OrBinah

(En Arabe) De la recherche sur les principe de gouvernement à la recherche des origines de l'arbitraire

من البحث في أصول الحكم إلى البحث عن أصول التحكم

(بمناسبة تجربة ما عرف بالبلوكاج في تشكيل الحكومة بالمغرب سنة 2016)

 

 

لا يحدثنّــني امرؤ أو امرأة بعد اليوم عن مفاهيم من قبيل "التحكم"، "المخزن"، "الدولة العميقة"، أو هذا "المربع الفضي" أو ذاك "المثلث الذهبي" ولا عن بقية الأشكال الهندسية المنتظمة أو غير المنتظمة؛ ولا عمّا يرتبط بذلك في الخطاب السياسي المغربي من أدبيات  "الخروج عن المنهجية الديموقراطية" وما شابه ذلك.

 

التحـــكّــــــم (arbitraire)، كـــمفهوم من مفاهيم في فلسفة الأخلاق والمدينة في علاقته بمفهوم الحرية التي لا ترتدّ إلى مجرد "حرية العبد الآبق" (انظر هـــنــــا؛ ابتداء من فقرة "La philosophie du droit ; l’Etat")، وكـــــروح وسلوك قد يكونان سائدين هنا أو هناك، شيء موجود وليس مجرد عنقاء تذكر ولا توجد (سواء سميت تماسيح أو عفاريت أو غير ذلك من الاستعارات). وهو شيء قائم بالفعل في المغرب إلى حد بعيد.

 

الشيء الوحيد المختلف فيه في شأنه بشكل منهجي بفعل نوعية ذلك الخطاب هو الجواب عن سؤال "أين يكمن التحكم في المغرب؟" ولقد وقفت شخصيا منذ سنين على مرصد من المراصد الأساسية الذي من خلاله يمكن للملاحظ أن يجيب على ذلك السؤال. إنه مرصد الرصيف.

 

لقد بُذل في السنوات الأخيرة مجهود جبار في باب التجهيزات الأساسية ومن بينها تهيئة المجال الحضري في كثير من المدن المغربية وعلى رأسها العاصمة الرباط. ولنأخذ على ذلك مجرد الشارع الرئيسي الذي يخترق العاصمة من قنطرة أبي رقراق إلى مخرج الدار البيضاء، مخترقا فضاءات سكنية وتجارية وإدارية مختلفة وشديدة الكثافة. فقد تم توسيعه وتشويره بإنارة وعلامات وحواجز وممرات تنظيم سيل السير كما تمت تهيئة أرصفته وتزيين فضاءاتها خصوصا ما بين بداية شارع  النصر إلى مخرج الدار البيضاء ... الخ.

 

لكن حاول أيها الراجل أو أيتها الراجلة (شابا كنت أم شيخا، صحيحا معافى كنت أو مريضا يقصد صيديلية أو عيادة أو يخرج منها، خفيفا كنت أم محملا بمتاع أو برضيع، في مهل كنت أم في استعجال، ...)؛ حاول أن تقطع الشارع في المكان الذي خصصه القانون لك باعتبارك راجلا إذا ما كنت أنت نفسك ممن يحترمون قانون السير. النتيجة يعرفها الجميع بالتجربة والممارسة، في ذلك الشارع أو في غيره، وفي العاصمة أو في غيرها.

 

تلك السيارات الشخصية، بمختلف أنواعها وبما تدل عليه نوعيتها من حيث الصف الاجتماعي لأصاحبها، وتلك الطاكسيات التي لا تقف إلا حيث يريد سائقها فيقف حينئذ حيثما اتفق، بعضُها يشهر  "لا تنس ذكر الله" أو "هذا من فضل ربي" أو سبُحة أو لعبة كُليب صغير، أو غير ذلك. وبعضها ينبعث نوافذها الذكر الحكيم أو مواعظ الشيوخ أو غناء الرابّ أو العيطة (بل إني شاهدت يوما سيّدة تصلي "صلاة المسافر على الدابّة" خلف مقودها في موقف ضوء أحمر، ولعنة الله على الكاذبين).

سائقو وسائقات كل تلك العربات يعرفون جيدا قانون السير والمرور. ولكن لسان كل واحد يقول، "أنا مستعجل في أمري، وليلتزم من هو خلفي بتطبيق القانون، المسألة جزئية وهي مسألة ثوان". إنهم يمارسون "حريتهم"، حرية العبد الآبق، أي أنهم مستعبَدون للأهواء، أي ما يسمى بــ"التحكّم" (arbitraire) بالمفهوم المحال على تعريفه أعلاه، أي رفض الانضباط. ففي حالتهم جميعا لا يمكن لأي ملبّس أن يدعي أن خرق القانون "ناتج عن تعليمات من فوق". فخرق القانون خرق وكفى؛ ولا مكان في تحديده لاتجاهيتي الفوقية والتحتية والجانبية.

 

 

ثم إن جميع أولئك السائقين والسائقات (الذين هم أنا وأنتَ وأنتِ وهو وهي ونحن وأنتما وأنتم وأنتن) لهم وظائف في المجتمع تضبطها قوانين وتترتب عن ممارستها مسؤوليات بحكم موقعهم في منظومة المجتمع حسب وظائفهم ومهنهم باختلاف المستويات والقطاعات. تلك المسؤوليات (السوسيو-اجتماعية أو الإدارية أو السياسية) لها بدورها قوانين تنظمها (بقطع النظر عن الأخلاقيات)؛ وكذلك يمكن القول بالنسبة لمسؤوليات الساهرين على سير الأمور، من شرطي المرور العادي إلى المسؤول الأمني السامي. لكن في كل مرة ولحظة من لحظات اختبار المسؤولية ممارسة، يعطي الجميع لذلك الاختبار طابع "الجزئيات الاستثنائية الطارئة" التي يمكن محوها بمجرد "استغفر الله" والتي لا تطعن في المبادئ الدائمة التي يسبح بها الجميع على أساس أن يلتزم بها الغير. ثم إن القوانين أنواع ودرجات (مدني، تجاري، جنائي، إداري، دستوري، قانون الأحزاب، قانون الانتخابات، القوانين الداخلية للأحزاب الخ.). وهنا يقول المثل الفرنسي في النهاية بشأن تلك الجزئيات الاستثنائية "من يسرق بيضة يسرق ثورا" (نقول للتوضيح: "من يخرق قانون السير يخرق القانون الدستوري")؛ إذ ما الفرق بين إرادة ومسؤولية مواطن يتعدى القوانين التي تسهر على أرواح المواطنين في تصريف السير وبين إرادة ومسؤولية المسؤول السامي (على جميع الأصعدة وفي مختلف القطاعات) الذي يتعدى ما تسطر له القوانين في فضاء عمله؟. 

فـما الفرقُ بين من يقوم يوميا، كما يتنفس الهواء، بخروقات ينجم عن مجملها يوميا بشكل مباشر وملموس إزهاق ما معدله ثمانية أرواح في اليوم سنة 2015 وبين من يقوم من حين لآخر بخرق مادة دستورية أو قانون تنظيمي أو قانون إداري أو تجاري يترتب عنه هضم حق عام أو خاص، فلا يجد في ضميره الأخلاقي، حتّى وأن ثبت عليه الأمر، ما يجعله يُقبل ليس على غاية أن يُقدِم على ما أقدم عليه الوزير الأول الفرنسي السابق بيير بيريكوفوا مثلا من وضع حدّ لحياته بسبب ما حام حوله من شكوك الاستفادة من بعض القروض بدون فائدة لا تتعدى ثمن شقة في الدائرة 16 بباريس في الوقت الذي جعل من "محاربة الفساد" (Lutte anti-corruption) حصان برنامجه الحكومي، ولكن أن يقدم فقط على تقديم استقالته وحجب "كمّارته"؟ ثم انظر هـــــنـــــا من جانب آخر نيكولا ساركوزي، الرئيس الفرنسي السابق، وقد أوقفه شرطي مرور في ممارسة عادية لموسؤولية هذا الأخير ودون حاجة إلى تعليمات، فطلب منه النزول من على دراجته أمام المارّة في ممرّ غير مسموح به. 

 

 

 

فالتأهل أو عدم التأهل للديموقراطية، بدرجة من الدرجات إذن، أمر جدليّ جمعيّ كُـلـّي، ولا يصحّ الحُكم على مدى توفره أم لا بالبحث عن سبـبـيّات اتجاهية لانهائية يطغى عليها، في الفكر الشعبوي، تصوّرُ السببية الفوقية على سبيل تصدير المسؤلية. ولذلك يرى فلاسفة أخلاق المدينة أن أهون الشر والحد الأدنى من الصلاح حيثما وحينما يغلب ويطغى التحكّم على روح المجتمع، بما يطبع ذلك من جنوح الجميع إلى العنف ضد الجميع (ومثال حق السير مجرد مثال بسيط ملموس) هو أن يتمّ احتكار العنف والتحكم من طرف مؤسّـسة الدولة. وبقدرما يتربّي الأفراد على الانضباط للقوانين التي يسنها ممثلوهم الذين ينتدبونهم لمهمة التشريع، بقدرما يزول عمليا طابعُ احتكار العنف، بل يزول طابع العنف عن ممارسة الحكم بزوال أخلاقية الأهواء التحكـّـم. إذ الحكم حينئذ يصبح حكما وضعيا وموضوعيا ومؤسّسيا، لا حكما عن طريق تغليب إرادات ذاتية على أخرى أكثر ذاتية؛ ذلك هو الحكم المؤسسي في دولة المؤسسات.

وهذا نص قصير حول فكر موسي مانديلسون في هذا الباب، يوضح ذلك (انظر هـــنـــــا؛ القسم-4 "عودة إلى الدولة والدين والأخلاق").

 

 

خــــلاصــــــــة

على كل من لم يقتنع بهذه "النظرية الجهنمية" وبهذا "التحليل" المغرق في السطحية والبعيد عن الفلسفة وعن علوم السياسة أن يستعرض ويعاين بالتجربة العلاقة القائمة، في مختلف البلدان، ما بين درجة الديموقراطية/الحرية التي تم بلوغها ونوعية حالة السير والمرور في مدنها والانضباط في الصف في شبابيكها؛ وذلك من ديموقراطية اسبانيا إلى ديموقراطية البلدن السكاندينافية مرورا بديموقراطية فرنسا مثلا.

-----

 

نصان سابقان مكمّلان:

 

1- "الحكومة والحُكم والتحكّم في قاموس التحليل السياسي" (يوليوز 2016)

 

https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-trinite-postmoderniste-dans-la-conception-de-larchitecture-de-letat-marocain

 

 

 

2-  "روح الحرية والديموقراطية والقانون في مقابل روح الاعتباطية المزاجية" (سبتمبر 2016)

https://orbinah.blog4ever.com/en-arabe-de-l-esprit-de-liberte-de-democratie-et-des-lois-vs-l-arbitraire

 

 

 

--------------

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques

 



02/01/2017
0 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres