(EN ARABE) Mendelssohn-4: Etat, religion et morale
Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE puis sur CODAGE, puis sur (PLUS, puis sur ARABE(Windows)
عن راهنية فكر مانديلسون
4- الدولة والدين والأخلاق
بعد إجماله القولَ في منطق العلاقة التاريخية بين مؤسسة الدولة وكل شكل من أشكال الهيئات الدينية مما يُجمِله تحت لفظ "الكنيسة" (انظر الحلقة 1/4) الذي يفيد أصلا في اللغة العبرية (כנסת) معنى "جامِع" أو "مَجمَع"، يعود مانديلسون إلى التفصيل، فيقول في القسم الأول من كتابه "أورشليم" (Jerusalem) ما نترجمه عن الصيغة الإنجليزية لكتابه كما يلي:
[[ولعل هذا ما يؤهلنا للإجابة، بشكل مُرضٍ، عن السؤال المعروف جيدا ألا وهو: ما هو أفضل نظام للحكم؟ إنه سؤال صِيغت بشأنه لحدّ الآن إجاباتٌ عديدة متناقضة، تحوز جميعا مظهرَ الحقيقة. إنه، في الواقع، سؤال فضفاض، يضاهي في عموميته سؤالا في الطب من قبيل: ما هو أنفع غذاء للصحة؟. فكل مظهر من مظاهر التعقيد والتنوع، حسب المناخ والسن والنوع وأنماط الحياة، الخ. يتطلب جوابا مختلفا خاصا [عن هذا السؤال الأخير]. ونظيرُ ذلك ينطبق أيضا على سؤالنا في فلسفة السياسة. فبالنسبة لكل شعب في أيّ مستوى من مستويات التهذيب الثقافي التي يجد فيه نفسَه، يكون شكلٌ مختلفٌ من أشكال الحكضم هو الأحسن [له]. فـبعضُ الشعوب الخاضعة لحكم الاستبداد قد تجدُ نفسَها في أقصى درجات الشقاء إذا ما تُـركت لتَحكُم نفسها بنفسها، هي من نفس درجة الشقاء التي سيكون عليها مثلا بعضُ الجمهوريين ممن تشبع وعيهم بروح الحرية واستوعبوا مفهومها، إذا ما تم إخضاعهم لسلطة حكم مطلق. فالحقيقةُ هي أن كثيرا من الأمم ستُـدخِل من التغييرات على نظـُم حـُكمها عبرَ تطورها بقدر ما يحصل في ثقافاتها وأنماط حياتها وقناعاتها من تطور، وستمُـرّ عبر القرون من كل أطوار صِيَغ الحـُكم بكل ظلالها وتداخلاتها، من الفوضوية إلى الاستبداد. وخلال ذلك ستجد نفسها في كل فترة استقرار وقد اختارت أحسنَ صيغة للحكم تـتـلاءم وظروفَـها القائمة.
ومع ذلك، فمهما كانت الظروف الخاصة، أجد بأن المعيار القارّ الذي لا يُخطئ في قياس درجة الصلاح والإحسان في أي صيغة معينة من صيغ الحكم يتمثل في درجة اعتماد النظام المعين، في سعيه لتحقيق غايات الحكم، على الأخلاق والإقناع التربوي، أي مدى قيام الحُكم على أسـس التربية نفسها. وبعبارة أخرى، يتعلق الأمر بمدى تمكُّـن المواطنِ، في ظل الحُكم المعين، من فُـرصة فهمٍ حيّ ومتوقدٍ لضرورة تخليه عن بعض الحقوق وذلك لمجرد فائدة الصالح العام، ولضرورة تضحيته ببعض الامتيازات لمجرد غاية الإحسان الجمعي، ومدى اقتناعه بأنه، في نهاية الأمر، يستـفيـد من جهةٍ من إجماليّ الصلاح والإحسان الجمعيين، بمقدار ما يفـقـده عن طريق التضحية الفردية (...) من جهة ثانية.
ولذلك فليس جديرا بالدولة أن تـنـتـصب كهيئة ضميرية مفعِّـلة وضامنة لكل الواجبات الأخلاقية للفرد، محوِّلةً هذه الواجبات الفردية جميعا إلى صلاحيات حقّ عامّ [تضبطه الجزاءات المدنية]. فالإنسان إنما يشعر بقيمته الخاصة حينما يقوم بفعل كثير من أوجه الصلاح (...) انطلاقا من إرادته؛ أما عندما يفعل أي وجه من أوجه الصلاح العام لمجرد أنه مجبَـرٌ على ذلك، فإنما يشعـر بما يشكله حصولُ ذلك الصلاحُ حينئذ من إكراه خارجي.]]
وتنسحب هذه الأخلاقية عند مانديلسون حتى على الشأن الديني، فهو يهـوّن من قيمة التدين القائم على أسـس الرغبة والرهبة والخوف والاتقاء ولو سمي بالتقوى (יריאת אלהים)، إذا ما قيس ذلك بـتدين الورَع. فهو يضيف قائلا:
[[وبناء على هذا، فإن واحدا من أهم جهود الدولة هو العمل على أن تمارسَ الحكمَ في الناس من خلال (التربية على) القيم الإخلاقية والاعتقادية؛ والحال أن ليس هناك من سبيل للرقي بالمعتقدات، وبالتالي، لتحسين القيم الأخلاقية، غير سبيل الإقــناع بالموعظة.فالقوانين والتشريعات لا تغير المعتقدات؛ والعقابات والتوابات التحكّـمية لا تولّـد مبادئ، ولا تهذب أي أخلاق. فالرهبة والرغبة ليستا مقياسا لحقيقةِ الحالةِ الأخلاقية لطـوّية الإنسان. وحْـدَها المعرفةُ وإعمالُ النظر والإقناع يمكن أن تؤسس المبادئ، التي من شأنها - في تكامل مع دور السلطة ونماذج مُـثُـل الاقتداء - أن تتحول إلى قيم أخلاقية. وهنا بالضبط يأتي دور المؤسسات الدينية المهيكَـلة، في التعاون مع الدولة، وبذلك تكون الكنيسة عُمدة أساسية من عُـمَـد إسعاد المدينة. فمن المهام الأساسية للكنيسة إقناعُ الناس، بأعمقِ ما يمكن، بحقيقية المبادئ والمعتقدات النبيلة، فتبيّـن لهم بأن الواجبات تجاه الانسان هي في نفس الوقت واجبات نحو الله، وأن الإخلال بها في حد ذاتها هو صميم الشقاء - إذ لا يتقي الله من لا يوقّـر ويُـكرّم الإنسان - وأن خدمة الدولة هي عبادة حقيقية لله الذي يُـعتبر الخيرُ وفعلُ الخير أقدسَ أوجه إرادته، وأن المعرفة الحقيقية بالخالق لا يمكن أن تـتعايش في النفس مع أي وجه من أوجه البُغض والكراهية. إن غرس كل هذه القيم الأخلاقية لـمهمةُ الكنيسة وواجبها، ومن صلاحيتها؛ وإن تلقين تلك القيم للناس لمهمةُ وواجبُ دعاتها. (...)
لكن إذا كان طابعُ أمة، ومستوى التهذيب الثقافى الذي بلغته، والنمو الديموغرافي الموازي لتطور مواردها، وكان تعقُّـدُ العلاقات والروابط في حظيرتها، وأوجُه الترفِ المفرط، وغيرُ ذلك من الأسباب، يجعل قيادةَ تلك الأمة بالإقناع وحْـدَه أمرا متعذرا، فإن للدولة أن تلجأ إلى إجراءات عمومية، وقوانين قهرية، من زجر للمجرم، وتواب على الاستحقاق. فإذا رفض المواطن الدفاعَ عن الوطن بدافع حسٍّ باطني، فليُـدفَع به إلى ذلك بالتواب، أو فليُـكرَه عليه إكراها. فإذا لم يعد للناس أيُّ إحساس بالقيمة الداخلية للعدل، إذا لم يعودوا يدركون بأن الصدق والأمانة في التجارة والمبادلات سعادة حقيقية، فلتــتم معقابةُ المظالم، وليُـعزّر الغش. ليس هناك من شك في أن الدولة، في أحوال مثل هذه، لا تبلغ من المقاصدَ الاجتماعيةَ الغائية إلا نصفَـها. ذلك لأن الدوافع الخارجية لا تجعل الإنسان سعيدا ولو كان لها عليه مفعول. فالفرد الذي يرفض ممارسة الغش لمجرد أنه يحب الإخلاص أسعدُ من ذلك الذي إنما يتحاشى الغش بمقدار ما يخاف من العقاب السلطوي الذي تـقـرنُه به الدولة (...). إن الدفاع عن الوطن [مثلا] في مثل هذه الأحوال قد يتم، وذلك بقطع النظر عما إذا كان المواطنون يحاربون انطلاقا من حُب الأوطان [الذي هو من الإيمان]، أم انطلاقا من مجرد الخوف من عقاب السلطة الوضعية؛ لكن المحاربين سيكونون سعداء في الحالة الأولى، وأشقياء في الحالة الثانية. فإذا كان يتعذر جلبُ الخلاص الباطني للمجتمعبصفة كاملة، فـليـتـمَّ الحفاظُ على السلم والأمن الخارجيـين على الأقل.]].
أما "التشبع بروح الحرية" الذي أشار إليه النص في حديثه عن اختلاف الاستعدادات التاريخية للأمم في ما يتعلق بأنظمة الحكم الملائمة، فإن مانديلسون يستعمله بالمفهوم الحقيقي لـ"التشبع"، أي الحالة التي تصبح فيها قيمُ مفهوم الحرية المستوعَب جيدا مقوّما من مقومات الوعي، وليس مجردَ شعار لفظي سياسي يُستعمل في لحظات ضعفِ دولةِ الاستبداد أو الحكم المطلق، حيث تُخاض باسم ذلك الشعار، وباسم كثير من ألفاظ المبادئ الأخرى، حربٌ تـتـنازع، في الواقع والحقيقة، من خلالها نزوعاتُ الاستبداد المتمكـنة في العمق من الفرقاء، الذين يجرؤ كل فريق منهم في مثل تلك الأحوال على الحاكم المستـبـد بِنـيّـة الحلولِ مكانَـه. ومن شأن أحوال الانفلات تلك أن ينشط فيها الفكر والثقافة، وذلك وجهٌ أول من أوجه المفارقة. ففي ظل دول الاستبداد أو الحكم المطلق ((يكون الازدهار الفكري وقوة الدولة متعارضين؛ فـ"الدولة المتحضرة" فكرة حديثة. فكل منهما يعيش على حساب الآخر؛ وكل منهما يزدهر على حساب الآخر. فكل الحقب الكبرى للازدهار الفكري والثقافي هي حقب تدهور وسقوط سياسي)) كما يقول نيتشه في كتابه (Le crépuscule des idoles). وتجربة ظروف الأندلس والمغارب، التي ظهر فيها فكر أمثال ابن رشد وابن ميمون وابن خلدون، أبلغ مثال على ذلك. ولذلك فإن الوجه الثاني للمفارقة هو أن الفكر غالبا ما ينتهي على المستوى السياسي والأخلاقي في أمثال تلك الظروف والأحوال إلى الحنين إلى ما يوفره الاستبداد والحكم المطلق من استقرار بالقياس إلى الانفلات التي يـنتُـج عن انفكاك نزوعات جيوب التعصب من عقالها. وفي هذا الصدد يقول مانديلسون ردا على مثل هذا الجنوح الناتج عن مفهوم شعاري لحريةٍ غيرِ مُـتجذرة في الوعي كمقوم من مقوماته ما يلي في رد مباشر على فلسفة هوبز:
[[لقد عاش توامس هوبز (Thomas Hobbes) في فترة كان فيها التعصب المقرون بمفهوم مشوَّه للحرية لم يعد يعرف حدودا، وكان فيها ذلك التعصب مستعدا ليعرك السلطة الملَـكية تحت الأقدام وليـقوّضَ مؤسسةَ المُـلك بأتـمّـها. وإذ كان هوبز قد سئم من استشراء الفتنه المدنية - وهو الميـّال بطبعه [كمفكـر] إلى حياة تأملية هادئة - فقد اعتبر الهناء والسلامة [المدنيـين] أعظم أوجه الخلاص والسعادة [في المدينة]، بقطع النظر عن كيفية حصولهما. وهو يرى أن هتين المزيتين لا يضمنهما إلا وحدةُ غير منقوصةٍ لأعْـلى سلطةٍ في الدولة [أي سلطة الحاكم]. فهو يعتـقد إذن بأن رفاه وسعادة الحياة العامة لن يكونا إلا أحسنَ ضمانا حينما يصبح كل شيء - بما في ذلك أحكامُـنا [الفكرية] حول الصواب والخطإ - خاضعا للقوة العليا للسلطة المدنية. ولإضفاء المشروعية على ذلك، يفترِض هوبز أن الطبيعة قد جعلت الإنسانَ مؤهلا لكل ما حبَـتْـه تلك الطبيعةُ القدرةَ على القيام به أو الحصول عليه. فحالُ الإنسان باستعداداته الطبيعية تلك هي حالُ قلاقلَ وحروبِ الجميع ضد الجميع، حيث يمكن لكل واحد أن يفعل ما له القدرةُ على فِعله.(1) وقد استمرت [حسب هوبز] هذه الوضعيةُ غير السعيدة إلى أن تواضعَ الناسُ على وضع حد لشقائهم بالتنازل عن الحق والقدرة [الفرديين] كلما تعلق الأمر بسلامة الحياة العامة، وبوضْعِ كِلا تينك الملَـكتين في يد السلطة المؤسَّـسة القائمة؛ وبناء على ذلك، يصبح كل ما تأمر به السلطة هو الحقّ والصواب]].
يورد مانديلسون كل هذا ردّا عن هوبز، لينتهي إلى عرض نظريته الخاصة به التي ترى بأنه: "ليس ثمة تعارض [مطلق] بين حالة الطبيعة وحالة المدينة كما يقرر هوبز"، على حد تعبير م.ع. الجابري (الاتحاد الاشتراكي، 5 يناير 2000).
وبمناسبة هذا الاستشهاد الأخير، يجدر التذكير بالطمس غير المفهوم الذي كنا قد أشرنا في الحلقة-1 إلى أنه قد طال فكر مانديلسون. ففي مقاله المشار إليه، والمعنون بــ"من العقد المزدوج إلى الفصل بين الكنيسة والدولة"، يبدي المرحوم م.ع. الجابري استغرابه قائلا: "جرَت عادةُ كثير من مؤرخي الفكر السياسي الأوروبي بأن ينتـقـلوا من هوبز إلى لوك (...). فلا شيء يبرر القفز على معاصرهما، المفكر الألماني، بوفيندورف (Samuel von Pufendorf)، الذي عارض هوبز واختلف مع لوك (...)، إضافة إلى ما في آرائه من جِدّة؛ فقد دشنت بحق مسارا جديدا في الفكر السياسي الأوروبي أقرب إلى الحداثة من فكر هوبز". إلا أن استغراب الجابري لتلك "العادة" لم يمتـدّ إلى استغرابِ تغيـيـبِ فلسفةِ مفكر ألماني آخر هو موسى مانديلسون، الذي عالج نفس قضايا الفكر السياسي بروح ما تزال حداثيتها راهنة.
--------------------------------------
(1) يعبر هنا هوبز، بمنهج الفيلسوف، عما عبر عنه عمر بن أبي ربيعة بقوله "... إنما العاجزُ من لا يستبدّ"، والمتنبي بقوله:
والظلمُ من شِيَـم النفوس فإن تجد * ذا عِـفّـةٍ فـلِـعـلّـةٍ لا يَـظـلِـمُ
Inscrivez-vous au blog
Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour
Rejoignez les 347 autres membres