخصوص، قد توسّم، بحق، في جوهر تلك الدعوة نفس الموقف الأيديولوجي المبطن الأقدم، الذي يجعل القبولَ المتبادلَ للأفراد والجماعات في حظيرة المدينة ("الدولة المدنية" بالتعبير الحديث) أمرا رهينا بوحدة العقيدة أو المذهب المعين من مذاهب عقيدة معينة.(3) إنما تتمثل تلك الحداثية الجوهرية، غير المزيفة وغير المزايدة، في تبيان ذينك المفكرين تبيانا قائما على العقل والمعرفة لا على الظن والهوى ومرويات "زعموا"، لحقيقة كون الديانات الحنفية (اليهودية والمسيحية والإسلام) ديانات متداخلة في مبادئها، متناصّة في نصوصها المؤسِّسة، ومتكاملة في جوهر قيم مقاصدها كما كان قد بين السموءل ذلك في حديثه عن الأنبياء، كما تتمثل تلك الحداثية في تبيان ذينك المفكرين إلى أي حدّ يكون من شأن التعارف المتبادل،('2) المبني على العلم والمعرفة، أن يكون لخير وفي صالح تأهيل كل واحدة من تلك الديانات على حدة، بشكل يمكـّن أتباع الملل الثلاث من التفتح الأخلاقي على المحيط الكوني الجديد بشكل يجعلهم ينعتـقون، في دينهم ودنياهم، من كل التشنجات والتوترات المدمرة التي لا تنبني إلا على أسس من نقائص التجاهل المتبادل، المبني على الجهل ومعاداة المعرفة.

بهذا التصور، يتأهل الدين لفضيلة تصالح العقيدة مع العقل ومع العلم، ومع الدولة الحديثة لمجتمع المعرفة كنتيجة لذلك؛ وبذلك لن تبقى نصرة الدين متوقفة على الزجر التربوي وتسيـيـج الذهن في باب، وعلى التعنيف البيداغوجي للدماغ بالحشو القسري لمدونة من الأحكام الجاهزة حول الوجود والحرية والمصير والمعرفة، في باب آخر، ولا على مجرد سلطان  مؤسسات "الرقابة على الغيرويقظة شرطة السلوك، وعنف القوات المساعدة في الحياة اليومية، وغير ذلك من أساليب كل ضعيفِ معنويا، مستبدٍّ ماديا.

إن كل فلسفة تربوية لمثل هذا الأسلوب الأخير لا تؤسس إلا أخلاق ومعنويات العبيد؛ وأخلاق العبد شديدة الهشاشة من حيث كونها ملغومة باستمرار بخطر انفلات نوازع أهواء طويته (من غرائز وأطماع وعدوانية النفس الأمارة بالسوء)، تلك الطوية التي لم يُربّ فيها الوازع الحر. إنها مخاطر انفلات النوازع في أي لحظة  من لحظات فتور عين الرقيب الخارجي أو تكسّر عصا قواته المساعدة. أي أن "أخلاق العبد" تبقى دائما تحت رحمةِ انفجار محتمل في كل لحظة لـبركان "حرية العبد الآبق".

هذا النوع الأخير من المعنويات، كحصيلة لمنهج من مناهج التربية يعتمد على الرقابة والزجر وتمثيل الضمير بالنيابة عن الغير، هو جوهر ما دعاه الأستاذ عبد الإله بنكيران في معرض حديثه عن أصداء مسودة الإصلاح الدستوري، حسب ما أوردت ذلك الصحافة (14 يونيو 2011) بـ"الهشاشة وعدم التكافؤ الثقافي"، وليس الهشاشة المادية الاقتصادية. فكثير ممن استهوتهم أطر شرائعية أخرى، غير التي تربوا فيها وعليها، لتفتيق مشاعر إيمانهم، لم يكونوا دائما فقراء؛ بل العكس هو الصحيح. وأبرز الأمثلة على ذلك هو إسلام السموءل المغربي قديما، واعتناق المغربي محمد عبد الجليل للمسيحية في عصرنا (1928) حيث أصبح قـُسّا كنسيا باسم Le prêtre Jean-Mohamed Abdeljalil، وهو من أسرة أريسطوقراطية جد ميسورة ومنخرطة في الحركة الوطنية، وذلك بزمن قليل قبيل رفع شعار "اللطيف" في المساجد، ذلك اللطيف الذي كان "يشفق" على فقراء "إخواننا البرابر" في "المغرب غير النافع" من مخاطر التمسيح بسبب ما يُعتـقـد من "هشاشة" عقيدتهم، أي من كونهم ممن "يعبدون الله على حرف" بسبب فقر مغربهم غير النافع، كما روجت ذلك الإثنوغرافية الفرنسية فصدّقها أصحاب اللطيف. ثم إن فقراء البودية أو الهندوسية مثلا، في شرق آسيا، ليسوا أبدا من الهشاشة الروحية بحيث تفترض ذلك النظريةُ "الاقتصادوية" التي تفسر كل الموبقات (الإرهاب، الانخراط في فرق الملل والنحل، العصيان في المدرسة، العدوان في الشارع وفي الحي وفي الملاعب، الاستهتار بالقانون بدءا بقانون السير، الإدمان على الكحوليات، استهلاك المخدرات والاتجار فيها، احتراف العهارة، ، الخ.) بـ"الأوضاع المادية الاقتصادية"، كما كان ذلك التفسير سائدا في "تحليلات" فكر دوغمائـيّــي المادية التاريخية من غلاة الشيوعيين. فأنت لو أنفقت كل ما في خزائن عائدات النفط جميعا، فقد تحصل على الشهادتين من على حرفي الشفتين وعلى كثير من التصريحات الفضائية من هذا "المفكر العالمي" أو ذاك، يسفه من خلالها كل الأديان ما عدا دينك الذي أفلحت دولاراتك في تأليف قلبه فيه، بل قد تحصل حتى على إرسال لحية وَقار هيـبّـيـة ستينية، بدلالات سيميولوجية ملتبسة حاليا، من طرف هذا النجم الرياضي أو الفني العالمي، أو على وضع "حجاب" إغراء على الرأس وحول العنق من توقيع أشهر الدور من "شانيل"، "ديور"، "سان-لوران" أو غيرها، من طرف هذه الفنانة الشقراء "التائبة" أو تلك، فيصفق لكل ذلك في الأخير جميع من في قلوبهم فراغ مهين رهيب، ولكنك لن تستهوي قطعاً بدولاراتك النفطية أفقرَ فقراء البوديين أوالهندوس أو الكونفيشيوس في جبال آسيا وصحاريها غير النافعة.

فلكل ذلك، أي كل ما يتعلق بتربية "أخلاق العبيد"، في مقابل تربية أخلاق المؤمن هذه الأخيرة باعتبارها حالة من حالات جهد الضمير والبصيرة، وليست مجردَ انضباط شكلي لقهر خارجي، يناهض مانديلسون كافـة أوجه القَـسَـم والأيمان اللفظية العلنية والشهادات التصريحية الصورية مما تــمّ توقيفُ صِيَـغه، في إطار أدبيات الفـقـهيـات الرِّبّـيـة وتم اعـتماده استصداره من الفرد كـمُستـنَـد لإثبات إيمانه أمام هيئة معينة، هذا الإثبات المُقتضَى الذي ينطوي بالقوة في جوهره على أُسُـس ممارسات الـتـفـتـيش (Inquisition) التي يعرفـها التاريخ من حين لآخر. وفي ذلك يقول في ما يتعلق بمؤسسة الدولة في هذا الشأن:

((ولذلك فليس جديرا بالدولة أن تـنـتـصب كهيئة ضميرية مفعِّـلة وضامنة لكل الواجبات الأخلاقية للفرد، محوِّلةً هذه الواجبات الفردية جميعا إلى صلاحيات حقّ عامّ [تضبطه الجزاءات المدنية]. فالإنسان إنما يشعر بقيمته الخاصة حينما يقوم بفعل كثير من أوجه البِّـر والصلاح (...) انطلاقا من إرادته؛ أما عندما يفعل أي وجه من أوجه الصلاح العام لمجرد كونه مجبَـرا على ذلك، فإنما يشعـر حينئذ بما يشكله حصولُ ذلك الصلاح من إكراه خارجي.)).

 

وإذ الدين والتدين في جوهره فضيلة كرّم بها الإنسان لترفع من معنوياته لتجاوز جوانبه الحيوانية، ولا ينال الخالق من شعائرها ومناسكها لا دماؤها ولا لحومها، فإن مانديلسون يستهين كثيرا بقيمة دين وتدين لا يلتزم به الفرد والجماعة إلا بالإلزام السلطوي والمؤسسي. ومما هو بعيد عن هذا التصور ومناقض له، وطاعن بحق – كما نبه إلى ذلك الأستاذ محمد الساسي - في طوايا ضمائر المسلمين المغاربة بشكل جماعي، ما أسند مؤخرا إلى الفقيه أحمد الريسوني من قوله من خارج الوطن في خضم التدافع على مشروع الدستور بالمغرب: "إذا تركنا الباب واسعا لحرية التدين، فإن الأغلبية ستخرج من الإسلام، والملك يكون إمامَ مَن؟" (أخبار اليوم: 18 يونيو 2011). فزيادة على ترجمة ذلك القول لمفهوم معين للدين والإيمان، فهو قول ليس برأي تحليلي أو اقتراحي وإنما هو حكم بغير علم، حيث لا علم، بما أنه وحدَه الخالق عليم بذات الصدور. حكمٌ على المواطنين جماعيا بأن إيمانهم قائم على مجرد إلزام قانوني، أي أنهم إنما يعبدون الله على حرف؛ وهو ما يضع الهيئات الدينية أمام تحد أخلاقي جسيم، ليس باعتبار أن "لها حق الرقابة على الغير" ولكن باعتبار مسؤوليتها الأخلاقية في تحصين المؤمنين من خطابات عقلية "التكفير الجماعي كأصل في حق الذمم" التي تصدر عنها مثل تلك الأحكام.

 هذا المستوى الأخير الذي تحدث عنه مانديلسون في كلامه عن مهام الدولة في تعاملها مع حرية الضمير الديني متميز، بالطبع، عن مستوى ضبط الحياة المدنية العامة بالقوانين وبتفعيلها، ومن بين ذلك قوانينُ حماية الفرد والجماعة من مختلف أشكال التغرير التي تستغل كل أشكال القصور (حداثة السن، إعاقة جسدية أو ذهنية، هشاشة اجتماعية، عزلة سياسة تدبير ترابي، الخ.) لاستعباد ضمائر الأفراد أو الجماعات وعزلهم منهجيا وتنظيميا عن محيطهم العام لغايات منظمة معينة. أن كل ذلك يدخل في باب الجريمة المنظمة؛ وهو في مقدمة مهام الدولة المدنية الحديثة، كما هو شأن القوانين الجنائية المتعلقة بأنشطة الفِرق الجماعات السرية مثلا (Les sectes secrètes)، دينية كانت - ومن أي دين  موصوف أو غير موصوف - أم ابتزازية نصّابة مثل جماعات "السيانتولوجيا" (Scientologie) و"شهود ياهوه" (Témoins de Jéhovah)، أم انغلاقية قيامية تيئيسية (apocalyptique) كتلك التي تشغل في هذه الأيام بال المصالح الأمنية الفرنسية الخاصة،(4) وجميع الأنشطة التي تقاس على ذلك في كافة الدول المدنية الحديثة قياسا على ضوء الخصوصيات السوسيو-ثقافية للمجتمع.

 

تلك هي شروط التأهيل الديني، وهي شروطُ صِحّـةٍ. أما من حيث الوجوب، أي وجوب التأهيل في حد ذاته، فإن الدين الحيّ مؤسسةٌ - ككل مؤسسات الأبعاد المتعددة للإنسان - يتعين تجديدُها وتأهيلها كفرض كفاية جَمْعي على رأس كل منعطف تاريخي، وذلك بمقتضى العقل، وبحكم ما ورد في النقل، وبصفة لا تقل معقولية في التصور عما نسمعه الآن من ضرورة تأهيل الاقتصاد، وتأهيل اللغة، وتأهيل العنصر البشري، وتأهيل الأحزاب لتأطير المواطنين، وتأهيل الدولة لتدبير شؤونهم. ذلك هو شرط البقاء؛ لأن مجرد صفةَ الوجود لا تستلزم بالضرورة صفة البقاء كما تستلزم ذلك صفةُ القِدم، حسب ما هو معروف عند أهل علم الكلام؛ مع العلم أن الدين محدُث وليس بقديم، بل هو أحدثُ من الإنسان.

--------------------------------

 (3) أنظر سلسلة من النصوص حول فكر مانديلسون في هذه المسألة انطلاقا من النص الأول على الصفحة الآتية:

https://orbinah.blog4ever.com/blog/lire-article-162080-2296383-_en_arabe__1_constitution__etat__religion_et_indiv.html

 

(4) يتعلق الأمر بمثل جماعات التيئيس الوجودي الواعدة لضحاياها بالخلاص عن طريق الانتحارات الجماعية أو الفردية



17/06/2011
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres