OrBinah

(EN ARABE) Le concept de modernité; du Maroc au Japon.

Si la graphie arabe ne s'affiche pas correctement, aller dans la barre de menu en haut de la page, cliquer sur le bouton AFFICHAGE, puis sur CODAGE, puis sur PLUS, puis sur ARABE(Windows).

 

التحديث والحداثة

ما بين المغرب واليابان

 

كان موعد طائفة من المهتمين بشؤون الفكر يوم 25 يونيو الجاري ببهو مسرح محمد الخامس مع قراءات في كتاب "عصارة فكر" لصاحبه الأستاذ محمد مصطفى القباج. وإذ توزعت تلك القراءات ما بين قراءات في صميم الكتاب ذاته، وقراءات  في ملامح البروفيل الفكري العام لصاحب الكتاب، فقد تركزت في كلتا الحالتين على إبراز مركزية مفهوم الحداثة في فكر المؤلف، في علاقة ذلك المفهوم بالإبيستيمولوجيا ("العلاقة بين الدين والعلم" مثلا) من جهة، وبالمنظومة التربوية ومناهجها من جهة ثانية.

هذا من حيث جوهر الحدث؛ أما على هامش ما حدث، فقد أكد هذا الموعد مرة أخرى ما لوحظ، لما يربو على عقد من الزمن، من أن جَــيبي الفلسفة وعلوم التربية هما الجيبان الوحيدان اللذان ما يزالان يزودان ويغذيان  فضاءات النقاش الفكري بالمغرب حول القضايا الكبرى بما فيها قضية "الحداثة"، وذلك بعد سوسيولوجيا "المغادرة الطوعية" العامة لمجمل شريحة ما كان يعرف بـ"الأوساط الثقافية".

مسألة "الحداثة" مسألة طرحت في المغرب الأقصى منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي على عهد السلطان مولاي الحسن الأول؛ أي في نفس الوقت الذي طرحت فيه تلك القيمة في اليابان بالشرق الأقصى على عهد المايجي. لكن أوجه الشبه في المقارنة في هذا الباب تقف عند هذا الحد الكرونولوجي. ذلك لأن "خطة التحديث" بالمغرب في نهاية القرن التاسع عشر اتخذت مجرد برنامج محدود الأهداف والآفاق لتكوين بعض الأطر التقنية، المدنية والعسكرية (مدفعية، طبجية، بحرية) عبر بعثات طلابية إلى أوروبا من أجل "الاستغناء - ولو بعض الشيء- عن خدمات الأجانب التي تكلف الخزينة العامة الشيء الكثير" (دعوة الحق ع:116)، بعثات اصطدمت، بعد عودتها، بتصلب تقاليد "الخدمة المخزنية" حينئذ حتى في باب مجرد الحصول وظائف مناسبة لتخصصات أفرادها.

أما في يابان الربع الأخير من القرن التاسع عشر، فقد بنى قادة الميجي خطة بناء الدولة العصرية على أساس الاستثمار الفكري والمادي في قطاع التربية العمومية. وفي إطار فلسفة تلك الخطة، وليس في إطار مجرد الرغبة في تكوين أطر تقنية لتشغيل بضاعة عصرية مستوردة (مدافع، بواخر، الخ.)، تم في اليابان إرسال عدة بعثات لإعداد تقارير عن النظم التربوية في أهم البلدان الغربية بأوروبا وأمريكا، ومن أشهر تلك البعثات بعثة إيواكورا (Iwakura) التي دامت مهمتها سنتين موزعتين ما بين أمريكا وبريطانيا وفرنسا وبلجيكا وهولندا وروسيا وألمانيا والدانمارك والسويد والنمسا وإيطاليا وسويسرا، والتي كان الهدف العلمي منها يتمثل في جمع ما كان متوفرا حينئذ من معلومات حول الأنظمة التربوية، وحول التكنولوجيا، والثقافات، وحول العلوم العسكرية، والاجتماعية، والاقتصادية، بالبلدان التي تمت زيارتها، وذلك قصد الاستفادة من كل ذلك في رسم طريق ملائمة لعصرنة بلاد اليابان. فزارت البعثة من أجل ذلك وأعدت تقارير حول أشهر المدارس، والخزانات، والمتاحف، وأروقة الفنون، وحدائق البحث الزراعي، والمعامل، والمناجم، والتراسين، وأحواض بناء السفن، والأبناك، وغرف التجارة، الخ.

وقد عادت تلك البعثات بأفكار تربوية، جديدة حينئذ، من أهمها اللامركزية، واللجن المدرسية المحلية، واستقلالية المدرس؛ لكن في إطار الاعتقاد القائم حينئذ بأن من الوظائف الأساسية للدولة-الوطنية تعبئة أفراد المجتمع، وفي مقدمتهم الطفولة، لخدمة الصالح العام الذي ترعاه الدولة، وبأن المدرسة الحداثية الحديثة هي المؤسسة الفاعلة من أجل ضمان تحقيق تلك التعبئة. 

كما كان من النتائج الفكرية، بعد عودة تلك البعثات، أن تشكل في اليابان، منذ نهاية القرن التاسع عشر، مفهوم جديد عن الطفولة يقطع الصلة مع عوائد اعتماد أسس التقاليد الكونفيـشيوسيـة والشينـطويسية في ميدان التربية، ذلك الاعتماد الذي يختزل الطفل في مجرد وعاء فارغ، يتعين ملؤه على التو عن طريق شحنه في أسرع وقت ممكن بمدونة جاهزة من الأقوال المحفوظة، ومن الأوامر والنواهي والأحكام المطلقة، ومن التفسيرات الجاهزة. فلقد ظهر مجموعة من المصلحين البيداغوجيين المختصين في الطفولة، ومن الناشرين في القطاع، ممن يقتنعون جميعا بضرورة تمتيع الطفل، في المنظومة التربوية، بفضاء يحوز فيه استقلاليته كاملة، فيقرأ فيه مؤلفات طفولية، ويتسلى فيه بلعب تربوية تشحذ الذكاء وتنشط الخيال وتوقظ الإبداع، ويتمرن فيه في نفس الوقت على إعداد واجباته بنفسه. خلاصة كل ذلك، هو بناء استقلالية التفكير، أي القدرة على مساءلة البداهات في كل تشخيص أو تحليل للعقلانيات أو الطبيعيات أو الإنسانيات.

ولعل ما تجلى، من خلال مقارنة حالتي اليابان الأقصى والمغرب الأقصى، من علاقة جد سطحية وعرضية لهذا الأخير بالحداثة، على مرّ أكثر من قرن، وذلك من حيث إن المغرب لم يلتمس تلك المزية قط، وإلى حد الآن، عبر بوابتها الرئيسية، أي عبر مؤسسة المنظومة التربوية (مضامين وميثودولوجيا)، لعل ذلك هو ما جعل مؤلف "عصارة فكر"، الأستاذ مصطفى القباج، يختم اللقاء بعد قراءات كل الأساتذة محمد وقيدي، مبارك ربيع ومحمد الدريج، بما يمكن أن يعتبر "نداء مسرح محمد الخامس من أجل الحداثة"، نداء ينبه إلى اهتزاز وضعية قيمة الحداثة في فضاء الفكر المغربي، الذي ليست لها فيه بعد ركيزة مؤسسية؛ ويحذّر من احتمال قوي بسبب ذلك، وبعد قرن من المحاولات، لأن يتم الإجهاز حتى على بعض الجيوب غير المؤسسية للفكر الحداثي على مستوى فكر وإنتاج بعض الأفراد؛ وهذا الاحتمال يذكر ربما بما تم ابتداء من منتصف السبعينات من القرن العشرين حيث تم الإجهاز إجهازا مؤسسيا على النزر القليل من بوادر الفكر النقدي التي تم "تهريبها" بشكل غير مؤسسي إلى داخل المنظومة التربوية عبر بوابة الفلسفة وعلم النفس.

 



26/06/2013
1 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres