OrBinah

(EN ARABE) Le troisième millénaire et la prophétie de Malraux

2014-2015، القــــرن 21،

ونبوءة أندري مالرو حول الألفية الثالثة

 

 

تقديم بعدي (بعد سنة من الدهر؛ أي في 28 مارس 2016)

 

 

-- أكيد، من أحداث بروكسيل ببلجيكا، إلى لاهور بباكستان، إلى باريس بفرنسا، وإلى سلسة ما جرى ويجري قبل ذلك في أفغانستان ونيويورك وماليزيا ومدريد ولندن والعراق وسوريا واليمن وليبيا والساحل الإفريقي، وما تشابك في كل تلك الأصقاع من شعارات تحتكم جميعا إلى السماء، مخلفة ما تخلف من دمار ومن حصد الحياة كمجرد مضاعفات جانبية بالقياس إلى جوهر الرهان، على غرار آخر ما حصل لجموع النساء والأطفال بحديقة من حدائق لاهور بمناسبة احتفالات عيد الفصح المسيحي (27 مارس 2016)،

 

-- أكيد اليوم أن كل ذلك حلقات متواصلة في إطار تحقق النبوءتين المتكاملتين اللتين قام بهما المفكر الفرنسي أندري مالرو، ذلك المفكر الوجودي الذي هالت جيلـَـه ويلات الحربين الكونيتين للقرن العشرين، فطور فلسفة وجودية ذات خلفيات روحية (ما صنف باسم "الوجودية المؤمنة") للنظر في وضيعة الإنسان (condition humaine) كفرد ذي وعي وحرية اختيار ومسؤولية.

 

- الشق الأول من النبوءة ا كان في الحقيقة عبارة عن حلم ورد فعل من طرف أندري مالرو وأمثاله (انطوان دي سانتيكًزوبيري) إزاء الأطر الفكرية الأخرى التي أعقبت الحربين بعد أن كانت نيتشه قد أعلن عن "موت الإله"، أي المادية التاريخية، والجماعية الشيوعية (collectivisme) التي لا مكان فيها لبُــعد الكائن الفرد كبُعد من أبعاد الإنسان من جهة، وما سمي بـ"الوجودية الملحدة" (هايدغر وسارتر وكامو) من جهة ثانية. هذا الشق الأول من النبوءة صاغه مالرو في قولته الشهيرة على الشكل الآتي:

 

1- "القرن الواحد والعشرون، إما أن يكون دينيا أو لا يكون"

 

 

 

- أما الشق الثاني من النبوءة، فقد صاغه أندري مالرو على مستوى التفكير السياسي، لكن انطلاقا من أعماق مطمور الوجه الهوياتي لوجوديته الروحانية المؤمنة؛ لقد صاغه على الشكل الآتي (1974):

 

2- "من الناحية السياسية، الوحدة الأوروبية عبارة فكرة طوباوية. فلا بدّ من أجل قيّامها أن يكون هناك عدوّ مشترك؛ لكن العدوّ المشترك الوحيد الممكن وجوده هو الإسلام".

 

النص الأصلي:

ها قد تم توديع سنة 2014 بأقل ما أمكن من الخسائر. والرقم "14" من الأرقام التي تطيّرت منها أدبيات جفريات الثقافة الإسلامية بالمغرب طيلة القرن 14 الهجري. فقد تناقلت تلك الجفريات إلى جيلينا في غضون النصف الأخير من القرن 20 الميلادي جفرية مفادها أن قيام الساعة قد أزف بما أنّ خاتم النبيئين قد تحدث، حسب تلك الجفريات، عن القرون من القرن الأول وإلى أن ذكر القرن الثالث عشر فسكت. فانتشرت مناشير تفصل القول في سيناريوهات القيامة (رفع القرآن، ثم ثلاثة أيام من الظلام، ثم اكتساح البحر لليابسة، الخ.)؛ وأخذ المجدوبون يرددون في الساحات والأسواق قولهم في شأن علامات الساعة في القرن 14 الهجري، الذي كان جاريا حينئذ ما يلي:

شتـ'ــف، هيتـ'ـف؛ الكبير تلــ'ــف والصغير تلـ'ــف.

هادا قرن ربعطاش؛ لا هنا، لا معاش.

لا معا من تّـعاشر؛ ولا معا من تّـباشر.

المراة زوّلـ'ـت اللتام؛ والحمارة دارت اللجام.

السلوكًـي ولـّـى نبّاح؛ والفقيه دار المضمّة ولـّى شطـّاح.

شتـ'ـف، هيـتـ'ـف؛ الصغير تلـ'ــف والكبير تلـ'ــف

 

 

الجفريات كانت تسمى بالأمس نبوءات، وآخر نبوءة في المغرب الذي تتعايش فيه الأعصر، من النيولبتبك إلى الانفورماتيك، كانت تنبأت بـ"قومة 2006" (انظر هــنــا بالعربية أو هــنــا بالفرنسية) التي دوخت دوائر الدولة  والمحللين السياسيين على السواء لمدة عامين قبل أن ينساها الجميع؛ أما اليوم، فقد أصبحت  تلك الجفريات تسمى مستقبليات ([Futurisme]) ولها متخصصون مرموقون. كانت بالأمس رؤى وإشراقات يتخذ لفظها شكل شطحات سجع كما في النموذج السابق وفي رباعيات نوستراداموس الذي فهم بعضُهم، في السنوات الأخيرة من رباعياته، بأنه قد تنبأ بعودة أمبراطورية فاس إلى حكم أوروبا في قرننا الراهن (1)؛ ثم أصبح ذلك القبيل من الأدبيات يسمّى اليوم تحليلات مستقبلية تعتمد أرقام التشخيصات والترقبات الاستراتيجية.

"التنبؤ التاريخي" في جوهره قد اتخذ دائما طابع وعيد بكارثة قياميّة. وقد اختلف تصور شكل الكارثة باختلاف تصورات ماهية الطبيعة الإنسان، حسب العصور. كان الطوفان، كعقاب للإنسان، هو أول سيناريو بلغنا في الأدبيات من بين تلك السيناريوهات منذ ملحمة كًالكًاميش. ثم تعاقبت تصورات ذلك الشكل، ممّا قيل إنه كان قد أباد عادا وثمودَ من ريح صرصر عاتية، إلى "القنبلة الذرية" التي أرقت بال القرن العشرين، ثم إلى سيناريو "صدام الحضارات" الذي تم توقعه بالنسبة للقرن 21 الذي نحن فيه اليوم.

وقد بلغ هذا الطابع الكارثي القيامي الذي ارتبط بمبدإ النبوءة التاريخية من المأسسة في الذهن الأيديولوجي أنّ التطوير الفقهي النهائي للديانة السماوية الأولى التي هي اليهودية في باب النبوءة، على يد حجة اليهودية، ألا وهو الفقيه "العقلاني" موسى بن ميمون (RAMBAM) قرين ابن رشد، كان قد أقرّ في "كتاب المعرفة" (Le livre de la connaissance) بأن حُـكم أيّ متنبئ يكذبه الواقع التاريخي في الفقه اليهودي هو القتل شرعا إذا ما كانت نبوءته بشرىً لم تتحقق؛ لكنه لا يقتل إذا ما كان تنبؤه الكاذب إنذارا (انظر هــنــا، بالفرنسية).

 

وفي هذا الباب وفي عصرنا القريب، فإن من بين ما اشتهر به الكاتب والمغامر والسياسي الفرنسي، أندري مالرو، المفكر ذو النزعة الإنسانية لتجربة ما بعد الحربين وما بعد حروب تصفية الاستعمار في النصف الأخير من القرن العشرين، ما أسنِد إليه بصيغ مختلفة من أنه قال: ["القرن الواحد والعشرين، إما أن يكون دينيا، وإما ألا يكون"].

وفي إطار القلق الوجودي العام حينئذ بـ"نهاية التاريخ" في ظل الآلية الميكانيكية للعبة معادلة قطبيي الحرب الباردة لِِمَا بعد الحرب العظمى الثانية، وفي ظل محاولات أوروبا-السوق ِالمشتركة، من خلال سياسة فرنسا الديكًولية على الخصوص، للظهورَ ككيان يكسّر ثنائية تلك المعادلة، قال ذلك المفكر سنة 1974: ["من الناحية السياسية، الوحدة الأوروبية عبارة فكرة طوباوية. فلا بدّ من أجل قيّامها أن يكون هناك عدوّ مشترك؛ لكن العدوّ المشترك الوحيد الممكن وجوده هو الإسلام"] (انظر هـنــا).

أندري مالرو، الذي خبَر الحروبَ من خلال مشاركته إلى جانب الجمهوريين في الحرب الأهلية الإسبانية ضد الفاشية، ومشاركته في المقاومة الفرنسية ضد النازية، والذي عرف بمناهضته للحروب الاستعمارية في كل من الهند الصينية والجزائر بعد ذلك، كان يناهض كذلك كلَّ الدوغمائيات السياسية والفلسفية والعقدية، وكان يؤمن فقط بالأبعاد السامية للإنسان، تلك الأبعاد التي لا ترتدّ، حسب ما يرى، لا إلى مجرد استهلاك المواد والخدمات، ولا إلى مجرد تعليب دوغمائي لفكر الإنسان على مستوىً جمعي. ولعلّ أندري مالرو، من خلال تجربته مع الحروب، قد استخلص على غير رواية مضمونَ قولِ زهير بن أبي سلمي ما يلي:

وما الحربُ الا ما علمتم وذقتـــم* وما هو عنها بالحديث المرجّـم

متى تبعثوها، تبعثوها ذميمـــــه * وتضرَ اذا ضرّيتموها، فتُضرَم

فتعركـُـكم عرك الرحى بثِـفالـها * وتلقحُ كشافا ثم تنتج فـتـتــئــــم

فتنتج لكم غلمانَ أشأمَ كـلهــــــم * كأحمر عاد ثم ترضع فتفطــــم

فـتـغلـل لكم مالا تغل لأهلــــــها * قرى بالعراق من قفيز ودرهم.

 

فكيف إذن كان أندري مالرو يتصور ملامح ذلك القرن الواحد والعشرين، إذا ما كتب لذلك القرن أن يرى النور حسب تصوره في حياته، أي إذا ما أفلح هذا القرن الذي نعاينه نحن اليوم في أن يكون دينيا؟

فإذا كان مالرو يتصور هذا القرن كقرن يستعيد فيه التاريخ المبادرة والمفاجئة من جديد على شكل انقلابات حروب باسم حقائق سماوية دوغمائية تبدِع كلَّ مرة من حيث منطقُ اندلاعها ومن حيث تحالفاتها أشكالها وأوجه رُعبها، فقد صدقت نبوءته أيّما صدق، بما في الأمر من ذلك الدورُ الذي تنبأ به للإسلام كما يتصوره استكشافه في تلك الصيرورة التاريخية. أما إذا كان يقصد بالدين ما كان يُعرف بالفرنسية بـالإنسانية الديّانية (religiosité) المتجاوزة للمادية الاستهلاكية، لكن المتخلصة كذلك من كل دوغمائيات المذهبية للملل والنحل،على غرار دَيّانـيـة كاتب آخر قبله كـجبران خليل جبران مثلا، الذي كان ينتمي إلى شتات الجيل الثاني ممن كانوا قد خرجوا للتو من ديارهم على إثر حرب طائفية مدمّرة خيضت باسم السماء في مكان آخر من المعمور في النصف الأخير من القرن 19، والذي قال ["ويلٌ لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين"]، فليست نبوءة أندري مالرو هي التي تحـقـقـت؛ بل أنه التاريخ هو الذي أكد مرة أخرى تاريخيته في وجه تخمينات الإنسان، تلك التاريخية التي تتمثل بالضبط في تحدّي كل أوجه جفريات التنبؤ مهما كانت أسسه، الإستشرافية العرفانية، أو الحسابية الترقّبية المعروفة اليوم بأدبيات "المستقبليات".

وبالعودة إلى تفصيل من تفاصيل نبوءة أندري مالرو حول الدور المحتمل الذي كان يتوقعه لملة الإسلام في القرن 21 إذا ما كتب لهذا القرن أن يرى النور، أي إذا ما أفلح فيه الإنسان في استعادة أبعاد الدين، ذلك الدور الذي يتمثل، حسب توقع ذلك الكاتب، في أن تشكل دار الإسلام تحديّا محتملا محفّزا على تثبيت الوجود بالنسبة لمهد المدنية الحديثة، الذي هو أوروبا الإغريقو-رومانية بامتداداتها في ما وراء المحيط، أي ما كان يعرف قديما بـ"الروم" بلادا وقوما، فيبدو أن أندري مالرو يصدر في ذلك عن نظرية التحدي للمؤرخ البريطاني ارنولد طويمبي (انظر هــنــا)، تلك النظرية التي كان العاهل المغربي المرحوم الحسن الثاني بدوره من بين المقتنعين بها إلى درجة أنه قد عنون أول كتاب له بـعنوان "التحدي" (Le Défi) مباشرة بعد المسيرة الخضراء. أما بخصوص أقدم وجه تاريخي للعبة اللأمم، مما يُعتقد أنه يشكل الخلفية الثقافية للدور الذي أسندته نبوءة أندري مالرو بالضبط لدار الإسلام (أو ما يسمى بالشرق عامة، منذ داريوس وأحشيروش، ثم الإسكندر ثم قيصر، قبل مجيء آل بوش) في ما كان يتوقعه الكاتبُ بالنسبة لصيرورة أوجه التحديات، فقد سبق أن ورد في التنزيل قول القرآن الكريم: {الــــم؛ غلبت الروم؛ في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون}.

وقد سبق لي أن استشهدت بهذه الآية في مقال مطول بعنوان "من برج بابل إلى برج مانهاتان، ومن المغول إلى الطالبان" كنت قد نشرته (الأحداث المغربية 3 و 5 أكتوبر 2001 ثم في القدس العربي 16 و 17 أكتوبر 2001) مباشرة إثر تخريب "الطير" لبُرجَي مركز التجارة العالمي في 11 سبمتمبر 2001، في عقر دار من كانوا يعرفون بـ"الروم" (أعيد نشره سنة 2007 هــنــا)؛ وذلك في محاولة لاستشراف بعض دلالات ذلك الحدث العظيم الذي سخره التاريخ لتسفيه كل "تحليلات" المحللين الاستراتيجيين وكل شطحات المستقبليّين وجفريات المجذوبين. لكن مناهج المفسرين مجتمعة، في منطق استخلاص الحقيقة من اللفظ، تفضي دائما إلى الشيء وغيره، إن لم يكن الشيء ونقيضه. فالفعلان، "غلبَـت" و"يغلبون"، المسندان إلى الروم قد قرئا قراءتين وشُكلا بشكلين بعد إدخال نقط الإعراب (أي وضع نظام الحركات) على نص تدوين المصحف. فقد قرء البعضُ الفعلين بقراءةِ تقديم البناءِ للمعلوم وتأخير البناءِ للمجهول (غـَـلبت الرومُ ... سيُغلـَـبون؛ أي: انتصرت الروم ... سيندحرون)، وقرأ البعض الآخر بالعكس (غـُـلِـبت الروم ... سيَـغلـِـبون؛ أي: اندحرت الروم ... سينتصرون). وبذلك بقيت الدلالة التاريخية المستنطقة للفظ بخصوص كل حدث من الأحداث بعينه وبالقياس إلى ما قبله وما بعده، ملتبسة الدلالة في لعبة الروم  مع غيرهم (الفرس تارة، والمسلمين تارة، وهما متداخلين تارة أخرى). وقد أكد هذا الالتباس في العربية وفي اللغات الطبيعية كونُ المصدر المضاف ملتبسا دائما ما بين إضافته إلى فاعله وإضافته إلى مفعوله ("وهم من بعد غلـَـبـهم"؛ بمعنى "غلبهم لغيرهم"، أم بمعنى "غلـبِ غيرهم لهم"؟). والله أعلم.

فما قول التحليلات المستقبلية والدراسات الاستراتيجية، التي كانت قد فاجأتها الثورة الإيرانية سنة 1979، ثم فاجأها سقوط جدار برلين بعد عشرة سنوات، ثم "تخريب الطير لبرج بابل القرن العشرين" بعد نفس المدة سنة 2001،  ثم ما عرف بربيع 2011 بعد نفس المدة، ثم "خلافة الدولة الإسلامية" سنة 2014، فما هي تنبؤاتها بالنسبة لسنة 2015 وما بعدها بقليل أو كثير؟

 

ففي إطار هذه الالتباسات التي تختلط فيها قراءة طبائع الأمور ودلالتها عبر التاريخ، بلغ حس التنبؤ عند أندري مالرو درجة من الدقة الإشراقية جعلته عرضة لمحك التاريخ المستعصي دائما على تنبؤ المتنبئين وتكهن الكهنة من أي صنف كانوا، أي قابلا للدحض على أرضية ذلك المحك، فحق اليوم، بعد تحقق نبوءته بشكل مقلوب على ما يبدو، أن يتكهن متكهن آخر من كل يا أيها الناس، أن يجازف فيقول:

"النصف الثاني من القرن 21، إما أن يتخلص من هوس الهُـوِيات الإطلاقية الرافضية ،وإمّا أن لا يكون".

 

 

(1)

 

De Fez le regne parviendra à ceux d’Europe

 

Feu leur cité, & lame trenchera :

 

Le grand d’Asie terre & mer à grand troupe,

 

Que bleu, pers, croix à mort dechassera.

انظر هــنــا  

 

 



02/01/2015
2 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres