OrBinah

(En arabe) Témoignage à l'égard de Mostapha Ben Hamza

شهادة شخصية في حق الأستاذ مصطفى بنحمزة

(بمناسبة بعض ما راج في أواخر فبراير 2016)

 

تردّدتُ كثيرا في أمر تناول موضوع ما أثير حول شريط الأستاذ مصطفى بنحمزة حول قيم اللغة والثقافة الأمازيغيتين، نظرا لأن موضوع المسألة الأمازيغية، أصبح بالنسبة للكثير أكثر الخطاطات المستعملة للتصنيف السهل، وأكثر المطايا تفضيلا من أجل ممارسة مختلف أنواع الركوب السياسوي وليس لممارسة السياسة التي هي أمر مرغوب فيه. كل ما قمت به منذ اليوم الأول الذي ألقي فيه بالشريط الصوتي المذكور في ساحة المواقع الاجتماعية هو التعليق على أول إلقاء به أصادفه يوم 24 فبراير في سوق الفايسبوك بما يلي، كما لا يزال موثقا بتاريخه في حبل تسلسل تعليقاتي في ذلك الفضاء:

[أعتقد أن هذا التسجيل يعود إلى بداية التسعينات من القرن العشرين. وكان قد كُتِب حوله في صحافة الوقت. على كل حال فقد كان ذلك لسان حال كثير من الناس سواء عُـبّر عنه في منبر ناطق أو مكتوب أم لم يُعبّر عنه. الشيء غير السليم هو أن يتخذ التعبير عن ذلك الفهم حلقات الوعظ الديني منبرا له، وباللسان العربي الدارج الموجه إلى العامة، في نفس الوقت الذي يتم فيه ربط كل الفضيلة والصلاح بسجلّ العربية الفصحى في ربط جوهري لذلك السجلّ بجوهر الدين].

 

ذلك ما أودّ إعادة التأكيد عليه بشيء من التفصيل من خلال هذه الشهادة بعد أن أكد الأستاذ بنحمزة بنفسه جانبه التحقيقي الكرونولوجي (انظر هــــنــــا). وإني لأشتم شخصيا في إعادة تحميض وتحيين ذلك الشريط اليوم ليس رائحة الحرص على تفعيل التقدم الذي حصل في العشرين سنة الأخيرة في مجال الوعي الثقافي والحقوقي المغربي عامة، الذي تُوج بالتوافق ثم بالتصويت على دستور 2011 والمضيّ في تنزيله، ولكن رائحة مجرد استغلال سياسوي انتهازي ظرفي يتخذ من القضايا ذوات الحساسيات المختلفة وقودا للتدافع السياسوي بدل أن يتخذ من تلك القضايا ميادين للتنافس في التقدم بها نحو الأمام.

أعرف شخصيا الأستاذ بنحمزة منذ أن جمعتنا شعبة اللغة العربية بكلية وجدة سنة 1978 ثم شعبة الدراسات الإسلامية بعد سنوات قليلة منذ ذلك، حيث كان يدرس النحو وعلوم الدين إضافة إلى أنشطته الوعظية والاجتماعية خارج المؤسسة ثم في إطار مؤسسات التأطير الديني، بينما كنت أدرس فقه اللغة ثم اللسانيات ثم اللغة العبرانية إضافة إلى مهامي على رأس المكتب النقابي (1979-1985). خلال كل المدة التي جمعتنا مهنيا (1978-2002) في نفس المؤسسة، كان التقدير المتبادل هو السائد بيننا رغم اختلاف مشاربنا الفكرية في بعض القضايا على بعض المستويات؛ ولم أختلف مع الأستاذ بنحمزة عبر اجتماعات الشعبتين، واجتماعات النقابة، واجتماعات اللجن الظرفية المختلفة، سوى مرة واحدة خلال أعمال إحدى اللجن التحضيرية، وذلك حول دعوة أو عدم دعوة المرحوم مولود معمري للمشاركة في إحدى الندوات (انظر هــــنــــا). لكن سرعان ما تمّ تجاوز ذلك الخلاف في نفس الجلسة، فاستمرّت الإعدادات التنظيمية في طريقها العادي.

غير أن بعض المتحمّسين المتزلـّـفين من ضعاف النفوس الذين لا يقوون على القيام بالذات في الحياة، والذين يتخذون من إشهار المشايعة لهذا الطرف أو ذاك، حسب تقلب الظرفيات وتطوّر مشوار الحياة، سبيلا لتحقيق الذاتيات المختلفة عبر القفز على شعارات الوقت، قد اتخذوا من ذلك الحادث العادي مناسبة للشروع في تشكيل تكتّل داخل المؤسسة ركبت حينئذ على جوّ الاستقواء الذي هبّ على المنطقة في أوج حركة الشيخ عباسي مدني في ذلك الوقت بالقطر المجاور فشبه لعناصر ذلك التكتل أن الحقبة قد رشحتهم ليصبحوا صانعي التاريخ، فشرعوا تيدشّين حركية ما كان قد أسماه نشطاؤهم بـ"أسلمة البرامج" داخل المؤسسة الجامعية. وبذلك انطلقت عمليات كواليسية خارج مقرات المؤسسة للتحكم في مضامين مواد التدريس وتوزيعها توزيعا جديدا على المُسنَدة إليهم، وإعادة نشر هؤلاء المكلـّـفين ما بين شعب المؤسسة (عربية، دراسات إسلامية، اجتماعيات، لغات أجنبية) بشكل يمكّن في النهاية أولئك النشطاء من التحكم في جُماع المؤسسة (كان ذلك سببا في 'إضرابي' الفردي عن العمل لمدة طويلة رغم أن المسؤول عن المؤسسة كان يهدد بإرسال ما يسمى "أبونضون دو بّوصط"). وقد عكست صحافة الوقت حينئذ كل ذلك بعد أن توترت أجواء المؤسسة وأصبحت لها تداعيات تتجاوز المستوى التربوي إلى ما هو سياسي وحتى أمني. وقد أدى كل ذلك إلى حصول تقاطب حادّ جد معرقل على مستوى الأداء التربوي بين فريقين اثنين كنت ضمن أحدهم الذي يمثل الأقلية (إلى جانب الأساتذة مصطفى الغديري، محمد الشامي، المسعودي الهاشمي، عبد الرحمان بوعلي، عبد الحكم عصامي، وموسى أغربي)، وكاد ذلك التقاطب أن يفضي إلى تطورات ما كان لتُحمد عقباها، كما كان بعد ذلك بأشهر من بين أسباب إعفاء المسؤول الأول للمؤسسة في النصف الأول من التسعينات الماضية.

وأتذكر بهذا الصدد، أنه حصل ذات يوم، في أوج ذلك التوتّر، أنه بينما كنت مترجّلا نحو المؤسسة، كعادتي التي عُرفت بها، إذ بالأستاذ بنحمزة يوقف سيارته بجانبي رغم معرفته أنني أفضل المشي، فصعدت إلى السيارة. وهناك أثرنا الوضعية بدون مراوغة من أحد منّا، فاتفقنا على عقد لقاء.

خلال ذلك اللقاء الذي تم في الغداة، عرضت على الأستاذ نظرتي وفهمي وتقديري لما يجري. وأتذكر أنني قلت له ما مفاده أن طبيعة المواجهة والاتجاه الذي تتدرّج نحوه الأمور وتسير فيه ليس في صالح أي طرف، وأن من شأن عواقب المضيّ في ذلك الاتجاه من جانب الطرفين أن تجعل الأمور تنفلت من المنخرطين في لعبته، وأن أسلم السبل هو عودة الطرفين بالشأن التربوي مضمونا وتدبيرا داخل الشعب إلى أصله الذي كان عليه من قبل؛ فكان للأستاذ نفس التقدير والتقويم للأمور. وكان لذلك مفعول مباشر على التو في الميدان، وكان ذلك بداية ذوبان ذلك الجليد الملتهب على ذلك المستوى في ذلك الفضاء المحدود في حد ذاته وذي دلالات أكبر منه في ظرفيته؛ فاستعادت المؤسسة بفضل ذلك عافيتها، وكان المسؤول عنها حينئذ هو كبش الفداء.

أعتقد شخصيا، إذا ما سمحت لنفسي بفضول تقدير شخصيّ للأمور على مستوى لا شأن لي به، أن الأستاذ بنحمزة يمثل، في قطاع عمله ونشاطه، عبقريةَ محيطه المحلي والجهوي والوطني؛ وأنه ويقوم على ذلك المستوى بوظيفةِ موازنةٍ سوسيو-ثقافية ليس الجميع مؤهلا، من حيث التكوين والسلوك والتجربة، للنجاح في إقامتها. أما تفاصيل تطور القناعات حول القضايا المختلفة، التي يطور المغرب بشأنها وعيه منذ عقدين من الزمن (المدونة، الأمازيغية، الخ.)، فليس الأستاذ بنحمزة هو الوحيد الذي كانت له بشأنها تصوراتٌ خاصة مبنية ليس على الابتداع الشخصي الذاتي، ولكن على ما كانت توفره مراجع رصيد الفكر المغربي ومؤسسات التربية والتكوين والإعلام من مضامين بالنسبة لجيلنا

 

فإذ من المسلـّم به بداهة أن الأجيال تتوالد ويخلِـف الخلفُ منها السلف، فكذلك الحياة الفكرية والشعورية للفرد الواحد، تشكل بدورها لدينا جميعا ما يناظر أجيالا فكرية وشعورية للفرد الواحد لا يتقبل ويتحمل تعارضاتِها وتناقضاتِها سوى غير ذوي الانفصام وغير الأفاكين على أنفسهم أنفسهم قبل غيرهم. ثم إن أخذ الفرد منّا جميعا، في مسار تطويره لوعيه بما كان من حالة سالف ذلك الوعي لهو بمثابة معاقبة خلف الأحفاد بما فعل سلف الأجداد على شريعة "العهد القديم". أي أنه، إذا ما أصبح الجميع اليوم يطوّر تصوراته بشأن مثل تلك القضايا المذكورة نحو ما هو أقرب إلى الصحّة والملاءمة، بفضل تطور الاتجاه المؤسسي، وبموازاة مع ذلك التطور وتدعيما له على مستوى التصور والممارسة، فلا أرى في الهدف من إعادة النبش في تصورات جيل كامل من الزمن في حياة الفرد وإشهار ما يعبر عن تلك التصورات وترويجه بشكل مفاجئ منهجيّ ولافت، سواء بالنسبة لهذا الشخص، أو لتلك المنظمة أو المؤسسة، سوى رغبة من يقبل على ذلك في استدامة سَجن الناس في ذهنية الإطلاقية والدوغمائية، رغبة في الإبقاء على التأجيج والاقتيات على لهيبه باتخاذ القضايا النبيلة وقودا للتدافع السياسوي.

 

إن الوجه السليم للتعامل مع جميع الانزلاقات هو الوقوف عندها في حينها وتحميل المسؤوليات في حينها وليس التستر عليها والاحتفاظ بها للاستخدام السياسوي في المناسبات والاستحقاقيات. ولقد قمت شخصيا بتتبع مثل تلك المنزلقات، كلّا منها في حينه، وبما يعطيه معنى ومسؤولية في غمرة الأحداث، واتخذت منها موقفا بما أراه مناسبا دون مواربة؛ وذلك سواء تعلق الأمر بفقيه أو داعية أو نائب أو زعيم سياسي أو مسؤول حكومي أو غيرهم (انظر تركيبا لكل ذلك هــــنـــا)

 

 

فإذا كان الكثير الكثير من القادة التاريخيين القدامى للحركة الأمازيغية مثلا قد أعادوا ولادتهم من رحم فكر ستيني سبعيني تتداخل فيه عناصر حلم قومي بتحقيق "وحدة عربية من الخليج إلى المحيط" عبر خطوة إزالة "رأس جسر الأمبيريالية العالمية" المتمثل في "دويلة إسرائيل الصهيونية"، وذلك بقيادة حزب وحيد تتنازع تجسيده "الناصرية" وشعبتا "البعث"تداخلا هلاميا مع عناصر حلم تحقيق حلم "ديكتاتورية البروليتارية " في إطار "أممي"، فإن كثيرا من قادة الحزب الذي يقود الائتلاف الحكومي اليوم مع بعض الشيوعيين القدامى وغيرهم انطلاقا مما أسفرت عنه صناديق الاقتراع، قد أعادو ولادتهم بدورهم من رحم سديم من الحركات التي كانت تحلم، من خلال أساليبها التنظيمية وما تنتجه من خطاب، بإقامة دولة أمة إسلامية لا تعترف بالأوطان، ودستورها هو القرآن على "نهج السلف"، وتعتبر قيم الديموقراطية وآلياتها التناوبية وأساليبها الانتخابية بضاعة غربية حراما. وإذا ما كان للمؤرخ أن ينبش بالنسبة لإولئك ولهؤلاء عن حفريات تلك الأمور، فإن تلك الأمور تبقى ذات معاني تاريخية، ولا يصح أن تُتّخذ أدواتٍ لممارسة السياسة.

 

وبمعنى آخرى أكثر ملموسية، حتى إذا ما أخذ طرف على طرف آخر ما قد يعتبره الطرف الأول خطأ أو استفزارا سياسيا في باب من أبواب ظرفية التدافع السياسي الجاري، فليس من باب العمل على تفعيل إحلال الأمازيغية المكانةَ التي بوّأها إياها الدستور في المعمارية المتوافق عليها في إعادة تصور عناصر الهوية الوطنية أن يتخذ من شعار تلك اللغة بما تحمله من تقافة خرقة وفزاعة يُفحَم بالتلويح بها كل من يُعتبر خصما لطرف من الأطراف، بشكل يجعل في النهاية من القضية مجرد شعار مزايدة للابتزاز والإفحام والإسكات كما حصل مع المزايدة بشعار التعريب الذي لوّح به الجميع ضد الجميع لعدة عقود في العلن، وتنكر له الجميع في السر من خلال توجيه ذرية من استطاع إلى ذلك سبيلا نحو الجامعات الغربية في أوروبا، غربيّها وشرقيّها ثم في أمريكا، إلى أن اكتشف الجميع أن الجميع ينافق الجميع، وأن الخاسر الأكبر هو مجمل الوطن من خلال شرائحه العريضة.

 

 

خـــلاصـــــة

 

تلخيص معنى ومغزى كل هذا، في الأخير، هو أن كل من ينبش مثل هذه المواقف المنتمية إلى الماضي ويروّجها، وكل من ينقض عليها بالرد السجالي عليها مستخدما إياها في التعاطي الحالي مع موضوعها في غير تحقّق من كرونولوجيتها أو في تغاضٍ متعمّد عن تلك الكرونولوجية، إنما يستغبي المواطنين ويدفع بالقضية نحو حالة التسميم. صحيح أن الماضي لم يجعل لكي يدفنَ ويُمحى ليظل عقدة كبْت جمعي يزعزع التوازن السويّ؛ لكن ذلك الماضي لم يُجعل كذلك ليسكُـن الفرقاء ويستبدّ بهم استبدادا وسواسيا فيحجبَ عنهم سُبل الحاضرَ والمستقبلَ. ففي اللحظات الكبرى، وبعد لحظة المراجعات وتحميل المسؤوليات، تجُبّ التحولات الكبرى في باب السياسية، وحتى في باب العدالة، ما قبلها، في التعاطي مع شؤون الحاضر على أسسه الجديدة؛ ويُترك الماضي ليتكفل المؤرخون بإعادة رسم معالمه ليستلهمها الجميع في إدارة التجربة الحية على هدي المعطيات والقيم الجديدة.

 

وفي هذا الصدد دائما، وفي علاقة بملف الأمازيغية بالضبط، لكن على المستوى الرسمي هذه المرة، يختم الأستاذ الصافي على مومن، العضو السابق بالمجلس الإداري لمعهد الإركام، ورقة عممها على التو (بداية مارس 2016) تحت عنوان "سرّ تعرقُل تفعيل ترسيم الأمازيغية" بما يلي، في إشارة مقارنة منه إلى الحملة الانتخابية الجارية للحزب الديموقراطي بالولايات المتحدة، الذي يعتمد اليوم إلى حد كبير على أصوات الأمريكيين السود:

 

[[هذه الإجابة في ما اعتقد  تبدو مردودة وغير سليمة من وجهين :

 

- الاول أن تصويت شعبنا كله بالإجماع على دستور 2011، قد  جبّ ما قبله، مثلما كان اعتناق الإسلام في السابق يجب ما قبله من كفر؛

 

- اما الوجه الثاني فانه، كما لا يُحاسب الحزب الديموقراطي الأمريكي حاليا، على مواقفه السلبية السابقة من قضية مكافحة الرق، التي كان ضدها، فلا يمكن كذلك محاسبة أيّ كان على مواقفه السلبية السابقة إزاء الأمازيغية.]]

 

 

محمد المدلاوي

https://orbinah.blog4ever.com/m-elmedlaoui-publications-academiques

 



02/03/2016
5 Poster un commentaire

Inscrivez-vous au blog

Soyez prévenu par email des prochaines mises à jour

Rejoignez les 343 autres membres