OrBinah

(En arabe) Jeu de retraite et de charge des élites marocaines en matière de la langue-culture berbère

الكَــــرّ بعد الفـــــرّ،

أو عودة "المنكِرين" الجُدد في باب الأمازيغية

بعد دستور 2011

--------------

 

 

مصطلح "المنكرون" كان يطلق قديما في المغرب على من ينكرون على الناس الكتابة باللغة الأمازيغية حتى ولو كان ذلك في شؤون التربية الدينية؛ مع العلم أن طبقة من الميــسّريـــن للمعرفة في الأوساط الشعبية ممن كانوا معروفين بـ/يد بو-لمازغي/ "أصحاب المازغي" قد تعاقبت منهم أجيال منذ القرن التاسع الميلادي حسب آخر المخطوطات المكتشفة (انظر برونياتيلّي). ومعظم مؤلفات هؤلاء منظوماتٌ باللغة الأمازيغية في شؤون العبادات والتصوف، ويطلق عليها مصطلح /المازغي/ تمييزا لها عن الشعر الغنائي.

ولقد تعاقبت كذلك، موازاة مع ذلك، موجات المنكرين عبر الأجيال في أوساط النخبة، بألوان وأعلام وشعارات مختلفة حسب تبدّل العناصر الفاعلة جيوسياسيا وأيديولوجيا في الظرفية التاريخية، فاختلفت بذلك مرجعيات التُهم، من الوثنية/الكفر إلى الاستعمار/الصهيونية/الأمبرياليّة (الردة الوثنية، أذناب الاستعمار، حفدة اليوطي / الظهير البربري، عملاء الصهيونية والتجزيء الامبريالي ... انظر هـــنــــا-2010). ويتناول هذا النص أوجه تطوّر خطاب المنكرين من وجهه في العصر الوسيط المتأخر إلى أوجهه الحالية.

 

وكمجرد نموذج ملموس قديم لأدبيات التجريح لدى المنكرين (قبل ميلاد الاستعمار والامبريالية والصهيونية)، أسوق "النكتة" الآتية المتعلقة بـالمركب الاسمي /بابا ربّي/، الذي هو اسم الجلال قديما لتسمية الذات الإلهية في الأمازيغية.  تلك  التسمية كانت قد أثارت نقاشا بين بعض مثقفي القرويين و أبي الحسن اليوسي (انظر التاسافتي 1992، ص 80-81)، حيث إن بعض أولئك كان قد قال في بعض المنافرات "الشعبوية" بالتعبير الحديث ما يلي:

إذا كنت في الفردوس جارَ البرابر     *    تحولت رَحلا من نعيم إلى سقّــــر

يقولون للرحمان 'بابا' بزعمهــــم      *    و من قال للرحمان 'بابا' فقد كـفــر

 

فردّ أبو الحسن اليوسي على ذلك القول الذي انتشر كحقيقة دامغة بقوله:

          كفى بك جهلا أن تحن إلى سقّـــرْ      *     بديلا من الفردوس في خير مستقرّْ

          و تجهل معنى مستبينا مجـــــازه       *     لدى كل ذي فهم سليم و ذي نظــر

          فإن أبا الانسان يدعوه أنـــــــــــه      *     كفيل و قيوم رحيم به و  بـــــــــرّ

          ومن قال للرحمان 'بابا' فقد عنى      *     به ذلك المعنى المجازَ و ما كفـــر

.

 

وقد عرفت حركة المنكرين، مع بداية الألفية الحالية، لحظة ارتباك وحرَج، على إثر مبادرة المؤسسة الملكية بإصدار ظهير أجدير حول الثقافة الأمازيغية سنة 2001، فحصل نوع من الفــــــــرّ المرتبك توارى خلاله صوت المنكرين، إذ بلعوا ألسنتهم ارتباكا وجُبناً لمدة عشر سنوات. لكن، مباشرة بعد أن نصّ الدستور سنة 2011 على ترسيم اللغة الأمازيغية (على ما في ذلك ممّا فيه ممّا ليس هنا مكان القول يه) فأصبحت بذلك مسألة القوانين التنظيمية وتفعيل مقتضيات ذلك الدستور شأنا من شؤون ممارسة السياسة العامة، التشريعية والتنفيذية، وجدتْ ألسنة المنكرين ثغورا تتسلل منها من جديد إلى الساحة بدءا من المنابر، بل إن تلك الألسنة قد فُـكّت عقدتها من جديد لإطلاق العنان لأدبيات التجريح الإثني السفيه في المحافل ومن على المنابر (انقر  هــــنـــــا-2016).

  

الشيء الذي دعا إلى العودة إلى هذا الموضوع، الذي سبق أن تناولته مرارا، هو الكثافة التي روّجت بها مواقع التواصل الاجتماعي في نفس الأسبوع من منتصف يناير الحالي (2019) ثلاث وثائق:

 

أ‌-      فيديو أوّل يظهر فيه شاب على منبر ومن ورائه الراية المغربية يستهل كلامه بإعلان انتمائه الإثني إلى الأمازيغ مصرّحا:

"هاتي امازيغ ايد كًيغ نكي، [تصفيقات]،  يمّيس ن-لجانوب شّارقي، مّيس ن-وفوس"؛ ثم انطلق رافعا صوته خاطبا مقعقعا: "باش حتى واحد ما يزايد عليّا فالأمازيغية ... يا نُخبنا المطبّعة، يا نخبنا الساقطة؛ إن العدوّ الصهيوني يريد أن يجعل منا حليفا استراتيجيا للكيان الصهيوني، ماشي باش نعاونوهوم تمّا في فلسطين؛ لا، باش نخرّبو هنا، باش نطردو العرب ونبنيو تامّازغا الكبرى، حليفة إسرائيل ..." (انقر هـــــنـــــا  و هـــــنــــا

 

ب‌-  فيديو ثانِ لأحدهم، تمّ ترويجه وتقاسمه في الشبكات الاجتماعية على نطاق واسع، من باب "وشهد شاهد من أهلها"، وذلك بعنوان "نصيحة يهودي مغربي للحركات الأمازيغية بالمغرب والجزائر"، فيديو يسدي من خلاله صاحبه النصح للأمازيغ كي لا يقعوا في ما وقف عليه شخصيا من خلال تسللاته كما قال، من أن الموصاد يسعى عمليا ومنهجيا إلى تسخير الحركة الأمازيغية تسخيرا صهيونيا (انقر هـــنــــا

 

ت‌-  تدوينة لأحدهم عرّف بنفسه كباحث في إحدى الجامعات المغربية استقصى معارف الأولين والآخرين في علم التاريخ، فلم يجد لكلمة  أمازيغ ومشتقاتها أثرا في أي مصدر من المصادر، وأن البربر هو تسمية القوم الحقيقية بينما الأمازيغة والأمازيغية وسائر المشتقات عبارة عن ابتداع حركي مستحدث.

.

لن أتناول هنا الوجهين المتكاملين "أ"، "ب"، لأنه كان قد سبق لي أن تناولتهما، مبيّنا أن كلّ قوة عالمية أو جهوية فاعلة في ظرفية تاريخية معيّنة تكون لها سياستها الخاصة تجاه مختلف القضايا التي تعتمل في لحظة تاريخية معينة؛ ولا تمثل القضية الأمازيغية هنا استثناء. فقد كانت لفرنسا ولإسبانيا، ثم لهولندا وبلجيكا وبعض دول الشرق الأوسط وإيران وتركيا سياسات خاصة في التعامل مع الحقل السوسيو-سياسي والسوسيو-ثقافي المغربي من وجهة مصالح كل منها، ولا تشكل في ذلك إسرائيل استثناءً (انقــر هــــنــــا-2009). وفي ما يتعلق بفرنسا بالضبط، فقد كانت لها بالفعل سياستها الخاصة في باب الأمازيغ والأمازيغية؛ لكن ليس في ذلك الباب فقط، فقد كانت لها كذلك سياساتها الخاصة تجاه الملكية المخزن وتجاه شيوخ الزوايا وأعيان الحواضر الكبرى وزعماء السهول والجبال وتجاه جامعة القرويين وغير ذلك من المكوّنات والمؤسسات المغربية كما حفظ التاريخ ذلك؛ ولكنّ أيّا من تلك المكوّنات لم يستمد وجوده من تلك السياسة الخاصة لفرنسا، كما أراد أصحاب اللطيف من المنكرين أن يشبهو ذلك للناس.

 

 

ولم يتمّ سَوقُ الأمثلة الثلاثة كواقائع مقصودة في حد ذاتها كوقائع جديدة؛ إنها سيقت كمجرد عيّنات من جنسها في خطاب المنكرين الجدد، بما يطبع هذا الخطاب من عموميات تهويلية تفزيعية، تُنكر جوهر القضية وتردّها إلى مجرد تعامل بعض الأطراف معها، ولا ترقى حتى إلى مستوى خطاب الرواد من المنكرين الجدد، الذي كان، على الأقل، يتوخى التنقيب والتحقيق الصحفي أو الأكاديمي لدعم يقينيّاته المبدئية، كما فعل المرحوم محمد عابد الجابري من أجل تبرير دعوته الشهيرة إلى "إماتة هذه اللهجات" (يقصد الأمازيغية والدارجة اللتين كانت العناية بهما من بين أوجه السياسة الفرنسية الخاصة بالمغرب).

 

وبناء على كل ذلك، سأكتفي، في بقية هذا المقال، ببيان تهافت النموذج الثالث أعلاه "ت" كعينة من أوجه تهافت خطاب المنكرين الجدد، ليس فقط من حيث منهج التوظيف الاستخدامي لوقائع تم التنقيب عنها وانتقاؤها معزولة للالتفاف على الجوهر وتمرير اليقينيات المبدئية، ولكن من حيث الادّعاء المعرفي المجاني المبني على اتخاذ الجهل حُجّة. إنه ادعاء ذلك الجامعي الذي عرّف بنفسه كباحث في إحدى الجامعات المغربية الذي قال إنه استقصى معارف الأولين والآخرين في علم التاريخ، فلم يجد لكلمة  أمــــازيـــــغ ومشتقاتها أثرا في أي مصدر من المصادر، وأن البربر هو تسمية القوم الحقيقية بينما الأمازيغ والأمازيغية وسائر المشتقات عبارة عن ابتداع حركي معاصر. أما أوجه التهافت والأسطرة والتلفيق في كثير من أدبيات الحركة الأمازيغية الحالية  فليس هنا محل العودة إليها إذ كان قد سبق تناولها في أماكن أخرى (انقر هــــنــــا-2012 على سبيل المثال).

 

 

فهذه مقتطفات من أقوال بعض مؤلفي منظومات المازغي (منظومات باللغة الأمازيغية، وجه تاشلحيت، مدونة بالحرف العربي، تحفظ وتروى في الأسواق والمساجد والزوايا والمحافل) في مقدمات منظوماتهم التي تندرج في ما عرف عندهم بأدبيات "المـــــــــازغــــي" (كل شطر مرقم تليه ترجمته) والتي تتحدث جميعا عن اللغة الأمازيغية وعن الأمازيغ، مما لم يجد له الباحث الأكاديمي المعلن عن نفسه إثرا في المصادر:

  

-  براهيم ازناكَـ (توفي: 1597م) في "الرد على المنكرين" (Boogert 1997، ص: 48-49)

 

1..... ماني غ-يلّا لكتاب ينّان ور يزري

            "ين يوجد [يا ترى ذلك] الكتاب الذي يقول بعدم جواز"

2     ا-يمل يان دّين ي-لاقوام س-لـــــــمازغـــي؟

            "أن يعلـّـم الانسان الدين للأقوام بالمازغي؟"

3     كيكَان د-لـّـوغا انغ يفكا لباري

            "فقد وهبنا البارئ عددا هائلا من اللغات"

4     كرا يكَان رّسول د-لوغا نس، ار-يسّ يتّبيان

            " فلكل رسول لسانه يبيّـن به [لقومه]"

5     لعارابي، لـّوغا ن-خاتمو لانبيا

            "[واللسان] العربي هو لغة خاتم الأنبياء"

6     يان يكَان امــــــازيغ يفهم-ت س-لمازغي

            "ومن هو أمازيغي [اللسان] سيفهمه بالمازغي"

 

-       براهيم ازناگـ ؛ توفي: 1597م، (Boogert 1997 :94)

1-    يان ور يزضارن ي-لعارابي اد-تن فهمن،

            "من ليس بوسعه أن يفهم اللغة العربية،"

2-    يغر لمازغي ن-لعوام؛ يلّا گـيسن لبايان

           "فليقرأ المازغي، المعدّ للعموم؛ ففيه بيانٌ"

 

-       الحسن بن براهيم اعروص (حوالي القرن 18م حسب Boogert 1997 :71) في مقدمة ترجمته لكتاب "المرشد المعين" لابن عاشر إلى الأمازيغية:

 

1-    نضمخ لابيات  ن-لمورشيد  س-لكلام  ن-يمازيغن؛

            "لقد قمت بنظم أبيات "المرشد [المعين]" بلسان الأمازيغ؛"

2-    يان-اس يسلّان، يفهم-ت، ور يحتاجّا ما-يس يمّالن

            "كل من يسمعها يفهمها [في الحين]، ولا يحتاج من يبيّن له"

 

-       موحمّاد بن علي اوزال (1680-1749م) في ختام كتاب "الحوض"، (الأبيات 952-953؛ انظر Boogert 1997:40):

1-    لاكا لحامدو، لاكا شّوكرو، ا-لواحيد، ربّي

            "لك الحمد ولك الشكر يا ربـّيَ الأحد"

2-    انغ يكمّـلن لاقواعيد لـّي بدرغ؛

            "الذي [بفضله] أكملت القواعد التي ذكرتها"

3-    يلّان غ-لمازغي-اد؛ يان-ت  يغران يفهمت

                    "والتي يتضمنها هذا المازغي؛ كل من قرأه يفهمه "

4-  لحورما  نّون، ا-يموسلمن، اتامـتّـين ن-نّـابي،

            "أتوسل إليكم، أيها المسلمون، أيا أمة النبي،"

5-  يرگــازن، ولا توتمين، ولا صّيـبيان، اد-يّي تدعوم؛

            "رجالا ونساء وصبية، طالبا أن تدعوا [الله] لي؛"

6-  يان ف-يتـّـغرا كرا غ-لمازغي-اد ينو، يكتي-يّي-د.

            "وأن يذكرني [كل] من قرئ عليه نصيبٌ من هذا المازغي."

7- كيگــان ا-ياد انغ ادّرن لموحبّـين لكتاب

            "كثيرا ما فاتحنا المحبون في شأن كتابٍ

8-  ن-لماوعيضا، يرزّمن يمزگـان، يحيو-د لقلوب

            "للموعظة، يفتح الآذان ويُحيي القلوب،"

9-  س-نّاضم ن-تمازيغت-انّ يفولكين، يگـان لاعجب

            "وذلك بنظم في هذه اللغة الأمازيغية الجميلة الباهرة"

 

-       محمد التيزاغتي. (Boogert 1997: 50)

1-    سّـفلد، ا-يان  يران تّاوحيد ن-لباري

"ألق السمع، أيا من يريد [معرفة] توحيد الخالق"

2-    س-ومازيغ يبيّــنّ، يفولكين باهرا

            "[مبيّـنة] باللسان الأمازيغي المُبين، والرائع جدّا"

 

---------------------------------

-       من أجل التمييز الاصطلاحي بين /بو-لمازغي/ ("ناظم المازغي") و/باب ن-وماركَـ/ "شاعر غنائي"، انظر Boogert 1997 :47).

-       المقتطفات السابقة من مقدّمات المازغي مقتبسة بالنص من كتاب محمد المدلاوي-2012

-       عن الوظيفة السوسيو-ثقافية لطبقة ناظمي المازغي، انظر Elmedlaoui-2016

 

مــــــــــــراجـــع:

-       المدلاوي، محمد (2012) رفع الحجاب عن مغمور الثقافة والآداب؛ مع صياغة لعروضي الأمازيغية والملحون. منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي- الرباط. (جائزة المغرب للكتاب 2012؛ صنف الدراسات اللغوية والأدبية)

Boogert, van den Nico (1995) "Catalogue des manuscrits arabes et berbères du Fond Roux (Aix-en-Provence)". Travaux et Documents de l’IREMAM, n° 18, Aix-en-Provence.

 

Boogert, van den Nico (1997) The Berber Literary Tradition of the Sous ; with an edition and translation of ‘The Ocean of Tears’ by Muhammad Awzal (d. 1749). Nederlands Instituut  voor het Nabije Oosten. Leiden

 

 Elmedlaoui, Mohamed (2016). “La tradition ‘Almazghi’ dans le Sous (Maroc) : caractéristiques linguistiques et fonctions socioculturelles du code". Etudes et Documents Berbères, n° 35-36 (2016). La Boite à Documents. Paris.

 

----------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques



22/01/2019
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres